- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4100
إسرائيل تضرب قطر: التداعيات على دبلوماسية غزة، والعلاقات الخليجية، والسياسة الأمريكية
مجموعة من آراء خبراء معهد واشنطن حول تداعيات الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة "حماس" في الدوحة، إضافةً إلى ما يمكن للولايات المتحدة وشركائها القيام به لتحويل هذه المفاجأة العسكرية إلى مكاسب سياسية ملموسة.
نقطة الانطلاق لمحادثات "اليوم التالي" حول "غزة"
روبرت ساتلوف
هجوم أمس على قادة "حماس" في "قطر" يهز بشكل كبير الدبلوماسية المحيطة بحرب "غزة". السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت خطوة "إسرائيل" تغلق الباب أمام محادثات وقف إطلاق النار أم تفتح فرصاً لتغيير الديناميكية الحالية بهدف إنهاء هذا الصراع المروع.
يبدو أن الضربة جاءت مدفوعة جزئيًا برفض "حماس" الصريح لمقترح الرئيس "ترامب" "الجميع مقابل الجميع"، الذي نصّ على إطلاق جميع الرهائن، أحياءً وأمواتًا، مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بما يؤدي إلى وقف إطلاق نار مدته ستين يومًا، تليه مفاوضات للتوصل إلى اتفاق دائم لإنهاء الحرب. وتتضارب التقارير بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالعملية، وإذا كان الأمر كذلك، فما حجم هذا العلم، لكن في كل الأحوال أخذت التداعيات الدبلوماسية بالانتشار سريعًا.
ففي "واشنطن"، سعت إدارة "ترامب" إلى احتواء الأضرار المباشرة عبر التواصل مع القادة القطريين، وإبداء التشكيك العلني في جدوى العملية الإسرائيلية، والتأكيد مجددًا على أهمية علاقة الولايات المتحدة مع "الدوحة". وعلى نطاق أوسع، أثارت الضربة تساؤلات عديدة حول مخاطر انتقام "حماس" من الرهائن الإسرائيليين، ورد فعل "قطر"، ومواقف الشركاء العرب الموقعين على معاهدات مع "إسرائيل"، إلى جانب قضايا محورية أخرى. كما عززت الحادثة الانطباع الدولي بأن "إسرائيل" تنتهج سياسة أمن قومي منفردة واستفزازية، بل قد يصفها البعض بالمتهورة.
في النهاية، يبقى المعيار الأهم للحكم على حكمة هذه الضربة العسكرية هو مدى نجاح الأطراف المختلفة في ترجمتها إلى إنجازات سياسية. ويمكن أن يتحقق ذلك إذا:
• شكّل القضاء على القيادة الخارجية لـ"حماس" نقطة مفصلية لما تبقى من القيادة الداخلية في "غزة"، بحيث يدفعها إلى إعادة النظر في مواقفها من وقف إطلاق النار؛
• تكيّفت "مصر" مع الواقع الجديد الذي جعلها الوسيط الخارجي الأبرز، ومارست ضغوطاً على قادة "حماس" في "غزة" للقبول بالمقترح الأمريكي؛
• اعتمد الرئيس "ترامب" نهجاً أكثر حزماً، وحثّ القادة الإسرائيليين على إعلان النصر وتحويل سياستهم بعيداً عن هجوم مدينة "غزة" نحو خطة "اليوم التالي". فالبيت الأبيض امتلك فرصة مشابهة بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً مع "إيران" لكنه اختار عدم استثمارها؛ أما ضربة "قطر" فتفتح الباب أمام فرصة دبلوماسية ثانية.
ترميم الشرخ في العلاقات الدفاعية الأمريكية – القطرية
إليزابيث دينت
رغم أن "واشنطن" و"الدوحة" ما زالتا تعيشان نشوة زيارة الرئيس "ترامب" إلى "قطر" في أيار/مايو وما أسفرت عنه من اتفاقيات ثنائية بلغت قيمتها 1.2 تريليون دولار، تبقى الحقيقة أن "قطر" تعرضت منذ ذلك الحين لهجومين عسكريين كان للسياسات الأمريكية دور كبير في التسبب بهما. ففي حزيران/يونيو، ردّت "إيران" على الضربات الأمريكية ضد برنامجها النووي بإطلاق صواريخ استهدفت قاعدة "العديد" الجوية في "قطر"، وهي أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط والمحور الأساسي للعمليات الجوية الأمريكية في المنطقة. ورغم أن ذلك الهجوم جسّد أسوأ مخاوف "الدوحة" من الشراكة مع الولايات المتحدة، فقد خفّف نجاح التعاون الدفاعي بين البلدين من هذه المخاوف بعد أن جرى اعتراض الصواريخ وتجنب وقوع خسائر.
