
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4090
زيادة التمويل من قبل الكونغرس لا تكفي لتعزيز قدرات وزارة الخارجية الأمريكية

يبدو أن المساعدات الأمريكية للشرق الأوسط لن تُخفض بشكل كبير كما كانت تأمل إدارة ترامب، غير أن هناك تساؤلات كثيرة حول قدرة وزارة الخارجية، التي تراجع أداؤها، على استخدام الأموال المستردة بفاعلية.
قبل انطلاق العطلة الصيفية في تموز/ يوليو، أقرت "لجنة المخصصات في مجلس النواب الأمريكي" مشروع قانون ميزانية بقيمة 44.7 مليار دولار لوزارة الخارجية، أي أقل بـ 13 مليار دولار من ميزانية العام الماضي، لكنها أعلى بكثير من المبلغ الذي طلبته إدارة ترامب، والبالغ 27.5 مليار دولار. وإذا افترضنا أن مجلس النواب ومجلس الشيوخ سيصوتان في الاتجاه نفسه، سيُعد ذلك انحرافاً ملحوظاً عن نهج البيت الأبيض، لا سيما أن أجزاء التشغيل والإدارة والأمن من مشروع القانون تتطابق مع طلب الإدارة، مما يعني أن معظم المليارات المستردة ستخصص للبرامج والسياسات. ومع ذلك، وبغض النظر عن الأرقام الأولية للميزانية، فإن التخفيضات الكبيرة في عدد الموظفين بالإضافة إلى حل "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية " (USAID) ، ستجعل تنفيذ مشروع القانون أمرأ بالغ الصعوبة حتى لو تم تمريره.
أثر مشروع القانون على بلدان بعينها في الشرق الأوسط
بموجب ميزانية وزارة الخارجية المقترحة، ستظل المساعدات الأمريكية المتعلقة بمختلف بلدان المنطقة متسقة في معظمها مع السنوات السابقة، على الرغم من وجود بعض الاختلافات والتفاصيل الدقيقة:
الأردن. طلبت الإدارة 200 مليون دولار فقط في إطار التمويل العسكري الأجنبي الذي تديره وزارة الخارجية الأمريكية للأردن (بانخفاض عن 425 مليون دولار في العام الماضي) ولم تحدد أي مساعدة اقتصادية. ومع ذلك، ينص مشروع القانون الجديد على أن عمان ستتلقى ما لا يقل عن 475 مليون دولار في إطار التمويل العسكري الأجنبي و"845.1 مليون دولار في شكل دعم مباشر للميزانية" - وهو امر لافت بالنظر إلى أنه لا يوجد بلد آخر باستثناء أوكرانيا يتلقى هذا النوع من التحويلات. وإذا تمت الموافقة على مشروع القانون، فإن الدعم المباشر للميزانية سيشكل 6 % من إجمالي إيرادات الأردن، مما يعكس الدعم المستمر من كلا الحزبين في الكونغرس للمملكة كلما طُرحت مقترحات للتخفيض.
كما ينص مشروعُ القانون على زيادة التمويل لتنمية القطاع الخاص وخلق فرص عمل، بالإضافة إلى تخصيص 5 ملايين دولار لـ "برامج قائمة على الأدلة" تهدف إلى تقييم تنفيذ اتفاقيات واتفاقات السلام. وتعمل "مؤسسة التمويل للتنمية الدولية الأمريكية" في الأردن منذ عام 2017، وقد تضطلع بدور أكبر في توسيع القطاع الخاص، لا سيما بعد توقف أنشطة "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" عن العمل.
مصر. يدعو مشروع القانون إلى تقديم ما لا يقل عن 1.45 مليار دولار في شكل مساعدات مالية للطوارئ، بما في ذلك 75 مليون دولار احتجزتها إدارة بايدن بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. لا تتضمن هذه المساعدة أي شروط مسبقة تتعلق بسياسات القاهرة تجاه غزة. كما خُصصت 40 مليون دولار أخرى للمنح الدراسية للمصريين. ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه البرامج سيشكل تحدياً في الوقت الراهن، بعد أن تم تفريغ خبرة وزارة الخارجية الأمريكية، ممثلة في مكتب الشؤون التعليمية والثقافية، في مجال المنح من مضمونها، في حين تفتقر السفارات إلى القدرة على إدارة مثل هذه المبادرات من دون "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية".
إسرائيل. لم تُدخل تغييرات كبيرة على مخصصات إسرائيل البالغة 3.3 مليار دولار في إطار برنامج المساعدة المالية الأساسية (FMF)؛ بل أكد أعضاء اللجنة عن دعمهم القوي للإنجازات العسكرية للبلاد، واستشهدوا بالتحيز ضد إسرائيل لتبرير التخفيضات في مخصصات منظمات الأمم المتحدة. ومع ذلك، فحالما يصل الاقتراح إلى مجلس النواب ومجلس الشيوخ بكامل هيئتيهما، سيسعى معارضو حرب غزة بلا شك إلى خفض التمويل المخصص لأنظمة الأسلحة الإسرائيلية.
الفلسطينيون. اقترحت كل من لجنة مجلس النواب والإدارة قيوداً تشير إلى أنها غير مستعدة لدعم جهود الإصلاح الفلسطينية أو إعادة إعمار غزة. إذا اكتسبت "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تمولها الولايات المتحدة زخماً، فقد تحصل على تمويل في مرحلة لاحقة من عملية تخصيص الميزانية عبر آليات تمويل أخرى.
