- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4137
وجهات نظر حول زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن
يناقش خبراء معهد واشنطن أبرز محاور الزيارة التاريخية لمحمد بن سلمان إلى واشنطن، من الصفقات المرتقبة في قطاعي الطاقة والذكاء الاصطناعي إلى تعزيز الشراكة الدفاعية الثنائية، وصولاً إلى التحديات المتعلقة بتنفيذ خطة وقف إطلاق النار الهشة في غزة.
آفاق التطبيع وغزة
بقلم دينس روس
سيستضيف الرئيس ترامب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مجدداً يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، لكن على عكس زيارتهما في عام 2018 – حين قضى الأمير ثلاثة أسابيع يتنقل في أرجاء الولايات المتحدة شارحاً التغييرات الاجتماعية والاقتصادية الواسعة التي كان يجريها في المملكة – فإن هذه الزيارة ستقتصر على واشنطن. جاءت الزيارة متابعةً لحضور ترامب في الرياض خلال أيار/مايو، وتوصف بأنها "زيارة عمل رسمية"، وهو وصفٌ يعكس بدقة ما ستدور حوله الاجتماعات بشكل أساسي: إنجاز الأعمال. فالعديد من الصفقات التي أُعلن عنها في أيار/مايو باتت تتحقق على أرض الواقع، وقيمها في تزايد مستمر.
يركز القائدان بشكل خاص على الترابط بين التمويل والذكاء الاصطناعي والطاقة – وذلك بسبب الكميات الهائلة من الكهرباء اللازمة لتشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. ويسعيان معاً لتوسيع الشراكات الثنائية العامة والخاصة في هذه المجالات؛ بل يبدو أن المسؤولين قد حلّوا بعض المخاوف المتعلقة بالأمن القومي حول نقل التكنولوجيا والبيانات والرقائق تمهيداً للزيارة.
أما الموضوع المحوري الآخر فسيكون إسرائيل – تحديداً تحدي تنفيذ خطة السلام في غزة التي وضعها الرئيس، والمسألة ذات الصلة بتطبيع العلاقات بين البلدين. ورغم أن التطبيع يبقى أولوية، إلا أن الرئيس ترامب يبدو مدركاً أن السعوديين لن يتحركوا نحو التطبيع السياسي في الظروف الراهنة. فقبل حدوث ذلك، سيحتاجون إلى رؤية أمرين على الأقل: تحوّل غزة (أي نزع السلاح، والانسحاب الإسرائيلي، وإعادة الإعمار) وظهور مسار موثوق نحو مستقبل مختلف للفلسطينيين. وهذا لا يستبعد إمكانية إبرام صفقات اقتصادية تشمل إسرائيليين، لكن السلام الرسمي سيتعين عليه الانتظار – على الأرجح حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 2026.
أما بالنسبة لمقترح السلام الذي يتألف من عشرين نقطة، فمن المتوقع أن يؤكد الأمير محمد بن سلمان مجدداً قبوله العلني للخطة من حيث المبدأ. غير أن المشاركة السعودية الفعلية – بما في ذلك في البنود التي يسهل دعمها كإعادة الإعمار – ستعتمد على نزع سلاح "حماس"، وهي عملية لم تبدأ بعد.
وحتى لو لم ينوِ السعوديون المشاركة في "قوة الاستقرار الدولية" المقترحة في غزة، فبإمكانهم لعب دور مهم في تنفيذ بعض النقاط العشرين الأخرى من الخطة، ولا سيما ما يلي:
ينبغي للأمير محمد بن سلمان مواصلة التأكيد على ضرورة نزع سلاح غزة قبل البدء بإعادة الإعمار، وعدم السماح لـ"حماس" بلعب أي دور، مباشراً كان أم غير مباشر، في حكم القطاع. فالتصريحات السعودية في هذا الشأن قد تساعد في وضع حدود واضحة لما هو مقبول.
