
كتائب حزب الله تدعم السوداني في صراعه على السلطة ضد العيداني.

تشير الجماعة المسلحة المدعومة من إيران إلى جديتها في خوض غمار الانتخابات، وتسعى إلى تحقيق نتائج أفضل في محافظة البصرة المكتظة بالسكان، مع مواصلة جهودها لتفتيت القوى المنافسة وإضعاف صفوفها.
تعمل "كتائب حزب الله" على إحداث شرخ بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحافظ البصرة النافذ أسعد العيداني، في إطار مساعٍ أشمل لتعزيز نفوذها في البصرة، التي تُعدّ على الأرجح المحافظة الأكثر استراتيجية في العراق بفضل ثروتها النفطية وموانئها وساحلها. حتى وقتٍ قريب، كان كلٌّ من السوداني والعيداني منخرطَين في مفاوضات لتشكيل تحالف انتخابي استعداداً للانتخابات المقبلة، غير أن "كتائب حزب الله" قد تكون نجحت في عرقلة هذه المحادثات وتعزيز الانقسام بينهما.
اكتسبت حملة "كتائب حزب الله" ضد العيداني زخماً في شباط/فبراير 2024، مع تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بموجب الأمر رقم (87)، والمكلفة بالنظر في الانتهاكات المزعومة التي ارتكبتها الحكومة المحلية في البصرة. ويرأس اللجنة، التي تضم ثلاثة عشر عضواً، النائب سعود الساعدي، الذي يقود الكتلة البرلمانية التابعة لـ"كتائب حزب الله"، المعروفة باسم "حقوق". وقد جرى اختيار أعضاء اللجنة من قبل محسن المندلاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس النواب بالنيابة، ويُعرف بعلاقاته الوثيقة مع عبد العزيز المحمداوي، الملقب بأبو فدك، وهو قائد بارز في "كتائب حزب الله" خاضع للعقوبات الأمريكية، ويتولى أيضاً منصب رئيس أركان "قوات الحشد الشعبي."
أنهت اللجنة تحقيقاتها في شباط/فبراير وقدمت تقريرها النهائي إلى رئيس البرلمان ونائبيه، ومن بينهما المندلاوي، في نيسان/أبريل. وبقيت توصياتها طي الكتمان حتى 20 أيار/مايو، حين صرح النائب الساعدي أن اللجنة، "نظراً للانتهاكات والمخاوف الأخرى المرتبطة بمخالفات مشتبه بها في مشاريع متعددة"، أوصت "بإقالة محافظ البصرة وإحالته إلى المحاكم المختصة" (انظر الشكل 1).
توسيع الخلاف بين السوداني والعيداني
من الواضح أن "كتائب حزب الله" تستغل الآن الأمر النيابي رقم (87) كأداة سياسية للتأثير في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذ جاء إعلان الساعدي وسط خلاف علني بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحافظ البصرة العيداني.
أطلقت محافظة البصرة مؤخراً حملة لهدم المنازل المشيدة بشكل غير قانوني على أراضٍ وصفها مجلس محافظة البصرة بأنها مملوكة لمواطنين. ويُعد هذا النوع من عمليات التطهير الحضري لـ"المستوطنين" المزعومين ومراقبة البناء غير المرخص مشهداً متكرراً في معظم المدن العراقية، ودائماً ما يتحوّل إلى قضية سياسية. وقد أثارت مقاطع فيديو لعمليات الهدم ردود فعل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي العراقية، ما دفع مكتب رئيس الوزراء إلى إصدار بيان إلى المحافظات في 19 أيار/مايو، شدد فيه على "أهمية إيجاد بديل قبل إزالة أي مساكن غير مرخصة"، وأمر باتخاذ التدابير اللازمة لوقف حملات الهدم التي تستهدف الوحدات السكنية غير المرخصة المشيدة على أراض مُغتصبة، لا سيما تلك التي يقطنها مواطنون فقراء لا يملكون حالياً مأوى بديلاً.
