- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4141
إنقاذ وقف إطلاق النار في لبنان وسط مواعيد نهائية وشيكة وتهديدات بتجدد الحرب
تتوقع واشنطن وحلفاؤها من بيروت أن تواجه حقيقة قاسية لكنها حتمية: فالحرب ستتجدّد ما لم تُتخذ خطوات جدّية لتقويض ركائز قوة "حزب الله"، وتعزيز البدائل السياسية داخل المجتمع الشيعي، وتحقيق الشرط الأساسي لأي وقف إطلاق نار فعلي، وهو نزع سلاح الجماعة.
على الرغم من انتهاء العمليات العسكرية الكبرى بين إسرائيل و"حزب الله" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في ذلك الوقت لا يزال هشاً بعدة معانٍ. فمن ناحية، بالكاد توقف إطلاق النار الإسرائيلي؛ إذ لا تزال قواتها تنفذ عمليات مركزة ضد أهداف "حزب الله" تقريباً كل يوم. ويعود ذلك إلى أن هدف إسرائيل الرئيسي في الحرب – وهو إزالة التهديد الإرهابي على حدودها الشمالية حتى يتمكن السكان المُهجّرون من العودة بأمان إلى ديارهم – لم يتحقق بعد. وإذا فشل لبنان في الوفاء بالتزاماته، فإن إسرائيل عازمة على فرض هذا الهدف بنفسها.
بموجب اتفاق العام الماضي، وافقت بيروت على نزع سلاح "حزب الله" عبر آلية تنفذها القوات المسلحة اللبنانية وتراقبها الولايات المتحدة وفرنسا. وإدراكاً لأن هذا الجهد سيكون صعباً وطويلاً، اعترفت واشنطن أيضاً بحق إسرائيل في إزالة التهديدات بالقوة في الوقت نفسه عند الضرورة. بدأت العملية بشكل جيد بما فيه الكفاية – فبدعم من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، انتشرت القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب، وأحرزت تقدماً في تفكيك البنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" هناك، وقدمت خطة لإنجاز بقية المهمة على مراحل: جنوب نهر الليطاني بحلول نهاية عام 2025، ثم في أجزاء أخرى من البلاد بعد ذلك. ومع ذلك، لم يكن لمعظم عملية نزع السلاح المقترحة جدول زمني محدد، وسرعان ما نشأت مشاكل أخرى، بما في ذلك تهديدات "حزب الله" بحرب أهلية.
اليوم، تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الجماعة لا تنزع سلاحها – بل في الواقع، تسارعت جهود "حزب الله" لإعادة بناء قدراته العسكرية، بما في ذلك في الجنوب. وبالمثل، أسفرت تعهدات القوات المسلحة اللبنانية بنزع سلاح الميليشيات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عن خطوات شكلية في الغالب حتى الآن. ورداً على ذلك، أطلق مسؤولون غربيون تحذيرات متعددة لبيروت بشأن تصعيد عسكري إسرائيلي وشيك، بينما أعطى وفد أميركي مؤخراً قادة القوات المسلحة اللبنانية مهلة حتى نهاية العام لاستئناف عملية نزع سلاح "حزب الله" وقطع التدفق النقدي للميليشيا وإلا ستواجه عقوبات ومزيداً من العزلة عن الأنظمة المصرفية والأسواق الدولية. كما أشارت إدارة ترامب إلى عدم رضاها بإلغاء الاجتماعات المقررة لقائد القوات المسلحة اللبنانية اللواء "رودولف هيكل" في واشنطن الشهر الماضي. وفي الوقت نفسه، كانت رسالة إسرائيل إلى لبنان واضحة: قد ينهار اتفاق وقف إطلاق النار قريباً ما لم يتغير الوضع.
أهداف إسرائيل وأولوياتها
إلى جانب الضغط الدبلوماسي المتزايد، تحافظ قوات الدفاع الإسرائيلية على الضغط العسكري عبر ضربات جوية مركزة وغارات برية عرضية، حيث قُتل بحسب التقارير حوالي 350 عضواً من "حزب الله" ودُمرت مئات الأهداف الأخرى خلال العام الماضي. وقد هُوجمت بعض هذه الأهداف بعد إبلاغ القوات المسلحة اللبنانية عنها لكنها فشلت في اتخاذ إجراء.
