
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4070
دفع المسار الدبلوماسي بين إسرائيل والفلسطينيين بعد حرب إيران

رغم تراجع الإحباط الدولي تجاه حرب غزة مؤقتاً خلال الأزمة مع إيران، إلا أنه يعود تدريجياً إلى الواجهة، وقد يعرقل خطط واشنطن لما بعد الحرب إن لم يُعاد التعامل معه بجدية.
الآن، وبعد أن وصلت الأعمال العدائية المسلحة بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، إلى نهايتها الواضحة، عاد الضغط الدبلوماسي المتعلق بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد. وقد عززت مواجهة واشنطن للبرنامج النووي الإيراني من موقعها لتقود إعادة تشكيل النهج الدولي والإقليمي تجاه هذا الملف. إن مبادرة أمريكية مدروسة، بقيادة واضحة، لن تعالج فقط الوضع المتأزم في قطاع غزة، بل ستتناول أيضاً جوهر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الأوسع. وفي هذا السياق، يشكّل اللقاء المرتقب بين الرئيس "دونالد ترامب" ورئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" فرصة سانحة لوضع أسس هذه السياسة الجديدة. لكن نافذة الفعل تظل ضيقة؛ إذ إن غياب سياسة أمريكية واضحة ومستدامة تجاه هذا الصراع قد يفتح المجال أمام تحركات دبلوماسية دولية لا تصب بالضرورة في مصلحة واشنطن، بما في ذلك هدف إدارة "ترامب" بتوسيع "اتفاقيات إبراهيم".
تأثير الحرب الإيرانية
قبل الضربات التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، كانت الدول الأوروبية – بما في ذلك الحلفاء التقليديون لإسرائيل – تُظهر تزايداً في الإحباط بسبب انهيار وقف إطلاق النار في غزة، واستئناف القتال المدمر هناك، وتدهور الأوضاع في الضفة الغربية. أصبحت البيانات الأوروبية أكثر حدة تجاه إسرائيل، وفرضت بعض الحكومات عقوبات على عدد من الوزراء الإسرائيليين، بل وبدأت بمراجعة علاقات التعاون الثنائي.
على الجانب العربي، شعر شركاء إسرائيل في اتفاقات السلام بقلق متزايد إزاء ما يجري في القدس والضفة الغربية. ففي أيار/مايو، على سبيل المثال، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوة غير معتادة باستدعاء السفير الإسرائيلي في أبوظبي احتجاجاً على أحداث القدس الشرقية. في الوقت ذاته، كانت المملكة العربية السعودية وفرنسا تستعدان لعقد مؤتمر دبلوماسي لإعادة إحياء مسار حل الدولتين وربما تأمين اعتراف بدولة فلسطينية – وهوجهد لافت تم من دون مشاركة أوموافقة إسرائيل.
لكن الحرب مع إيران جمّدت كل هذه الديناميكيات: توحد الموقف الأوروبي دعماً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتركزت الأولويات العربية على مخاوف الاستقرار الإقليمي، وتم تأجيل مؤتمر الدولتين إلى أجل غير مسمى.
اليوم، وبعد أن هدأ غبار الحرب، خرجت إدارة "ترامب" برصيد سياسي كبير داخل إسرائيل، بعد أن قدمت دعماً عسكرياً ودبلوماسياً غير مسبوق. وعلى الرغم من استمرار القلق العربي من تداعيات الضربات ضد إيران، فقد وجّه استخدام القوة – خاصة دون توسيع نطاق التصعيد – رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال اللاعب الدولي الأكثر تأثيراً في المنطقة.
لكن في المقابل، تعود مؤشرات التدهور في الملف الإسرائيلي – الفلسطيني إلى الواجهة: من التدهور الإنساني في غزة، إلى تصاعد عنف المستوطنين، وصولاً إلى تنامي الدعوات داخل إسرائيل لضم الضفة الغربية. وقد بدأت العواصم الأوروبية مجدداً التعبير عن استيائها، وتُبذل جهود لإحياء المؤتمر المؤجل بشأن حل الدولتين. ومن دون تدخل واضح وفاعل من واشنطن، قد تتخذ هذه التطورات مساراً منفصلاً – ومرجّح أن يكون غير منتج أوحتى مضر بالمصالح الأمريكية.
كيفية التعامل مع غزة
إن إنهاء حرب غزة يمثل أولوية فورية، وشروطه تُعد أساسية لأي تقدم دبلوماسي لاحق. ورغم أن الحرب الإيرانية وفّرت نافذة جديدة للدفع نحووقف إطلاق النار، فإن الكثير من التعقيدات التي سبقت اندلاع القتال لا تزال قائمة.
في المقام الأول، لا يمكن تحقيق وقف إطلاق نار دون الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وضمانات بنزع سلاح "حماس" وإبعادها عن السلطة. القرار النهائي في هذه القضايا يبقى بيد قادة الحركة الميدانيين في غزة، والذين أظهروا حتى الآن مقاومة كبيرة لأي ضغط خارجي. ومع ذلك، يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تصر على قيام الوسطاء، لاسيما قطر ومصر، بممارسة ضغط مباشر على القيادة السياسية لـ"حماس" في الخارج لقبول هذه الشروط علناً، ما قد يزيد من الضغط على قيادتها داخل القطاع. كما ينبغي لواشنطن أن تطالب بمواقف عربية واضحة وعلنية تدعم نزع سلاح "حماس" – وهوموقف أيدته القيادة الفلسطينية، بما في ذلك الرئيس "محمود عباس" في رسالته إلى السعودية وفرنسا في حزيران/يونيو، ما يوفّر غطاء فلسطينياً للمواقف العربية المشابهة.
