هجمات مميتة تُبرز تزايد هيمنة الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر
Part of a series: Maritime Spotlight
or see Part 1: Tracking Maritime Attacks in the Middle East Since 2019
تُظهر الهجمات الأخيرة بوضوح ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية ضمان حرية وسلامة جميع السفن المارة عبر البحر الأحمر، وذلك من خلال الجمع بين بعثة عسكرية دائمة، ودعم من دول المنطقة، إضافةً إلى الاستعانة بشركات أمنية خاصة.
في الأسبوع الماضي، صعد الحوثيون من حملتهم القاتلة ضد حرية الملاحة في البحر الأحمر، حيث أغرقوا سفينتين تجاريتين غير مرافقتين في هجمات متعاقبة ومنسقة، مما ضاعف عدد السفن التي أغرقتها الجماعة في المنطقة منذ عام 2023 ليصل إلى أربع سفن (انظر الجدول الزمني أدناه). من المرجح أن غياب الوجود البحري الدولي في جنوب البحر الأحمر قد شجع الجماعة على مواصلة هجماتها؛ فبحسب تقرير صادر عن Lloyd"s List Intelligence، كانت شركات الأمن البحري الخاصة، التي تتمتع بقدرات محدودة، هي الجهات الوحيدة التي تمكنت من التدخل لإنقاذ البحارة. واستناداً للبيانات التي جمعها معهد واشنطن منذ عام 2023، كان من الممكن التخفيف من حدة الهجمات لو توفرت سفينة حربية واحدة على الأقل تكون متأهبة للرد على الهجوم الأول واعتراض أي أسلحة إضافية يُطلقها الحوثيون.
استمرار الحملة البحرية للحوثيين
يمكن وصف الهجمات الأخيرة للحوثيين بأنها تصعيد محسوب بعناية يهدف إلى إظهار القوة والعدوانية بأكبر قدر من التأثير. منذ عام 2023، واصلت الجماعة تجربة تكتيكات جديدة واستخدمتها في مراحل مختلفة من حملتها البحرية. وهذه المرة، قدر الحوثيون أن المخاطر منخفضة وأنهم لا يواجهون قوة ردع سريعة وفعالة، كما كان الحال في الهجمات السابقة. لم يتلاش التهديد الذي يواجه الملاحة البحرية قط، بل كان مجرد مسألة وقت قبل أن يصعد الحوثيون من هجماتهم، التي صاحبتها حرب دعائية منظمة.
حتى خلال فترة الهدوء النسبي التي أعقبت "وقف إطلاق النار" بين الولايات المتحدة والحوثيين في أيار/مايو، واصلت الجماعة رصد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحرصت أن يكون وجودها محسوساً دائماً من خلال التهديدات المباشرة الموجهة إلى شركات الشحن، لا سيما تلك التي تمتلك أساطيل ترسو في الموانئ الإسرائيلية.
وتشير الهجمات الأخيرة، التي استهدفت ناقلتي بضائع عامة تابعتين لشركتين مقرهما اليونان وزارتا موانئ إسرائيلية، إلى أن تهديد الحوثيين سيستمر، لا سيما مع تحول انتباه المجتمع الدولي وقواته العسكرية عن جنوب البحر الأحمر بسبب صراعات إقليمية أخرى.
في السادس من تموز /يوليو، هاجم الحوثيون سفينة شحن "Magic Seas " (IMO 9736169)، التي ترفع علم ليبيريا وتشغلها شركة AllseasMarine. وبحسب تقرير صادر عن "هيئة عمليات الملاحة البحرية البريطانية" (UKMTO)، "اشتبكت" سفينة "Magic Seas " مع عدة سفن صغيرة قبل أن تصيبها قذيفة، مما تسبب في اندلاع حريق على متنها وأجبر الطاقم على مغادرتها. وقد تم إنقاذ البحارة من قبل سفينة تجارية عابرة. كما أظهر مقطع فيديو عناصر مسلحة من الحوثيين يصعدون على متن سفينة الشحن، التي غرقت لاحقاً بعد سلسلة من الانفجارات التي وقعت في أجزاء مختلفة منها تحت خط الماء، ربما بسبب ألغام لاصقة مثبتة على بدن السفينة.
