
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
شكراً للرئيس ترامب على رفض ضم إسرائيل للضفة الغربية
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"

من شأن الضم أن يحول الاحتلال العسكري الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية، إلى استيلاء غير مشروع على الأراضي، فيما يقوض البنية الكاملة للدبلوماسية في الشرق الأوسط من دون أي فائدة استراتيجية واضحة.
لقد كان الرئيس ترامب محقا في إعلانه أنه لن يسمح لإسرائيل بالمضي قدما في خطط ضم الضفة الغربية. قبل خمس سنوات، حين فكر الإسرائيليون آخر مرة في ضم جزء من الضفة، حذر العديد من أصدقاء إسرائيل من هذه الخطوة التي قد تفضي إلى هزيمة ذاتية. وقد أوضحت آنذاك أن الضم يفتقر إلى المنطق، وسيتخلى عن الوضع الراهن الآمن نسبياً والمستقر بشكل كبير دون سبب مقنع، وسيعرض مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل للخطر بشكل كبير. لحسن الحظ، عرضت الإمارات العربية المتحدة بديلاً أفضل - سلام كامل وتطبيع من خلال ما أصبح يعرف باتفاقيات "أبراهام" - وتم تجنب الأزمة.
وقبل أن يتخذ الرئيس ترامب موقفاً حاسماً، كانت تلوح في الأفق أزمة ضم جديدة أثارتها قرارات بعض الدول الغربية بالاعتراف بدولة فلسطين. إن مثل هذه الإعلانات لن تسهم في إنهاء الحرب بين "حماس" وإسرائيل، ولن تؤمن الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، ولن تخفف الكارثة الإنسانية في غزة. لكنها قد تخفف ـ مؤقتا ـ من الضغط السياسي الداخلي الذي يواجهه بعض القادة المحاصرون بضرورة "فعل شيء" إزاء الوضع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى امتداد الطيف السياسي، ندد الإسرائيليون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتبروه هدية لـ"حماس". وبما أن قادة "حماس" رحبوا بهذه الخطوات واعتبروها إحدى "ثمار 7 تشرين الأول/ أكتوبر"، فإنهم محقون في ذلك.
لو أن الحكومات التي اعترفت بفلسطين كرست عُشر ما تبذله من جهد دبلوماسي لصالح الرهائن الإسرائيليين - عبر مطالبة الصليب الأحمر الدولي بالوصول إليهم أو ربط اعترافها بفلسطين بإطلاق سراحهم - لربما كانت ردود أفعال الإسرائيليين أكثر هدوءاً. لكن مع استمرار "حماس" في الاستهزاء بالرهائن عبر نشرصور مستفزة، لم يعد معظم الإسرائيليين يشعرون إلا بالازدراء تجاه مشهد الدول التي تصطف لإعلان دعمها لـ"فلسطين ".
وقد دفع هذا الازدراء، بعض الأصوات البارزة في إسرائيل، إلى إطلاق دعوات للانتقام من خلال ضم جزء من الضفة الغربية أو كلها. وبما أن 147 دولة اعترفت بفلسطين قبل أن تفعل فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا ذلك، فمن غير المرجح أن تُفضي هذه الخطوات إلى أي تحول جوهري، غير أن موجة الردود المتحدية تواصل اكتساب زخم متزايد. كانت هذه الفكرة سيئة في عام 2020، لكنها اليوم أكثر سوءا بكثير.
من الناحية القانونية، فإن الضم الأحادي الجانب - الذي يُسمى غالباً "توسيع نطاق القانون الإسرائيلي" ليشمل الأراضي المعنية - من شأنه أن يحول الاحتلال العسكري الشرعي الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية إلى استيلاء غير شرعي على الأراضي. فعلى مدى السنوات الـ 58 الماضية، تمتعت إسرائيل بمزايا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي تمت الموافقة عليه عقب حرب الأيام الستة في حزيران/يونيو 1967، والذي سمح لها بالسيطرة على الأراضي التي احتلتها حتى تقترح الأطراف العربية سلاماً يقنع إسرائيل بالانسحاب إلى حدود "آمنة ومعترف بها". وبما أن ذلك لم يتحقق، فإن لإسرائيل، من الناحية القانونية، الحق في الحفاظ على سيطرتها على هذه الأراضي منذ ذلك الحين. ومع ذلك، ورغم وجود حجج تُقدم لصالح شرعية بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تحدد بمفردها الترتيب النهائي لهذه الأراضي، إذ من شأن ذلك أن يقوض الأساس القانوني لوجودها هناك.
من الناحية العملية، يشكل الضم كارثة دبلوماسية لإدارة ترامب. فهو لا يقضي فقط على ما تبقى من فرصة ضئيلة لتوسيع اتفاقيات أبراهام، التي تعد الإنجاز الدبلوماسي الأبرز للرئيس، بل إن التحذيرات المتزايدة تؤكد أن الضم ينطوي على خطر حقيقي قد يصل إلى تفكيك الاتفاقيات ذاتها.
