
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4702
فرصة لا تُفوّت: مقترح لأجندة اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو

على الزعيمين أن يركّزا على بلورة رؤية لاتفاق دبلوماسي مع إيران، ورسم مسار مشترك للتعامل مع الوضع في غزة، وتهيئة الأجواء لمزيد من خطوات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، إلى جانب إعادة ضبط معايير التعاون الاستراتيجي الثنائي بما يتلاءم مع التحولات الجديدة في المشهد الإقليمي.
في السابع من تموز/يوليو، يستضيف الرئيس "دونالد ترامب" رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في لقائهما الثالث في المكتب البيضاوي خلال الأشهر الستة الماضية. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت المرافق النووية الإيرانية، والهدنة التي أعقبتها، ما يجعل منها فرصة حاسمة للزعيمين من أجل الانتقال من العمل العسكري إلى بلورة نتائج سياسية ملموسة، والاستفادة من حالة الضعف غير المسبوقة التي تمر بها إيران لتعزيز المصالح الأميركية.
جدول الأعمال
البند الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال اللقاء هواستكمال التعامل مع الملف الإيراني. فالهدنة التي فرضها الرئيس "ترامب" بين إيران وإسرائيل لا تزال هشّة ومهددة بالانهيار، في ظل غياب الوضوح بشأن تعريف الانتهاكات وآليات تنفيذ الاتفاق. الأهم من ذلك، أن الهدنة لم تقدّم حلاً دائماً للمشكلات المستمرة التي يثيرها البرنامج النووي الإيراني، رغم ما لحق به من أضرار جسيمة، ولا لطموح طهران المتجدد نحوامتلاك قدرة نووية عسكرية، ولا لقرارها تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
حتى الآن، تردّد الرئيس "ترامب" في تبنّي مسار دبلوماسي مكمّل للعمل العسكري، يؤكد من خلاله أن إيران لن تعيد بناء منشآتها النووية "المدمّرة". كما أرسل إشارات متضاربة حول ما إذا كانت سياسة "الضغط الأقصى" ستُطبّق على صادرات النفط الإيراني، ما زاد من الغموض.
في المقابل، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، "إسرائيل كاتس"، نهج بلاده تجاه إيران بـ"الاحتواء العدواني"، مشيراً إلى احتمال تطبيق نفس النموذج الذي اتبعته إسرائيل مع "حزب الله"، أي استخدام القوة العسكرية فور رصد أي نشاط مشبوه أوتهديد. لكن في غياب "قواعد واضحة للاشتباك"، فإن هذا النهج قد يصطدم مع أولويات "ترامب" التي تركز على خفض التصعيد.
أما البند الثاني على جدول الأعمال، فهوالنزاع المتفاقم في غزة. الإنجازات العسكرية ضد شبكة وكلاء إيران الإرهابية، وبرنامج الصواريخ، والمرافق النووية، تتيح للزعيمين فرصة لمقاربة هذا الملف الشائك. فبدون تقدم حقيقي على مسار غزة، سيصعب تعزيز اندماج إسرائيل في المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بخطوات التطبيع مع المملكة العربية السعودية.
حتى الآن، لم يُمارس الرئيس "ترامب" ضغوطاً علنية على "نتنياهو" لإنهاء العمليات في غزة أولتغيير النهج القائم هناك. بل على العكس، قدم له دعماً سياسياً وعملياً واسعاً منذ بداية ولايته الثانية، إذ تجنّب انتقاد قرار إسرائيل تعليق المساعدات الغذائية والطبية لأشهر، وموّل مؤسسة غزة الإنسانية بمبلغ 30 مليون دولار كقناة بديلة لتوصيل المساعدات، وسرّع من عمليات بيع وتسليم المعدات العسكرية. كما امتنع عن الضغط على إسرائيل في ما يتعلق بسياساتها في الضفة الغربية، والتي يمكن أن تعرقل جهود التطبيع، مثل التهديدات بضم أجزاء من الإقليم علناً.
العلاقة الأميركية– الإسرائيلية ذاتها ستكون بنداً رئيسياً آخر في اللقاء. فقرار "ترامب" الانضمام إلى الحملة الإسرائيلية وقصف المواقع النووية الإيرانية – وهوالخيار الذي فضّلته إسرائيل على خططها لمعالجة الأهداف الأكثر تحصيناً – شكّل نقطة تحول تاريخية في العلاقة الثنائية، التي تشهد تغيراً سريعاً منذ أن أُلحقت إسرائيل بمنطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية عام 2021، وخاصة بعد هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
خلال العامين الماضيين، طرأ تحوّل دراماتيكي على العقيدة الأمنية طويلة الأمد لإسرائيل، التي كانت سابقاً تقبل بالدعم الأميركي لكنها تُصرّ على مبدأ "الدفاع عن النفس بالنفس". أما اليوم، فقد أصبحت إسرائيل تعتمد على تحالف تقوده الولايات المتحدة، سواء لصد هجمات إيران بالصواريخ والطائرات المسيّرة في نيسان/أبريل 2024، أوعبر العمل المشترك في تحالف هجومي لتحقيق الهدف المشترك: إلحاق ضرر بالغ بالبرنامج النووي الإيراني.
ومع تسارع التغيّرات في العلاقة الثنائية، وتطور قدرات الشركاء الإقليميين، والانهيار الواسع الذي لحق بالخصم المشترك – إيران – سيكون من الضروري أن يبدأ الزعيمان نقاشاً جاداً حول كيفية تطوّر الدعم الأميركي لإسرائيل بما يعكس هذا الواقع الجديد، بما في ذلك نقاشات ذات أولوية عالية حول تجديد مخزون اعتراضات الصواريخ الإسرائيلية المضادة وأنظمة الدفاع الجوي.
