- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4150
سيادة لبنان ومستقبل نزع السلاح ومسارات السلام نقاش مع وزير الخارجية يوسف رجّي
شاهد الفيديو أو اقرأ ملخصاً لملاحظات الوزير حول مجموعة واسعة من القضايا الحاسمة، تمتد من نزع سلاح "حزب الله" ومستقبل السلام الإسرائيلي طويل الأمد، وصولاً إلى العلاقات مع إيران والسعودية وسوريا وتركيا
في 23 كانون الأول/ديسمبر، نظّم معهد واشنطن منتدى سياسات افتراضي استضاف سعادة وزير الخارجية والمغتربين اللبناني يوسف رجّي. وشارك في مناقشة الضيف كلٌّ من السفير دينيس روس، المستشار والزميل المتميز في المعهد، وحنين غدار، الزميلة الأقدم في برنامج السياسة العربية. وقد أدار الجلسة روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي للمعهد.
ملاحظة: ما يلي ملخص أعده المقررون لأبرز ملاحظات الوزير؛ وللاطلاع على اقتباسات حرفية، يرجى مشاهدة فيديو الندوة.
نزع سلاح "حزب الله"
رغم ما يواجهه لبنان من تحديات اقتصادية وسياسية، شهد عام 2025 إنتاجية ملحوظة للبلاد. فقد تشكلت قيادة جديدة من مسؤولين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، بينما أظهرت الحكومة تماسكاً وتركيزاً واضحين.
تتصدر أولويات الحكومة مسألة نزع سلاح "حزب الله". استغرق الأمر ستة أشهر للتوصل إلى قرار حاسم بشأن الاضطلاع بهذه المهمة الحساسة. وبينما جاء القرار متأخراً نوعاً ما، إلا أن الحكومة تبدي التزاماً جاداً بتنفيذه. وفي الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً إلى نزع سلاح "حزب الله"، فإن لبنان يمضي قدماً في هذه المهمة انطلاقاً من كونها إرادة الشعب اللبناني أولاً وأخيراً. ويسود إجماع بين الحكومة والشعب على أن "حزب الله" منظمة عسكرية غير قانونية، وأنه لا بد من نزع سلاحها وتفكيكها معاً. ورغم أن "حزب الله" حر في الانخراط بالعمل السياسي، إلا أنه ليس حراً في الاحتفاظ بأسلحة غير قانونية.
تتولى القوات المسلحة اللبنانية مسؤولية ملف نزع السلاح بشكل كامل. وقد قدمت للحكومة خطة مفصلة مقسمة إلى أربع مراحل جغرافية تشمل: أولاً، المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني؛ ثانياً، المنطقة الممتدة بين نهري الليطاني والأولي؛ ثالثاً، بيروت وضواحيها؛ ورابعاً، المناطق المتبقية من البلاد. وتمثل كل منطقة من هذه المناطق مرحلة متميزة من عملية نزع السلاح، حيث تعمل القوات المسلحة اللبنانية حالياً ضمن المرحلة الأولى جنوب الليطاني. وكانت الخطة الأولية تهدف إلى إنهاء هذه المرحلة بحلول نهاية عام 2025، غير أن الجهود لا تزال مستمرة حتى اليوم.
يرى بعض اللبنانيين أن وتيرة تقدم القوات المسلحة اللبنانية غير كافية، ويعزون ذلك إلى ضعف الإرادة السياسية. لكن الواقع أن القوات المسلحة اللبنانية تواجه مهمة بالغة الصعوبة، إذ تعاني من نقص ملموس في الموظفين والموارد. فهي ببساطة لا تستطيع نزع سلاح وتفكيك "حزب الله" جنوب وشمال الليطاني في آن واحد. ولهذا السبب، فإنها بينما تواصل عملياتها المكثفة في الجنوب، تعمل في الوقت نفسه على "احتواء" أسلحة الجماعة في الشمال. غير أن "الاحتواء" هذا لا يشكل بديلاً عن نزع السلاح، بل هو إجراء مؤقت فقط. وحين تنتقل القوات المسلحة اللبنانية إلى المرحلة الثانية، ستواصل عملية نزع السلاح في كل منطقة على حدة، وصولاً إلى تجريد "حزب الله" بالكامل من ترسانته العسكرية.
