
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4089
كيف سيستفيد نظام الحكم في غزة من الخطط القائمة في "اليوم التالي"

أشارت المنظمات غير الحكومية والمسؤولون الأجانب بالفعل إلى العديد من أهم قضايا الحكم الانتقالي والأمن التي قد تنشأ أثناء أو بعد انسحاب إسرائيل المحتمل، وجميعها ستتطلب درجة معينة من الإشراف والقيادة من قبل الولايات المتحدة.
عندما أعلن المسؤولين الإسرائيليين في 8 آب/أغسطس عن فرض "السيطرة" المؤقتة على كامل قطاع غزة، أصدروا مجموعة من المبادئ التي توضح كيفية إشراف الدول العربية على إدارة القطاع بعد انتهاء الوجود الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن هذه المبادئ لم تتضمن سوى القليل من التفاصيل ولم تُحدد أي جدول زمني، فقد أكدت عدة نقاط مهمة، من بينها رغبة إسرائيل في ممارسة نوع من الإشراف الأمني، ومنع "حماس" أو السلطة الفلسطينية من إدارة غزة، فضلاً عن نزع السلاح من القطاع.
هذه الشروط ليست جديدة بالطبع، إذ عمل الإسرائيليون مع محاورين عرب وأمريكيين على نماذج مختلفة لـ"اليوم التالي" على مدى ثمانية عشر شهراً، كما عُرضت بعض هذه النماذج على مسؤولين فلسطينيين. لكن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة الإسرائيلية موقفاً رسمياً بشأن قضية الحكم في غزة، وتربطه بالتزامها بسحب جميع قواتها.
وقد نوقشت بالفعل، وبدرجات متفاوتة، أهم القضايا التي يجب أن تتناولها أي خطة لحكم غزة ضمن ثلاثة من نماذج "اليوم التالي" السابقة:
- خطة مقترحة أعدها خبراء أمريكيون وإسرائيليون، ونشرها مركز ويلسون في أوائل عام 2024، وتم مشاركاتها مع المسؤولين الإسرائيليين. (إيضاح: شارك المؤلف في صياغة خطة ويلسون خلال فترة توليه منصب رئيس برنامج الشرق الأوسط في المركز).
- خطة شركة راند التي صدرت هذا العام وتداولتها الاوساط الحكومية الامريكية على نطاق واسعة.
- مجموعة من المبادئ أصدرتها الإمارات العربية المتحدة، وتُعد خياراً مرجّحاً أكثر من الخطط العربية الأخرى، نظراً لواقعية مقترحات أبوظبي وعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل.
وفوق كل ذلك، اتفق الخبراء المشاركون في المناقشات السابقة عموماً على أن الدور الدبلوماسي والرقابي للولايات المتحدة سيكون ضرورياً للغاية لأي خطة حكم انتقالية، لا سيما إذا كانت إدارة ترامب تنوي تجنب تخصيص موارد عسكرية ومالية أمريكية كبيرة لغزة.
الهيكلة والتفويض والمهام
فيما يتعلق بقضية الهيكلة، تقترح خطة ويلسون، وهي الأكثر شمولاً بين الخطط الثلاث، إنشاء "قوة متعددة الجنسيات" بقيادة عربية، تضم عناصر أوروبية وربما كيانات تابعة للأمم المتحدة. وستشرف على هذه القوة مجموعة اتصال دولية تضم معظم الأعضاء أنفسهم، مع إضافة أعضاء "مجموعة السبع"، وإسناد دور قيادي إلى الولايات المتحدة (ولو بشكل غير رسمي إذا لزم الأمر). بالإضافة إلى ذلك، تدعو الخطة "القوة متعددة الجنسيات" إلى الإشراف على "قوة شرطة" دولية.
تشمل المهام الرئيسية لـ"القوة متعددة الجنسيات" إدارة قطاع غزة مؤقتاً، وإرساء الأمن، وإنهاء سيطرة حركة "حماس" على الحكم المدني، وبدء إعادة الإعمار المادي والاجتماعي، وتوفير ظروف أفضل لسكان القطاع. وستختتم الخطة بالانتقال إلى الحكم والأمن الفلسطينيين المحليين وفقاً لبنود محددة في "ميثاق" من نوع ما (انظر أدناه). لكن صياغة هذا الميثاق والاتفاق عليه يجب ألا يعرقلا العملية الملحّة لإنشاء السلطة متعددة الجنسيات.