مع ذلك، فإن الضربة الإسرائيلية الأخيرة تكاد تقوض ثقة "الدوحة" بالعلاقة مع "واشنطن" بشكل كامل، لا سيما أنها وقعت في خضم مفاوضات لوقف إطلاق النار برعاية أمريكية، وقد أُبلِغت بها الإدارة الأمريكية مسبقاً، واستهدفت مباني سكنية مجاورة لمدرسة ومحطة وقود.
ما الذي يعنيه ذلك عملياً؟ أولاً، قد يدفع خوف "قطر" من عمليات عسكرية أخرى على أراضيها إلى تقييد قدرة الولايات المتحدة على المناورة انطلاقاً من قاعدة "العديد"، خاصة إذا واجهت ضغوطاً متزايدة من دول عربية أخرى لتعطيل أي عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي جديد. مثل هذا التوجّه سيضع عبئاً إضافياً على التنسيق الدفاعي لـ"واشنطن"، ليس فقط مع "قطر"، بل مع شركائها الخليجيين كافة. وقد يؤدي الغضب الشعبي داخل "قطر" إلى زيادة المخاطر التي يواجهها أفراد القوات الأمريكية والأصول العسكرية العاملة من قاعدة "العديد"، بما قد يفرض إعادة تقييم للإجراءات الوقائية وخطط الطوارئ. كما ان من المرجح أن تضعف الضربة الإسرائيلية أحد أهم الجسور الدبلوماسية التي بنت عليها إدارة "ترامب" آمالها لحل حرب "غزة". ويبقى التحدي أمام "واشنطن" هو إقناع "الدوحة" بالحفاظ على دورها كوسيط حاسم، مع ضمان استمرار القدرة التشغيلية الكاملة للولايات المتحدة في قاعدة "العديد".
الارتدادات داخل مجلس التعاون الخليجي
سايمون هندرسون
لطالما اتسمت علاقات "قطر" مع بقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي بالتوتر، خصوصاً بعد أن قطعت "السعودية" و"الإمارات" و"البحرين" علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع "الدوحة" بين عامي 2017 و2021. غير أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة في "الدوحة" دفعت معظم عواصم الخليج إلى التعبير عن استياء مشترك، من خلال بيانات علنية بدت وكأنها منسّقة، ولا سيما أن الهجوم جرى على ما يبدو بعلم مسبق من الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لهذه الدول بين القوى الكبرى.
وخلال السنوات الماضية، واصل القادة القطريون السماح لحركة "حماس" بالحفاظ على وجود سياسي في "الدوحة" بطلب من "واشنطن" لتسهيل قنوات التواصل معها، رغم تحفظ بعض الأوساط السياسية الخارجية على علاقات "قطر" بالحركة المصنفة إرهابية. لكن ضربة "الدوحة" قد تدفع المسؤولين الخليجيين اليوم إلى التساؤل بجدية عن جدوى هذه التفاهمات مع "واشنطن".
في خطوة لافتة للتضامن، قام الرئيس الإماراتي "محمد بن زايد" بزيارة نادرة إلى "الدوحة" اليوم للقاء الأمير "تميم"، فيما يُتوقع أن يزور ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" العاصمة القطرية غداً.
أما فيما يتعلق باستجابات دول الخليج المحتملة تجاه "إسرائيل"، فإن "الإمارات" و"البحرين" هما فقط من يقيمان علاقات دبلوماسية رسمية مع "القدس"، غير أن بقية دول المجلس ترتبط بروابط طويلة الأمد معها، تقوم على المصالح التجارية والاتصالات الحكومية غير المعلنة. وفي بعض الجوانب، أصبحت "قطر" تُوصف من قبل مسؤولين أمريكيين بأنها "أقرب أصدقاء إسرائيل في الخليج". ومع ذلك، قد تؤدي ضربة "الدوحة" إلى تجميد مثل هذه الروابط مؤقتاً ريثما تعيد العواصم الخليجية تقييم قيمتها، وربما إدخال تعديلات عليها.
كذلك قد يتضرر التعاون العسكري بين مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، خاصة إذا اعتقد القادة أن الأصول الأمريكية في قاعدة "العديد" الجوية سهّلت تنفيذ الضربة أو تغاضت عنها. فمن المعروف أن مركز القيادة المشترك في القاعدة كان حاسماً في الدفاع عن "إسرائيل" ضد الهجمات المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، كما سمح لـ"الدوحة" بتعيين ضابط ارتباط إسرائيلي واحد على الأقل داخل المنشأة. كل هذا التعاون الحيوي قد يصبح مهدداً بعد ضربة الأمس.