وقد صعّدت قوات الدفاع الإسرائيلية وتيرة ونطاق مثل هذه الضربات في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك عمليات في قرى جنوب لبنانية مختلفة، وهجوم على منشأة تدريب لـ"حماس" في مخيم عين الحلوة للاجئين قتل ثلاثة عشر عضواً من الجماعة، وضربة على القيادي البارز في "حزب الله" "هيثم الطباطبائي" في منطقة الضاحية ببيروت. ثم رفعت قوات الدفاع الإسرائيلية مستوى تأهبها على الحدود الشمالية في حال اختار "حزب الله" الرد بقوة، على الرغم من أن الجماعة امتنعت حتى الآن، ربما خوفاً من أن إسرائيل تحاول جرها إلى الصراع. إلى جانب تدهور القدرات العسكرية لـ"حزب الله" وإحباط جهوده لإعادة البناء، تهدف هذه الضربات إلى إظهار عزم إسرائيل، وتحفيز الحكومة اللبنانية على الوفاء بالتزاماتها، وتوضيح أن البديل الوحيد لـ"حزب الله" عن نزع السلاح الطوعي هو تجدد الصراع مع قوات الدفاع الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، لا تزال قوات الدفاع الإسرائيلية تحتفظ بوجود على خمسة تلال لبنانية تطل على المجتمعات الإسرائيلية الحدودية، مما يمنع "حزب الله" من التمركز مجدداً هناك وتهديد الإسرائيليين مرة أخرى. وقد أوضح هذا الموقف والبيانات العامة المرتبطة به أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب حتى تفي بيروت بواجبها في نزع سلاح "حزب الله ".
كما منعت إسرائيل إعادة إعمار بعض القرى الجنوبية التي دُمرت بعد أن حولتها الجماعة إلى مجمعات عسكرية. والجدير بالذكر أن القوات المسلحة اللبنانية رفضت مؤخراً دخول ما يسمى بـ"الممتلكات الخاصة" بحثاً عن أسلحة غير مشروعة، على الرغم من أن الكشوفات في زمن الحرب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن "حزب الله" قد حوّل هذه الممتلكات بشكل منهجي إلى مواقع عسكرية ومنع وصول القوات المسلحة اللبنانية/اليونيفيلإليها لسنوات.
أهداف لبنان وأولوياته
نظراً للسياسة الطائفية الانقسامية في لبنان، والانتخابات البرلمانية الوشيكة (المقرر حالياً إجراؤها في أيار/ مايو)، وغياب مؤسسات دولة قوية أو قوات أمنية مهيمنة، يبدو أن قادته غير راغبين في اتخاذ مزيد من الخطوات التي قد تزيد من احتمال التصعيد مع "حزب الله". وترتكز روايتهم الرئيسية على ثلاث نقاط أساسية: أن الضغط على "حزب الله" لنزع سلاحه قد يشعل حرباً أهلية ويقسم القوات المسلحة اللبنانية؛ وأن القوات اللبنانية غير قادرة على نزع سلاح الجماعة على مستوى البلاد؛ وأن بيروت لا تريد القيام بالعمل نيابة عن إسرائيل، مما يعني ضمنياً أن إسرائيل بحاجة للقيام بالعمل بنفسها.
تتجاهل هذه الرواية بشكل مريح التزامات لبنان المتفق عليها بموجب وقف إطلاق النار – وهو قلق تفاقم بسبب حقيقة أن كلاً من اللواء "رودولف هيكل" ورئيس الوزراء "نواف سلام" بدآ مؤخراً باستخدام كلمة "احتواء " بدلاً من "نزع السلاح" عند الإشارة إلى جهود القوات المسلحة اللبنانية شمال الليطاني، مردّدين سياسات الاسترضاء الفاشلة التي تبنتها الحكومات السابقة تجاه "حزب الله". وعلى الرغم من الدعوات الرسمية لمفاوضات أوسع مع إسرائيل والجولات الإعلامية اللبنانية البارزة للأنفاق "المكشوفة" لـ"حزب الله"، لم تتخذ بيروت ولا القوات المسلحة اللبنانية أي إجراء جاد لنزع سلاح الجماعة خارج منطقة الحدود الجنوبية.
إذا بقي الوضع دون تغيير بمجرد أن يحل العام الجديد وتنتهي مهلة واشنطن البالغة ستين يوماً، فمن المحتمل أن يواجه لبنان واقعاً مختلفاً – واقعاً يستلزم المزيد من الاغتيالات المستهدفة للقادة العسكريين والسياسيين في "حزب الله" بالإضافة إلى المزيد من عمليات الإخلاء من مراكز نشاط "حزب الله" المكتظة بالسكان مثل الضاحية. كما اتهمت إسرائيل بعض شخصيات القوات المسلحة اللبنانية بالتنسيق مع الجماعة، مما يرفع احتمال أن تضيفهم إلى قائمة الأهداف في جولات التصعيد المستقبلية. وفي الوقت نفسه، قد يقرر المسؤولون الأميركيون سحب التمويل والدعم الآخر للقوات المسلحة اللبنانية إذا رفضت تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. بعبارة أخرى، إذا لم تتصرف بيروت الآن، فقد تجد نفسها قريباً أقل قدرة على ممارسة سيادتها على مسائل الأمن القومي الحاسمة المتعلقة بـ"حزب الله ".
