
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4095
منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب: الخطوط الحمراء الأميركية والفروق الدقيقة

أي مقترح لمنح الجنسية للمقاتلين الأجانب يجب أن يتسم بالحذر والوضوح والحزم، في كيفية تعامله مع التعقيدات المختلفة، بما في ذلك المخاوف الدولية من التهديدات الأمنية الخارجية، واستقرار سوريا، ومتطلبات المساءلة في مرحلة ما بعد الأسد.
التماس حديث قُدم إلى الحكومة السورية المؤقتة يسعى للحصول على الجنسية للمقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى هناك للمشاركة في الحرب الأهلية. بينما ألمح الرئيس "أحمد الشرع" إلى اتخاذ هذه الخطوة لبعض المقاتلين الأجانب في وقت سابق من هذا العام، فإنه من غير الواضح كيف (أو حتى إذا كان) ستجيب دمشق على الالتماس الحالي، والذي رفضه الكثيرون نظراً للطريقة التي أُثير بها (عبر وسائل التواصل الاجتماعي) والشخص الذي بادر إليه ("بلال عبد الكريم"، مواطن أمريكي غير مرتبط بالفصائل التي تقود سوريا ما بعد الأسد).
مهما كانت صحة المقترح الحالي، فإنه يأتي في أعقاب مناقشات ثنائية امتدت لأشهر حول هذه القضية تحديداً. في آذار/مارس، أعطت إدارة "ترامب" الحكومة الجديدة ثمانية شروط للحصول على تخفيف جزئي للعقوبات، بما في ذلك مطالبة بعدم تنصيب المقاتلين الأجانب في أدوار عليا. ردت دمشق بأن هذه القضية "تتطلب جلسة استشارية أوسع."
في أيار/مايو، حدثت الإدارة شروطها، حاثة "الشرع" على "إخبار جميع الإرهابيين الأجانب بالمغادرة." في حزيران/يونيو، ومع ذلك، ألمح المبعوث الأمريكي "توم باراك" إلى "تفهم" أمريكي بأن دمج بعض المقاتلين الأجانب في الجيش السوري سيكون مقبولاً إذا تم بشفافية. في هذه الأثناء، علقت الإدارة بسرعة معظم العقوبات الأمريكية ضد سوريا، مما أشار (ربما عن غير قصد) إلى أن شروطها قد تم الوفاء بها بشكل كافٍ.
لماذا تحركت الإدارة على ما يبدو من منع صريح إلى تنازلات ضمنية حول هذه القضية المعقدة في غضون أسابيع؟ وهل ينبغي حقاً تجاوز خطوط حمراء معينة نظراً لهشاشة الانتقال السوري والدور الموثق جيداً الذي لعبه المقاتلون الأجانب في انتهاكات حقوق الإنسان السابقة والمذابح الطائفية الأخيرة؟
التمييز بين المقاتلين الأجانب
بشكل عام، يمكن تقسيم المقاتلين الأجانب الذين ما زالوا في سوريا إلى ثلاث فئات رئيسية:
المرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المصنَّف كمنظمة إرهابية.
المرتبطون بحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم كردي يتخذ من تركيا قاعدة رئيسية، لكنه ينشط أيضاً في سوريا والعراق وإيران، ومصنَّف كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى.
المرتبطون بفصائل المعارضة السورية السابقة، مثل جماعة "الشرع" المنحلة رسمياً و"هيئة تحرير الشام"، التي أُزيلت مؤخراً من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة، لكنها ما تزال مدرجة على قوائم الأمم المتحدة.
الفئة الأولى تتكون بشكل أساسي من آلاف مقاتلي داعش والأفراد المنتسبين المحتجزين في مرافق الاحتجاز الشمالية الشرقية من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة كردية. كل من الحكومة السورية ومعظم الجمهور يعارضون هؤلاء المقاتلين، ملومينهم على تفاقم الحرب وجلب المزيد من الموت والدمار لسوريا. التحالف بقيادة الولايات المتحدة شجع مراراً وتكراراً---لكن، والمهم، لم يطالب---دولاً أخرى بإعادة مواطنيها المنتسبين لداعش إلى بلدانهم. ومع ذلك فقد تباطأت هذه العملية بسبب وضع قسد كجهة غير حكومية وحقيقة أن العديد من الحكومات الأجنبية لديها مخاوف سياسية وقانونية وأمنية قوية حول إعادة هؤلاء الأفراد طوعياً.
بالتأكيد، لن يستفيد أي من هؤلاء المحتجزين الشماليين الشرقيين على الأرجح من قرار منح الجنسية للمقاتلين الأجانب. الأمر نفسه ينطبق على آلاف مقاتلي داعش النشطين الذين يبقون طلقاء ويواصلون العمل ضد الحكومة الجديدة، تماماً كما فعلوا ضد كل من هيئة تحرير الشام ونظام الأسد أثناء الحرب. ومع ذلك فإن بعض الأفراد المنتسبين لداعش تم إطلاق سراحهم من سجون النظام بعد سقوط الأسد وقد يسعون لاستغلال أي قوانين جنسية جديدة، سواء لمنفعتهم الخاصة أو لمساعدة المقاتلين النشطين.
