
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4078
استثمار هزيمة إيران لتعزيز الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق

رغم أن وكلاء إيران في العراق التزموا الحياد إلى حد كبير خلال الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً، إلا أن هذا التحفظ البراغماتي لن يوقف تصاعد التنافس الأمريكي – الإيراني على الأجواء العراقية، والشراكات الاقتصادية، وغيرها من المجالات الحيوية.
بالرغم من أن المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة لم تشمل العراق رسمياً، وقد حرصت بغداد على التأكيد بأنها ليست طرفاً في هذا الصراع، إلا أن المجال الجوي العراقي استُخدم بشكل واسع كممر للعمليات العسكرية من الجانبين، تماماً كما حدث خلال جولتين كبيرتين من الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل في عام 2024 — وهي مشاهد نارية لا شك أنها لم تمر مرور الكرام على الميليشيات العراقية المدعومة من طهران. ومع ذلك، ظلت هذه المجموعات إلى حد كبير على الهامش خلال النزاع الذي استمر اثني عشر يوماً، في وقت عكست فيه تحركات القوى الأجنبية المعنية رغبة واضحة في تحييد العراق عن تبعات هذه الحرب.
بالاستفادة من تحفظ الميليشيات، يجب على واشنطن المضي قدماً في سعيها لتراجع النفوذ الإيراني في قطاعات الحكم والطاقة العراقية، مستفيدة من الزخم القوي الذي خلقته الحرب. في الوقت نفسه، يحتاج المسؤولون الأمريكيون إلى صياغة سياسة واضحة لتأمين المجال الجوي العراقي بطريقة تحافظ على المصالح الأمريكية - بما في ذلك حرية العمل الأمريكية في أي أزمات مستقبلية.
الميليشيات تتراجع
لعبت الميليشيات العراقية دورها بشكل مختلف تماماً في الحرب الحالية مقارنة بالصراع الذي اندلع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. بعد أن هاجمت "حماس" إسرائيل، هددت المجموعات العراقية ضمن "محور المقاومة" الإيراني بدخول الصراع إذا انخرطت الولايات المتحدة، لكنها تجاهلت خطها الأحمر الخاص وبدأت بإطلاق طائرات مسيرة على أهداف أمريكية وإسرائيلية على أي حال. انتهت تلك السلسلة من الهجمات المتبادلة بضربات أمريكية ثقيلة على قادة الميليشيات العراقية، مما ردع المزيد من الهجمات على المواقع الأمريكية بحلول آذار/مارس 2024. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وجّهت القدس تحذيراً للميليشيات العراقية أدى بالمثل إلى إخماد هجماتها على إسرائيل.
خلال الحرب الأخيرة، مع ذلك، كانت الميليشيات العراقية أكثر تحفظاً بكثير - كله نباح و(تقريباً) لا عضّ. في 15 حزيران/يونيو، أصدرت "كتائب حزب الله" و"حركة حزب الله النجباء" مرة أخرى تحذيرات بأنها ستدخل القتال إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك. ومع ذلك، كان هذا بعد ثلاثة أيام كاملة من بداية الحرب، مما يشير إلى أنها انتظرت التوجيه من طهران وأُخبرت بعدم الهجوم - أو سُمح لها بالاختيار لنفسها ومع ذلك اختارت التراجع. لا يوجد بالتأكيد أي دليل على أن رئيس الوزراء العراقي "محمد شياع السوداني" أو مجلس وزرائه فعل أي شيء لكبح العمل الميليشياوي (فهم يفتقرون إلى النفوذ لوقف هذه المجموعات حتى ولو حاولوا).
في النهاية، لا تبدو الميليشيات العراقية وكأنها هاجمت إسرائيل مباشرة من أراضيها في أي نقطة خلال الحرب، رغم أنها قد تكون ساعدت في هجمات طائرات مسيرة متفرقة من جنوب سوريا (إن كان الأمر كذلك، فقد كانت حذرة في عدم ادّعاء مثل هذه المشاركة). حتى بعد أن قصفت الولايات المتحدة إيران، يشير الحصر المفصّل للكاتب لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة داخل العراق إلى أن الميليشيات نفّذت ضربة رمزية واحدة فقط على هدف أمريكي: هجوم بطائرتين مسيرتين ضد مطار أربيل الدولي في 22 حزيران/يونيو. كانت علامات التحفظ الأخرى كثيرة: الاحتجاجات التي نظمتها شبكة وسائل التواصل الاجتماعي الميليشياوية "أخبار الصابرين" أُبقيت بعيداً عن السفارة الأمريكية في بغداد؛ كما فشلت جلسة برلمانية في 17 حزيران/يونيو حول إدانة الهجمات الإسرائيلية في تحقيق النصاب القانوني؛ ولم تُسمع نداءات الميليشيات التقليدية لطرد القواعد والدبلوماسيين الأمريكيين في أي مكان. والأمر الدال أن بضعة حسابات صغيرة لوسائل التواصل الاجتماعي الميليشياوية انتقدت خجل رد فعل قادتها على الحرب.