أهداف "حزب الله" وأولوياته
في الوقت الحالي، هدف الجماعة الرئيسي هو البقاء. وبشكل أكثر تحديداً، يحتاج "حزب الله" للحفاظ على أربع ركائز للقوة المحلية من أجل إعادة بناء قدراته ضد إسرائيل:
الركيزة العسكرية. خلال الحرب، فقدت الجماعة آلاف المقاتلين، والكثير من ترسانتها العسكرية وبنيتها التحتية، وجزءاً كبيراً من هيكلها القيادي. وحتى مع قيام "حزب الله" باستبدال هذه الشخصيات البارزة، واصلت قوات الدفاع الإسرائيلية مهاجمتهم، مما أبقى القيادة في حالة فوضى بينما تذكرهم باختراق إسرائيل الاستخباراتي العميق. ووفقاً لمصادر مقربة من القيادة العسكرية لـ"حزب الله"، ركزت الجماعة أيضاً على إنتاج الأسلحة الرخيصة داخلياً، واستيراد المواد وبناء الطائرات بدون طيار محلياً تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني. وتقول المصادر نفسها إنه نظراً للتدهور الكارثي في الصفوف العليا لـ"حزب الله"، يقود الحرس الثوري الآن عملية إعادة بناء أسلحة الجماعة وهيكلها القيادي.
الركيزة المالية. وفقاً لمسؤولين أميركيين، ضخت إيران حوالي مليار دولار إلى "حزب الله" منذ انتهاء الحرب. وعلى الرغم من أن هذا يشبه ميزانية الجماعة السنوية المعتادة، فإن نفقاتها الحالية أعلى بكثير نظراً للحاجة إلى إعادة بناء ترسانتها، ودفع تعويضات زمن الحرب للمقاتلين والعائلات والمؤيدين، وتجنيد وتدريب مقاتلين جدد. وتُقدر تكاليف إعادة إعمار المباني المدمرة والتعويضات للمجتمع الشيعي وحده بأكثر من 11 مليار دولار.
الركيزة السياسية. على الرغم من أن "حزب الله" فقد "ثلث التعطيل" عندما شكل لبنان حكومة جديدة في وقت سابق من هذا العام، فقد تمكن من تأمين تعيينات في مؤسسات أمنية ومالية رئيسية بمساعدة من حليفه الأبرز، رئيس مجلس النواب "نبيه بري". والأولوية الرئيسية للجماعة الآن هي تأمين جميع المقاعد الشيعية السبعة والعشرين في الانتخابات البرلمانية في أيار/ مايو، مما يضمن أن تتمكن من تسمية رئيس المجلس التالي وأن يكون لها رأي في تشكيل الحكومة التالية.
الركيزة الشيعية. لا يحتاج "حزب الله" إلى دعم شيعي عالمي لتحقيق أهدافه السياسية – بل يحتاج فقط للتأكد من أن الأغلبية الصامتة لا تصوت، وأن أي بدائل سياسية شيعية تبقى ضعيفة ومهددة. إن التمسك بأسلحته أمر أساسي لتحقيق هذه الأهداف، حيث يعتمد كلاهما على الترهيب. في نهاية المطاف، المجتمع الشيعي هو الوسيلة الوحيدة لـ"حزب الله" للبقاء على المدى الطويل، لذلك لن يتخلى عنها بسهولة.
التوصيات السياسية
إن استهداف جميع الركائز المذكورة أعلاه أمر أساسي لمنع "حزب الله" من إعادة بناء نفسه – وهو تهديد لم تعد إسرائيل على استعداد لتحمله. لذلك يجب على واشنطن العمل على مسارين لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار ومنع حرب أخرى: المسار الفوري لنزع السلاح، ومسار أطول أجلاً لإرساء شروط السلام بين إسرائيل ولبنان. ويجب أن يشمل هذا النهج التدابير التالية:
- استمرار القيادة الأميركية، والتي تشمل الحفاظ على آلية تنفيذ وقف إطلاق النار بقيادة القيادة المركزية الأميركية ووضع المزيد من الضغط السياسي على الحكومة اللبنانية للوفاء بالتزاماتها. على وجه التحديد، يجب على بيروت توضيح أنه لم يعد من الممكن استخدام الممتلكات الخاصة لحماية النشاط العسكري لـ"حزب الله"؛ ويجب توجيه القوات المسلحة اللبنانية للبحث في كل جزء من لبنان ونزع سلاحه. كما يجب على بيروت تقديم جدول زمني واضح لعملية نزع السلاح بأكملها والتنفيذ وفقاً لذلك.