توصيات للنهج الأمريكي
نظراً لأن إيران وشبكة وكلائها الإقليمية وصلت إلى لحظة من أقصى درجات الضعف، فقد حان الوقت الآن للولايات المتحدة للضغط على ميزتها وتأمين إنجازات دبلوماسية تعكس هذا الخلل في القوة. يمكن للرئيس "ترامب" أن يبدأ هذه العملية بالحصول على موافقة "نتنياهو" على مسار مشترك إلى الأمام بشأن الأولويات الإقليمية العليا. تشمل :
صياغة الرؤية الأمريكية لاتفاق دبلوماسي مع إيران. في إطار مثل هذا الاتفاق، يجب أن تُطلب من "طهران" تأكيد أن أي برنامج نووي متبقٍ هولأغراض سلمية فقط من خلال التخلي عن التخصيب، وإرسال أي يورانيوم مخصب متبقٍ خارج البلاد، والموافقة على عمليات تفتيش دولية تدخلية. يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تضغط من أجل قيود على إنتاج وتصدير إيران للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمكونات ذات الصلة، من بين قيود أخرى.
لتسهيل هذه الأهداف، يمكن للرئيس أن يشير إلى تخفيف العقوبات الواسع في سوريا كدليل على استعداده لتخفيف الضغط الاقتصادي على إيران بمجرد أن يفعل النظام ما هوضروري لتبديد المخاوف حول نواياه وقدراته. في الوقت نفسه، يجب عليه أن يؤكد أن أي جهد إيراني لإعادة تشكيل البرنامج النووي يمكن أن يؤدي إلى ضربات عسكرية أمريكية إضافية؛ في الواقع، ستكون جولة ثانية من الضربات درساً أكثر توضيحاً حول العزم الأمريكي من الجولة الأولى.
رسم خريطة طريق مشتركة لتوفير الأمن طويل الأمد لإسرائيل. يجب على "ترامب" و"نتنياهو" مناقشة سلسلة من الترتيبات الدبلوماسية التي تبني على الإنجازات العسكرية الإسرائيلية المثيرة للإعجاب بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر ضد "حماس" و"حزب الله" وإيران وخصوم آخرين. التطبيع السعودي، واتفاق انفصال/عدم عدائية موسع مع سوريا، وحتى إطار عمل للسلام مع لبنان كلها ممكنة، ولكنها ستبقى بعيدة المنال حتى يتم حل النزاع في غزة وتبدد إسرائيل المخاوف حول الضم أحادي الجانب المحتمل في الضفة الغربية.
يجب أن تكون الخطوة الأولى دفعة أمريكية لإنهاء حرب غزة، مع التركيز على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، ونفي قادة "حماس" الرئيسيين، وتنفيذ انسحاب عسكري إسرائيلي مرحلي إلى أطراف غزة. هذه الخطوات ستفتح الباب أمام نشر وجود أمني فلسطيني وعربي مشترك يحصل على البركة الرسمية من السلطة الفلسطينية ويُكلف بجمع أسلحة "حماس"، وتأمين وتوصيل المساعدات الإنسانية، ووضع الإطار لمستقبل ما بعد "حماس". يجب على "ترامب" أيضاً أن يدلي ببيان واضح حول توقعاته للطريق إلى الأمام في الضفة الغربية، مشيراً إلى المعارضة الأمريكية لأي ضم إسرائيلي لأراضي الضفة الغربية خارج الاتفاقات مع الفلسطينيين.
بالإضافة إلى المطالبة بالعمل الإسرائيلي، يجب على الرئيس أن يقدم "طلبات" جوهرية من القادة العرب. على سبيل المثال، تحتاج مصر وقطر إلى ممارسة الضغط على القيادة الخارجية لـ"حماس" لقبول هذه الشروط، بينما يجب على السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى أن تستخدم نفوذها للإعداد لدور عربي جديد في غزة والمشاركة بشكل استباقي مع السلطة الفلسطينية بشأن الإصلاحات الجدية. إن إيفاد وزير الخارجية "ماركوروبيو" والمبعوث الخاص "ستيف ويتكوف" إلى المنطقة فور انتهاء اجتماع "ترامب"– "نتنياهو" سيرسل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة تعتمد على القادة العرب للقيام بدورهم.
إطلاق العمل الجدي اللازم لتعريف معاملات التعاون الاستراتيجي الأمريكي– الإسرائيلي في عصر ما بعد الضربة على إيران، ومنفصلة عن ذلك، مستقبل المساعدة الأمريكية. يجب أن تبدأ المحادثات قريباً حول مذكرة تفاهم جديدة بشأن مستقبل المساعدة العسكرية الأمريكية. لتحقيق هذا الهدف، يجب على الرئيس أن يوجه البنتاغون لتقييم احتياجات إسرائيل الحالية للدفاع الصاروخي، والتفاعل مع الكونغرس بشأن الحاجة الملحة لتجديد الاعتراضات بسرعة التي دافعت عن الأراضي والمواطنين الإسرائيليين من الهجمات الإيرانية وهجمات الوكلاء. بصرف النظر عن مذكرة التفاهم، يجب أن تكون المواقف التي تكمل فيها القوات الأمريكية العمليات الإسرائيلية حدثاً نادراً – تحتاج المعاملات الجديدة للشراكة إلى أن تعكس الفهم بأن إسرائيل ستقود عملياتها الخاصة، مع التشاور الوثيق مع واشنطن في جميع هذه السيناريوهات نظراً للمخاطر على القوات والأصول الأمريكية في المنطقة.