ثانياً، لا بد من خطة متكاملة لليوم التالي، تتضمن رؤية واضحة لمستقبل غزة المُدمّرة، وتُحدّد أدوار ومسؤوليات الأطراف المعنية. بعض الدول العربية أبدت استعدادها للانخراط، لكنها لن تلتزم بتقديم الموارد أوإرسال الكوادر ما لم تتوفر ضمانات واضحة: أولها، تعهد إسرائيلي بعدم احتلال القطاع إلى أجل غير مسمى، وثانيها، رفع الفيتوعن دور السلطة الفلسطينية – ولوبصورة رمزية في البداية – في إدارة القطاع. كما يبحث المسؤولون العرب عن ضمانات بأن مساهماتهم في غزة ستأتي ضمن إطار أوسع يهدف إلى تحقيق حل الدولتين.
في المقابل، على الدول العربية أن تتجاوز الحد الأدنى من الالتزام الذي طغى على خطة الجامعة العربية بشأن غزة في آذار/مارس. المطلوب اليوم هوتعبير واضح وصريح عن استعدادها لتحمل مسؤولياتها: من دعم عملية نزع سلاح "حماس"، إلى الإسهام في الأمن والحكم داخل القطاع، وصولاً إلى إعادة بناء السلطة الفلسطينية كمؤسسة ذات مصداقية وقدرة.
معالجة الصراع الأوسع
أصبح من الواضح بشكل متزايد أن المسؤولين الأوروبيين والعرب والفلسطينيين لا يرون أن الجهود العاجلة لإنهاء حرب غزة يمكن فصلها تماماً عن المسار الأوسع لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وستحتاج استجابة إدارة "ترامب" لهذه الدعوات إلى موازنة عدد من الاعتبارات الدقيقة.
من جهة، يجب أن تتضمن أي سياسة أمريكية ذات مصداقية معالجة القلق المتنامي بشأن مستقبل حل الدولتين. وقد تبنى الرئيس "ترامب" هذا النهج في مبادرته للسلام في كانون الثاني/يناير 2020، وإعادة التأكيد على هذا المبدأ اليوم يمكن أن يعطي دفعة جديدة للعملية، حتى لواستمر الجدل حول تفاصيل المقترح.
لكن من جهة أخرى، لا بد من الاعتراف بأن الظروف الحالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا تسمح بتنفيذ حل الدولتين فعلياً. لذا، فإن أي جهد دبلوماسي يعيد التأكيد على هذا الهدف النهائي يجب أن يكون مشروطاً بالتغلب على العقبات الجوهرية وتحقيق الشروط الأساسية. فبينما تبقى التصريحات العلنية حول آفاق السلام مهمة، ينبغي أن ينصب التركيز على خطوات واقعية، قابلة للتحقق، تدفع نحوتحقيق هذا الهدف تدريجياً.
سيتطلب هذا النهج أيضاً التزامات واضحة من إسرائيل. بعضها سيكون رمزياً – مثل القبول المبدئي بحل الدولتين – لكن الأهم هوالامتناع عن اتخاذ خطوات تقوّض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلية، مثل الضم الأحادي لأجزاء من الضفة الغربية خارج إطار أي اتفاق، أوتوسيع المستوطنات خارج الكتل الكبرى، أوالسياسات التي تُضعف السلطة الفلسطينية. إلى جانب عرقلتها لمساعي السلام بعيدة المدى، فإن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى توترات حادة مع شركاء واشنطن العرب والأوروبيين، وتُقوّض الجهود الآنية لإنهاء الحرب في غزة. والضم بشكل خاص قد تكون له عواقب استراتيجية على علاقات إسرائيل الحالية والمستقبلية مع العالم العربي.
بالمقابل، ينبغي على واشنطن أن تطالب بتعهدات فلسطينية وعربية حقيقية – لا تقتصر على الإدانة العلنية للإرهاب والتحريض، بل تشمل خطوات جادة لإصلاح السلطة الفلسطينية وبناء مؤسسات فعالة. وفي هذا السياق، يجب أن يكون الهدف ضمان ألا تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية ضعيفة أوفاشلة أومصدر تهديد لجيرانها. كما يتعين على الدول العربية أن تدرك أن الاكتفاء بمطالبة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ إجراءات لم يعد كافياً؛ بل يجب أن تتحمل دوراً نشطاً في الضغط على القيادة الفلسطينية ودفعها نحوإصلاحات حقيقية. فرغم المطالب العلنية المتكررة من قِبل العواصم العربية، إلا أن الجهد الفعلي لتغيير سلوك السلطة ظل محدوداً في إطار رمزي فقط.
أما الشكل الذي قد يتخذه هذا الجهد الأمريكي، فهوأقل أهمية من جوهره. فقد يكون على شكل "مبادرة" دبلوماسية تقليدية، أوتشكيل مجموعة اتصال جديدة، أوحتى مؤتمر دولي – سواء جديد برعاية واشنطن أونسخة معدّلة من المؤتمر السعودي – الفرنسي الذي تم تأجيله. وقد يكون مجرد إعلان رئاسي. الأهم هوأن تبلور واشنطن أهدافاً واضحة، وتتوقع من الأطراف الإقليمية والدولية الالتزام بها.
ومن الضروري أيضاً دعم هذه الاستراتيجية عبر تعيين جهة أمريكية رسمية وفعّالة لمتابعة التنفيذ. وكان تكليف المبعوث الخاص "ستيف ويتكوف" بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة قد عكس أولوية البيت الأبيض لهذا المسار. واليوم، ثمة حاجة مماثلة لتعيين شخصية مُمكّنة تقود الجهود الدبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتعمل على ضمان انسجام الجهود الأوروبية والعربية مع الأهداف الأمريكية الأوسع في المنطقة، لا أن تعمل على تقويضها.