جاء الهجوم الثاني هذا الشهر ليستهدف سفينة شحن Eternity C (IMO 9588249) التي ترفع علم ليبيريا، وتديرها شركة CosmoshipManagement، وقد تسبب في سقوط العديد من الضحايا بين البحارة عندما وجهت زوارق حربية تابعة للحوثيين نيرانها نحو جسر قيادة السفينة. وفي 9 يوليو/تموز، أكدت "هيئة عمليات الملاحة البحرية البريطانية" غرق السفينة؛ وتفيد التقارير بأن الحوثيين احتجزوا أفراد الطاقم الناجين كرهائن.
وتعد هذه الهجمات أول هجمات مباشرة ضد سفن تجارية في البحر الأحمر منذ كانون الاول /ديسمبر 2024. (جميع المعلومات حول الهجمات السابقة متاحة على منصة (متتبع الحوادث البحرية التابع لمعهد واشنطن).
حجم وجرأة غير مسبوقين
كان حجم الهجمات الأخيرة وجرأتها غير مسبوقين، لا سيما في ظل غياب أي تدخل بحري. وقد استخدم الحوثيون مزيجاً من التكتيكات القديمة المجربة، مثل المنصات الهجومية المأهولة وغير المأهولة، وأنواع مختلفة من الصواريخ، بعضها سبق أن استُخدم في هجمات ناجحة وأخرى فاشلة. وتشمل هذه الهجمات تلك التي استهدفت سفينة الحاويات Maersk Hangzhou (IMO 9784300) في كانون الاول/ديسمبر 2023، والتي أدت إلى تدخل الولايات المتحدة لتدمير قوارب الحوثيين، فضلاً عن العمليات المنفصلة التي نُفذت العام الماضي ضد سفينة البضائع العامة Verbena (IMO 9522075)، وسفينة الشحن Tutor (IMO 9942627) التي غرقت، وناقلتي النفط Delta Blue (IMO 9601235) وSounion (IMO 9312145)، حيث تم إنقاذ طاقم السفينة الأخيرة (المزيد عن ذلك أدناه). ومع ذلك، لم تُدمج أي عملية سابقة للحوثيين هذا النطاق من القدرات في غارتين متتاليتين، نُفذتا بخطة محكمة وبنجاح واضح.
وبحسب التقارير، تعرضت السفينة Eternity C لهجوم شنته ما لا يقل عن ثمانية زوارق صغيرة، بما في ذلك عدة زوارق سطحية غير مأهولة ومفخخة (USV)، اصطدم اثنان منها بالسفينة بينما كان رجال مسلحون على متن قوارب أخرى يطلقون نيراناً كثيفة على جسر القيادة وحراس الأمن المدافعين. كما استهدفت السفينة صاروخان على الأقل في ذلك الوقت. وفي وقت لاحق، اصطدم صاروخان إضافيان وزورقان سطحيان غير مأهولان بالسفينة، التي كانت قد توقفت تماماً، لتنتهي بذلك رحلتها. وبناءً على حجم وموقع الأضرار التي لحقت بالسفينة من عنبر الشحن إلى غرفة المحركات، فضلاً عن مقاطع الفيديو الدعائية للحوثيين، يُرجّح أن مجموعة من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن استُخدمت في الهجوم، بما في ذلك صاروخ "آصف" الموجه بصرياً وكهربائياً، ونسخة مضادة للسفن مما يبدو أنه صاروخ "قاسم"، بالإضافة إلى صواريخ كروز المضادة للسفن "مندب – 2" الموجهة بالرادار. ومن الواضح أن الحوثيين كانوا يهدفون إلى إيقاف السفينة وإغراقها عبر إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر.
إن نهج الحوثيين في العودة إلى السفن المصابة بعد هجرانها لتوجيه الضربة القاضية واستغلالها لأقصى حد في الدعاية ليس بالأمر الجديد، ولكن كان من الممكن التصدي له هذه المرة لو تم استخلاص الدروس من الحوادث السابقة وسارعت أي سفن حربية في المنطقة إلى إنقاذ السفينة.
