- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
من انتصر في الحرب؟
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"
في ظل استمرار تسليح "حماس"، وسيطرتها على ما يقرب من نصف القطاع، وحصدها إنجازات دبلوماسية مهمة، يصبح من الصعب تحديد المنتصر في غزة.
عندما يلتقي الرئيس ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة السادسة هذا العام في 29 كانون الأول/ ديسمبر، ينبغي على الزعيمين أن يطرحَا على نفسيهما سؤالاً يعتقدان أنه قد حُسم بالفعل: من انتصر في الحرب بين "حماس" وإسرائيل؟ عندما زار ترامب القدس في تشرين الأول/أكتوبر، أعلن أن إسرائيل هي المنتصرة قائلاً: "لقد انتصرتم"، أمام البرلمان الإسرائيلي. لكن قادة "حماس" وصفوا الحرب بأنها فشل لإسرائيل و"انتصار للمقاومة والصمود ". وبعد ثلاثة أشهر من وقف إطلاق النار، لا تزال الإجابة غير بسيطة. ففي حين عانى الشعب الفلسطيني في غزة من خسائر فادحة، لم تخسر "حماس" نفسها، على الأقل حتى الآن.
هذا الأمر واضح، فمن بين أهداف إسرائيل الخمسة للحرب، التي حددها نتنياهو عندما وقف بجانب ترامب في البيت الأبيض في 29 أيلول/سبتمبر، لم يتحقق سوى هدفين فقط، هما العودة شبه المعجزة للرهائن الإسرائيليين الناجين، وإنشاء منطقة عازلة واسعة النطاق للجيش الإسرائيلي داخل غزة لمنع هجوم آخر على غرار هجوم 7 أكتوبر. ولم تحقق إسرائيل أياً من الأهداف الثلاثة الأخرى للحرب، ولا يبدو أن أياً منها في الأفق: نزع سلاح "حماس"، ونزع السلاح من غزة، وإنشاء إدارة مدنية سلمية بقيادة فلسطينية لحكم غزة بأكملها.
لذلك فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً على المدى القريب لغزة هو أن الغد سيكون مشابهاً جداً لليومأ لاسيما إذا استمرار الوضع المؤقت الذي تسيطر فيه القوات الإسرائيلية على ما يزيد قليلاً على نصف غزة، مع نحو 15 في المئة من السكان، بينما تسيطر بقايا "حماس" على شريط أصغر قليلاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويقطنه نحو 85 في المئة من السكان. وكما قال قائد الجيش الإسرائيلي مؤخراً، فإن ما يسمى بـ"الخط الأصفر" الذي يفصل بين المنطقتين هو "خط حدودي جديد ".
في هذه البيئة، لا توجد خطط عملية لأي جيش خارجي لنزع سلاح قوة "حماس" التي لا تزال قوية وتضم نحو 20 ألف عنصر،وذلك رغم أن نزع سلاح "حماس" يشكل مفتاح التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار المؤلف من 20 نقطة الذي اقترحه ترامب. والمرشحان الوحيدان الواقعيان لهذه المهمة الصعبة هما القوات الإسرائيلية والشرطة الفلسطينية، وكلاهما لا يعد خياراً جاداً، على الأقل في المدى القريب.
من غير المرجح أن تشن إسرائيل، التي أرهقتها الحرب، عملية كبرى لنزع سلاح "حماس" من شأنها أن تؤدى إلى انهيار وقف إطلاق النار، وستفضل بدلاً من ذلك القيام بدوريات في الجزء الذي تسيطر عليه من غزة، ومنع "حماس" من محاولات إعادة التزويد غير المشروعة والهجمات السريعة. أما بالنسبة للشرطة الفلسطينية، فإن فكرة تدريب قوة فعالة تابعة لـ"السلطة الفلسطينية" جاءت متأخرة بشكل مؤسف عن الجدول الزمني المحدد، وحتى لو كانت موجودة، فإن نتنياهو يعارض منذ فترة طويلة نشرها.
