
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4121
وقف إطلاق النار في غزة: وجهات نظر حول الأمن والحكم الفلسطيني والديناميكيات الإقليمية

يطرح معهد واشنطن رؤى متعدّدة حول أبرز التحديات في المرحلة المقبلة، بدءاً من منع عودة "حماس" إلى الواجهة، وصولاً إلى تعزيز الإصلاح السياسي الفلسطيني، مروراً بالدول والآليات المرجَّح أن تضطلع بتنفيذ هذه المهام.
"حماس" والعشائر والصراع على السيطرة
نعومي نيومان
بالنسبة لـ"حماس"، يحمل وقف إطلاق النار مع "إسرائيل" الكثير من المخاطر، لكنه يفتح أيضاً نافذة لإعادة تشكيل الواقع على الأرض في "غزة". منذ اللحظة التي دخل فيها حيز التنفيذ يوم الجمعة العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، بدأت الحركة في إعادة نشر جهازها الأمني، وإرسال عناصر مسلحة إلى الشوارع، وإجراء تصفيات عنيفة ضد معارضيها، مع التركيز على العشائر الغزية المشتبه في تعاونها مع "إسرائيل" خلال الحرب. تشير التقارير إلى أن "حماس" أعدمت بالفعل عشرات الغزيين، وتقوم الحركة بتعميم مقاطع فيديو لعمليات إعدام علنية من أجل إعادة تأكيد هيمنتها وغرس الخوف في نفوس السكان.
تسلط الاشتباكات في حي "تل الهوى" في مدينة "غزة"، حيث اقتحمت قوة من "حماس" مبنى سكنياً تسيطر عليه عشيرة "الدغمش"، الضوء على الصراع الناشئ على السلطة. تشمل الفصائل المناهضة لـ"حماس" حوالي اثنتي عشرة عشيرة يضمون أقل من 1500 مقاتل مسلح، مقارنة ب 15000-20000 عنصر مسلح لدى "حماس". وفي حين أن هذه الفجوة تقلل من احتمالية نشوب حرب أهلية شاملة، فإنها تزيد من خطر الاغتيالات التي تسمح لـ"حماس" بتعزيز قبضتها على السكان. ومن بين العشائر، فإن الأكبر والأكثر رسوخاً هي "أبو شعبان"، التي يتركز أفرادها في جنوب شرق "غزة" بالقرب من معبر "كرم أبو سالم" مع "إسرائيل".
في الوقت الحالي، تفتقر العشائر المناهضة لـ"حماس" إلى القدرة على الصمود أمام هجوم مباشر دون دعم خارجي، وبالتالي يتعين على "إسرائيل" أن تتصرف بشكل استراتيجي لمنع سيناريو الانتقام العنيف الواسع النطاق. لذلك يجب أن يتضمن أي اتفاق مستقبلي بنداً صريحاً يضمن أمن العشائر ويسعى إلى دمج ميليشياتها تدريجياً في مناطق تسيطر عليها "إسرائيل"، مع الهدف طويل الأجل المتمثل في وضعها تحت سلطة "السلطة الفلسطينية". يمكن لمثل هذه الخطوة أن تساعد في استقرار الأراضي، وتوسيع المجال التشغيلي للجهات الفاعلة غير التابعة لـ"حماس"، وبالتالي منع "حماس" من إعادة فرض سيطرة كاملة على "غزة".
مبادئ دعم الإصلاح السياسي الفلسطيني
غيث العمري
تدعو خطة السلام المكونة من 20 نقطة للرئيس "ترامب" إلى إنشاء "لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية" حتى "يكتمل برنامج الإصلاح الخاص بالسلطة الفلسطينية". تخلق هذه الصياغة فرصاً ومخاطر لمستقبل السياسة والحكم الفلسطيني.
على الجانب الإيجابي، فإن إنشاء لجنة تكنوقراطية من المحتمل أن يكون قابلاً للتحقيق نظراً لوفرة المواهب الفلسطينية. لكن العديد من "التكنوقراط"– سواء الآن أو في السابق– عملوا ضمن "السلطة الفلسطينية" أو حكومة "غزة"، وفصلهم عن العناصر السياسية سيكون أمراً صعباً. إن استبعادهم بالجملة– باستثناء أعضاء "حماس" والجماعات الإرهابية الأخرى– سيكون وصفة للفشل.
بالطبع، يجب ألا تلعب "حماس" أي دور– سواء حقيقي أو متصور– في إنشاء اللجنة. يُقال إن "مصر" تخطط لعقد حوار وطني فلسطيني لمعالجة هذه المسألة. علاوة على ذلك، يجب على "الولايات المتحدة" أن توضح للدول العربية أن نزع سلاح "حماس" واعترافها بـ"إسرائيل" هما شرطان لمشاركتها في أي عملية وليسا نتيجتين لها. إذا كانت مثل هذه المطالب تهدد بإفشال وقف إطلاق النار، فيجب تأجيل الحوار الوطني، مع إعطاء الأولوية لتغيير ميزان القوى في السياسة الفلسطينية.
