
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4099
غياب موعد نهائي لنزع سلاح "حزب الله" يستوجب فرض تداعيات على لبنان

قرار الحكومة والجيش بالاستيلاء على أسلحة الجماعة خطوة غير مسبوقة ومرحب بها بشدة، لكنه لن يكون ذا معنى حقيقي ما لم يُرفق بجدول زمني واضح وقابل للتنفيذ، خاصة مع انطلاق المناورات السياسية استعداداً للانتخابات المقبلة.
في الخامس من أيلول/سبتمبر، قدمت القيادة العسكرية اللبنانية للحكومة خطة شاملة لنزع سلاح "حزب الله" تتضمن أربع مراحل مقسمة حسب المناطق الجغرافية: المرحلة الأولى تشمل المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، والمرحلة الثانية تمتد من الليطاني حتى نهر الأولي، أما المرحلة الثالثة فتغطي العاصمة بيروت وضواحيها، وتختتم بالمرحلة الرابعة في منطقة البقاع. وبالرغم من الترحيب الحكومي بهذه الخطة، إلا أن تفاصيلها تبقى طي الكتمان، كما أنه ليس واضحاً على الإطلاق متى يُفترض بالجيش اللبناني أن ينجز هذه المهمة الجسيمة. وبالنظر إلى المخاطر الجسيمة المترتبة على ترك "حزب الله" مسلحاً بقوة كبيرة، والتي قد تستدعي نشوب حرب أخرى مع إسرائيل، فإنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أن يوضحوا جلياً أن هذا الغموض والإبهام غير مقبول البتة.
التفاصيل المكشوفة
إن افتقار هذه الخطة لجدول زمني محدد يُشكل مشكلة بالغة الخطورة. ففي أثناء انعقاد جلسات مجلس الوزراء بتاريخي الخامس والثامن من آب/أغسطس، كلفت الحكومة اللبنانية الجيش بوضع خطة متكاملة تهدف إلى إخضاع جميع الأسلحة لسيطرة الدولة الفعلية بحلول نهاية العام الجاري. غير أن خطة الجيش اللبناني تقتصر في التزامها على إنجاز عملية نزع السلاح في المناطق الواقعة جنوب الليطاني فقط بحلول ذلك التاريخ، تاركة مسألة التقدم في باقي المناطق مفتوحة النهايات، وبالتالي رهينة للتطورات السياسية والأمنية المستقبلية غير المتوقعة. وعوضاً عن وضع جدول زمني واضح ومحدد المعالم، اكتفت الحكومة بطلب تقديم "تقارير شهرية" من الجيش.
وبحسب ما أفادت به مصادر حكومية لبنانية مطلعة، فإن الهدف من وراء هذا الغموض المتعمد كان تجنب الدخول في صدام مباشر مع "حزب الله" وحليفه السياسي الشيعي "حركة أمل"، التي يترأسها رئيس مجلس النواب "نبيه بري". ويأتي هذا الرفض للمخاطرة بالمواجهة على الرغم من الضعف الواضح في القدرات العسكرية والبنية التحتية التابعة للجماعة. كما أصر "بري" على ضرورة أن تربط الحكومة عملية الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية بحصولها على تنازلات من الجانب الإسرائيلي. وعليه، فقد صرح وزير الإعلام "بول مرقص" الأسبوع المنصرم بأن أي تقدم يتجاوز المرحلة الأولى يتوقف بالكامل على اتخاذ إسرائيل لخطوات معينة؛ والتي تشمل، بناءً على تصريحات سابقة، الانسحاب من النقاط الخمس التي لا تزال القوات الإسرائيلية تحتلها في الأراضي اللبنانية عبر الحدود، ووقف العمليات الجوية والضربات، بالإضافة إلى الإفراج عن المعتقلين.
وأضاف "مرقص" أيضاً أن "الجيش اللبناني سيشرع في تطبيق الخطة وفقاً للقدرات المتاحة لديه". وهذا يعني بعبارات أخرى أن بإمكان الجيش أن يقرر بحرية تامة متى وكيف سيقوم بالسيطرة على أي مرفق أسلحة تابع لـ"حزب الله"، وذلك استناداً إلى تقديره لمستوى خطر المواجهة المحتملة. والمضمون الضمني غير المعلن في هذا التصريح هو أنه دون الحصول على مساعدة عسكرية خارجية، فإن الجيش اللبناني لن يتمكن من المضي قدماً في المراحل الثانية والثالثة والرابعة. كما تتضمن الخطة بحسب التقارير المتداولة ضمانات بأن الجيش اللبناني سيكف، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من التطبيق، عن منح "حزب الله" أي تراخيص لنقل العتاد والمواد العسكرية عبر الأراضي اللبنانية. ولكن هذا التقييد لن يحمل أهمية تُذكر إذا ما سُمح للجماعة بالاحتفاظ بهذه المواد في معاقلها ومواقعها المحصنة شمال الليطاني، نظراً لسجلها الطويل والموثق في نقل الأسلحة بشكل سري وخفي إلى المناطق الحدودية، وإعادة تأسيس وتعزيز مواقعها العسكرية بمجرد تراجع الضغوط الخارجية وتوقف المراقبين الدوليين عن أداء مهامهم الرقابية.