- ضمان حصول القوات المسلحة اللبنانية على المزيد من المساعدة الأميركية بمجرد تقدم عملية نزع السلاح، ويرجع ذلك جزئياً إلى تحفيز الوضوح بشأن هذه العملية وتحفيز الوحدات العسكرية على تحمل المخاطر المطلوبة لمواجهة "حزب الله" (في الواقع، قد تكون هذه الطريقة الوحيدة لتحفيزهم). على سبيل المثال، يمكن وضع معايير لإرسال مساعدة أميركية محددة إذا تم تطهير قطاعات معينة من أسلحة "حزب الله" بحلول تواريخ معينة. وعلى العكس من ذلك، إذا لم توسع القوات المسلحة اللبنانية جهودها شمال الليطاني، فيجب أن تكون واشنطن مستعدة لتعليق مساعدتها بالكامل. لا حاجة للانتظار حتى نهاية العام لتأكيد جدية القوات المسلحة اللبنانية على هذه الجبهة – وباستخدام آلية وقف إطلاق النار الحالية، يجب على واشنطن أن تطلب من القوات اللبنانية السيطرة على منشأة عسكرية واحدة على الأقل لـ"حزب الله" شمال الليطاني الآن.
- منع تهريب الأسلحة إلى لبنان عن طريق البحر أو الجو أو البر، بما في ذلك عمليات النقل عبر الحدود عبر سوريا. يمكن أن يساعد ترسيم الحدود اللبنانية السورية وتعزيز التعاون الآخر بين الجارتين بشكل كبير في هذا الصدد، وكذلك تشجيع دمشق على إعلان مزارع شبعا أراضٍ سورية، وبالتالي حرمان "حزب الله" من رواية تستند إلى "المقاومة" ضد الاحتلال الإسرائيلي لتلك الأراضي اللبنانية المفترضة.
- تطبيق عقوبات أميركية إضافية. إذا تم استهدافها وتوقيتها بشكل مناسب، فقد يكون هذا التدبير مفيداً بشكل خاص نظراً لتركيز "حزب الله" المحتمل على معالجة أزمته المالية في أعقاب الحرب في الأشهر المقبلة. على وجه الخصوص، يجب على واشنطن النظر في فرض عقوبات على الأفراد لانخراطهم في الفساد و/أو حماية "حزب الله"، بما في ذلك شخصيات رفيعة المستوى في "حركة أمل" الحليفة للجماعة وحتى أعضاء من عائلة "بري". والتدبير الأخير له ما يبرره بشكل كامل بموجب سلطة ماغنيتسكي العالمية لوزارة الخزانة، حيث أوضح "بري" أنه سيقف إلى جانب الجماعة الإرهابية المُدرجة أميركياً في كل قضية.
- استهداف قوة "حزب الله" في البرلمان القادم. ويشمل ذلك تعزيز وحماية المنافسين الشيعة لـ"حزب الله" و"أمل"، بالإضافة إلى مساعدة الحكومة على إنشاء مراكز اقتراع كبيرة لتسهيل مشاركة الشيعة المُهجّرين في الانتخابات القادمة دون خوف من ترهيب "حزب الله ".
- تجميد تنفيذ قوانين لبنان ضد التطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك العقوبات على أي مسؤولين يحاولون تطبيق هذا التشريع.
- ترتيب مفاوضات برعاية أميركية بين إسرائيل ولبنان، بدءاً من الترتيبات الأمنية.
- إطلاق مقترح ترامب لسلام كامل بين إسرائيل ولبنان، بما في ذلك نزع سلاح كامل لجميع الجهات الفاعلة غير الحكومية. وقد يوفر هذا بديلاً استراتيجياً لكل من الحرب وعادة "حزب الله" في التصرف كحامي للبلاد.
- التعبير عن الدعم الأميركي لخيار عسكري إسرائيلي لتدمير القدرات العسكرية المتبقية لـ"حزب الله" في حالة فشل القنوات الأخرى، وثبوت أن المأزق الحالي غير قابل للحل، ونفاد الوقت.