بينما يمارس السوداني السياسة مستغلاً الغضب الشعبي خلال عام انتخابي، يركز العيداني على أولوياته الخاصة خلال نفس العام. دخل المرشحان المدعومان من إيران – السوداني والعيداني – في خلاف علني، حيث رد العيداني فوراً برفض بيان رئيس الوزراء، مشدداً على أن العراق دولة اتحادية، وأن توجيهات رئيس الوزراء ليست ملزمة للمحافظات. وأضاف أن "المحافظ يُنتخب من قبل المجلس المحلي ولا يُعتبر موظفاً في الحكومة المركزية"، مشيراً إلى أن "التوجيه الأخير يتعارض بشكل مباشر مع المادة (154) من قانون إزالة التعديات ويشكل سابقة خطيرة قد تشجع على انتهاك الممتلكات العامة والخاصة ".
استغلت "كتائب حزب الله" منصاتها الإعلامية، بما في ذلك "قناة الاتجاه الفضائية"، لدعم موقف السوداني. كما ورددت صابرين نيوز، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر قرباً من "كتائب حزب الله"، الحملة باتهام العيداني بالاستفادة شخصياً من الأراضي المستهدفة بالهدم. وفي رسالة ساخرة، قالت صابرين نيوز: "محافظ البصرة أسعد العيداني يتحدى رئيس الوزراء الذي أصدر منعاً بتهديم المتجاوزين لحين إيجاد بديل لهم ويؤكد انه مستمر بتهديم المتجاوزين على الأراضي التي قام بالاستيلاء عليها باسم شركات خاصة تابعة له يديرها أنسابه وأقربائه وأصهاره" (الشكل 2).
اتخذت "كتائب سيد الشهداء" نهجاً مشابهاً، حيث صورت دفاعها عن السوداني، كما فعلت قناة "الاتجاه"، على أنه دفاع عن سلطة الدولة.
حملة انتخابية شاملة من قبل ثلاثة عناصر مدعومة من إيران
ينبغي على منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" الإشارة إلى أن رئيس الوزراء السوداني والمحافظ العيداني حظيا بدعم سياسي قوي لعقود من قبل "الحرس الثوري الإيراني" و"فيلق القدس" التابع له، بما في ذلك القائد الحالي إسماعيل قاآني. أما اللاعب الثالث في هذه الدراما فهي "كتائب حزب الله"، أشهر الجماعات الإرهابية المدعومة من "فيلق القدس" في العراق. تتعايش هذه الجماعات عادة في جو من التوتر، لكن في عام الانتخابات، من المرجح أن تحاول هذه الكتل الإضرار ببعضها البعض، في حين يبدو أن إيران لا تتدخل بشكل مباشر.
قبل الانتخابات العامة العراقية المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني/نوفمبر2025، من المرجح أن يسعى المساهمون في" حكومة المقاومة" التابعة لـ" الإطار التنسيقي" في حكومة السوداني إلى إبعادهم عن السياسيين شبه المستقلين الآخرين، مثل العيداني ومحافظ واسط محمد جميل المياحي. ومن الجدير بالذكر أن كل من العيداني والمياحي قد فازا على "الإطار التنسيقي" في انتخابات المحافظات التي جرت في كانون الأول/ديسمبر 2023، مما جعلهما يشكلان منافسةً جديةً لفصائل "الإطار التنسيقي" في انتخابات 2025، خاصة إذا توحدا معاً وانضم إليهما حاكم كربلاء نصيف جاسم الخطابي إلى جانب السوداني في الوقت الحالي.
كما تشير "كتائب حزب الله" إلى أنها ستبذل جهوداً أكبر من خلال منصة "حقوق" خلال هذه الدورة الانتخابية. في عام 2021، رشحت الكتائب 32 مرشحاً وحصلت على مقعد واحد فقط، ارتفع العدد إلى ستة مقاعد بعد استقالة مقتدى الصدر من أكثر من 70 مقعداً في حزيران /يونيو 2022، وإعادة توزيعها على المرشحين الذين حلّوا في المرتبة الثانية. بالإضافة إلى كونها ثاني أكبر مركز للسكان الشيعة في العراق، تعد البصرة منطقة تقليدية لنفوذ "كتائب حزب الله"، حيث من المرجح أن تحصل الجماعة على مقاعد إضافية إذا تعرض العيداني لأضرار. يتضح من الإجراءات القانونية الطويلة الأمد ضد العيداني أن "كتائب حزب الله" كانت تستعد لخيار "الحرب القانونية" ضد التهديدات المحتملة، مستفيدة من أعضائها في البرلمان، الذين يبدو أن الحركة الإرهابية تقدرهم بشكل متزايد.