وضع استجابة مناسبة ومدروسة
على الرغم من أن قرار لبنان المرحب به لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد ترسانة أسلحة "حزب الله" يستحق التقدير، إلا أن الجدول الزمني الغامض المصاحب لهذا القرار، والشروط المسبقة المفروضة على إسرائيل، بالإضافة إلى عوامل أخرى متعددة، كلها تُشكل عقبات جدية يمكنها أن تؤجل هذه العملية الحيوية لسنوات عديدة قادمة. وبناءً على ذلك، يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الدوليين اتخاذ خطوات حازمة وعملية لمنع حدوث مثل هذه التأخيرات المدمرة:
وضع مواعيد نهائية واضحة وملزمة. لقد صرح رئيس الحكومة "نواف سلام" بأن تنفيذ خطة الجيش اللبناني يجب أن يتم ضمن الإطار الزمني الذي أقره مجلس الوزراء في جلسة الخامس من آب/أغسطس-أي بحلول نهاية العام الحالي. غير أن التسريبات الصحفية الأخيرة تشير إلى أن قيادة الجيش اللبناني تفكر في مدة زمنية تصل إلى خمسة عشر شهراً، مما يخلق حالة من الارتباك والتشويش الشديد. لهذا السبب، يتعين على الإدارة الأمريكية في واشنطن أن تضغط بقوة على الرئيس "جوزف عون" والمسؤولين الآخرين من أجل الإعلان علناً وبوضوح تام عن موعد نهائي متفق عليه من جميع الأطراف. والأفضل في هذا السياق أن يلتزموا بالهدف الزمني الأصلي المحدد في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر، ولكن إذا ثبت أن هذا التاريخ غير قابل للتحقيق عملياً، فبإمكان اعتماد تاريخ آخر مقبول، شريطة أن يكون معلناً بشفافية كاملة، ومحدداً بدقة متناهية، ومحمياً من أي تدخل أو تلاعب سياسي مستقبلي.
ربط المساعدات الأمريكية بشروط واضحة. من أجل تحفيز الوضوح والشفافية حول التوقيتات، يتوجب على الولايات المتحدة أن تقدم ضمانات قاطعة بأن الجيش اللبناني سيحصل على مساعدات أكبر وأكثر فعالية بمجرد إحراز تقدم ملموس في عملية التنفيذ. فعلى سبيل المثال، يمكن وضع معايير ومؤشرات أداء محددة لإرسال مساعدات عسكرية ولوجستية مخصصة في حال تم تطهير قطاعات جغرافية معينة بحلول تواريخ محددة مسبقاً-وفي الحقيقة، قد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة الفعالة لتحفيز الجيش اللبناني على تحمل المخاطر الضرورية والمطلوبة لمواجهة "حزب الله" في هذه القطاعات الحساسة. وفي المقابل، إذا لم يقم الجيش بتوسيع جهوده ومساعيه شمال منطقة الليطاني، فيجب أن يدرك جيداً أن جميع أشكال المساعدات الأمريكية ستكون في خطر جدي. كما أنه لا توجد حاجة للانتظار لمدة ثلاثة أشهر كاملة-فلتأكيد جدية والتزام الجيش اللبناني، بإمكان واشنطن الاستفادة من آلية وقف إطلاق النار القائمة والمراقبة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا لطلب أن يستولي الجيش اللبناني على مرفق عسكري واحد على الأقل تابع لـ"حزب الله" شمال منطقة الليطاني في الوقت الحاضر وليس في وقت لاحق.
كما يمكن أيضاً ربط الدعم المقدم لجهود الإصلاح المؤسسي الحكومي وبرامج إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب بمدى التقدم المحرز في عملية نزع السلاح. ويجب أن تكون الرسالة الأساسية واضحة ولا لبس فيها: كلما أوفى لبنان بالتزاماته في خطته للسيطرة على ترسانة أسلحة "حزب الله"، كلما حصل على دعم مالي وعسكري وتقني أكبر وأشمل، وكلما تحسنت فرصه بشكل كبير في جذب الاستثمارات الأجنبية الحيوية والضرورية للنهوض بالاقتصاد.
