- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4138
الانتخابات العراقية: النتائج والخطوات التالية
حقق السوداني نتائج جيدة على صعيد صناديق الاقتراع، لكن تعقيدات عملية تشكيل الحكومة الطويلة في العراق والتوزيع النهائي للمقاعد البرلمانية قد تضع التحالف الرئيس المدعوم من إيران في موقع القيادة.
في الوهلة الأولى، بدت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر مشجعة، بما فيها بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة. فعلى الرغم من مقاطعة حركة مقتدى الصدر المؤثرة، ارتفعت نسبة المشاركة إلى 55 في المئة، بزيادة 12 نقطة عن أدنى مستوى سجل في عام 2021 عند 43 في المئة. ومع ذلك، فالفصيل الذي احتل المرتبة الأولى، وهو "ائتلاف إعادة الإعمار والتنمية" بقيادة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، حصل على 15 في المئة فقط من مقاعد البرلمان (46 من أصل 329). ولذلك، من المرجح أن يشهد العراق فترة طويلة من المفاوضات السياسية المضنية قبل تشكيل حكومة جديدة، شبيهة بالتأخيرات السابقة بعد الانتخابات (ثمانية أشهر في عام 2010، وأحد عشر شهرا في (2021– 2022).
النتائج
كان الفائز الأكبر الأسبوع الماضي هو السوداني، إذ حصل ائتلافه على 1.3 مليون صوت من إجمالي نحو 11 مليون صوت، متفوقا على "تحالف دولة القانون" الموالي لإيران بـ 370 ألف صوت. وقد اختلفت استراتيجية السوداني جذريا عن عام 2021، عندما فاز تكتله بمقعدين فقط، لكنه عين لاحقا رئيساً للوزراء بدعم من "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، وهو تكتل تقوده الميليشيات الشيعية التي صنفتها الولايات المتحدة منظمات إرهابية. لكنه هذا العام، ركز السوداني في حملته الانتخابية على إنجازاته المحلية، دون دعم واضح من طهران أو وكلائها.
من بين المنافسين الآخرين البارزين، احتل "حزب تقدم" العربي السني المركز الثاني بـ 28 مقعدا، وحصل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على 26 مقعداً، وفاز منافسه الرئيس، "الاتحاد الوطني الكردستاني"، بـ 15 مقعداً. ومن بين الأحزاب الموالية لإيران صراحة، فاز "حزب دولة القانون" بـ 27 مقعداً، وفاز كذلك "حزب الصادقون"، الذي تقوده منظمة "عصائب أهل الحق" التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. وكلا الحزبين عضوان في "الإطار التنسيقي"، إلى جانب "منظمة بدر" و"تحالف قوى الدولة الوطنية" وفصائل أصغر أخرى. وعلى الرغم من نجاح السوداني، يسيطر هذا التحالف الموالي لإيران على أغلبية المقاعد في البرلمان، ما يكاد يكفي لتشكيل حكومة.
لماذا حقق السوداني أداء جيدا على الرغم من الانتقادات
عندما بدأت ولاية السوداني الأولى، اعتقد كثير من العراقيين الذين طالما شعروا بالإحباط أنه سيكون مدينا لرعاة تحالفه الإيرانيين ولن يحقق إنجازات تذكر للشعب. ومع ذلك، يبدو أن أداءه منذ ذلك الحين قد لاقى صدى محليا، ولا سيما لدى الناخبين العرب السنة، الذين توافدوا بأعداد كبيرة يوم الانتخابات. ويبدو أن هذا، إلى جانب انخفاض مشاركة الشيعة في الانتخابات، قد ساعده على تحقيق هذه النتيجة.
في استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات، أعرب 58 في المئة من العرب السنة والشيعة عن ثقتهم في السوداني، وهي أعلى نسبة لأي مرشح. وحصل الصدر، رجل الدين الشيعي، على 62 في المئة لكنه اختار عدم الترشح. كما أعطى العرب السنة حكومة السوداني درجات عالية نسبياً في مجال تقديم الخدمات. لكن إنجازه الأكثر بروزا كان تأسيس البنية التحتية في بغداد. ووفقا لاستطلاعات الرأي، ارتبطت حكومته بصورة أكبر ببناء "الطرق والمباني"، في حين أشارت مجلةالإيكونيميست مؤخراً إلى العاصمة على أنها "مدينة مزدهرة".
