
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4035
رحلة ترامب الخليجية ستحتاج لأكثر من مجرد صفقات تجارية

من المتوقع أن يركّز الرئيس خلال جولته الخليجية على صفقات استثمارية كبرى ومبيعات أسلحة، لكنه بحاجة أيضاً إلى معالجة بعض القضايا الأمنية العاجلة إذا كان يريد أن يعود إلى واشنطن بانتصار حقيقي.
"الأعمال لا السياسات" يبدو أنها شعار الرئيس ترامب في أول جولة خارجية له خلال ولايته الثانية. إلا أن هذه الزيارة إلى الخليج تأتي في توقيت حرج لإدارته، إذ يشكك القادة العرب في دور واشنطن الإقليمي، وتواجه الأسواق العالمية صدمةً جراء تصريحاته بشأن الرسوم الجمركية، بينما تصعّد إسرائيل من هجومها في غزة، وتتصاعد المخاوف من قدرة المسؤولين الأميركيين على إبطاء البرنامج النووي الإيراني أو ردع وكلاء طهران من الميليشيات في اليمن وأماكن أخرى.
من المقرر أن تبدأ الجولة في 13 مايو في المملكة العربية السعودية، حيث سيحضر الرئيس اجتماع منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي. وفي اليوم التالي، سيشارك في قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، قبل أن يتوجّه إلى قطر. أما اليوم الأخير من الجولة فسيُقضى في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع احتمالية الإعلان عن محطات إضافية خلال الأيام المقبلة.
الأهداف الشاملة
رغم تأثير انخفاض أسعار النفط على الإيرادات، فإن دول الخليج لم تتأثر كثيراً بإعلانات ترامب الأخيرة بشأن الرسوم. ولذلك، وبينما تراهن الإدارة الأميركية على نجاح الجولة بعقود اقتصادية تُقدَّر بمليارات وربما تريليونات الدولارات، يبدو أن قادة السعودية وقطر والإمارات يركّزون على ضمان دعم دبلوماسي أميركي، وصفقات لأسلحة متقدمة، وإقرار بمكانتهم المتزايدة كفاعلين عالميين على الساحتين الاقتصادية والدبلوماسية. ومن الناحية المثالية، يمكن للرئيس أن يستغل الزيارة لدعم هذه التطلعات وضمان توافقها مع المصالح الأميركية. وإن لم يتحقق ذلك، فقد يعتبر القادة الخليجيون الزيارة ناجحة – ولو بشكل أقل إثارة – إذا تجنب ترامب فقط المفاجآت الضارة أو التصريحات غير المتوقعة التي قد تحرجهم أمام شعوبهم.
من المنطقي الافتراض أن المسؤولين الأميركيين والخليجيين ناقشوا بالفعل مدى تلبية هذه المطالب. وكانت السعودية قد تعهّدت مؤخراً باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، بينما التزمت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار خلال العقد القادم. أما قطر، فلم تُعلن عن رقم بعد، لكنها، بصفتها من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، من المرجّح أن تقدم حزمة كبيرة، جزئياً لمجاراة جيرانها الخليجيين. وقد سُمعت شائعات عن صفقات أسلحة ضخمة أيضاً، تصل إلى 100 مليار دولار لصالح السعودية، إضافةً إلى صفقة كبرى لقطر. (تشمل هذه الصفقات صفقتين أُقرتا مؤخراً: 3.5 مليار دولار لصواريخ جو – جو للرياض، و2 مليار دولار لطائرات مسيّرة وقنابل للدوحة.)
يسعى ترامب فعلياً إلى أن تصبح الولايات المتحدة الشريك الأهم لدول الخليج الغنية بالموارد الهيدروكربونية، تماماً كما فعل بايدن قبله. وكالعادة، ستواجه هذه الأهداف تحديات إقليمية من إيران، ودولية من الصين وروسيا، مما يتطلب تحركات أميركية ذكية ومضادة.
