
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4082
بعد القصف: خيارات إيران النووية

قد تدفع الضربات العسكرية الأخيرة ضد برنامج إيران النووي بطهران إلى تسريع مساعيها نحو امتلاك القنبلة، لكنها في الوقت ذاته قد تعقّد هذه الجهود وتمنح واشنطن ورقة ضغط أقوى لردعها.
الضربات الإسرائيلية والأمريكية التي وقعت الشهر الماضي ضد البرنامج النووي الإيراني أثارت جدلاً حول مدى تراجع البرنامج وما إذا كانت "طهران" ستتحفز أكثر للسعي نحو القنبلة. الإجابة ليست مباشرة على الإطلاق.
الأضرار المُلحقة
ضربت "إسرائيل" حسب التقارير حوالي اثني عشر موقعاً مرتبطاً بالبرنامج النووي الإيراني وقتلت ما يقارب العشرين عالماً نووياً– – -كثيرون منهم منخرطون في أبحاث متعلقة بالأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، أسقطت قاذفات "بي– 2" الأمريكية قنابل "خارقة الذخائر الضخمة" بوزن 30.000 رطل على المنشآت النووية في "فوردو" و"نتنز"، بينما ضربت صواريخ كروز المُطلقة من الغواصات "أصفهان".
أظهرت التجربة أنه من الصعب تدمير المواقع الصناعية من الجو. يمكن في كثير من الأحيان إصلاح المعدات المستخرجة من تحت الأنقاض أو تفكيكها وإعادتها للخدمة. ومع ذلك، فإن أجهزة الطرد المركزي الغازية التي تستخدمها "إيران" لتخصيب اليورانيوم هي معدات مضبوطة بدقة وحساسة يسهل إتلافها. وفقاً لـ "رافائيل غروسي"، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت أجهزة الطرد المركزي في "نتنز" و"فوردو" لا تزال تعمل عشية الحرب. الإيقاف غير المتحكم فيه يؤدي إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي ذاتياً؛ هذا على ما يبدو كيف خربت "إسرائيل" "نتنز" في عام 2021 ولماذا قصفت مصدر الطاقة للمنشأة في بداية الحرب الشهر الماضي.
علاوة على ذلك، فإن القنابل الاثني عشر "خارقة الذخائر الضخمة" التي أُرسلت عبر عمودي التهوية اللذين يخدمان "فوردو" دمرت على الأرجح قاعتي الطرد المركزي هناك. حتى لو فشلت في اختراق القاعات، فإن الموجات الصدمية الناتجة عن تأثير وانفجار هذه القنابل الضخمة هزمت على الأرجح تدابير التخميد المتخذة لحماية أجهزة الطرد المركزي من الاهتزازات والهزات الأرضية. وبالتالي، فإن أي سلاسل طرد مركزي لم تُدمر بانهيار الهياكل تضررت أو دُمرت على الأرجح بالتأثيرات غير المباشرة. قد يكون هذا سبب ادعاء "غروسي" في 26 حزيران أن منشآت التخصيب الإيرانية "لم تعد تعمل" وأن برنامج الطرد المركزي الغازي تكبد "أضراراً جدية جداً".
هل يمكن للقدرات المتبقية مساعدة إيران على إعادة البناء؟
قد تستجيب "طهران" للقصف بمحاولة إنشاء برنامج أسلحة سري صغير ومقسم للغاية. من المحتمل أن تمتلك "إيران" أجهزة طرد مركزي احتياطية لاستبدال تلك المتضررة من التآكل الروتيني. علاوة على ذلك، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها فقدت استمرارية المعرفة بشأن إنتاج "طهران" لأجهزة الطرد المركزي الغازية منذ منتصف عام 2021. وبالتالي، قد تتوفر مخزونات مخفية من أجهزة الطرد المركزي الغازية لبناء منشأة تخصيب سرية.
علاوة على ذلك، لا تزال حالة 440 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة الإيرانية– – -الموجودة سابقاً في "أصفهان" و"فوردو" و"نتنز"– – -غير معروفة. هذه الكمية، إذا خُصبت أكثر إلى ما يزيد عن 90 بالمئة (صالحة للأسلحة)، ستكون كافية لحوالي عشر قنابل. (لمزيد من المعلومات حول هذا والمسائل التقنية ذات الصلة، انظر معجم إيران النووي من معهد "واشنطن".) وفقاً لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، جزء كبير من المخزون مدفون تحت الأنقاض في هذه المواقع. إذا كان ذلك صحيحاً، فقد تكون بعض الأسطوانات الصغيرة المستخدمة لتخزين فلوريد اليورانيوم المخصب قد تمزقت، مما تسبب في تحلل المحتويات عند تعرضها للحرارة أو الهواء. لكن قد تكون أخرى سليمة، وأي محاولة إيرانية لاستعادة هذه الأسطوانات يمكن أن توفر فرصة لاستهدافها. علاوة على ذلك، قد يكون بعض المخزون قد حُول إلى مواقع أخرى قبل الحرب ونجا، كما ادعت وسائل الإعلام الإيرانية.