وليس هذا فحسب، بل إن هناك احتمالا جديا بأن يضطر شركاء إسرائيل الأوائل في السلام مع العرب، أي مصر والأردن، تحت ضغط الرأي العام في بلديهما، إلى اتخاذ إجراءات انتقامية صارمة، وربما حتى تعليق معاهدات السلام الموقعة مع إسرائيل. وسيكون لهذا ثمن باهظ، إذ إن كلا البلدين يعتمدان على إسرائيل في الحصول على موارد طبيعية حيوية، لكنهما قد يجدان نفسيهما أمام خيار لا مفر منه وهو التصرف. وكل هذه الانتكاسات الكبرى ستقوض بعمق قدرة الولايات المتحدة على بناء تحالف عسكري عربي - إسرائيلي فعلي، وهو التحالف الذي نجح في التصدي بفعالية لوابل الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية ضد الدولة اليهودية العام الماضي.
بالنسبة لبعض الإسرائيليين، يُعَد هذا ثمنا مؤسفا لكنه مقبول في نظرهم باعتباره جزءاً من حق الدفاع عن النفس في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. فعلى الرغم من وحشية "هجوم حماس"، فإنهم يرون أن التعاطف الدولي قد تلاشى بسرعة، حتى إن بعض العواصم الحليفة دعت إسرائيل إلى الانسحاب من غزة، مع إبقاء "حماس" مسيطرة على المنطقة رغم هزيمتها العسكرية. وعندما يشاهدون هذه الدول تعترف بفلسطين، فإنهم يستحضرون تحذيرات الدبلوماسي الإسرائيلي الراحل أبا إيبان من خطورة تقليص إسرائيل إلى ما أسماه "حدود أوشفيتز".
أما مؤيدو الضم فهم يرون أن نهج إدارة ترامب الأكثر تعاطفا يمنح إسرائيل فرصة لبناء مستقبلها دون خشية من التدخل الأمريكي. وكما حدث عند نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2017، وهو القرار الذي أيدوه، يرى هؤلاء بأن الضم لن يثير سوى رد فعل عالمي محدود.
ويذهب كثيرون إلى أن هذا سيكون صحيحا خصوصا إذا اقتصر الضم على جزء من الضفة الغربية بدلا من ضمها كاملة. وهناك عدة صيغ لفكرة الضم المحدود، تتراوح بين ضم الكتل الاستيطانية القريبة من الخط الأخضر قبل عام 1967، وبين ضم نحو 30% من الأراضي التي خُصصت أصلا لإسرائيل في خطة السلام الفاشلة التي طرحها ترامب عام 2020 تحت اسم "صفقة القرن".
ومن بين الخيارات الأكثر شيوعا يبرز ضم وادي الأردن، ذلك الشريط الطويل والضيق وقليل السكان الواقع غرب نهر الأردن، والذي يراه كثير من الإسرائيليين المعنيين بالأمن خطوة ضرورية لحماية البلاد. وحتى بعض منتقدي الحكومة الحاليةيبدون تأييدهم لهذه الفكرة، رغم الغموض المحيط بكيفية إسهام الضم في تعزيز السيطرة الإسرائيلية القائمة بالفعل على المنطقة.
لكن ما هو واضح هو أنه في ظل الظروف الراهنة، فإن الفروق بين الضم الكامل والضم المحدود ستتلاشى تماماً بالنسبة إلى شركاء إسرائيل العرب في السلام. فأي هامش كان البعض قد يمنحه لإسرائيل في هذه القضية قبل 7 تشرين الأول / أكتوبر قد اندثر تحت أنقاض غزة. وبسبب الصور اليومية للخسائر البشرية المروعة الناجمة عن الحرب - التي تتحمل "حماس" قسطاً كبيراً من المسؤولية عنها - لم يعد بإمكان القادة العرب الذين كانوا في السابق غير مبالين بفلسطين أن يظلوا كذلك اليوم.
والنتيجة أن رد إسرائيل على الدول الغربية التي اعترفت بفلسطين سيدفع الحكومات العربية إلى حلقة متواصلة من الردود الانتقامية، وسيدفع الجميع ثمنها. لذلك، من المهم أن يوضح الرئيس ترامب أن معارضته للضم تشمل جميع هذه المقترحات، سواء كانت محدودة أم كاملة.
أما الرد الإسرائيلي الأكثر حكمة على موجة الاعترافات بدولة فلسطين فهو تجاهلها؛ وهو موقف واثق وراسخ من شأنه أن يدفع قادة فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا إلى الجنون. وإذا وجدت إسرائيل نفسها مضطرة، لأسباب سياسية، إلى الرد، فإنها تستطيع اتخاذ تدابير محدودة ضد الدول المعنية - مثل سحب سفيرها من لندن أو إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس - وهي خيارات متاحة. لكن تدمير مجمل صرح الدبلوماسية في الشرق الأوسط بدافع الغضب، ومن دون أي مكسب استراتيجي واضح، هو مغامرة طائشة تضر بالمصالح الأمريكية طويلة الأمد في المنطقة. ولهذا نشيد بالرئيس ترامب لوقفه هذا الانزلاق نحو الجنون.