لقد وافقت قيادة "حزب الله" على إزالة الأسلحة من المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، إلا أنها ترفض الإذعان لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولشروط اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2024 الذي نص صراحة على نزع سلاح كامل في جميع أنحاء لبنان. النصوص واضحة كل الوضوح؛ فإما أن "حزب الله" يكذب أو أنه لا يعرف كيف يقرأ. والآن تلجأ الجماعة إلى التهديد بـ "حرب أهلية" في حال تابعت القوات المسلحة اللبنانية العملية شمال الليطاني، بينما يردد القادة الإيرانيون تهديدات مماثلة بالعنف. وتشكل هذه التحذيرات بحرب أهلية نوعاً من الابتزاز المكشوف للحكومة اللبنانية. إن "حزب الله" يأمل في كسب الوقت لإعادة تشكيل صفوفه ومواصلة هيمنته على البلاد. لكن الحقيقة أن حكومة منتخبة ديمقراطياً حين تتحرك لنزع سلاح منظمة مسلحة غير قانونية، فإنها تستعيد مبادئ الدستور واتفاق الطائف، ولا تشن "حرباً أهلية" كما يُزعم. وفي جميع الأحوال، فإن القوات المسلحة اللبنانية قادرة تماماً على مواجهة "حزب الله" عسكرياً إذا اقتضت الضرورة ذلك.
آفاق السلام اللبناني-الإسرائيلي
بموجب القانون اللبناني، لا يزال لبنان في حالة حرب رسمية مع إسرائيل؛ وبالتالي، فإن أي حديث عن السلام أو التعاون يبقى سابقاً لأوانه. ففي المنطق اللبناني، يأتي التطبيع بعد السلام وليس قبله. وتبقى مسألة التطبيع إلى حد كبير من المحرمات في لبنان. ورغم أن البعض يرى ضرورة مناقشة السلام علناً على المستوى الحكومي الرسمي وضمن الخطاب السياسي السائد، إلا أن هذا الرأي يظل هامشياً. وينطبق الأمر ذاته على التعاون الاقتصادي الذي يروج له المسؤولون الإسرائيليون في الوقت الراهن.
يمثل تعيين دبلوماسي مدني لتمثيل لبنان في المحادثات المنعقدة بموجب آلية مراقبة وقف إطلاق النار خطوة إيجابية، لكنها تبقى في الوقت نفسه خطوة تجميلية إلى حد كبير. فقد أملت بيروت أن يقنع هذا التعيين واشنطن بجدية لبنان في مسألة نزع السلاح؛ وفي المقابل، كانت تأمل أن تقنع واشنطن إسرائيل بالامتناع عن استهداف البنية التحتية المدنية اللبنانية. غير أن التمثيل المدني في الآلية لن يوسع نطاق الموضوعات المطروحة للنقاش؛ إذ سيبقى العمل مركزاً على المسائل التقنية المتعلقة بوقف إطلاق النار.
أما الموقف الرسمي لحكومة لبنان، فيتمثل في السعي لتحقيق السلام مع كل دولة، بما في ذلك إسرائيل، لكن مشروطاً باعتماد مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، والتي تنص على حل الدولتين. وبناء عليه، فإن أي تفكير في السلام بين لبنان وإسرائيل يبقى مرهوناً بتحقيق هذه النتيجة.
العلاقات الإقليمية
تسعى حكومة لبنان المشكلة حديثاً للحفاظ على علاقات متينة مع جميع الدول التي تحترم سيادته ولا تتدخل في شؤونه الداخلية. وقد كانت إيران على مدى سنوات مزوداً رئيسياً للأموال والمساعدات المادية لـ "حزب الله"، مما ساهم بشكل مباشر في زعزعة استقرار لبنان. ورغم استمرار العلاقات بين البلدين، فإن وقف التدخل الإيراني المستمر في الديناميكيات الداخلية للبنان يشكل أولوية محورية لهذه الحكومة.