كما حسن العراق موقعه الإقليمي في عهد السوداني. بعد تعهده بالتعاون مع أنقرة في طرد عناصر من الجماعة الإرهابية المعادية لتركيا، لا سيما "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، وأعادت بغداد فتح خط أنابيب نفطكان معطلاً منذ فترة طويلة من إقليم كردستان إلى تركيا ووقعت اتفاقية تعاون غير مسبوقة في مجال المياه مع أنقرة. كما دعم السوداني الاستقلال في مجال الطاقة عن إيران وعمل على تطوير علاقات بلاده مع جيرانها العرب وواشنطن على حد سواء، بما في ذلك حضوره حفل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الشهر الماضي في شرم الشيخ، مصر.
ومع ذلك، يشير منتقدو رئيس الوزراء إلى أنه لم يبذل جهوداً كافية لوقف الفساد المستشري، بل عزز نظام المحاصصة الطائفية الذي يقسم المكاسب السياسية والاقتصادية على أساس الدين وليس الجدارة. والأسوأ من ذلك، أن حكومته قننت التعاقد مع "شركة المهندس العامة" ومنحت القائمين عليها من المليشيات المدرجين على قوائم العقوبات الأمريكية نحو 3.6 مليار دولار سنوياً. وفي الوقت نفسه، ولتمويل الازدهار في بغداد، أفادت التقاريرأن السوداني خفض التمويل المخصص للمناطق الأخرى بشكل كبير في حين كان أسلوبه المفضل لخفض معدلات البطالة المرتفعة توظيف نحو مليون موظف حكومي جديد، مما أثقل كاهل الميزانية. كما واجه انتقادات حادة بسبب تمرير تشريع يخفض سن الزواج القانوني إلى تسع سنوات.
تعزيز الهدوء
منذ تولي السوداني السلطة في عام 2022، ولا سيما بعد اندلاع حرب غزة في عام 2023، دأبت الميليشيات الشيعية في "قوات الحشد الشعبي" المصنفة إرهابية على إطلاق طائرات مسيرة على إسرائيل واستهداف الأفراد العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وسوريا. وفي ظل ضغط واشنطن وتهديدات مباشرة من إسرائيل، نجح السوداني في إقناع "قوات الحشد الشعبي" في نهاية المطاف بإنهاء هذه الهجمات، وأبقى بذلك العراق بعيدا عن الحرب بين "محور المقاومة" الإيراني وإسرائيل.
وعلاوة على ذلك، عارض السوداني المطالب المحلية بطرد القوات الأميركية، مما أثار استياء شركائه في "الإطار التنسيقي"، واختار بدلاً من ذلك إعادة انتشار تدريجية ووجوداً مفتوحاً للقوات الأميركية المتبقية. كما ألغت السلطة القضائية مذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة عراقية ضد الرئيس ترامب بعد أن أصدرت إدارته الأولى في كانون الثاني/يناير 2020 أمرا بقتل قائد "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني في بغداد. إضافة إلى ذلك، رفض السوداني في النهاية التوقيع على قانون جديد لـ"قوات الحشد الشعبي" كان سيضفي طابعاً مؤسسياً على الميليشيات المتجذرة فعلاً.
أثارت هذه الخطوات قدراً من حسن النية في واشنطن، وساهمت في تحسين الوضع الأمني، وساعدت على استقرار الأوضاع في العراق. وفى ظل هذا التحسن، بدأت المزيد من الشركات الأمريكية في الاستثمار هناك، بما في ذلك "إكسون موبيل " و"شيفرون" و"كي بي آر"، التي امتنعت لفترة طويلة عن المشاركة في المناقصات على المشاريع العراقية، لكنها وقعت صفقات طاقة كبيرة مع بغداد في عام 2025.
الخطوات التالية: العملية مقابل الواقع
خلال عملية تشكيل الحكومة العراقية التي طالما واجهت مشاكل، تظل الحكومة القديمة تمارس دوراً مؤقتاً، لكن بصلاحيات محدودة جداً. ويعد هذا الانتقال غير الفعال – الذي قد يستمر كما ذكرنا سابقا لمدة تصل إلى عام – جزئياً نتيجة طبيعية في الأنظمة البرلمانية متعددة الأحزاب التي تميل إلى الحاجة إلى حكومات ائتلافية (على سبيل المثال، في إسرائيل وألمانيا وفرنسا). ومع ذلك، تنبع المشكلة أيضاً من أحكام دستورية عراقية محددة وكيفية تعاطى السياسيين في البلاد مع الحكم.