الاستخدامات وإساءة استغلال المجال الجوي العراقي
منذ أن تم سحب معظم القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، كان المجال الجوي للبلاد مصدر صداع مستمر لجميع الأطراف. الولايات المتحدة وإسرائيل اعترضتا منذ فترة طويلة على استخدامه كـ"جسر جوي" إيراني إلى سوريا ولبنان، بينما تخشى الميليشيات العراقية من حرية العمل التي تتمتع بها القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية لضربها من الأعلى في أي وقت.
من الناحية النظرية، يمكن للعراق أن يجمع رادارات المراقبة الأمريكية والفرنسية الموجودة لديه مع رادارات مدنية مختلفة لبناء "صورة جوية" للرحلات العسكرية الأجنبية. كما أن لديه عدداً (محدوداً جداً) من صواريخ الاعتراض الروسية "بانتسير س-1" القادرة على الوصول إلى ارتفاعات متوسطة (15,000-50,000 قدم)، إلى جانب عدد من الطائرات المقاتلة المعترضة (رغم أن جميعها طائرات "إف-16" مُزوَّدة أمريكياً تحمل صواريخ "إيه آي إم-7إم" مُزوَّدة أمريكياً). هذه الأسلحة كان يمكن أن تشكل خطراً على كل من الطائرات الإسرائيلية غير الخفية والصواريخ الكروز الإيرانية والطائرات المسيرة التي تعبر المجال الجوي العراقي.
عملياً، مع ذلك، لم تُستخدم أي من هذه القدرات خلال حرب الشهر الماضي. لا يُعرف أن أي صواريخ عراقية أُطلقت على أي طائرة أو صواريخ أو طائرات مسيرة، رغم أن المجال الجوي للبلاد كان مشبعاً بها. الطائرات الإسرائيلية حلّقت فوق العراق أثناء الهجوم من الغرب والعودة إلى الوطن من الشرق، وأسقطت غالباً خزانات الوقود المساعدة خلال هذه العبور. قد تكون أيضاً قد شاركت في تزويد الطائرات بالوقود جواً فوق العراق (كما تبدو وكأنها فعلت فوق سوريا). في هذه الأثناء، معظم الأكثر من 1,000 طائرة مسيرة وصاروخ كروز التي أطلقتها إيران خلال الصراع مرّت عبر المجال الجوي العراقي، بينما صواريخها الباليستية أسقطت غالباً صواريخ الدفع المستنفدة على الأراضي العراقية. أما بالنسبة للطائرات الأمريكية، فقد طارت بحسب التقارير عبر العراق في 22 حزيران/يونيو في طريقها لضرب البرنامج النووي الإيراني.
عندما كانت الحرب تقترب من نهايتها في 23-24 حزيران/يونيو، دُمّر رادارا مراقبة عراقيان على الأقل بهجمات طائرات مسيرة غامضة في معسكر التاجي وقاعدة الإمام علي الجوية، بينما قد يكون آخران قد استُهدفا دون نجاح في قاعدة بلد الجوية وقاعدة الأسد الجوية. قد تكون هذه عملية إسرائيلية تهدف إلى تغطية الانسحاب المفاجئ للموظفين من إيران في نهاية العملية باستخدام طائرات غير خفية. إن كان الأمر كذلك، فقد يؤكد المخاوف الإسرائيلية من أن الدفاعات الجوية العراقية يمكن أن تتدخل في مثل هذه الحركات أو أن "الصورة الجوية" العراقية يمكن أن تُتاح لإيران.