أما المملكة العربية السعودية، فقد كانت تاريخياً من أكبر الداعمين للبنان. لكن على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، توالت حكومات لبنانية متحالفة مع المحور الإيراني-البعثي-حزب الله، ذلك التحالف الذي صدّر الإرهاب والكبتاغون وعدم الاستقرار إلى المنطقة. ونتيجة لذلك، قلصت الرياض تدريجياً روابطها ومشاركتها مع لبنان.
اليوم، وبعد أن لاحظت المملكة العربية السعودية التغييرات الإيجابية في لبنان، بدأت العلاقات تشهد تحسناً ملموساً. فإلى جانب إعادة المشاركة الدبلوماسية، أبدت الرياض اهتماماً متجدداً بدعم التعافي المالي وإعادة الإعمار في لبنان. ومع ذلك، تبقى إعادة الإعمار سابقة لأوانها في الوقت الراهن؛ إذ لا يزال "حزب الله" يسعى لتدمير إسرائيل، بينما لم تنته إسرائيل بعد من استهداف "حزب الله". وقد ربطت المملكة العربية السعودية أي مساعدة للبنان بشرطين واضحين: نزع سلاح "حزب الله" وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. ولبنان يعمل على تحقيق الاثنين معاً، لكن الأمر يحتاج إلى وقت. والرياض تنتظر رؤية مزيد من التقدم الملموس.
على صعيد آخر، تسعى تركيا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، حيث تحاول أنقرة ترسيخ موطئ قدم لها في لبنان من خلال التواصل مع الجمعيات المدنية، لا سيما في المناطق الشمالية. وقد نشأت مؤخراً إشكالية بين بيروت وتركيا بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، إذ أبدت أنقرة استياءها من عدم أخذ الاتفاق بعين الاعتبار مصالح جمهورية شمال قبرص التركية. لكن الواقع أن شمال قبرص ليست دولة معترفاً بها دولياً، ومن ثم لم يكن بإمكان لبنان التفاوض معها.
في المقابل، تشهد العلاقات مع سوريا أفضل مراحلها على الإطلاق، فـ "أحمد الشرع" هو أول زعيم في التاريخ الحديث للبلاد يعترف باستقلال وسيادة لبنان. وتعمل الدولتان الآن على معالجة بعض القضايا الشائكة، ومنها ملف اللاجئين السوريين، والسجناء السوريون في لبنان، واللبنانيون المفقودون أو المختفون في سوريا، وكذلك ترسيم الحدود الرسمية. ومع الوقت والمثابرة، يمكن إيجاد حلول لكل هذه الملفات. أما مزارع شبعا، فتبقى قضية معقدة أخرى، ورثتها الحكومة الحالية من نظام الأسد والنظام الموالي السابق في بيروت. ولم يُتخذ بعد قرار حاسم بشأن تحديد ما إذا كانت تلك الأراضي سورية أم لبنانية. لكن الطرفين سيصلان حتماً إلى حل عادل يرضي البلدين.
أما العلاقات مع الولايات المتحدة، فهي ممتازة، إذ تشكل واشنطن صديقاً مخلصاً للبنان. وقد قدمت الإدارة الأمريكية دعماً كبيراً للحكومة اللبنانية الجديدة وللقوات المسلحة اللبنانية. كما أن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة التي تملك نفوذاً كافياً مع إسرائيل لإقناعها بالامتناع عن استهداف البنية التحتية المدنية اللبنانية. صحيح أن هناك بعض خيبة الأمل في واشنطن من أن بيروت لا تبذل جهداً كافياً أو لا تتحرك بالسرعة المطلوبة لنزع سلاح "حزب الله" وبسط السيادة الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية، لكن أصحاب وجهات النظر هذه قد يكونون محقين في تقييمهم.