أما النقطة 19 من خطة ترامب – التي تنص على أن أي خطوات نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة ستعتمد على تنفيذ الإصلاحات "بأمانة" داخل "السلطة الفلسطينية" – فقد أُدرجت بالأساس لتلبية احتياجات سعودية داخلية. فقد أرادت الرياض أفقاً سياسياً وحصلت عليه. والواقع أن أي إدارة أميركية لم تتبنَّ علناً من قبل تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لكن الرئيس ترامب فعل ذلك الآن. غير أن شرط "التنفيذ بأمانة" يبقى حاسماً؛ فبدون إصلاح جوهري، لن يكون هناك مسار ولا أفق سياسي ولا دولة. ومن هنا، يتعين على الرئيس ترامب أن يوضح للسعوديين وحلفائهم العرب ضرورة القيام بدورهم للمساعدة في تحقيق إصلاح "السلطة الفلسطينية"، فيما تقوم واشنطن بدورها مع إسرائيل.
لا معاهدة، لكن ترقيات دفاعية
بقلم إليزابيث دينت
من المتوقع أن تشهد الشراكة الدفاعية الأميركية-السعودية ترقيات مهمة خلال زيارة ولي العهد. أولاً، بناءً على الالتزامات الأمنية الأميركية الراسخة تجاه المملكة، من المتوقع أن يعلن القائدان اتفاقية تنفيذية تعمّق هذه الشراكة. صحيح أن إدارة ترامب لا تستطيع تقديم معاهدة دفاع مشترك يصادق عليها مجلس الشيوخ في المناخ السياسي الحالي، لكن السعوديين سيتطلعون بالتأكيد إلى شيء أقوى من الأمر التنفيذي الأخير الذي أصدره الرئيس لـ"ضمان أمن" قطر الشقيقة في الخليج.
ثانياً، ستدفع الزيارة قدماً صفقة الأسلحة البالغة قيمتها 142 مليار دولار التي أُعلن عنها خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض في أيار/مايو. فإذا تضمنت الصفقة النهائية طائرات إف-35، فستكون هذه المرة الأولى التي تُباع فيها تلك المقاتلات لجيش عربي. وتحيط بهذا البيع أسئلة عديدة، منها كيف ستحافظ الإدارة على الالتزام القانوني الأميركي بضمان "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل في الشرق الأوسط، مع تلبية التوقعات السعودية في الوقت ذاته. صحيح أن تسليم طائرات إف-35 إلى المملكة سيستغرق سنوات بغض النظر عن مواصفاتها، ما يعني أن البيع لن يؤثر على الأمن الإقليمي على المدى القريب. ومع ذلك، فإن مجرد الموافقة على الشراء سيشكل خطوة مهمة لصناعة الدفاع الأميركية وقد يفتح الأبواب أمام شركاء عرب آخرين للحصول على تكوينات مماثلة بسهولة أكبر.
ولدحض الاتهامات المحتملة بتورط أميركي أعمق في الخارج، أطّرت إدارة ترامب الاتفاقية التنفيذية الناشئة ومبيعات الأسلحة الموسعة كوسيلة لنقل مزيد من المسؤولية الأمنية إلى شركاء إقليميين قادرين، مع الحفاظ على الاستقرار – والنفوذ الأميركي – في الشرق الأوسط. وفي المقابل، من المرجح أن يسعى ترامب إلى مشاركة سعودية أكثر فاعلية في تعزيز اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، ولا سيما في التخطيط لـ"اليوم التالي" المتعلق بتمويل إعادة الإعمار وضمان عدم وجود دور لـ"حماس" في الحكم.
إعادة تأكيد القيادة الإقليمية للرياض
بقلم أبريل لونغلي ألي
تأتي الزيارة السعودية في وقت تلعب فيه المملكة دوراً دبلوماسياً قيادياً أكثر نشاطاً في الشرق الأوسط وخارجه. ففي السنوات القليلة الماضية، استعادت الرياض علاقاتها مع إيران عبر اتفاقية بوساطة صينية، وحشدت دعماً عالمياً لحل الدولتين في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وقادت جهوداً لتعزيز الحكومة الانتقالية في السودان وتحقيق الاستقرار في اليمن والصومال.
بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، تخدم الدبلوماسية والاستقرار الإقليمي أجندته الداخلية الأساسية المتمثلة في التنويع الاقتصادي الطموح. كما يسعى إلى تعزيز مكانة المملكة كقوة متوسطة ذات سياسة خارجية مستقلة، موازناً بين التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والعلاقات مع الصين وروسيا في ظل المنافسة العالمية المتزايدة والأوضاع غير المستقرة. وتمثل زيارته إلى واشنطن تأكيداً مهماً لهذه المكانة – خاصة أمام الجمهور المحلي والإقليمي – واستمراراً لجهوده في إعادة تعريف الشراكة السعودية مع الولايات المتحدة وتعميقها على أصعدة متعددة. ويكتسب الظهور في البيت الأبيض أهمية خاصة اليوم نظراً للأمر التنفيذي الأخير الذي أصدره الرئيس ترامب متعهداً بالدفاع عن قطر. فالمملكة العربية السعودية تنظر إلى نفسها كقائد في الخليج والعالم العربي، وستسعى بلا شك إلى إظهار أن نطاق علاقتها مع واشنطن لا يزال يتجاوز علاقات شركاء الخليج الآخرين.
والجدير بالذكر أن أي ضمانات لدفاع المملكة العربية السعودية قد تحمل تداعيات عميقة على الحرب الأهلية في اليمن والتهديد الحوثي لحرية الملاحة والأمن الإقليمي. وفي الواقع، كانت الهجمات الحوثية على السعودية عاملاً حاسماً في قرار الرياض تقليص دعمها لقوات الحكومة اليمنية، ما مهّد الطريق لوقف إطلاق النار غير الرسمي في عام 2022. واليوم، يتعين على السعوديين تجديد المساعدة الإنسانية والعسكرية لليمن لضمان ألا تُترجم نتائج اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة – إن تحققت – كأمر واقع لصالح الحوثيين الذين يسيطرون على شمال اليمن من دون محاسبة. ويتطلب الحد من التهديد البحري المستمر سياسة متسقة من الحوافز والعقوبات ضد الحوثيين، بالإضافة إلى دعم متجدد لحكومة يمنية معترف بها دولياً تتمتع بقدرة أكبر على بسط السيطرة. وسيكون على القائدين مناقشة كيفية استخدام الضمانات الأمنية لتحقيق هذه الأهداف.
استمرار زخم الاستثمار
بقلم سايمون هندرسون
تأتي زيارة ولي العهد بعد ثلاثة أسابيع فقط من انعقاد أحدث نسخة من مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي في المملكة العربية السعودية، المعروف بـ"دافوس في الصحراء". ورغم أن أسعار النفط كانت أقل من المستهدف السعودي البالغ 90 دولاراً للبرميل، إلا أن المستثمرين العالميين أبدوا اهتماماً كبيراً بالفرص المطروحة.
وشكّل المؤتمر أيضاً مظهراً آخر لرؤية الرياض 2030، وهي خطة لتنفيذ تغيير اجتماعي واقتصادي واسع النطاق في جميع أنحاء المملكة مع رفع مكانة البلاد على الصعيد العالمي. ويُعدّ تعزيز الشراكة الثنائية مع واشنطن والوصول إلى التكنولوجيا والابتكار والصناعة الأميركية أمراً بالغ الأهمية لتحقيق تلك الأهداف.
وعلى هامش زيارة الأمير العملية، سيستضيف المسؤولون مؤتمراً استثمارياً آخر في واشنطن. ويُعتبر هذا الإنجاز مهماً لكلا القائدين وهما يحاولان إظهار لجمهوريهما المحليين أن الزيارة أنتجت صفقات ملموسة وفوائد واضحة للجانبين.
التنافس الأميركي-الصيني على النفوذ
بقلم نعوم ريدان
خلال الإدارات الأميركية السابقة، عمل السعوديون بثقة على رفع مستوى علاقاتهم مع الصين، ويعود ذلك جزئياً إلى تحفيز واشنطن على التعامل معهم بجدية أكبر. ونجحت هذه الاستراتيجية مع إدارة ترامب الأولى والإدارات السابقة؛ فمسألة التنافس مع الصين على السعودية دفعت المسؤولين الأميركيين إلى اتخاذ خطوات تستجيب لمصالح الرياض. ومع ذلك، يبدو أن المملكة قد أدركت أيضاً حدود العمل مع الصين في مجالات التكنولوجيا الحساسة، ولا سيما في ضوء التوترات المتصاعدة في واشنطن بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية ومخاوف الأمن القومي.
