
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4086
إقرار قانون "الحشد الشعبي" الجديد في العراق يستدعي رداً أمريكياً حاسماً

إن ترسيخ الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل إيران داخل الدولة العراقية بشكل دائم، سيُشكل ضربة قوية لمصالح الولايات المتحدة. لذلك، يجب أن يكون ردُّ فعل واشنطن واضحاً، حازماً، ومتناسقاً مع الشركاء الإقليميين الآخرين الذين تعرضوا أيضاً لانتهاكات هذه الجماعات.
رغم الضربات التي تعرض لها وكلاؤها الإقليميون منذ عام 2023، فإن إيران لا تتخلى عن استراتيجيتها القائمة على الميليشيات الأجنبية، بل إنها تضاعف جهودها لدعم وكيلها الرئيسي في العراق، وهو "قوات الحشد الشعبي". في أواخر تموز/يوليو، تقدمت مختلف كتائب "المقاومة" المدعومة من إيران، والمنضوية ضمن "قوات الحشد الشعبي" مع الأحزاب المتحالفة معها في البرلمان، بمشروع قانون يهدف إلى تعزيز الطابع المؤسسي لوجودها العسكري والسياسي في بغداد. وتهدد هذه المبادرة بتقويض علاقات واشنطن المتأزمة أصلاً مع بغداد.
تجاوز المليشيات لمهمتها
تأسست الميليشيات التي تُشكل "قوات الحشد الشعبي" أساساً في عام 2014، بعد أن استولى "تنظيم الدولة الإسلامية" على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية. ومع توسع "تنظيم الدولة الإسلامية"، أصدر آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق، فتوى دعا فيها المواطنين العراقيين إلى محاربة ذلك التنظيم الإرهابي السني. فاستجاب الآلاف للنداء وقاتلوا إلى جانب الجيش العراقي والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
على الرغم من إعلان بغداد الانتصار على "تنظيم الدولة الإسلامية" في كانون الأول/ديسمبر 2017، أي قبل نحو ثماني سنوات، فإن "قوات الحشد الشعبي" لا تزال أكبر حجماً وأقوى نفوذاً من أي وقت مضى. واليوم، تضم "قوات الحشد الشعبي" نحو 238 ألف مقاتل، بميزانية حكومية سنوية تبلغ 3.6 مليار دولار. وتضم صفوفها أكثر من سبعين فصيلاً، بما في ذلك عدد من الجماعات التي صنّفتها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية، وأبرزها "حركة حزب الله النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله". وعلى الرغم من تمويل هذه الفصائل الارهابية من جانب الدولة العراقية، فإنها تبقى تابعة لـ"قوات الحشد الشعبي" وموالية لإيران، وتُصرّ بشدة على طرد القوات الأمريكية من العراق.
قانون جديد لـ"قوات الحشد الشعبي "
في 16 تموز/يوليو، أجرى البرلمان القراءة النهائية لمشروع قانون "قوات الحشد الشعبي"، ما جعله مؤهلاً للطرح للتصويت في أي جلسة برلمانية مقبلة. وإذا تمّ تمريره، فسيُكرس القانون الأصلي، الصادر عام 2016 والمكون من صفحة واحدة، والذي أنشأ "قوات الحشد الشعبي" كلجنة مؤقتة تابعة لرئيس الوزراء، مكانة هذه الجماعة من خلال رفعها إلى مستوى ذراع دائمة للدولة. كما سيُضفي الطابع الرسمي على هيكل "قوات الحشد الشعبي"، ويُحدد مواقعها، ومسؤولياتها، ومزاياها، وسلسلة قيادتها البيروقراطية. بالإضافة إلى ذلك، ينصّ القانون على إنشاء أكاديمية عسكرية مستقلة تابعة لـ"قوات الحشد الشعبي".
ولعل أكثر بنود المشروع إثارةً للجدل، أنه يمنح قائد "قوات الحشد الشعبي"، فالح الفياض -الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2021 ضمن قائمة الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان - رتبة وزير، كما يُدخله في عضوية اللجنة الوزارية للأمن الوطني.