تتبنى دراسة راند نهجاً مماثلاً، حيث تقترح "إنشاء" قوة أمنية مؤقتة متعددة الجنسيات" تضم عناصر من الجيوش الغربية والعربية، بدعم من قوة أمنية فلسطينية خضعت للفحص والتدريب. أما اقتراح الإمارات العربية المتحدة فيدعو إلى تشكيل "بعثة دولية مؤقتة" دون توفير تفاصيل كثيرة عن تكوينها، لكنه يحدد بوضوح الانتقال إلى الحكم الذاتي لغزة كحد أدنى، وهو الوضع النهائي الذي تتصوره الخطط الثلاث.
المسؤولية. تشير كل خطة إلى أن الكيان الحاكم يجب أن يكون مسؤولاً عن كل جانب من جوانب انتقال غزة وإعادة إعمارها، وأنه يجب أن يظل منفتحاً على توجيهات الولايات المتحدة. وهذا مطلب صعب بالنظر إلى الدور الذي ستلعبه الأمم المتحدة ومختلف المنظمات غير الحكومية المانحة للمساعدات. ومع ذلك، هناك سوابق ناجحة، بما في ذلك الترتيبات البوسنية المنصوص عليها في اتفاقات دايتون والتي أقرها قرار مجلس الأمن رقم 1031.
الربط بين العصا والجزرة: أعرب كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين عن تقديرهم حين اشترطت الخطط السابقة، بشكل قاطع ورسمي، تقديم المساعدة لغزة مقابل التزام الفلسطينيين بالأحكام الأمنية لـ"الميثاق" الذي ينص على إنشاء هيكل الحكم. وهذا أمر بالغ الأهمية لتجنب المشاكل التي شهدتها التسوية في لبنان بعد حرب 2006، عندما لم تشترط جهود إعادة الإعمار الكبرى التي بذلتها الأمم المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة نزع سلاح حزب الله أو الوفاء بأحكام رئيسية أخرى من قرار مجلس الأمن 1701. في المقابل، حددت اتفاقات دايتون والفقرة 10 من القرار 1031 ارتباطاً مباشراً بين الطرفين.
السلطة القانونية. يمكن أن يستند تولي المجتمع الدولي المؤقت لمهام الحكم في غزة إلى أي من البدائل القانونية العديدة، على الرغم من أن الخيارين الأولين قد يكونان صعبين من الناحية الدبلوماسية: (1) تنازل السلطة الفلسطينية عن المسؤولية المؤقتة؛ (2) قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بصياغة قرار قوي بموجب الفصل السابع يمنح السلطة الحاكمة ولاية لمرة واحدة غير قابلة للتجديد دون أن يكون للأمم المتحدة دور إداري مباشر (على غرار القرار 1546 الذي سمح للقوة المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة بحكم العراق في عام 2004)؛ (3) تولي إسرائيل المسؤولية عن قطاع غزة بصفتها قوة احتلال بموجب القانون الدولي، ثم نقل سلطتها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب مذكرة تفاهم؛ أو (4) قيام السلطة الدولية بوضع ميثاقها الخاص بصفتها تحالفاً للأطراف الراغبة.
أدوار الولايات المتحدة. تدعو خطتا ويلسون وراند إلى قيام الولايات المتحدة بدور رئيسي في تنسيق إنشاء كل من "القوة متعددة الجنسيات" ومجموعة الاتصال. أحد الخيارات المطروحة هو دمج "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تدعمها الحكومة الأمريكية في "القوة متعددة الجنسيات" (انظر القسم التالي لمزيد من المعلومات حول الجوانب الأمنية لدور الولايات المتحدة). سيتعين على واشنطن أيضاً تسهيل الجهود الرامية إلى تلبية احتياجات المدنيين بما يتجاوز تقديم المساعدات المباشرة، مثل المساعدة في إعادة تنظيم المؤسسات الفلسطينية المحلية التي تعاني حالياً من الفوضى. (توضح خطة راند هذه الخطوات).
