
الميليشيات تضع مصداقيتها على المحك بإنكار تورطها في هجمات المسيرات في إقليم كردستان

تحاول "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، بشكل غير متوقع النأي بأنفسها عن الضربات الجوية التي تستهدف شمال العراق، بما في ذلك الهجمات المتعددة على مستثمري النفط الأمريكيين.
في الأسابيع الأخيرة، استهدفت سلسلة من الهجمات الجوية مواقع أمنية متعددة وحقول نفطية ومنشآت كهربائية في إقليم كردستان العراق، مما أدى إلى تعليق العمليات في عدة مواقع. وفي أكثر من عشر حالات، اعتمدت هذه الهجمات على مسيرات من طراز شاهد - 101 التي وفرتها إيران، وهي من النوع ذاته الذي استخدمته الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق مئات المرات منذ عام 2023، بما في ذلك ميليشيات "كتائب سيد الشهداء" و"كتائب حزب الله" و"حركة "حزب الله النجباء" . ويبدو أن مسؤولية هذه الجماعات قد تعززت ببيان نشره أبو علي العسكري في 5 يوليو/تموز، وهو شخصية افتراضية غامضة الهوية، ولكنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاُ بعضو "كتائب حزب الله" فى البرلمان حسين مؤنس. وعلى الرغم من أن بيان أبو علي العسكري لم يتطرق مباشرة إلى قطاع النفط، إلا أنه اتهم "قوات البيشمركة" التابعة لحكومة إقليم كردستان بإقامة علاقات مع إسرائيل (الشكل 1).
قادة "المقاومة" يحتجون بشدة
نفت الميليشيات المدعومة من قبل إيران، والتي تُطلق على نفسها اسم "المقاومة"، بشكل علني، أي تورط في الهجمات الأخيرة. وفي 20 تموز/يوليو، كسرت "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" أو "التنسيقية" للاختصار، صمتها الطويل وأصدرت أول بيان لها منذ أكثر من عام لتتبرأ الميليشيات رسمياً من غارات الطائرات المسيرة. وقد تم استبدال اسم "التنسيقية" القديم إلى حد كبير باسم "المقاومة الإسلامية في العراق" بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقد تُشير عودة استخدام المسمى القديم إلى تحول في موقف الميليشيات نحو تركيزٍ أكبر على الشؤون الداخلية، في أعقاب الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل. وجاء في البيان:
"ما شهده إقليم كردستان من عمليات قصف طالت حقوله، ما هي إلا تصفية حسابات بين الشركات النفطية وحكومة الإقليم، وليس نزاعاً عابراً لحدوده. إن المقاومة "المقاومة الإسلامية"، بكل تشكيلاتها، كانت ولا تزال تنأى بنفسها عن أي عمليات تُضر بمصالح الشعب أو القوات الامنية، سواء أكان ذلك في شمال البلاد أو جنوبها، وتبقى المصلحة الوطنية غايتها المنشودة" (انظر الشكل 2).
وفي اليوم نفسه، كرر قيس الخزعلي، الذي صنفته الولايات المتحدة إرهابياً ومنتهكاً لحقوق الإنسان، وزعيم جماعة "عصائب أهل الحق" الإرهابية، هذا الموقف خلال خطبة محرم، حيث اتهم ضمناً "حكومة إقليم كردستان" بالوقوف وراء الهجمات التي استهدفت البنية التحتية النفطية.
في الآونة الأخيرة، وقعت عدة هجمات استهدفت آبار النفط، وحقوله، وشركاته، ومصافي التكرير... نحن ندين هذه الأعمال ونرفضها رفضاً قاطعاً... إذا كنتم تريدون معرفة المسؤول عنها، فاسألوا: من المستفيد من هذا الفعل؟ ... تجدر الإشارة إلى أن "الحكومة العراقية" بذلت كل ما في وسعها لحل الخلاف مع "إقليم كردستان"، وحثّت الإقليم على تسليم النفط إلى الحكومة الاتحادية... وقد جاءت هذه التطورات في لحظة حرجة. والآن، [بعد الهجمات] يمكن لـ"حكومة إقليم كردستان" أن تقول: "لم يعد لدينا نفط لدفع الرواتب". فالنفط لم يَعُد متوفراً لأن شركات النفط أوقفت عملياتها... إذاً، من المستفيد من ذلك؟ (انظر الشكل 3).
