
قيس الخزعلي يحاول، دون جدوى، التخفيف من حدة خطابه المتشدد

أخيراً، رد الخزعلي على الصراع بين إيران وإسرائيل لتجنب مزيد من الإحراج لقاعدته المتشددة، مؤكداً على الصعوبات التي يواجهها كسياسي ظاهري وإرهابي سري.
استغرق قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، سبعة أيام للرد علناً على الصراع بين إيران وإسرائيل. وبينما سارع نظراؤه من قادة الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة، فوض الخزعلي الرد في البداية إلى جواد الطليباوي، رئيس جهاز الأمن التابع لميليشياته. غير أنه تحت وطأة الضغوط المتزايدة، بدا أنه وجد نفسه مضطراً إلى الإدلاء بتصريح شخصي.
في بيان متأخر صدر في 20 حزيران/يونيو، أدان الخزعلي "التهديدات الشنيعة التي تستهدف المرشد الأعلى، آية الله العظمى السيد علي الحسيني خامنئي ". ولكن، وعلى عكس نظيره أكرم الكعبي، زعيم حركة "حزب الله النجباء"، الذي هدد سابقاً بمهاجمة بمهاجمة الأصول العسكرية الأمريكية والدبلوماسيين وحتى المدنيين الأمريكيين في حال تعرض خامنئي لأي أذى، امتنع الخزعلي عن إطلاق أي تهديدات مماثلة. وبدلاً من ذلك، وجه مناشدة إلى "المجتمع الدولي" يدعوه فيها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذا الانتهاك غير المقبول، والذي يشكّل تهديداً خطيراً للأمن والسلام في المنطقة والعالم (انظر الشكل 1).
الخزعلي يواجه ضغوطاً شديدة من قاعدته المتشددة.
أدى صمت الخزعلي الذي استمر سبعة أيام إلى تصاعد الضغوط، بل وإثارة شعور بـ"الإحراج" داخل الأوساط التي تطلق على نفسها اسم "المقاومة". وقبيل صدور بيانه الأخير بساعات قليلة، نشر حساب "Walai Muhandis " على منصة "إكس"- وهو حساب غير معروف لا يتجاوز عدد متابعيه 114 – رسالة استفزازية وجه فيها حديثه مباشرة إلى حساب الخزعلي، جاء فيها: "نحن، مجموعة من قيادة "عصائب أهل الحق"، ندعو الشيخ الأمين، قيس الخزعلي... إلى كسر صمته واتخاذ موقف حازم وحاسم ضد الكيان الصهيوني. إن غيابه عن الساحة في هذا الوقت الحرج لا يعكس موقفاً شجاعاً. نحن نشعر بالحرج أمام الشعب العراقي، الذي يطالبك برد واضح" (انظر الشكل 2).
على الرغم من قلة عدد متابعي حساب ولائي مهندس، إلا أن منشورته حظيت باهتمام لافت، إذ تجاوز عدد مشاهداتها 42 ألفاً، وتلقّت أكثر من 200 تعليق حتى 24 حزيران/يونيو، مما يسلّط الضوء على حساسية هذه القضية وأهميتها في السياق العراقي، وخاصة لدى الأوساط الشيعية. ورغم عدم إمكانية التحقق من هوية صاحب الحساب، وبقاء ادعائه بأنه عضو بارز في جماعة "عصائب أهل الحق" غير مؤكد، إلا أن المستخدم كان على دراية واضحة بحجم الضغوط التي تفرضها هذه القضية على جماعة " عصائب اهل الحق" وعلى الخزعلي نفسه.
واللافت أن حساب "ولائي مهندس" سارع إلى الرد على البيان الأخير للخزعلي، حيث ظهر وكأنه يشيد به، مع الاستمرار في الدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً. فقد كتب: "بعد مناشدتنا للأمين الشيخ قيس الخزعلي في تغريدة قبل خمس ساعات حول بيان موقفه من الحرب الدائرة، استجاب سماحته للمناشدة وغرد بكل قوة، وننتظر منه تغريدة أخرى حول الاحتلال الأمريكي" (انظر الشكل 3).
توازنات الخزعلي: سياسي إصلاحي أم إرهابي متخفي؟
طوال سلسلة الأحداث التي أعقبت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أظهر الخزعلي ميلاً إلى النأي بنفسه عن الخطاب العدواني والأعمال الحركية. ورغم أن جذوره الأيديولوجية ما تزال متطرفة بشدة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظام الإيراني، ولا يزال يصور دوره في مقتل أمريكيين عزل بوصفه "مشرفاً"، فإن نزعاته البراغماتية باتت أكثر وضوحاً. إن مناشدته الأخيرة للمجتمع الدولي من أجل المساعدة في إنهاء الحرب والحفاظ على السلام في المنطقة، تمثّل انحرافاً واضحاً عن الخطاب التقليدي لما يُسمى "المقاومة"، وخاصة بين فصائلها الأكثر تطرفاً.
يعكس هذا التوجه طموحات الخزعلي ومساعيه المستمرة للجمع بين نقيضين: البقاء كشخصية محورية في "محور المقاومة"، بما يتيحه له هذا الدور من نفوذ وامتيازات، مع تقديم نفسه في الوقت ذاته كفاعل سياسي موثوق يمكن للأطراف المحلية والدولية القبول به والتعامل معه. وفي اللحظات التي يُنذر فيها التصعيد برد انتقامي من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، تطغى عليه براغماتية وغريزة البقاء. أما حين تكون التكاليف المحتملة أقل، فيعود تطرفه الأيديولوجي إلى الواجهة، بما يؤكد الطبيعة المزدوجة لشخصيته العامة. وإذا ما تم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، فقد لا يتردد في العودة إلى النهج المتشدد الذي قاده في الأساس إلى تصنيفه في قوائم الإرهاب وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
ولكي ينأى الخزعلي بنفسه فعلياً عن "الحرس الثوري الإيراني" وعن العنف ضد المدنيين في العراق، فسيكون عليه أن يخاطر كثيراً. وكما أشار أحد الكتّاب في مقال سابق، "يتعين على قيس و"عصائب أهل الحق" أن يوقفوا هجماتهم العنيفة ضد المدنيين العراقيين، وأن يُظهروا سجلاً نظيفاً في الانتخابات الوطنية المقبلة المقرر عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 وفي مرحلة تشكيل الحكومة التي تليها. كما يجب الحد من تغلغل مليشيا "عصائب أهل الحق" في مفاصل الاقتصاد العراقي، ولاسيما في أنشطة تهريب النفط التي كثيراً ما تعود بالفائدة على إيران. كذلك سيحتاج قيس إلى إظهار التزام حقيقي بتغيير طبيعة منظمته بشكل دائم، والانخراط في عملية حقيقية للمساءلة والمصالحة بشأن الجرائم التي ارتكبتها الحركة ضد المدنيين العراقيين".