إذا حول النظام اليورانيوم عالي التخصيب قبل الحرب أو نجح في استعادة بعض منه من الأنقاض، فسيتعين تخصيب المادة أكثر للوصول إلى درجة صالحة للأسلحة. (بعض المراقبين يجادلون بأن قنبلة يمكن بناؤها باستخدام يورانيوم مخصب بنسبة 60 بالمئة، لكنها ستكون على الأرجح ضخمة وتنتج مردوداً منخفضاً جداً.) يمكن لـ"إيران" أيضاً الحصول على يورانيوم صالح للأسلحة من الخارج– – -ربما من "كوريا الشمالية".
الضربة على "أصفهان" قد تكون أيضاً دمرت معدات تُستخدم لتحويل فلوريد اليورانيوم المخصب إلى معدن يورانيوم، بالإضافة إلى صبه وتشكيله. الضربات في مواقع أخرى قد تكون دمرت عناصر تُستخدم لإنتاج المكونات غير النووية المختلفة للقنبلة. لكن "إيران" قد تكون حصلت على بعض هذه مكررة، وعلى أية حال، يمكن إنجاز كثير من هذه المهام دون أجهزة متخصصة.
بدلاً من ذلك، قد تختار "طهران" عدم إعادة بناء هذه القدرات طالما أن برنامجها النووي مخترق من قبل الخدمات الاستخبارية الإسرائيلية. على أقل تقدير، سيستغرق الأمر وقتاً لتقييم خياراتها بدقة واختيار نهج أقل عرضة للاضطراب. ("العراق"، على سبيل المثال، استغرق حوالي عام بعد أن قصفت "إسرائيل" مفاعله النووي في عام 1981 لتقرر كيفية المضي قدماً.) متسقاً مع استراتيجية الانتشار للعقدين الماضيين، قد يتبنى النظام نهجاً بطيئاً ومدروساً يسعى للمضي قدماً دون إثارة أعدائه للعمل. ومع ذلك، فإن أي جهود لإحياء البرنامج ستواجه عملاً سرياً وعلنياً إسرائيلياً لإحباطه. لهذه الأسباب، فإن التركيز بشكل ضيق على الاعتبارات التقنية من غير المرجح أن ينتج تقييماً دقيقاً لكم من الوقت يمكن أن تستغرقه "إيران" لإعادة البناء.
أما بالنسبة لكيفية هيكلة "طهران" لجهد إعادة البناء، فقد تبني منشآت سرية صغيرة مخفية في مرأى من الجميع في المواقع الصناعية، أو في منشآت تحت أرضية بعيدة عن متناول ذخائر الاختراق التقليدية الحالية. يمكن أن تحاول تخفيف المخاطر أكثر عبر وضع جميع أنشطة التخصيب والتسليح في منشأة أو منشأتين محميتين جيداً ومدفونتين عميقاً– – -رغم أن هذا يمكن أن ينتهي بمضاعفة المخاطر إذا وجد أعداؤها نقطة ضعف قابلة للاستغلال (كما في "فوردو"). على العكس، يمكن لـ"إيران" إنشاء منشآت صغيرة ومتناثرة وزائدة عن الحاجة، رغم أن هذا النهج سيحمل مخاطر أيضاً– – -وهي أن مكونات الأسلحة والأفراد سيحتاجون للنقل بين المواقع أثناء عملية التصنيع، مما يخلق فرصاً للاضطراب.
قدرة "إسرائيل" على مواجهة مثل هذه الجهود (بمساعدة أمريكية) ستعتمد جزئياً على ما إذا كانت ستستمر في الحصول على معلومات استخبارية دقيقة حول أنشطة "إيران"، وما إذا كان بإمكانها توليد تآزر بين العمل العسكري السري والعلني رغم جهود الخداع والإنكار والردع الإيرانية. قد تعتمد أيضاً على ما إذا كان بإمكان "إسرائيل" تحمل هذا العبء بشكل متزايد بمفردها إذا دفعت الضغوط الجيوسياسية "واشنطن" للتركيز أكثر على "الصين" ومناطق أخرى. الحفاظ على مثل هذه الجهود في الأشهر والسنوات القادمة يمكن أن يشكل تحديات كبيرة لـ"إسرائيل" إذن.