الفئة الثانية من المقاتلين الأجانب تضم أولئك المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، والذي يشمل معظمهم من الأكراد غير السوريين المتمركزين في المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لسيطرة قسد. تدعي تركيا أن وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا يشكل تهديداً وقد شنت عدة توغلات في الشمال الشرقي على مر السنين.
هنا أيضاً، لا يُرجح أن يتم تضمين أي من المقاتلين في هذه الفئة في أي قوانين جنسية جديدة. نظراً لتاريخ حزب العمال الكردستاني ونفوذ تركيا على دمشق، يرى العديد من السوريين أن وضع هؤلاء المقاتلين هو قضية تركية-حزب العمال الكردستاني ويعارضون منحهم الجنسية. في محاولة للتمييز بين قواته وحزب العمال الكردستاني، صرح قائد قسد الجنرال "مظلوم عبدي" سابقاً أن المقاتلين الأجانب من حزب العمال الكردستاني سيغادرون سوريا في ظل الظروف المناسبة. باختصار، وضع هؤلاء المقاتلين، رغم كونه مثيراً للجدل بشدة، سيتم حله على الأرجح من خلال مناقشات بين قسد ودمشق.
هذا يترك أعضاء الفئة الثالثة كالأكثر احتمالاً للاستفادة من قانون جنسية مستقبلي. نظراً لمشاركتهم في الهجوم الذي أطاح بالنظام وارتباطهم بقوات المعارضة السابقة مثل هيئة تحرير الشام، حظي هؤلاء المقاتلون الأجانب بدعم واسع عبر سوريا في الأيام الأولى لانتقال ما بعد الأسد. علاوة على ذلك، ادعى قادة البلاد المؤقتون أن هؤلاء المقاتلين مخلصون جداً للحكومة الجديدة، وأن إبقاءهم ضمن النظام الحكومي سيكون أكثر أماناً من التخلي عنهم. ومع ذلك تكثر التعقيدات:
- في بعض الحالات، شارك المقاتلون الأجانب المتحالفون مع حكومة "الشرع" فيالموجة المتزايدة من العنف الطائفي الذي تكافح دمشق لاحتوائه، مما دفع الجمهور للتشكيك في دورهم في مستقبل البلاد.
- العديد من هؤلاء المقاتلين كانوا مرتبطين سابقاً بجماعات إرهابية مثل داعش والقاعدة (رغم أنهم يساعدون دمشق الآن في محاربة هذه الجماعات).
- بالنسبة لبعض المقاتلين الأجانب، القانون الدولي لن يدعم إعادتهم قسراً إلى بلدانهم الأصلية بسبب مخاوف حقوق الإنسان (مثلاً، المقاتلون الأويغور سيواجهون أحكام إعدام إذا عادوا إلى الصين).
- رغم حل هيئة تحرير الشام رسمياً ومطالبة الولايات المتحدة للآخرين بإزالة الجماعة من قوائمهم، فإنها لا تزال على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، مما قد يعقد الأمور لسوريا في الساحة الدولية.
توصيات السياسة
تنفيذ أي مقترح جنسية متعلق بالمقاتلين الأجانب يثير أسئلة كبيرة لكل من السياسة الأمريكية والاستقرار المستقبلي لسوريا. لذلك يجب أن تكون واشنطن ودمشق واضحتين تماماً حول الخطوط الحمراء والخطط لهذه العملية.
أولاً، يجب أن يواصلا اتخاذ خطوات لإعادة تأكيد رؤيتهما المشتركة بأن منح الجنسية للأفراد المنتسبين لداعش أمر مرفوض تماماً. كلا الحكومتين تعمل بنشاط لمحاربة داعش، مع استخدام دمشق لمعلومات استخباراتية أمريكية قابلة للتنفيذ لمحاربة تمرد الجماعة المستمر. يجب على إدارة "ترامب" ليس فقط مواصلة هذا التعاون، بل أيضاً دعم المناقشات الجارية بين دمشق وقسد حول المسؤولية النهائية عن مرافق الاحتجاز. ومع ذلك يجب على واشنطن عدم الاستعجال في هذه العملية نظراً لمخاوفها الأمنية الكبيرة، وسنوات تدريبها وتجهيزها لقسد لهذه المهمة، ونقص الضمانات الكافية بأن دمشق لديها الإرادة والقدرات والموارد لتولي هذه المهمة بالكامل حالياً. يجب على الإدارة أيضاً الاستمرار في الضغط على دول أخرى لإعادة هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم، مذكرة إياها أنه بمجرد أن تتجاوز الحكومة السورية وضعها المؤقت، يمكنها استخدام سلطتها لترحيل هؤلاء المحتجزين من جانب واحد، مما يزيل خيار تأجيل قضية الإعادة بشكل مريح.
