
"كتائب حزب الله" تقتل شرطياً عراقياً ومدنياً في بغداد

اندلعت الاشتباك عندما تم عزل مسؤول يحظى بدعم "كتائب حزب الله" من منصب مربح، كان يمنح هذه الجماعة المصنفة إرهابيةً إمكانية الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في جنوب بغداد.
في 27 تموز/يوليو، اشتبكت وحدة تابعة لـ" كتائب حزب الله" الإرهابية المدعومة من قبل إيران، والمصنفة كجماعة ارهابية من قبل الولايات المتحدة، مع قوات الأمن العراقية في حي السيدية جنوب غرب بغداد، مما أسفر عن إصابة عدة أفراد من قوات الأمن ومقتل ضابط شرطة ومدني (الشكل 1). كما أظهرت لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مقاتلين يرتدون عتاد تكتيكي قياسي مرتبط عادة بـ"قوات الحشد الشعبي" ويستخدمون شاحنات صغيرة مزودة برشاشات ثقيلة (الشكل 2).
أكدت قيادة العمليات المشتركة العراقية في وقت لاحق اعتقال 14 شخصاً بتهمة المشاركة في الاشتباكات، مشيرة إلى أن بعضهم ينتمي إلى اللواءين 45 و46 التابعين لـ"قوات الحشد الشعبي"، وكلاهما معروف بانتمائه إلى "كتائب حزب الله". جرت الاعتقالات في مقر تابع لـ" كتائب حزب الله" في حي السيدية، إلا أن ثلاثة عشر من المعتقلين كانوا مجرد حراس منازل أو مارة، ولم يُعتقل سوى شخص واحد متورط فعلياً في حادث إطلاق النار. ومع ذلك، استدعت هذه الحادثة المحدودة تدخلات مشتركة من قاضٍ تابع لـ"قوات الحشد الشعبي"، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري. علاوة على ذلك، قد يُفرج عن مطلق النار الوحيد المعتقل حالياً إذا مارست قيادة "الحشد الشعبي" ضغطاً كافياً، كما حدث عندما تفادت الجماعة العقاب في قضية مقتل المحلل البارز هشام الهاشمي في حزيران/يونيو 2020.
الميليشيات الإرهابية تبني إمبراطوريات زراعية
اندلعت المواجهة عقب إقالة إياد كاظم علي، المرتبط بـ"كتائب حزب الله"، من منصبه كمدير للزراعة في منطقة الكرخ ببغداد (أي رئيس مكتب وزارة الزراعة في النصف الغربي من العاصمة). وعندما بلغه قرار الإقالة، طلب دعم رعاته في "كتائب حزب الله"، ما أدى إلى اندلاع اشتباك عنيف مع القوات الحكومية.
يبدو أن ما حدث يُعد مثالاً على تحوّل التنافس بين الميليشيات إلى مواجهة عنيفة، حيث نشطت "كتائب حزب الله" بشكل كبير في استغلال المسؤولين الحكوميين لضمان الوصول إلى الأراضي الزراعية الخصبة والمرويّة جيداً جنوب بغداد، لا سيّما في منطقتي المحمودية والمدائن. وفي المقابل، كانت الجماعة تعرض "الحماية مقابل الخدمات" على مسؤولين رفيعي المستوى، من بينهم محافظ بغداد والمناطق المحيطة بها. في عام 2023، كُشف عن تورط أبو زينب اللامي (اسمه الحقيقي حسين فالح اللامي)، أحد كبار مسؤولي "كتائب حزب الله"، في سرقة ممتلكات كبيرة في بغداد أثناء توليه منصب رئيس مديرية الأمن المركزي في "قوات الحشد الشعبي". ويبدو أن الإمبراطورية الزراعية التي اسستها "كتائب حزب الله" - التي بدأت في عام 2014 بالاستيلاء على منطقة جرف الصخر بأكملها وتهجير سكانها - قد أثارت حفيظة شبل الزايدي، وهو شخصية إرهابية صنّفتها الولايات المتحدة، ويُعد لاعباً رئيسياً آخر في الزراعة جنوب بغداد. أسس الزايدي جماعة "كتائب الإمام علي " (اللواء 40 من قوات الحشد الشعبي) المصنفة من قبل الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، والتي ترتبط بعلاقات رعاية بـ"حزب الله" اللبناني ولها سجل حافل بالانتصارات في صراعات الميليشيات في المناطق المحيطة بمحافظة واسط، مسقط رأسه، بما في ذلك حي المدائن.