التداعيات على السياسة الأمريكية
من بين التبعات المهمة الكثيرة للحرب على السياسة الأمريكية تجاه العراق، تبرز ثلاث تداعيات أساسية:
أولاً، تبقى الميليشيات المدعومة من إيران حذرة جداً من عدم استفزاز الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية داخل العراق، وطهران أيضاً تبدو وكأنها تعتبر هذا النهج حكيماً. إسرائيل التزمت إلى حد كبير بهذه القواعد أيضاً، باستثناء محتمل لضرب الرادارات العراقية في نهاية الحرب. حتى عند استهداف "حيدر الموسوي" - قائد ميليشيا عراقي رئيسي متورط في عمليات مختلفة في سوريا - في 21 حزيران/يونيو، انتظرت إسرائيل حتى بعد أن عبر العراق ودخل إيران للتو قبل الضرب. مستقبلاً، إذا قررت إيران أو وكلاؤها العراقيون اختبار حدود هذا الانفراج الظاهر، يجب على واشنطن أن تذكّرهم بأن أي إطلاق طائرات مسيرة أو صواريخ ينشأ في العراق سيؤدي إلى ضربات أمريكية على قادة الميليشيات البارزين. إذا لم تراقب واشنطن هذا الخط الأحمر، فإسرائيل بلا شك ستفعل، مما قد يعقّد الموقف الأمريكي في العراق.
ثانياً، قضايا المجال الجوي العراقي تتطلب تعاملاً أكثر حذراً، بما في ذلك موقف سياسي أمريكي مخصص في هذا الأمر. قرب نهاية الحرب، انتقد كل من اللواء "رحيم صفوي" من الحرس الثوري الإيراني والميليشيا "حركة حزب الله النجباء" الحكومة العراقية لفشلها في الدفاع عن سماء البلاد. دعوات بغداد لاقتناء رادارات اعتراض ومعترضات دفاع جوي أكثر قدرة من غير أمريكية كانت تتنامى حتى قبل الحرب وستصبح الآن أكثر إلحاحاً. على سبيل المثال، في صفقة مُبلغ عنها بقيمة 2.8 مليار دولار، سيتلقى العراق أنظمة دفاع صاروخي متوسط المدى "شيونغونغ-2" كورية جنوبية، تتضمن عناصر من الرادارات المستخدمة مع نظام "إس-400" الروسي. رداً على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تطوير موقف سياسي صريح - ليس بالضرورة أن يُبلّغ علناً، لكن خلف الأبواب المغلقة مع القيادة العسكرية العراقية - بشأن وضع المجال الجوي للبلاد. يجب عليها أيضاً تطبيق أدوات مختلفة - مثل مبيعات الأسلحة والضغط على الموردين البدلاء ونفوذ العقوبات - لضمان أن الحالة النهائية للدفاعات الجوية العراقية لا تهدد المصالح الأمريكية أو حرية العمل.
ثالثاً، يجب أن تتشجع جهود السياسة الأمريكية في العراق من حقيقة أن لا فصيل رئيسي هاجم المرافق الأمريكية خلال الحرب أو جدد الدعوة لطردها. كانت هذه إشارة قوية إلى أن نفوذ إيران في العراق قد انخفض (مؤقتاً) بسبب الضرب الرهيب الذي تلقته طهران. لذلك، بينما تم إجلاء السفارة الأمريكية جزئياً أثناء القتال، يجب إعادة جميع وظائفها الأساسية إلى بغداد في أسرع وقت ممكن. وبينما ستسعى إدارة "ترامب" على الأرجح إلى تقليص حضور وزارة الخارجية عند تقرير من سيُعاد نشره، يجب أن تتأكد من أن أي تغييرات من هذا القبيل تقتصر على الهوامش ولا تؤثر على المهمة الأساسية. أسباب هذا الإلحاح واضحة - هذه لحظة فرصة عظيمة لتوسيع النفوذ الأمريكي في العراق وحماية الموظفين والشركات الأمريكية هناك وتقليل النفوذ الإيراني الخبيث بشكل أكثر ديمومة.
لإعطاء مثال: في 29 حزيران/يونيو، أُجبر رئيس المحكمة الاتحادية العليا العراقية المدعوم من إيران "جاسم محمد عبود" على التقاعد من قبل لجنة من القضاة الوطنيين - خطوة كانت ستكون لا يمكن تصورها قبل الحرب وكانت ستفشل على الأرجح لو لم يكن النفوذ الإيراني مهزوزاً. المزيد من هذه التغييرات ممكن، بما في ذلك الجهود المستمرة لإزالة النفوذ الإيراني من داخل قطاع الطاقة العراقي عالمي المستوى. في الواقع، تصوّر المسؤولون الأمريكيون هذه النتيجة في قرارهم في 3 تموز/يوليو بفرض عقوبات على مهرب نفط عراقي رئيسي عمل في الوقت نفسه للحكومة العراقية والحرس الثوري الإيراني ومجموعة من المنظمات الإرهابية المصنفة أمريكياً.