كما يكشف الفيديو السري للهجوم حجم النشاط الاستخباري الإسرائيلي داخل "قطر"، ويثير تساؤلات حول عمليات أخرى قد تجري هناك. هذه الضجة الخليجية تعيد إلى الأذهان حادثة عام 2010 حين اغتال عملاء إسرائيليون تاجر أسلحة من "حماس" في فندق بـ"دبي" أثناء توجهه إلى "إيران".
ولا يمكن التقليل من أثر هذه التطورات على الرأي العام الخليجي. فرغم أن دول مجلس التعاون جميعها دول ذات أنظمة استبدادية، إلا أن قادتها ما زالوا مضطرين إلى أخذ المزاج الشعبي في الاعتبار عند اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى. وتجدر الإشارة إلى أن مواقف الشارع الخليجي من "إسرائيل" كانت تتدهور بالفعل نتيجة حرب "غزة" والمعاناة التي يعيشها المدنيون الفلسطينيون، وقد تؤدي ضربة "الدوحة" إلى تسريع هذا التدهور بشكل ملحوظ.
لماذا ضربت "إسرائيل" الآن؟
ديفيد ماكوفسكي
اتخذ مجلس الأمن الإسرائيلي قرار تنفيذ الضربة في "الدوحة" عقب الهجوم المسلح الذي دبّرته "حماس" ضد حافلة في "القدس" في 8 أيلول/سبتمبر، رغم وجود خلافات بين المسؤولين حول توقيت العملية. فقد أعرب كل من رئيس الموساد "ديفيد بارنيا"، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي "إيال زمير"، ورئيس الاستخبارات العسكرية "شلومي بيندر" عن تشككهم في جدوى المضي بالعملية في وقت تجري فيه المفاوضات. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد ما يثبت أن الضربة نجحت في قتل قيادات بارزة من "حماس"، ما يعزز التقارير التي تشير إلى أن "الموساد" لم يكن شريكاً كاملاً في العملية.
ورغم أن الأسباب الحقيقية لتجاوز الحكومة هذه التحفظات والمضي بالهجوم تظل غير واضحة، إلا أن هناك عدة عوامل قد تفسر قرارها. أولاً، مقتل ستة مدنيين في هجوم الحافلة بـ"القدس" إلى جانب مقتل أربعة جنود في "غزة" أدى إلى عشر وفيات بارزة في يوم واحد، وهو ما ولّد حالة غير معتادة من الحداد الوطني والغضب الشعبي حتى في سياق عامين من الحرب المستمرة. ثانياً، لم يكن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" مقتنعاً بأن صفقة تبادل رهائن كبرى باتت وشيكة، خاصة أن تقارير عدة أشارت إلى أن "حماس" كانت على الأرجح سترفض أو تؤجل أحدث مقترح قدّمه الرئيس "ترامب" لإطلاق سراح الرهائن، لكونه لا يتضمن انسحاباً إسرائيلياً من "غزة"، وهو تنازل تعتبره الحركة غير قابل للتفاوض. ثالثاً، ربما رأى "نتنياهو" في ضربة "قطر" وسيلة لتفادي شن هجوم بري واسع على مدينة "غزة"، أو على الأقل خلق دينامية سياسية تتيح له تعليق العملية البرية المرتقبة مؤقتاً. حتى الوزراء اليمينيون الأكثر تشدداً في الحكومة لم يتمكنوا من اتهام "نتنياهو" باللين تجاه "حماس" بعد هذه الضربة.
كما ينبغي النظر إلى أن الشأن القطري بات مثيراً للجدل بشكل متزايد في "إسرائيل". فعلى الرغم من دور "الدوحة" في التوسط بمحادثات متعددة مع "حماس" عبر السنوات، واجهت انتقادات حادة بسبب دعمها المالي للقطاع، إذ يُعتقد أن جزءاً من هذه الأموال استُخدم في تعزيز شبكات الأنفاق والبنى التحتية العسكرية للحركة. وإلى جانب ذلك، واجه "نتنياهو" ضغوطاً سياسية جراء تحقيق "قطر غيت" المتعلق بمبالغ يُزعم أن مساعديه تلقوها للترويج لصورة إيجابية عن "الدوحة". ومن ثم قد يكون قدّر أن توجيه ضربة لـ"حماس" على الأراضي القطرية يشكل وسيلة لدرء اتهامات تراخيه تجاه "قطر".