وبعد القراءة الأولى لمشروع القانون في كانون الثاني/يناير، سعى معارضو التشريع، ومن بينهم بعض "الأحزاب الكردية" وكتلة "تقدم" الممثلة للعرب السنة، إلى عرقلة القراءة الثانية من خلال مقاطعة جلسات البرلمان بهدف منع اكتمال النصاب القانوني. لكن في السادس عشر تموز/يوليو، أُدرج القانون على ما يبدو في جدول الأعمال بعد انطلاق جلسة ذلك اليوم، حين كان النصاب القانوني قد تحقق بالفعل. ووفقاً للإجراءات البرلمانية، تُطرح مشاريع القوانين التي خضعت لقراءة ثانية للتصويت.
على الرغم من أن الكثيرين كانوا يأملون منذ فترة طويلة في أن تتخذ بغداد خطوات لدمج "قوات الحشد الشعبي" ضمن القوات المسلحة النظامية، فإن القانون الجديد يسعى إلى إضفاء الشرعية على المنظمة باعتبارها هيكلاً عسكرياً مستقلاً وموازياً. من الناحية النظرية، من المفترض أن يجعل هذا الوضع "قوات الحشد الشعبي" أكثر خضوعاً على الصعيدين الرسمي والقانوني لرئيس الوزراء، تماماً كما هو الحال مع وزارتي الدفاع والداخلية. لكن في الواقع، تسير قيادة "قوات الحشد الشعبي" وفصائل "المقاومة" وفق نهج طهران، وتواصل استهداف الأمريكيين والعراقيين منذ عام 2019 على الأقل، حين أطلقت إدارة ترامب الأولى حملتها العقابية ضد إيران. ولا يمكن لأحد أن يتوقع بصدق أن يتغير هذا النهج إذا عزز قانون جديد من نفوذهم وقوتهم المؤسسية.
علاوة على ذلك، في حين ينص مشروع القانون على أن تحافظ "قوات الحشد الشعبي" على توجه غير سياسي، فإن القيادة الشيعية للمنظمة والفصائل المصنفة إرهابية تحمل عداءً طائفياً وإيديولوجياً عميقاً، ولا تُخفي ولاءها للنظام الإيراني. بل إن التشريع نفسه يشير إلى أن أعضاء "قوات الحشد الشعبي" ليسوا "جنوداً" أو "أفراداً عسكريين"، بل "مجاهدين" (أي مقاتلين مقدسين).
الخلافات مع واشنطن
في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 22 تموز/يوليو، أعرب وزير الخارجية "ماركو روبيو" عن قلقه من أن مشروع قانون "قوات الحشد الشعبي" "سيُرسخ نفوذ إيران والجماعات الإرهابية المسلحة التي تقوض سيادة العراق". ويُعتبر روبيو الأحدث في سلسلة من كبار المسؤولين الأمريكيين، عبر إدارات متعددة، الذين ضغطوا على بغداد لفرض السيطرة على "قوات الحشد الشعبي".
خالف أعضاء "الحشد الشعبي" سياسة الحكومة العراقية وأوامرها بشن هجمات متكررة على الوجود الأمريكي، شملت استهداف السفارة الأمريكية في بغداد والقوات الأمريكية المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". كما استخدموا طائرات مسيرة في هجماتهم على "إسرائيل".
كما أن فصائل "قوات الحشد الشعبي" تميل إلى استهداف المواطنين العراقيين. فقد حاولت اغتيال سياسيين، بمن فيهم رئيس وزراء سابق ورئيس البرلمان، وقتلت صحفيين، واعتدت على متظاهرين سلميين، وهددت الأقليات، مثل المجتمعات المسيحية في نينوى، واستخدمت طائرات مسيرة لمهاجمة البنية التحتية للطاقة في "إقليم كردستان". في الأسبوع الماضي فقط، هاجم مسلحون من "كتائب حزب الله" منشأة تابعة لوزارة الزراعة أثناء محاولتهم منع إقالة مسؤول كبير متعاطف كان قد ساعدهم في الحصول على مصالح مربحة في مناطق زراعية رئيسية، مما أسفر عن مقتل ضابط شرطة ومدني.