في آب/أغسطس 2024، تضمن هجوم على ناقلة النفط "سونيون" أيضاً أسلحة صغيرة وقوارب يقودها الحوثيون، الذين اقتربوا من السفينة قبل إطلاق قذائف، مما تسبب في اندلاع حريق على متن الناقلة أدى لاحقاً إلى احتراق غرفة المحركات، وبدأت الناقلة في الانجراف بعيداً. وفي ذلك الوقت، تمكنت بعثة الاتحاد الأوروبي الدفاعية "اسبيدس" من الاستجابة لطلب المساعدة من قبطان السفينة.
يعكس تعقيد العمليات الأخيرة للحوثيين وتوقيتها مستوى أعلى من التنسيق بين عناصرهم. وقد تزامنت الهجمات الوحشية مع وقف إطلاق نار محتمل في غزة، ووقعت وسط توترات مستمرة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً إلى أن الحوثيين هددوا بالقيام بأعمال ضد السفن الأمريكية حتى قبل الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية في حزيران/يونيو، فانه يُتوقع أن ينعكس أي تصعيد أو تهدئة مستقبلية مع إيران على الملاحة في البحر الأحمر.
علاوة على ذلك، يشير الغياب الكامل للأصول العسكرية الدولية في جنوب البحر الأحمر إلى أن الحوثيين باتوا أحراراً في مهاجمة وإغراق السفن التجارية كما يشاؤون. فلا تملك عملية "أسبيدس" التابعة للاتحاد الأوربي سوى ثلاث وحدات بحرية في المنطقة، على الرغم من أنها توفر الحراسة للسفن التجارية التي تطلب ذلك. ومع ذلك، إذا كانت البعثة الدفاعية التابعة للاتحاد الأوروبي تمتلك قدراً أكبر من الأصول، فستكون قادرة على توفير المزيد من الحماية، على الرغم من أن ذلك لن يكون سهلاً، وفقاً لدراسة أجراها المؤلفون في أوائل هذا العام. كما أن الحضور النادر لمجموعتين من حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية في بحر العرب لم يردع الحوثيين.
المضي قدماً
يمتلك الحوثيون الإرادة والقدرة العسكرية على إغراق المزيد من السفن في جنوب البحر الأحمر، الذي لا يزال يشكل ممراً حيوياً ليس فقط للشحن التجاري، ولكن أيضاً للإمدادات العسكرية الأمريكية داخل وخارج مسرح العمليات في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. وستواصل السفن المعرضة لمخاطر منخفضة عبور مضيق باب المندب بحذر، مع العلم أن حركة العبور انخفضت بشكل ملحوظ منذ عام 2023، حيث تراجعت بمقدار النصف، وفقاً لبيانات Lloyd's List Intelligence. ولا تملك "أسبيدس" ولاية لردع أو إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين. حتى الحملات الهجومية الواسعة النطاق مثل عملية "الراكب الخشن"، وهي العملية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو من هذا العام، لم تتمكن من ضمان حرية الملاحة الكاملة في البحر الأحمر، وما تزال شركات الشحن الكبرى تتجنب المنطقة.
إذا استمر الحوثيون في التمتع بحرية مهاجمة السفن في المنطقة، فإن السفن ذات الارتباطات غير المباشرة بإسرائيل، وربما سفناً أخرى في المستقبل، قد تضطر إلى مرافقة عسكرية إذا واصلت عبور البحر الأحمر. إن شركات الشحن التي تعي هذه المخاطر وتقرر مع ذلك إيقاف نظام التعرف التلقائي (AIS) والعبور دون مرافقة ستعرض البحارة وسفنهم لمخاطر جسيمة. كما يجب على السفن التي لها صلات بالولايات المتحدة أن تظل يقظة، على الرغم من "وقف إطلاق النار" مع واشنطن. ولا تمثّل هذه الموجة مجرد تصعيد رمزي، بل كانت هجمات الحوثيين مميتة ومنسقة جيداً ومزعزعة بما يكفي لتبرير إرسال بعثة عسكرية دائمة، بدعم من شركات أمنية بحرية خاصة ودول المنطقة، لحماية حرية الملاحة وسلامتها للجميع في البحر الأحمر.
.