خيارات إيران، خيارات الولايات المتحدة
الحرب بلا شك نشطت أولئك في "طهران" الذين جادلوا منذ فترة طويلة بأن الجمهورية الإسلامية يجب أن تخصب اليورانيوم إلى درجة صالحة للأسلحة و/أو تسرع الجهود لبناء قنبلة. الأقل وضوحاً هو كيف أثرت الضربات على الجهات الفاعلة الأكثر حذراً– – -في المقدمة منهم المرشد الأعلى "علي خامنئي"– – -الذين قد يعيدون الآن التفكير في استراتيجية التحوط النووي الإيرانية. (في الواقع، علامات تشير إلى أن "طهران" أحيت أعمال البحث والتطوير للـتسليح الخاملة منذ فترة طويلة قبل أكثر من عام تشير إلى أن مثل هذا إعادة التفكير قد حدثت قبل الحرب.) قد تكون "طهران" مغرية إذن لإعادة تشغيل الجهود لبناء قنبلة في نهاية المطاف بينما تختبر بحذر لترى ما إذا كان بإمكانها المضي قدماً دون أن تُمسك.
رغم أن الحجة للقنبلة قد تكون أقوى من قبل– – -معززة الآن برغبة محرقة في الانتقام– – -فإن الحجج لمواصلة التحوط مقنعة أكثر أيضاً:
- "إيران" أكثر ضعفاً، بينما "إسرائيل" و"الولايات المتحدة" أكثر عزماً وقبولاً للمخاطر من أي وقت آخر في العقود الأخيرة.
- النظام لا يزال مخترقاً من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، مما يعني أن "القدس" و"واشنطن" ستتعلمان على الأرجح عن محاولة اختراق مسبقاً وتتخذان إجراءً لإحباطها.
- "إيران" تفتقر حالياً للوسائل لسد فجوة قدرات دفاعها الجوي، مما يعني أنها قد تبقى عرضة للهجوم لسنوات قادمة.
- "إيران" قد لا تكون قادرة على تأمين ترسانة نووية ناشئة من التخريب من قبل الخدمات الاستخبارية الأجنبية أو التحويل من قبل الأعداء المحليين، الذين قد يكونون مغرين لاستخدام "نووي مفقود" ضد النظام.
- قنبلة قد لا تردع الهجمات من قبل "إسرائيل" و"الولايات المتحدة"، تماماً كما لم تردع الأسلحة النووية الإسرائيلية الهجمات من قبل "إيران".
- "إيران" في حاجة ماسة لتخفيف العقوبات، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي من خلال صفقة نووية جديدة مع "الولايات المتحدة".
وبالتالي، قد تكون "واشنطن" وشركاؤها لا تزال قادرة على تشكيل حسابات الانتشار الإيرانية حتى لو أثبتت الصفقة النووية أنها غير قابلة للتحقيق. على وجه الخصوص، يجب أن يسعوا لـثني طهران عن محاولة إحياء البرنامج النووي عبر مضاعفة الإجراءات التالية:
- الإشارة إلى أن أي جهود لإحياء البرنامج ستُمسك ويتم إحباطها من قبل "الولايات المتحدة" و"إسرائيل".
- مواصلة الجهود لاختراق البرنامج بوسائل إلكترونية وأخرى، بهدف إقناع "طهران" بأن ترسانة نووية ناشئة ستكون عرضة للتخريب والتحويل وبالتالي ستشكل خطراً على النظام.
- دعم العمل السري الإسرائيلي لتعطيل أي جهود إعادة بناء نووية، ودعم هذه الأنشطة بتهديد العمل العسكري المتجدد إذا أثبت العمل السري عدم كفايته.
- الضغط على بلدان أخرى للتخلي عن نقل أنظمة الدفاع الجوي إلى "سوريا" و"العراق" و"إيران" لضمان بقاء الممر الجوي بين "إسرائيل" و"إيران" مفتوحاً.
- التأكيد على أن "واشنطن" ستنظر في تخفيف العقوبات مقابل صفقة تتخلى فيها "إيران" نهائياً عن جميع قدرات التخصيب. في الوقت نفسه، يجب على المسؤولين الأمريكيين التشديد على أن أي محاولة لإعادة بناء هذه القدرات ستثير عقوبات جديدة صارمة وإنفاذاً أكثر صرامة بالتزامن مع "فرنسا" و"ألمانيا" و"المملكة المتحدة"– – -ويمكن أن تثير جولة جديدة من القتال قد تعرض اقتصاد "إيران" وقوات الأمن الداخلي وقيادة النظام العليا للخطر. على العكس، يمكن لـ"طهران" خلق بيئة مواتية للمفاوضات الناجحة بالسماح بعودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوفير وصول غير مقيد لهم.
أخيراً، يجب على "الولايات المتحدة" و"إسرائيل" إطلاق حملة تأثير متعددة الوسائط هادئة في "إيران" لتشكيل النقاش المحلي حول الأسلحة النووية. هذه الحملة يجب أن تسلط الضوء على الأخطار التي يشكلها السعي وراء ترسانة نووية على الأمة الإيرانية– – -مؤكدة أن الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية هي محرك للصراع وليس مصدر أمان لشعب "إيران" و"الشرق الأوسط" الأكبر.