يمتلك رئيس الوزراء السوداني وجهة نظر مغايرة بشأن التشريع المعلق، وهو أمرٌ لا يثير الدهشة نظراً إلى أنه يرأس حكومة متناحرة بقيادة "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران، والذي يُعتبر في الأساس الذراع السياسي لـ"قوات الحشد الشعبي". ووفقاً له، يُمثّل مشروع القانون خطوة ضرورية في "عملية الإصلاح الأمني". وفي مقابلة حديثة مع وكالة "أسوشيتد برس"، أشار إلى أن القانون الجديد سيدفع "قوات الحشد الشعبي" بطريقة ما إلى الالتزام بالقانون العراقي وأن تكون "مسؤولة" أمام الدولة.
غير أن مثل هذا التفاؤل غائب في واشنطن؛ إذ نادراً ما تمت محاسبة أعضاء "الحشد الشعبي" على جرائمهم ضد العراقيين أو على هجماتهم ضد أفراد الجيش والدبلوماسيين الأمريكيين، ولا شيء في مشروع القانون يشير إلى أن هذا الوضع سيتغير. بل إن الرأي السائد في الولايات المتحدة هو أن "قوات الحشد الشعبي" باتت تشبه بشكل متزايد "الحرس الثوري الإيراني". وعلى غرار "الحرس الثوري الإيراني"، تتلقى "قوات الحشد الشعبي" التمويل والدعم من الدولة، لكنها تعمل بشكل مستقل عن سلطة الدولة، وتعتمد بدلاً من ذلك على توجيهات النظام الإيراني، بينما تتصرف بحصانة في الداخل والخارج.
الخيارات السياسة
إن دعم بغداد لإضفاء الطابع المؤسسي على "قوات الحشد الشعبي" سيُعقّد استمرار التعاون العسكري الأمريكي، ويقوض الآفاق الضعيفة أصلاً لأي استثمارات اقتصادية أمريكية إضافية في العراق. وقد حذرت واشنطن بغداد بشكل صريح من أن هذا التشريع، إذا تم تمريره، قد تترتب عليه عواقب. حتى أن صحيفة الأخبار اللبنانية الموالية لـ"حزب الله" ذكرت أن القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد، ستيفن فاجين، هدد السوداني مؤخراً بـ "تدخل دولي حاسم" إذا استمرت حكومته في تسليح الميليشيات. وفي غياب هجمات جديدة تنفّذها الميليشيات ضد الأمريكيين، يصعب - وإن لم يكن مستحيلاً - أن تستهدف إدارة ترامب "الحشد الشعبي" عسكرياً. لكن واشنطن لديها خيارات أخرى للتعبير عن رفضها لتسارع انزلاق العراق نحو "الإرهاب الذي ترعاه الدولة":
- تسريع انسحاب القوات الأمريكية. يوجد حالياً نحو 2500 جندي أمريكي في العراق ضمن "التحالف الدولي ضد داعش". وبموجب الاتفاق، من المفترض أن ينسحب مئات من هؤلاء الجنود بحلول أيلول/سبتمبر المقبل، فيما يُفترض أن تنسحب البقية بنهاية عام 2026، ليتحول الوجود الأمريكي إلى بعثة ثنائية أصغر حجماً. في المقابل، هددت فصائل "قوات الحشد الشعبي" باستئناف استهداف القوات الأمريكية إذا لم تغادر البلاد بحلول نهاية الشهر المقبل. ونظراً للدعم السياسي والمالي الصريح الذي تقدّمه حكومة السوداني للجماعات التي تمتلك سجل حافل في مهاجمة الأمريكيين، فقد يكون الوقت قد حان لترك العراق يدافع عن نفسه.
- الكشف عن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالضربات التي استهدفت "إقليم كردستان". لقد تم تكليف الحكومة العراقية الحالية، التي تضم سياسيين متعاطفين مع "قوات الحشد الشعبي" ضمن شركائها في الائتلاف، بإجراء تحقيق في دور الميليشيات في الهجمات الأخيرة التي شنّتها طائرات مسيرة على "إقليم كردستان"، وهو ما يشكل تضارباً واضحاً في المصالح. إذا كانت واشنطن تمتلك معلومات استخباراتية تؤكد تورط "قوات الحشد الشعبي" في هذه الضربات، فعليها كشفها لإحراج بغداد ودفعها إلى محاسبة هذه الميليشيات .