إيران. أصدرت اللجنة بياناً سياسياً شاملاً حول استمرار توفير الأموال لمواجهة أنشطة طهران في مجال الانتشار النووي والإرهاب. لكنها شددت أيضاً على ضرورة إعادة 55 مليون دولار إلى "صندوق الديمقراطية الإقليمي للشرق الأدنى"، الذي يدعم حرية الإنترنت في إيران وأنشطة مماثلة.
البحرين. يوفر مشروع القانون 4 ملايين دولار للبحرين لزيادة عدد الأعضاء في "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"، وذلك عقب قرار المملكة المتحدة بالانضمام رسمياً إلى هذا الإطار. ورغم أن التمويل الجديد ضئيل مقارنة بمليارات الدولارات من أموال القطاع الخاص المرجوة في إطار "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"، إلا أنه يشير إلى دعم الكونغرس لتوسيع الاتفاقية.
لبنان. لا يزال موقف اللجنة تجاه القوات المسلحة اللبنانية غامضاً. فعلى الرغم من سجلها الطويل في إبداء الشكوك وفرض القيود على هذه القوات، فقد منح الكونغرس هذه القوات باستمرار ما بين 100 و150 مليون دولار سنوياً. ومع ذلك، لم يذكر طلب الإدارة ولا مشروع قانون مجلس النواب تمويل القوات المسلحة اللبنانية في السنة المالية المقبلة، على الرغم من أن هذه القوات تلعب الآن دوراً أكثر نشاطاً في الحفاظ على وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
سوريا. لم يتطرق مشروع القانون الجديد إلى مستقبل التمويل الأمريكي لسوريا في حقبة ما بعد الأسد، باستثناء بيان يؤيد رفع العقوبات التي فرضتها الإدارة.
العراق. لم تُخصص أي أموال للعراق باستثناء تلك المخصصة لدعم العمليات العسكرية ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، رغم توقعات واشنطن بأن بغداد تبذل المزيد من الجهود للحد من نشاط الميليشيات الموالية لإيران والمصنفة من قبل الولايات المتحدة كجماعات إرهابية، والمرتبطة بـ"قوات الحشد الشعبي". وقد أكد وزير الخارجية ماركو روبيو ذلك في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 22 تموز/ يوليو.
أحكام عامة
يعيد مشروع القانون مليارات الدولارات إلى المنظمات الدولية، وعمليات حفظ السلام، ومكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون (INL)، والتي كانت الإدارة على وشك إلغاء تمويلها بالكامل. لكن هناك مشكلة، إذ لا يزال المشروع يسمح للإدارة بإعادة تخصيص ما يصل إلى 1.7 مليار دولار لـ "صندوق فرص أمريكا أولاً"، مما قد يعيق أي تخطيط من قبل وزارة الخارجية لاستخدام الأموال في الأغراض المُخصصة لها أصلاً.
والملفت هنا هو أن لجنة المخصصات أعادت 315 مليون دولار إلى "الصندوق الوطني للديمقراطية"، و345 مليون دولار إلى "صندوق الديمقراطية"، وهما يقومان بعمل كبير في الشرق الأوسط. على الرغم من تعارض أجندة "أمريكا أولاً" التي تنتهجها إدارة ترامب مباشرة مع الدعوة إلى الديمقراطية، أكدت اللجنة قناعتها الراسخة بأن الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يُعد ركيزة أساسية في أمن الولايات المتحدة القومي.
زيادة التمويل لا يمكن أن تحل محل القدرات أو الخبرة
المشكلة الأساسية في مشروع القانون هي أن بعض الموظفين، والمناصب، والمكاتب اللازمة لاستخدام الأموال المستعادة بفاعلية لم تَعُد موجودة. ورغم أنه يمكن القول أن حجم وزارة الخارجية قد تضخم بشكل غير ضروري على مر السنين فإن أكثر من 3000 موظف أما تم تسريحهم فجأة أو أُحيلوا إلى التقاعد المبكر في الأشهر الأخيرة، ومن المرجح أن تُجرى تخفيضات إضافية مع بدء مسؤولي الإدارة مراجعة السفارات والقنصليات. وقد أدت كثير من هذه التخفيضات، حتماً، إلى فقدان الخبرة الفنية والقدرات الإدارية الضرورية.
فعلى سبيل المثال، جرى إلغاء مكاتب الديمقراطية والتعليم التابعة للوزارة تقريباً خلال الأشهر القليلة الأولى من تولي الرئيس ترامب منصبه، بما في ذلك خبراء المنح اللازمين لدعم البرامج التي تحاول لجنة مجلس النواب استعادتها. وبالتالي، إذا قررت الإدارة المشاركة في مبادرة إقليمية كبرى مثل إعادة إعمار غزة، فلن تمتلك الخبرة اللازمة لتصميم وتنفيذ مثل هذه العملية، إذ إن مكتب الاستقرار في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد أُلغيا كلياً.
يُعد تخصيص الأموال لإعادة تنشيط البرامج إحدى الوسائل للتأثير على وزارة الخارجية، غير أنه إذا كان المسؤولون قد سرحوا بالفعل الموظفين اللازمين لتنفيذ هذه البرامج، فقد لا تحقق الأموال الإضافية أي جدوى تُذكر. وبناءً على ذلك، ينبغي على الكونغرس عقد مشاورات أو جلسات استماع للتأكد مما إذا كانت الوزارة تمتلك العدد الكافي من الموظفين والكفاءة اللازمة لتنفيذ الميزانية المقترحة.