الدبلوماسية والأمن الإقليمي
إلى جانب التركيز الأساسي على الاستثمارات وصفقات الأسلحة، سيتعين على الرئيس أن يتعامل مع عدد من القضايا السياسية الملحّة خلال الجولة. فعلى صعيد إسرائيل، تشير التقارير إلى أن صفقة التطبيع مع السعودية ليست مطروحة على جدول الزيارة، لكن الإدارة تحاول معالجة مخاوف الرياض من خلال الضغط على تل أبيب للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وكان المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي قد وافق مؤخراً على خطة لإعادة احتلال غزة إذا لم تظهر خطة بديلة خلال جولة ترامب، مما يضع الرئيس في موقف دبلوماسي حرج، وقد يُلقي بظلاله على قمة الخليج، حيث يُتوقع أن يواجه انتقادات شديدة لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
وقد تؤثر قائمة الحضور النهائي في القمة على حفاوة استقبال ترامب في المنطقة. فعندما شارك بايدن في قمة مجلس التعاون عام 2022، شملت الدعوة أيضاً العراق والأردن ومصر، وربما توسّع الرياض الدعوة لترامب أيضاً. غير أن الدعوات أُرسلت على ما يبدو قبل أيام قليلة فقط، مما يترك وقتاً ضئيلاً للزعماء للتخطيط – وهو نهج قد يؤثر كذلك على ما إذا كان الحضور سيكون على مستوى رؤساء دول أو مسؤولين أدنى.
ويواجه الرئيس أيضاً خليجاً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي زاره في عام 2017:
- جميع دول مجلس التعاون، باستثناء البحرين، أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ومن غير المرجّح أن تضغط لتطبيق شروط صارمة في المحادثات الحالية بين واشنطن وطهران. نعم، لا تزال تأمل في كبح أنشطة النظام المزعزعة للاستقرار وطموحاته النووية، لكن علاقاتها المتجددة مع طهران قد تدفعها إلى معارضة أي سيناريوهات تتضمن عملاً عسكرياً أميركياً أو إسرائيلياً – وهو اعتبار مهم بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه القواعد الخليجية في العمليات العسكرية واللوجستية الأميركية.
- من المرجح أن يشعر المسؤولون الخليجيون بالتفاؤل بعد إعلان ترامب إنهاء الحملة الجوية الأميركية في اليمن مقابل وقف الحوثيين لهجماتهم البحرية في منطقة البحر الأحمر – أو بعضها على الأقل. من اللافت أن الرئيس بدا وكأنه حصر التهدئة في الأهداف الأميركية، وقد شدد الحوثيون على أن ذلك لا يشمل الأهداف الإسرائيلية.
- وعلى الرغم من استمرار الحذر الأميركي تجاه الحكومة السورية الجديدة، تبدو دول الخليج حريصة على التوسط في تقارب أميركي مع دمشق، وكذلك على تعزيز العلاقات الأميركية مع لبنان.
- وبالنظر إلى تجدّد الصراع في غزة، من المؤكد أن قادة الخليج سيحاولون استخدام استثماراتهم كأداة للضغط على ترامب لإنهاء الحرب، ودفع إسرائيل للحفاظ على أفق حل الدولتين مع الفلسطينيين.
توسيع الروابط الاقتصادية
تماشياً مع التركيز الاقتصادي للجولة، من المرجح أن يسعى الرئيس إلى إبرام صفقات في مجالات الطاقة، والمعادن الحيوية، والخدمات المالية، والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي. وقد ترى دول الخليج في هذه الزيارة فرصة لتسريع تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط والغاز، خاصة في ظل تراجع الأسعار.
وبالنسبة للسعودية، من المرجح أن تكون أبرز محطات الجولة هي الاتفاق على تفاصيل صفقة الاستثمار والتجارة البالغة 600 مليار دولار. ورغم شح التقارير بشأن وجهة هذه الاستثمارات، يُتوقع أن يذهب جزء كبير منها إلى مبيعات الأسلحة، وشركات التكنولوجيا الأميركية، وربما حتى إلى مشاريع رياضية. وسيجمع منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي الأسبوع المقبل رجال الأعمال من الجانبين لاستكشاف هذه الإمكانيات وغيرها.