- تجنب دعوة السوداني إلى واشنطن. من المعروف على نطاق واسع أن رئيس الوزراء يعتزم زيارة الولايات المتحدة قريباً للحصول على مباركة أمريكية رمزية قبل الانتخابات البرلمانية العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر. السماح له بذلك سيكون خطوة غير حكيمة، إذ لا تستقبل واشنطن عادةً رؤساء الوزراء العراقيين خلال حملاتهم الانتخابية لإعادة انتخابهم، فما بالك برئيس وزراء مدعوم من تحالف ميليشيات مدعومة من إيران تستهدف الأمريكيين.
- إصدار تحذير من وزارة الخارجية بشأن المشاريع التجارية. صرح السوداني مؤخراً أنه يسعى إلى زيادة الاستثمارات الأمريكية في قطاع الطاقة العراقي من أجل "عظمة البلدين معاً". ولأسباب عديدة، أبرزها صعوبة ممارسة الأعمال التجارية في العراق، اختارت الشركات الأمريكية إلى حد كبير عدم التقدم بعطاءات للحصول على عقود هناك، حتى في قطاع الطاقة الذي ينطوي على أرباح محتملة. وفي حال واصلت الحكومة تعزيز دعمها للمنظمات الإرهابية، فقد ترغب وزارة الخارجية في إصدار تحذير للشركات الأمريكية لتوخي أقصى درجات الحذر عند النظر في تنفيذ مشاريع داخل العراق، على غرار ما قامت به في حالة فنزويلا. فالكيان المؤسسي التابع لـ"قوات الحشد الشعبي"، وهو شركة "المهندس العامة"، بات يشارك بشكل متزايد في الاقتصاد العراقي، مما يجعل من الصعب على الشركات الأمريكية تجنب انتهاك العقوبات عن غير قصد في حال دخلت الاسوق العراقية.
- مساءلة الأحزاب السياسية. يبدو أن الزعيم الشيعي المتقلب "مقتدى الصدر" يعارض قانون "قوات الحشد الشعبي"، لكنه لن يشارك في التصويت عليه، لأنه استقال من البرلمان مع كتلته في عام 2022. لكن الأحزاب الكردية سيكون لها رأي في هذا الشأن. وللأسف، صوت بعضهم في الماضي لصالح تشريعات مؤسفة (مثل خفض سن الزواج إلى تسع سنوات) مقابل الحصول على دعم سياسي من "قوات الحشد الشعبي" في قضايا أخرى. يجب أن تعكس مواقف واشنطن تجاه الأحزاب الكردية والفصائل السياسية الأخرى كيفية تصويتها على قانون "قوات الحشد الشعبي".
- تدويل الاستجابة. من المفترض أن واشنطن ليست العاصمة الوحيدة التي تثير غضب الحكومة العراقية بسبب مصادقتها على الميليشيات المدعومة من إيران. ومن بين الجرائم التي ارتكبها "الحشد الشعبي" خارج العراق، شنه هجمات على أهداف في الكويت والمملكة العربية السعودية، وانتهاكه لسيادة سوريا، وتهديده للأردن. ويأمل السوداني في تحسين العلاقات وجذب الاستثمارات من الدول العربية، إلا أن تمرير قانون "قوات الحشد الشعبي" قد يقوض تلك الجهود ويُضعف فرص التكامل الإقليمي.
- تصنيف العراق رسمياً كدولة راعية للإرهاب. يبقى ذلك خياراً متطرفاً يُرجّح أن تكون له نتائج عكسية، وقد يدفع البلاد أكثر نحو أحضان إيران، لذا من الأفضل تفاديه ما أمكن. في المقابل، يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية، بل ويُفترض بها، أن تُدرج على الفور شركة "المهندس العامة" وشركاتها الوهمية التابعة لها على لوائح العقوبات. كما ينبغي تحميل الحكومة العراقية مسؤولية أيّ عقود إضافية تُبرم مع هذه الكيانات.