في محاولة لإثبات التزامها المزعوم بوقف هذه الهجمات، نشرت قوات "الحشد الشعبي" قوات "أنصار المرجعية" - اللواء 44، المعروف بعدم ارتباطه بإيران - في عملية مشتركة مع وحدات من قوات الأمن العراقية، لتفتيش مناطق في محافظة نينوى، "بعد تلقي معلومات تُشير إلى أن المسيرة أُطلقت من جزيرة الحضر" (انظر الشكل 4). وقد يكون من الأجدى استخدام هذه الوحدات، المعروفة باسم "وحدات العتبات" في حفظ الأمن في مدينتي كركوك وطوز خورماتو، حيث يُعتقد أن غالبية هجمات الطائرات المسيرة انطلقت من هناك.
تحليل
وغني عن القول إن إنكار الميليشيات لتورطها في الضربات التي استهدفت كردستان يجب أن يُقابل بدرجة عالية من الشك. ففي 12 و17 حزيران/يونيو، وقبل بدء موجة الضربات، أصدرت "كتائب سيد الشهداء"، وهي من أكثر الجماعات المسلحة نشاطاً في تنفيذ هجمات سابقة على إقليم كردستان، عدة بيانات ذات طابع تهديدي. وفي 21 حزيران/يونيو، قتلت القوات الإسرائيلية مسؤول أمني رفيع المستوى في "كتائب سيد الشهداء" على الحدود الإيرانية - العراقية. وفي 2 تموز/يوليو، صرّح اللواء رحيم صفوي، القائد السابق لـ "الحرس الثوري الإيراني"، لقناة "العهد" تابعة لـ"عصائب أهل الحق" قائلاً: "نُحذّر شمال العراق" [في إشارة إلى "حكومة إقليم كردستان"] من أي تهديدات أمريكية تنطلق من أراضيه ". علاوة على ذلك، فإن جميع حطام الطائرات المسيّرة التي عُثر عليها في مواقع الارتطام داخل إقليم كردستان كانت من أنظمة إيرانية الصنع شملت تسع طائرات من طراز شاهد - 101 ومسيرة واحدة من نوع " كي أي أس - 04".. إن ادعاء الميليشيات بأن كردستان هي من تهاجم منشآتها الطاقية يشير إلى أن "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" تُقللان إلى حد كبير من تقديرهما لقدرة أنصارهما على التفكير النقدي.
بالنظر إلى أن الأدلة تُشير بشكل قاطع إلى تورط الميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران، والمتغلغلة في حكومة السوداني و"قوات الحشد الشعبي"، يُطرح سؤال جوهري: لماذا يُنكر قادة "كتائب حزب الله " و"عصائب أهل الحق " تورطهم؟ ربما يخشون من رد فعل انتقامي من الولايات المتحدة، سواء عبر ضربات عسكرية أو فرض عقوبات على الميليشيات والمصالح الإيرانية. وربما لا يعجبهم مشهد الميليشيات حين تظهر وكأنها تتصرف خارج القانون بمهاجمة موارد النفط والغاز الوطنية. في الواقع، تُعدّ هذه الحوادث أمثلةً نموذجية تُستَخدم لتبرير كلٍّ من: حملةِ قمعٍ مستقبلية ضد "السلاح الخارج عن سلطة الدولة"، والجهودِ الرامية إلى منع "قوات الحشد الشعبي" من التحوّل إلى وكالة أمنية دائمة - وهما قضيتان حاسمتان في موسم الحملة الانتخابية المرتقبة للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني/نوفمبر.