التداعيات على "كتائب حزب الله" و"قوات الحشد الشعبي".
أثار مقتل الشرطي على يد الميليشيات ردود فعل واسعة النطاق في الأوساط السياسية والأمنية العراقية. وأصدرت فرقة العباس القتالية، وهي "وحدة مزار" (العتبات) المقربة من آية الله العظمى علي السيستاني، على الفور بياناً شديد اللهجة أدانت فيه الاشتباكات واستنكرت استخدام القوة ضد مؤسسات الدولة، مضيفةً: "نعتقد أن الوقت قد حان لاستعادة هيبة الدولة بحزم، ومنع أي فوضى من شأنها تهديد استقرار البلاد والسلم الأهلي." ولم يذكر البيان أسماء الوحدات التابعة لـ"قوات الحشد الشعبي" التي شاركت في الاشتباكات، وربما جاء ذلك لتجنب التصعيد المباشر.
من جهة اخرى، أدان "الإطار التنسيقي"، وهو ائتلاف القيادات الشيعية الذي يشرف على الفصائل السياسية للميليشيات، الهجوم في بيان صدر في 27 تموز/يوليو، ووصفه بأنه "انتهاك للقانون وخروج عن سلطة الدولة وقواعدها". أما بيان "هيئة الحشد الشعبي"، فقد كان أكثر تحفظاً وغموضاً، إذ اكتفى بالقول إنها "لن تتسامح مع أي فرد ينتهك الأوامر أو يخالف بروتوكولات الأمن المعمول بها" (الشكل 3)، من دون أن تشير صراحة إلى الألوية التي شاركت في الاشتباكات أو حتى إلى الحادث نفسه.
في غضون ذلك، أصدر حسين مؤنس، زعيم الجناح السياسي لـ"كتائب حزب الله "، بياناً استفزازياً ومراوغاً. ففي حين أدان البيان الاشتباكات، لم يدين مقاتلي "كتائب حزب الله" المتورطين أو يعترف بدورهم في الهجوم. كما انتقد قيادة العمليات المشتركة بسبب "التسرع" في إصدار بيان يذكر أسماء الألوية التابعة لـ "كتائب حزب الله"، وحذر من "أولئك الذين يستغلون البيانات الرسمية، التي غالباً ما تصدر على عجل قبل الانتهاء من التحقيقات الرسمية، للتصيد في المياه العكرة" (الشكل 4).
يؤكد هذا الحادث وعواقبه على حجم الأضرار الجسيمة التي ألحقتها الميليشيات المدعومة من إيران بالنظام العراقي. فمساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة ببغداد تُنقل إلى أيديهم، وتُعد مصدراً رئيسياً لتمويل أنشطتهم الإرهابية، وهو أمر بالغ الأهمية إلى درجة أن ميليشيات إرهابية أخرى تسعى إلى لعب دور في فضح "كتائب حزب الله". في الوقت نفسه، فإن وزارة الداخلية - معقل منظمة بدر المدعومة من إيران - ضعيفة إلى حد تفتقر فيه إلى الثقة اللازمة لاعتقال قتلة شرطي وسط بغداد، وتحتاج إلى دعم من "قوات الحشد الشعبي" نفسها لإجراء اعتقالات رمزية لأفراد لم يكونوا حتى متورطين في القتل. على الرغم من تصاعد الانتقادات للحادث، فإن الشخصية العامة الوحيدة المستعدة للتحدث بثقة مطلقة هي حسين مؤنس، العضو البارز في "كتائب حزب الله"، الذي يستطيع تهديد أي مؤسسة حكومية تجرؤ على فضح اللواءات التابعة لـ "الحشد الشعبي".
هذه ليست المرة الأولى التي تُطلق فيها الميليشيات المدعومة من إيران والمرتبطة بـ"الإطار التنسيقي" على الشرطة العراقية وترهبها. ورغم مأساويته، يحمل الحادث الأخير بوادر مقاومة لـ"كتائب حزب الله" والميليشيات الإرهابية الأخرى المدعومة من إيران. وإذا أرادت القيادة الوطنية تحويل هذه البوادر الواعدة إلى واقع، فعليها أن تدعم الجيش ووزارة الداخلية بكل حزم لضمان محاسبة قتلة الشرطي بشكل عادل.