قضايا محددة
حماس والانتقال. تفترض جميع الخطط التوصل إلى حل مسبق للصراع بين "حماس" وإسرائيل على أساس وقف إطلاق النار. وكما ذُكر أعلاه، ستشمل اتفاقية وقف إطلاق النار "ميثاقاً" يغطي انتشار القوات الدولية وقواعد عملها، على أن توافق عليه ما تبقى من قيادة "حماس". لم تتطرق أي من هذه الخطط إلى تفاصيل محتوى أو طرق تنفيذ مثل هذه الاتفاقية، لكنها تفترض جميعها أن القوات الأجنبية لن تسعى إلى محاربة "حماس"، بل ستقوم بمهام شرطية عادية وستدافع عن نفسها إذا لزم الأمر.
وفي هذا الصدد، بينما يبدو احتمال قيام إسرائيل بالقضاء التام على القدرات العسكرية لـ"حماس" أمراً مستبعداً، فإن بعض الإجراءات الإسرائيلية قد يكون لها آثار إيجابية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي استمرار بعض الضغوط العسكرية، وفصل عناصر الحركة المتمردين عن غالبية السكان، ومنع تدفق الأسلحة لـ"حماس" إلى إضعاف موقف الحركة، مما يجعلها ربما أكثر استعداداً لقبول اتفاق تقبل بموجبه التسامح مع حكم دولي انتقالي مقابل انسحاب إسرائيل.
أما بالنسبة لبنود صفقة "حماس" - سواء مع إسرائيل أو مع القوة الدولية - فإن وقف إطلاق النار على غرار المفاوضات الأخيرة التي قادتها مصر وقطر هو السيناريو الأكثر ترجيحاً. خلال المرحلة الانتقالية، قد يشبه وضع الجماعة في غزة موقف قوات جمهورية صربسكا (صرب البوسنة) بعد اتفاقات دايتون، أو نمط رحيل القيادة الذي شهده ياسر عرفات عندما غادر لبنان في عام 1982، أو الوضع الحالي لـ"حماس" في الضفة الغربية. ما يجب تجنبه تماما هو تكرار سيناريو وقف إطلاق النار في لبنان عام 2006، الذي تجاهل بعده "حزب الله" الأحكام الدولية وهدد قوات حفظ السلام. أياً كان الترتيب، يجب أن تكون جميع الأطراف واضحة بشأن مبدأ واحد، وهو أن القضاء على قدرة "حماس" على تهديد إسرائيل عسكرياً أو التنافس على الحكم في غزة هو شرط أساسي لانسحاب إسرائيل ودخول القوة الدولية.
دور السلطة الفلسطينية. على الرغم من أن المحاورين الإسرائيليين نصحوا واضعي مشروع خطة ويلسون بتجنب الإشارة بشكل محدد إلى دور السلطة الفلسطينية في الحكم، إلا أن بعض هؤلاء المحاورين أقروا بأن السلطة الفلسطينية ستضطر على الأرجح إلى لعب دور إداري ما نظراً لوضعها القانوني ولعدد موظفيها الكبير المتبقين في غزة. كما سيتعين على السلطة الفلسطينية أن تمنح الضوء الأخضر لأي دور عربي رسمي في غزة، وربما تشارك فيه أيضاً. تؤكد خطة الإمارات العربية المتحدة على الدور الرائد للسلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها تشير، خلافاً للخطط العربية الأخرى، إلى أن إصلاح السلطة الفلسطينية شرط أساسي لهذا الدور. تتصور خطتا ويلسون وراند انتقالاً في نهاية المطاف إلى إدارة فلسطينية محلية لحكم غزة وتعزيز أمنها الداخلي، دون تحديد العلاقات مع السلطة الفلسطينية.
العلاقة بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لا تربط خطة ويلسون بين استقرار غزة والتقدم نحو صنع سلام أوسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقد أوضحت الحكومة الإسرائيلية أن هاتين المسألتين منفصلتان. لكن نهجي راند والإمارات يربطان بينهما بشكل مباشر. من المفترض أن هذه المواقف المتعارضة يمكن التفاوض عليها للتوصل إلى حل وسط، لكن ذلك سيتطلب على الأرجح دوراً للولايات المتحدة.