وفي إطار مواءمة المملكة بشكل أوثق مع الولايات المتحدة، تعهد رئيس شركة الذكاء الاصطناعي السعودية الناشئة "هيومين" مؤخراً بالابتعاد عن الرقائق التي تصنعها الشركة الصينية "هواوي". كما أشارت المملكة مؤخراً إلى اهتمامها بالاستثمار الأجنبي الأميركي في الوقت الذي توسع فيه قطاعها المحلي للذكاء الاصطناعي.
من جانبها، سعت الصين في كثير من الأحيان إلى تقديم نفسها كشريك محايد لجميع دول المنطقة، حتى حين أثار دعمها لإيران أو لنظام الأسد السابق في سوريا استياء واشنطن. غير أن الصين في الواقع ليست محايدة، وقد أظهرت بكين في السنوات الأخيرة استعدادها لاستخدام نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي لمصلحتها. وفيما يقول البعض إن الصين تقدم بديلاً عن "الهيمنة الغربية" في الشرق الأوسط، إلا أن الواقع يشير إلى أن بكين لا تزال في مرحلة توطيد نفوذها الإقليمي، وهو مسعى يتطلب توازناً حذراً ضمن المشهد الجيوسياسي المعقد للمنطقة. وسيرغب المسؤولون الأميركيون بلا شك في مناقشة كيفية بناء التعاون التكنولوجي والأمني مع الرياض بما يحد من اعتمادها على بكين وينأى بالمملكة عن أي نشاط صيني قد يعرّض المصالح الأمنية الأميركية للخطر.
في الوقت نفسه، واصلت الصين جهودها لتعزيز دورها في المنطقة من خلال مبيعات الأسلحة والتمارين العسكرية المشتركة. وفي الشهر الماضي، أعلنت بكين والرياض عن تمارين تدريبية مشتركة بحرية في البحر الأحمر، بينما أشارت مصادر صينية إلى استمرار مفاوضات تصدير أسلحة متطورة إلى السعودية ودول خليجية أخرى. وستشكل هذه التطورات بلا شك موضوعاً للنقاش في واشنطن، إذ تسعى الإدارة الأميركية إلى تعزيز شراكاتها الدفاعية مع الرياض والحد من اعتمادها على التكنولوجيا والأسلحة الصينية.
تنويع الطاقة والذكاء الاصطناعي
بقلم هنري توغيندهات
يُعدّ الحفاظ على الهيمنة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى لإدارة ترامب، ويتطلب هذا السباق ليس فقط مزيجاً مرناً من مصادر الطاقة وسلاسل إمداد آمنة للرقائق، بل يحتاج أيضاً إلى شبكة من الشركاء الموثوقين. وتُعتبر المملكة العربية السعودية، بما تملكه من موارد مالية ضخمة وطموح استراتيجي لتحويل اقتصادها، شريكاً طبيعياً في هذا المسعى.
ولتحقيق هذه الأهداف، ستحتاج المملكة العربية السعودية إلى توسيع بنيتها التحتية للطاقة والاستفادة من مصادر متنوعة، وليس النفط فحسب. وقد استثمرت الرياض بالفعل بكثافة في الطاقة الشمسية والطاقة النووية كجزء من رؤية 2030. وقد يشمل التعاون المحتمل في مجال الطاقة مشاريع مشتركة في الطاقة المتجددة وتطوير البنية التحتية للشبكة الكهربائية لضمان استقرار إمدادات الطاقة لمراكز البيانات الضخمة المطلوبة لعمليات الذكاء الاصطناعي.
وفي أيار/مايو، وقّع وزير الطاقة الأميركي كريس رايت ونظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة. وإلى جانب تحديد نية البلدين تعزيز العلاقات التجارية، أشار الاتفاق إلى مجالات محتملة للتعاون مثل الطاقة النووية والهيدروجين ومشاريع احتجاز الكربون وتخزينه – وكلها ضرورية لتحقيق الأهداف المناخية وتنويع مصادر الطاقة.
وحتى مع سعي المملكة العربية السعودية إلى تحويل مشهد الطاقة لديها، ستبقى قائدة في صناعة النفط عبر الأسواق وكارتل "أوبك+". ومن الأسئلة الرئيسية التي ينبغي مناقشتها: كيف ستدير المملكة العربية السعودية انتقالها نحو اقتصاد متنوع مع الحفاظ على دورها المحوري في سوق النفط العالمية؟ وما هي التأثيرات المحتملة لذلك على أسعار الطاقة الأميركية والعالمية؟