من المؤكد أن إسرائيل حققت نجاحات إضافية خلال الحرب. وتشمل هذه النجاحات منع اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية والحفاظ على جميع معاهدات السلام الإقليمية، على الرغم من الغضب العربي الواسع النطاق من تكتيكاتها في غزة. كما أن احتفاظ إسرائيل بدعم حليفها الرئيسي، الولايات المتحدة، في ظل إدارتي بايدن وترامب المختلفتين تماماً، ليس إنجازاً صغيراً.
لكن لكل من هذه الإنجازات الإسرائيلية جانبها المظلم، ابتداءً بتفاقم البرودة في علاقات إسرائيل مع جميع شركائها العرب في السلام، مروراً بتقليص الدعم الذي تحظى به إسرائيل داخل أجزاء من كلا الحزبين السياسيين الأمريكيين. ومن السابق لأوانه تحديد أي الاتجاهات – الإيجابية أم السلبية – ستكون الأكثر تأثيراً.
على الجانب الفلسطيني، عانى سكان غزة العاديون من خسائر لا حصر لها خلال الحرب، بما في ذلك مقتل أو إصابة أكثر من 5 في المئة من السكان، وتدمير القطاع، وتشريد جميع الفلسطينيين في غزة تقريباً. لكن يبدو أن "حماس"، التي اعتمدت استراتيجيتها المنحرفة على زيادة عدد الضحايا المدنيين إلى أقصى حد، لم تتكترث بذلك. لذا، تبدو نتائج "حماس" الساخرة بعد الحرب مشرقة نسبياً. فـ"حماس" لم تنجو فقط كقوة عسكرية وهيئة حاكمة في مواجهة جيش إسرائيلي متحرك بالكامل، بل لا تزال تسيطر على ما يقرب من نصف غزة بعد عامين من الهجوم المضاد الشرس الذي شنته إسرائيل بعد 7 أكتوبر.
علاوة على ذلك، لدى "حماس" أسباب وجيهة للاعتقاد بأنها أصبحت الآن لاعباً دبلوماسياً مقبولاً في المنطقة. ففي النهاية، التقى قادتها لأول مرة وجهاً لوجه مع كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، كما خرجت تركيا وقطر، الراعيان التقليديان لـ"حماس"، من الحرب كشريكين وثيقين لترامب. ومن بين إنجازات حماس إحباط محاولات السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكذلك الارتياح لرؤية إسرائيل وقادتها وأيديولوجيتها – الصهيونية – تتعرض لإدانة على المستوى العالمي، بما في ذلك من بعض العناصر الرئيسية في كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
عدم استقرار جوهري
حصلت كل من إسرائيل و"حماس" على مكاسب مهمة من وقف إطلاق النار. والجواب على سؤال "من انتصر في الحرب" يعتمد على المعيار الذي يحدده كل طرف للانتصار. ويمكن أن يكون الجواب بشكل مشروع كلا الطرفين.
وهذا أمر مهم، لأنه في ظل غياب منتصر أو مهزوم واضح، فإن وقف إطلاق النار نفسه غير مستقر جوهرياً وقد لا يمثل نهاية الحرب. وقد يؤدي ذلك إلى إرهاق ترامب وإثارة غضبه عندما يرى اتفاقه المميز عالقاً في موقف محايد.وقد لا ترغب مصر وقطر وتركيا - الضامنات لوقف إطلاق النار – في الموافقة على ما يبدو على أنه سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد على أكثر من نصف غزة. وقد يبدأ الرأي العام الإسرائيلي في التحول من الاحتفال بإطلاق سراح الرهائن الناجين إلى التركيز على إكمال تفكيك "حماس"، مما سيُغذي الانقسامات الداخلية في إسرائيل قبل الانتخابات القادمة. لذلك، فمن شبه المؤكد أن الصراع بين "حماس" وإسرائيل سيشهد مرحلة تالية. وهذا يجعل من السابق لأوانه الإجابة بشكل قاطع على سؤال من فاز في الحرب - حرب تم تعليقها، ولم تنتهِ.