ثانياً، يجب على المسؤولين الأمريكيين الضغط على المسؤولين السوريين وقسد للحضور إلى طاولة المفاوضات لمناقشات مكثفة حول مصير المقاتلين الأكراد غير السوريين في الشمال الشرقي. مع توقف المفاوضات على ما يبدو منذ آذار/مارس، يجب على واشنطن تذكير كلا الطرفين أن استمرار الدعم الأمريكي يعتمد على عملهما نحو الاستقرار الوطني. إزالة المقاتلين الأجانب المرتبطين بحزب العمال الكردستاني لن يخفف فقط من قلق تركيا الرئيسي، بل سيساعد أيضاً في رفع بعض الحواجز أمام المصالحة بين دمشق وقسد. هذا بدوره يمكن أن يخدم هدف إدارة "ترامب" الأوسع في تخفيف البصمة الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي شرط أساسي رئيسي منه هو استقرار حدود سوريا الشمالية والشرقية.
ثالثاً، واشنطن وشركاؤها بحاجة للتعامل بحذر مع دمشق حول موضوع منح الجنسية للمقاتلين الأجانب المرتبطين بقوات المعارضة السابقة، حيث يمكن أن يكون لهذا تداعيات عديدة لسوريا محلياً ودولياً. الرئيس "الشرع" يبدو مستعداً لتحمل المسؤولية عن هؤلاء الأفراد، لكن الولايات المتحدة ستحتاج لضمانات محددة وجدية في هذا الصدد قبل دعم مثل هذا الإجراء. هذا يتضمن محادثات صريحة حول ما يلي:
- منع المقاتلين الأجانب من أدوار القيادة واتخاذ القرار في الأجهزة الأمنية. نظراً لخلفية هؤلاء المقاتلين، تحتاج الحكومة الأمريكية لتوضيح خطها الأحمر: وهو أنه من غير المقبول لهؤلاء الأفراد تولي أنواع الأدوار الأمنية التي من شأنها تقويض الدعم الأمريكي وجهود تبادل المعلومات الاستخباراتية.
- المحاسبة على التأثير المحتمل على التعافي السوري والمساءلة. كما ذُكر أعلاه، بعض المقاتلين المعنيين متورطون في مذابح وانتهاكات أخيرة، لذلك من غير الواضح كيف ستتفاعل قطاعات مختلفة من الجمهور مع منحهم الجنسية، ناهيك عن أدوار في القوات الأمنية. أي من هاتين الخطوتين يمكن أن تعيق جهود التعافي والاستقرار. علاوة على ذلك، فكرة توفير وظائف حكومية وخدمات لغير السوريين قد تثبت أنها مثيرة للانقسام، حيث أن الشمولية والمساءلة والموارد المحلية المحدودة تهيمن حالياً على الخطاب الوطني.
- توفير ضمانات أمنية دولية. حتى لو منعت دمشق المقاتلين الأجانب المجنسين من خدمات وأدوار أمنية معينة، ستحتاج لا يزال لتوضيح الخطوات التي ستتخذها، مثل المراقبة المستمرة، لضمان أن هؤلاء المقاتلين السابقين لا يشكلون تهديداً خارج حدود سوريا.
- معالجة المخاوف الدبلوماسية. بعض الحكومات الأجنبية قد تشعر بالراحة إذا لم تعد مضطرة للتعامل مع سؤال ماذا تفعل حول الرعايا الذين ذهبوا للانضمام للجهاد السوري. آخرون، ومع ذلك، سيكون لديهم مخاوف سياسية أو أمنية حول منح دمشق الجنسية من جانب واحد لهؤلاء الأفراد، وقد يغيرون مشاركتهم الدبلوماسية المستقبلية مع سوريا وفقاً لذلك. على سبيل المثال، اعترض لبنان مؤخراً بعد اكتشافه أن رئيس الأمن الجديد لسوريا لمحافظة حمص الحدودية الغربية هو ضابط سابق في الجيش اللبناني---كشف فاقم عدم الثقة الثنائية المتزايدة حول قضايا مختلفة على حدودهما المشتركة. بينما تعمل سوريا على إعادة دخول المجتمع الدولي، يجب على واشنطن تشجيعها على توضيح أي جهد لمنح الجنسية لهؤلاء المقاتلين بوضوح.
باختصار، بينما تزن دمشق إمكانية منح الجنسية لمقاتلين أجانب معينين، يجب على الولايات المتحدة توضيح خطوطها الحمراء، والتأكيد على التداعيات التي سيكون لمثل هذا القرار على سوريا محلياً ودولياً، وتعزيز الحاجة لعملية واضحة ومتواصلة وشفافة.