
- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
وعود استثمارية بمليارات الدولارات تؤكد مسار السعودية الداعم لسوريا سياسياً

تشير زيارة الوفد السعودي رفيع المستوى الذي حضر مؤتمر الاستثمار في دمشق إلى أن الرياض تراهن على الرئيس أحمد الشرع
في أواخر تموز/يوليو، حضر وفد يضم 130 رجل أعمال سعودي بقيادة وزير الاستثمار خالد الفالح، وزير النفط الاسبق، مؤتمر الاستثمار في دمشق، الذي كان من المقرر عقده في حزيران/يونيو، غير أنه تأجل بسبب الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل. وقد أُعلن عن الزيارة المرتقبة في اجتماع مجلس الوزراء السعودي الذي انعقد في الرياض في 22 تموز/يوليو. ومن الملفت أن الاجتماع ترأسه الملك سلمان، الذي نادراً ما يظهر في المناسبات العامة هذه الأيام.
أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي أطاح ببشار الأسد في كانون الاول/ديسمبر، زيارته الاولى للسعودية في شباط/فبراير، وأبدى بوضوح علاقة وثيقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بصفته الزعيم الفعلي للمملكة. وخلال زيارة الرئيس ترامب للخليج في أيار/مايو، كانت الصورة التي تُظهره وهو يصافح بحرارة الإرهابي السني سابقاً، بينما ينظر محمد بن سلمان، من المشاهد البارزة للزيارة. ووصف ترامب الشرع بأنه "شاب جذاب وقوي"، وأعلن أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية سيتم رفعها، وهو ما يحذو حذوه الآن ولي العهد السعودي.
وتشير التقارير إلى أن الجانبين استكشفا خلال مؤتمر تموز/يوليو فرص التعاون، رغم عدم توفر تفاصيل ملموسة. ومع ذلك، جرى توقيع ما يصل إلى 47 اتفاقية تشمل قطاعات الطاقة والاتصالات والقطاع المالي والمصارف وصناديق الاستثمار. وقد يسّرت هذه الأنشطة توقيع مذكرة تفاهم في الرياض في 27 تموز/يوليو بين وزير النفط السوري محمد البشير والأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي والأخ غير الشقيق لمحمد بن سلمان. وارتفعت القيمة التقديرية الأولية من 4 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار خلال يومين فقط. لكن كما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز"، "كانت العديد من الصفقات المقترحة في مراحلها الأولى، وتتضمن تفاصيل محدودة".
وقد قُدر إجمالي القيمة المحتملة التقديرية الأولية لهذه الاتفاقيات بنحو 4 مليارات دولار، وهي تقديرات تعكس القيمة الاقتصادية المتوقعة لهذا التعاون المقترح، ثم ارتفعت خلال بضعة أيام إلى 6 مليارات دولار. ومع ذلك، وكما أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن "العديد من الاتفاقيات المقترحة كانت لا تزال في مراحلها الأولية، وتفتقر إلى التفاصيل الكافية.
ورغم الهوة بين الأرقام المُعلنة والواقع، افتتح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح ونظيره السوري مشروعاً متواضعاً نسبياً بقيمة 20 مليون دولار لبناء مصنع أسمنت بالقرب من دمشق خلال الزيارة. وأفادت وكالة "رويترز" أن الوزير السعودي وضع أيضاً حجر الأساس لمشروع برج تجاري بقيمة تناهز 100 مليون دولار، بدعم من شركة استثمارية سعودية. كما تم الإبلاغ عن وجود اهتمام بقطاعي الطاقة والضيافة في سوريا. وكما قال الفالح: "نتوقع أن تحتاج سوريا إلى مئات المليارات لإعادة الإعمار، وعشرات المليارات لمشاريع إنتاجية تستهدف الأسواق الإقليمية والدولية". ويقدّر الخبراء أن إعادة الإعمار بعد أربعة عشر عاماً من الحرب الأهلية ستكلف نحو 400 مليار دولار، وفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز". ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة كبيرة نتيجة غياب خطة واضحة لإعادة الإعمار أو قائمة بالقطاعات ذات الأولوية، لذلك، يبقى مؤتمر الاستثمار والزيارة السعودية مؤشراً سياسياً على الدعم الذي يقدمه محمد بن سلمان للشرع.
وحتى الآن، حظي قطاع الطاقة بأكبر اهتمام أجنبي. فقد أبرمت دمشق اتفاقية طاقة بقيمة 7 مليارات دولار مع قطر. ويجب على سوريا، التي كانت في يوم من الأيام مصدراً محدوداً للنفط، أن تعيد تشغيل إنتاج النفط والغاز، على الأقل من خلال إصلاح أو إعادة بناء بنيتها التحتية المحلية. وأفادت نشرة "ميس" المتخصصة في مجال الطاقة أن مسؤولين أمريكيين في قطاع النفط والغاز زاروا دمشق لإجراء محادثات الشهر الماضي. ومن بين الدول الأخرى المشاركة في قطاعي الطاقة والبنية التحتية أذربيجان وتركيا والإمارات العربية المتحدة، لذلك، سيُشكّل السوق بيئة تنافسية للسعودية للولوج إليه، على الرغم من أن الرياض حصلت على تأييد مبكر من خلال سداد (مع الدوحة) ديون سوريا للبنك الدولي. كما سيشكل عدم وجود حدود مشتركة بين المملكة وسوريا عائقاً اضافياً. وقد بدأ تدفق الغاز الأذربيجاني من تركيا إلى شمال سوريا في أواخر تموز/يوليو، حيث سيُستخدم لتشغيل محطة لتوليد الكهرباء.
من المتوقع أن يؤدي استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي إلى تراجع حجم ومعدل التنمية الاقتصادية في سوري. وقد أُعلن عن إجراء انتخابات في أيلول/سبتمبر، لكن من غير المرجح أن تكون ذات مغزى. فحكومة الشرع لا تسيطر على كامل البلاد، ولا سيما مدينة السويداء الدرزية في الجنوب، حيث قُتل مئات من الدروز في اشتباكات مع قبائل بدوية. وقد تم التوصل إلى هدنة هشة هناك بعد أن قصفت إسرائيل، التي تضم أقلية درزية صغيرة لكنها مهمة، أهدافاً في دمشق وجنوب سوريا. وتفيد التقارير أن القدس على اتصال مباشر مع دمشق، لكنها تركز بشكل ضيق على قضايا الدروز والحدود، في حين أن وضع إمدادات الغاز الإسرائيلية المحتملة إلى جنوب سوريا لا يزال غير واضح.