أمن إسرائيل. تصر إسرائيل بحق على أنها ستحتاج إلى لعب دور في الإشراف الأمني في غزة بعد الانسحاب، بما في ذلك على الأرجح الحق في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد التهديدات المباشرة التي قد تواجهها. ونظراً لصغر حجم الأراضي، سيكون من الضروري تنسيق مثل هذه الإجراءات مع القوة الدولية.
دور الأمم المتحدة. سواء سمحت هيئات الأمم المتحدة رسمياً بالوجود الدولي أم لا، فمن المؤكد أن مجلس الأمن والجمعية العامة سيصران على أداء أدوار إشرافية مختلفة، والتي سيتعين على الولايات المتحدة إدارتها بعناية نظراً لحساسية إسرائيل المشروعة تجاه تسييس الأمم المتحدة. على الصعيد الفني، يمكن لوكالات الأمم المتحدة أن توفر خبرة لا مثيل لها، ومن المرجح أن يطالب المشاركون العرب بمشاركتها. لدى إسرائيل أسباب وجيهة للمطالبة بخروج إحدى هذه المنظمات، وهي "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من غزة. إذا حدث ذلك، سيتعين على المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العمل مع مختلف المنظمات غير الحكومية والوكالات الحكومية الأجنبية لتعويض مهام "الأونروا"، كما هو الحال بالفعل مع "برنامج الأغذية العالمي" ومنظمة "أنيرا" ومنظمات أخرى.
إزالة الطابع السياسي. شدد المحاورون الإسرائيليون على ضرورة أن تحافظ أي سلطة انتقالية على إبعاد رسائل الكراهية ضد إسرائيل عن المدارس والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام الرسمية في غزة. من الواضح أن هذه مهمة حساسة، ولكنها ضرورية إذا أراد سكان غزة العيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل على المدى الطويل. وبطبيعة الحال، فإن الخطوة الأولى في هذه العملية هي إعادة بناء المدارس والمؤسسات المدنية الأخرى المُدمرة.
دور الجيش الأمريكي. لا تتصور أي من الخطط دوراً مباشراً مهماً للقوات الأمريكية في أمن غزة، غير أن لواشنطن أدواراً أساسية يجب أن تضطلع بها في هذا الصدد، ويجب عليها البدء في الاستعداد لذلك. أولاً، يمكنها توسيع قوات الأمن الخاصة التي تدعمها بالفعل في إطار "مؤسسة غزة الإنسانية"، ودمجها في القوة الأمنية الدولية. ثانياً، لا يزال مكتب منسق الأمن الأمريكي (USSC) يعمل مع قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية ويمكنه المساهمة في جهود إنشاء وتشكيل عناصر أمنية في غزة وتجهيزها لتكون قادرة على العمل. ثالثاً، يمكن للجيش الأمريكي تشغيل مركز اتصال في مصر أو إسرائيل أو في الخارج لدعم القوات الدولية، وتوفير قدرات القيادة والسيطرة، والموظفين، واللوجستيات، والاستخبارات، وفي الحالات القصوى، المساعدة المباشرة (مثل الإجلاء الطبي، وقوات الرد السريع، وعمليات مكافحة الإرهاب).
التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية: تغطي خطط مؤسستي ويلسون وراند هذا العنصر الحاسم بالتفصيل. ستكون التكلفة باهظة (إذ تُقدَّر بأكثر من خمسين مليار دولار، وفقاً لتقديرات البنك الدولي)، لكن المجتمع الدولي يمتلك الوسائل والخبرة والدافع للنجاح، شريطة تنفيذ جميع الترتيبات التنظيمية والأمنية والسياسية المذكورة أعلاه بشكل فعّال. وسيتطلب هذا العنصر أيضاً مفاوضات وتخطيطاً دقيقين لتلبية احتياجات التعليم والرعاية الصحية، إلى جانب الاعتبارات المعقدة التي ينطوي عليها مشروع إعادة الإعمار- كما ورد في خطة راند.
انضم جيمس جيفري مؤخراً إلى معهد واشنطن بصفته زميلاً متميزاً في برنامج "فيليب سولوندز". وتشمل مسيرته الحكومية المتميزة مناصب عدة، منها مبعوث خاص للولايات المتحدة إلى سوريا وسفير لدى تركيا والعراق.