التأكيد على السوابق الناجحة للجيش اللبناني. رغم أن المخاوف التي عبر عنها المسؤولون اللبنانيون بشأن إمكانية نشوب صراع مع "حزب الله" وتطوره إلى حرب أهلية أوسع نطاقاً تُعتبر مخاوف مبررة ومشروعة، إلا أنه يتوجب على المسؤولين الأمريكيين أن يذكروهم بأن الجيش اللبناني يمتلك سجلاً تاريخياً طويلاً ومشرفاً في مواجهة الجماعات المسلحة المختلفة بنجاح باهر، ويشمل ذلك معركة عام 2007 الضارية ضد المسلحين الإسلاميين في مخيم نهر البارد؛ والاشتباكات العنيفة في عام 2012 في مدينة طرابلس التي اندلعت نتيجة تداعيات الحرب السورية المدمرة؛ والمواجهات الحاسمة في عام 2013 ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة في مدينة صيدا؛ والمعركة الشرسة في عام 2017 ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في بلدة عرسال. ومن المؤكد أن خوض معركة ضد "حزب الله" يُمثل احتمالاً أكثر تعقيداً وصعوبة لأسباب اجتماعية وسياسية وطائفية وعسكرية متنوعة ومعقدة. ولكن الحقيقة الثابتة هي أن الجيش اللبناني أصبح اليوم أكثر قدرة وتأهيلاً-في حين أن "حزب الله" بات أكثر تدهوراً من الناحية العسكرية وعزلة على الصعيد الإقليمي والدولي-من أي وقت مضى، ولهذا إذا كانت المواجهة المباشرة هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لضمان نجاح عملية نزع السلاح، فإنه لا يجب على الجيش اللبناني أن يتردد أو يتراجع عن خوضها. كما أن معاملة الإرهاب السني والشيعي على قدم المساواة وبنفس المعايير يُعتبر أمراً ضرورياً وحتمياً، نظراً للارتفاع المستمر والمتزايد في حدة التوترات الطائفية في لبنان وعبر منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
الاستفادة من أدوات العقوبات خلال الموسم الانتخابي. يمكن أن تُشكل العقوبات الأمريكية الإضافية أداة ضغط مفيدة وفعالة للغاية، شريطة أن يتم استهدافها وتوقيتها بشكل مناسب ومدروس. فعلى سبيل المثال، الأشخاص والمسؤولون الذين يسعون إلى تقويض وإفشال جهود نزع السلاح - مثل الوزراء الشيعة الخمسة الذين انسحبوا من جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة المنصرم احتجاجاً على مناقشة مسألة نزع أسلحة "حزب الله"، وذلك قبل دخول قائد الجيش اللبناني مباشرة لعرض الخطة المعدة-يجب فرض عقوبات صارمة عليهم لأنهم اتخذوا موقفاً واضحاً ومعلناً بالانحياز إلى جانب الميليشيا المسلحة ضد الحكومة الشرعية. كما يتوجب على إدارة واشنطن أيضاً النظر بجدية في فرض عقوبات على الشخصيات عالية المستوى في "حركة أمل" أو حتى على أعضاء من عائلة "بري" بتهم الفساد و/أو حماية ودعم "حزب الله"؛ وهذا الإجراء مبرر بوفرة تحت صلاحيات "قانون ماغنيتسكي العالمي" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية. لقد أوضح رئيس المجلس "بري" بجلاء أنه سينحاز دائماً إلى "حزب الله" في كل قضية وملف، ولكنه لم يواجه حتى الآن أي عواقب دولية جدية نتيجة دعمه المتكرر والمستمر لجماعة مصنفة رسمياً كمنظمة إرهابية.
يمكن أن يكون الضغط على "بري" مثمراً وفعالاً بشكل خاص مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في أيار/مايو 2026. فهو وحركة "أمل" و"حزب الله" سيحتاجون لبعضهم البعض أكثر من أي وقت مضى خلال موسم الحملات الانتخابية من أجل ضمان تحقيق فوزهم بجميع المقاعد النيابية الشيعية السبعة والعشرين في البرلمان القادم-وهو شرط أساسي ومسبق للاحتفاظ بمنصب رئاسة المجلس النيابي، والتأثير المباشر على عملية تشكيل الحكومة المقبلة، والتحكم في التعيينات الوزارية المستقبلية، والمحافظة على السيطرة الكاملة على الاقتصاد النقدي الخفي والمتشعب في لبنان. ولا يمكن لـ"حزب الله" إعادة بناء وتطوير بنيته التحتية العسكرية والأمنية دون الاعتماد على هذه الشبكة المتقنة من البنية التحتية السياسية والمالية، ولهذا السبب تُشكل الانتخابات القادمة ميدان معركة حاسماً وحيوياً لاحتواء الجماعة وتقييد نشاطاتها. وبناءً على ذلك، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الذين ينحازون ويتحالفون مع "حزب الله"، فإن تمكين وحماية ودعم البدائل السياسية الشيعية المعتدلة يُعتبر أمراً حيوياً وضرورياً لعزل الحزب وترسانة أسلحته عن التأثير على الحكومة المقبلة. ويمكن أن تشمل هذه الجهود تقديم الدعم الدبلوماسي للفصائل والحركات البديلة، والأهم من ذلك كله، مساعدتها على بناء علاقات وثيقة مع مجتمع رجال الأعمال الشيعة غير المرتبطين أو التابعين لـ"حزب الله". وإذا فشل لبنان في تقديم مثل هذه البدائل السياسية القابلة للحياة، أو في وضع جدول زمني حازم ومقبول من جميع الأطراف لجميع مراحل مساعي نزع السلاح التي يقودها الجيش اللبناني، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً والأشد خطورة ستكون اندلاع حرب مدمرة أخرى مع إسرائيل.