تبدو العملية الرسمية بسيطة في الوهلة الأولى، فبعد التصديق على نتائج الانتخابات، يدعو الرئيس البرلمان المنتخب حديثاً إلى الانعقاد خلال خمسة عشر يوماً. وفي جلسته الأولى، يجب على الهيئة التشريعية انتخاب رئيس للبرلمان ونائبين له بأغلبية الأصوات. يمكن للبرلمان بعد ذلك انتخاب رئيس للجمهورية جديد (بأغلبية ثلثي الأصوات) أو تمديد ولاية الرئيس الحالي.
وتمثل الخطوة التالية الأكثر أهمية في العملية، فخلال خمسة عشر يوماً من اختياره، يجب على رئيس الجمهورية الجديد أن يدعو الكتلة التي تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد إلى تشكيل حكومة بقيادة المرشح الذي تختاره لمنصب رئيس الوزراء. من المفترض أن يكون المرشح لهذا العام هو السوداني، على الرغم من أن مناورات الأحزاب الأخرى قد أطاحت بالمرشح الأوفر حظاً في الماضي.
ثم يكون أمام المرشح ثلاثون يوماً لإعداد قائمة بأسماء أعضاء الحكومة المحتملين وتقديمها إلى البرلمان للتصويت عليها بأغلبية الثقة. وإذا فشل التصويت، يجب على رئيس الجمهورية اختيار مرشح آخر لمحاولة العملية نفسها.
ومع ذلك، أعاقت هذه العملية جملة من العوامل غير الرسمية التي سادت البيئة السياسية العراقية بعد 2005. أولاً، وعلى غرار الوضع السياسي في لبنان، لكن بصورة غير مكتوبة وغير مقننة في القانون، يوزع العراق المناصب القيادية المختلفة على الطوائف المتعددة. وعادة ما يذهب منصب رئاسة البرلمان للعرب السنة، ومنصب رئاسة الجمهورية للأكراد، ومنصب رئاسة الوزراء للأغلبية الشيعية. ثانياً، وبدلا من تطبيق النظام النموذجي القائم على حكومة الأغلبية ومعارضة رسمية، تبنى السياسيون العراقيون نظاماً شاملاً يحصل فيه كل حزب تقريبا على نصيبه من السلطة.
علاوة على ذلك، وفي حين أن الأكراد، وبدرجة أقل العرب السنة، عادة ما يختارون مرشحيهم لرئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان مسبقاً، فإن الشيعة يميلون إلى الانقسام لفصائل مع مرشحين متنافسين لمنصب رئاسة الوزراء. ولا يمتلك أي مرشح شيعي بمفرده عددا كافياً من المقاعد للفوز بثقة البرلمان، لذلك ينتهي بهم المطاف إلى السعي لكسب أصوات العرب السنة والأكراد.
ونتيجة لذلك، تصبح عملية تشكيل الحكومة العراقية أساسا لعبة "لا شيء يتقرر حتى يتقرر كل شيء"، بما في ذلك كثير من المناصب الوزارية. وغالباً ما تؤجل الأحزاب البدء بالإجراءات الدستورية المذكورة آنفاً حتى يتم الانتهاء من المفاوضات المضنية، التي قد تستغرق شهوراً. وينتهك هذا النهج صراحة المبادئ الدستورية التوجيهية، وقد تم الطعن فيه بنجاح أمام المحكمة في عام 2010، ومع ذلك يتكرر في كل دورة انتخابية، مما يضيف تعقيداً غير ضروري ويُضفي طابع عدم الشرعية على عملية معقدة بالأساس.
الخلاصة
على الرغم من أدائه الانتخابي المثير للإعجاب، من المرجح أن يواجه السوداني صعوبة كبيرة في بناء تحالف كاف لضمان ولاية ثانية. فبعد أن دعمه في عام 2021، بات "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران يشعر بالندم ولن يؤيد عودته، مما يشكل عقبة كبيرة بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي يسيطرون عليها في البرلمان الجديد، بما في ذلك ما يقرب من 10 في المئة من المقاعد التي تشغلها منظمات صنفتها الولايات المتحدة إرهابية.
على المستوى النسبي، كانت السنوات الثلاث الماضية جيدة للعراق وعلاقته بالولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن السوداني كان غالباً يراعي شركاءه في التحالف المدعوم من إيران، إلا أنه سعى أيضا إلى موازنة بعض سلوكياتهم الأكثر إشكالية وتحسين العلاقات مع واشنطن. لكن إذا فرض "الإطار التنسيقي" إرادته في عملية تشكيل الحكومة وأعاد بغداد لطهران، فقد تعود العلاقات إلى حقبة الأيام الصعبة في عهد إدارة ترامب الأولى، عندما كان العراق ساحة معركة فعلية بين إيران والولايات المتحدة، ولم ترغب الشركات الأمريكية في التعامل مع البلاد.