وقد تسفر زيارة الرئيس أيضاً عن اتفاق أولي بشأن برنامج سعودي للطاقة النووية المدنية. وكان وزير الطاقة الأميركي كريس رايت قد ناقش هذا الملف خلال زيارته للمملكة الشهر الماضي، وتسعى الرياض منذ زمن طويل لإطلاق مثل هذا البرنامج في إطار رؤيتها 2030 للتحول إلى مصادر طاقة بديلة. ومن اللافت أن تقارير جديدة تشير إلى أن الإدارة فصلت مسار الطاقة النووية السعودية عن مسار التطبيع مع إسرائيل.
ومن المتوقع أيضاً أن تعلن الدوحة عن مجموعة من الاستثمارات الأميركية البارزة، بما في ذلك صفقة محتملة بقيمة 30 مليار دولار لشراء نحو 100 طائرة من طراز بوينغ ذات البدن العريض، مع خيار شراء المزيد لاحقاً. ومن الجدير بالذكر أن شركة ترامب العائلية أبرمت صفقة مشتركة مع شركة سعودية الشهر الماضي لبناء منتجع غولف بقيمة 5.5 مليار دولار شمال الدوحة.
أما في المحطة الأخيرة للجولة، فستركز الاستثمارات الإماراتية المقدرة بـ1.4 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة على الذكاء الاصطناعي، وبنية أشباه الموصلات، وقطاع الطاقة، والصناعة، بحسب ما أعلنه مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد خلال زيارته إلى واشنطن في مارس الماضي. وتشمل هذه الجهود توسيع الشراكات بين شركات إماراتية مثل G42 ومبادلة، وشركات أميركية مثل مايكروسوفت وألتيـرا التابعة لإنتل. وفي سياق متصل، تدرس إدارة ترامب تخفيف القيود المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على صادرات أشباه الموصلات إلى الإمارات، من أجل منع الشريك الأميركي الحيوي من التوجّه نحو البدائل الصينية. إضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن شركة الاستثمار الإماراتية MGX تخطط لاستثمار ملياري دولار في شركة ترامب العائلية للعملات المشفرة "وورلد ليبرتي فاينانشل".
التداعيات على السياسة الأميركية
تشكل جولة الرئيس فرصة مهمة لتعزيز الشراكات الأمنية والاقتصادية الأميركية في المنطقة، ودعم جهود تنويع اقتصادات الخليج، وإعادة التوازن لدبلوماسية الطاقة الأميركية، والتعامل مع المنافسة الإقليمية والدولية من الصين وروسيا. لكن الأرقام الاستثمارية الطموحة وحدها لا تكفي لاعتبار الجولة ناجحة. فالمخاوف العميقة لدى قادة ومواطني الخليج من تهديدات إسرائيل بإعادة احتلال غزة تستدعي من الرئيس إعادة ترتيب أولوياته نحو دفع الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب. كما عليه أن يضمن التوافق الخليجي مع أي اتفاق نووي مرتقب مع إيران.
وتُعد قمة مجلس التعاون الخليجي المقررة في 14 مايو بالرياض لحظة دبلوماسية بالغة الأهمية. ينبغي أن يستغل الرئيس هذه المناسبة ليعرض بوضوح رؤيته للمنطقة، بما يشمل استراتيجية إدارته لإنهاء حرب غزة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع شركاء الخليج، وتحقيق مستوى أعمق من التكامل الإقليمي الضروري لضمان الاستقرار والأمن على المدى الطويل. وفي هذا السياق، يجب أن يعيد التأكيد على جهود توحيد الصف الخليجي وتجنب تكرار الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت فور مغادرته الرياض عام 2017. ويتطلب ذلك إقناع هذه الأطراف الحيوية للولايات المتحدة بالتوافق حول رؤية مشتركة لأمن وازدهار الشرق الأوسط. ويمكن لترامب أن يسجّل نجاحاً دبلوماسياً إذا نجح في طمأنتهم بشأن الالتزام الأميركي الاستراتيجي بالمنطقة، وقدم رسائل واضحة ومتسقة، وأظهر قيادة ترتقي فوق الضجيج السياسي وتُسهم في تشكيل السردية الإقليمية الأشمل.