سيتطلب التركيز على إحياء السياسة الفلسطينية جدية فيما يتعلق بنزع سلاح "حماس" والجهود الإقليمية لتشويه روايتها. لكنه سيتطلب أيضاً عملاً منضبطاً لإصلاح "السلطة الفلسطينية"، بدءاً من فهم مشترك لما يعنيه الإصلاح. من غير المرجح أن تتولى إدارة "الولايات المتحدة"، بنفورها المعلن من "بناء الأمم"، زمام المبادرة في تنفيذ مثل هذه الإصلاحات، لكنها بحاجة إلى توضيح المبادئ المنظمة. على وجه التحديد، يجب أن تشمل هذه المبادئ الحكم الفعال وغير الفاسد، ومكافحة التحريض في التعليم والرسائل العامة، والأهم من ذلك– عملية سياسية تمكّن قيادة جديدة غير ملوثة بالإرهاب أو الفساد. إن وضع هذه المعايير بوضوح سيكون ضرورياً لإنشاء أجندة مشتركة يمكن أن تبني عليها التحالفات الدولية والإقليمية جهودها.
الأدوار السابقة والمستقبلية لـ"قطر" و"مصر"– و"تركيا"
إيهود يعاري
على مدى العامين الماضيين، عملت "قطر" و"مصر" كوسيطين بين "إسرائيل" و"حماس"، على الرغم من أنهما لم ينسقا جهودهما بشكل كامل وغالباً ما انخرطا في منافسة هادئة. من جانبها، سعت "قطر" إلى وقف إطلاق نار يسمح بإطلاق سراح الرهائن مقابل حماية بقاء "حماس" وقوتها العسكرية المتبقية في "غزة". في حين كانت "مصر" مدفوعة بشكل أساسي برغبة في منع تدهور الظروف بطريقة يمكن أن تدفع أعداداً كبيرة من الفلسطينيين إلى اقتحام الحدود المصرية طلباً للجوء.
في حين أن "قطر" هي راعية قديمة لـ"حماس"، حيث أنفقت حوالي 2– 3 مليارات دولار لدعم الحركة في "غزة" مع استضافة قيادتها في "الدوحة"، فإن "مصر" تنظر إلى "حماس" من حيث روابطها بـ"جماعة الإخوان المسلمين"، ودعمها للرئيس الراحل "محمد مرسي"، وتعاونها مع "تنظيم الدولة الإسلامية" في شبه جزيرة "سيناء". فوجئت كلتا الحكومتين بالمخطط النهائي للرئيس "ترامب" لإنهاء الحرب: شعرت "قطر" أنه لم يمنح "حماس" أي دور في "غزة"، وكانت "مصر" غير راضية عن الآلية الدولية المقترحة لإدارة الأراضي، حيث دعت بدلاً من ذلك إلى هيئة فلسطينية تُنشأ من خلال اتفاق بين "منظمة التحرير الفلسطينية" و"حماس" والفصائل الأخرى. ومع ذلك، لم تكن أي من الحكومتين مستعدة لتحدي المبادرة الأمريكية، نظراً لامتنان "قطر" للضمان الأمني الأخير من "ترامب" ورغبة "مصر" في الحصول على مساعدات أمريكية سخية. وبالتالي، أجبرت الدولتان، مع "تركيا"– التي جندها "ترامب"– "حماس" على قبول المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار، مع الوعد بالمساعدة في المناقشات حول ترتيبات "اليوم التالي".
ومع ذلك، من المتوقع أن تتبع الجهات الفاعلة الثلاث مسارات مختلفة فيما يتعلق بمستقبل "حماس". تريد "القاهرة" أن تتوصل "السلطة الفلسطينية" إلى تسوية مع "حماس" منزوعة السلاح، مما يسمح للرئيس "محمود عباس" بتولي دور كبير في إدارة المرحلة التالية لـ"غزة". يحرص الوسيطان الآخران على منع التفكيك الكامل ونزع سلطة الجناح العسكري لـ"حماس". في حال سعى قادة "حماس" إلى المرور الآمن للخروج من "غزة"، فإن كلاً من "قطر" و"تركيا" ستوافقان على قبولهم في حين سترفض "مصر". سيتعين على "الولايات المتحدة" ممارسة نفوذها لتوجيه هؤلاء اللاعبين نحو تعاون فعال.
خطوات لضمان الأمن في "غزة" بعد الحرب
دانا سترول
تتضمن خطة "ترامب" المكونة من 20 نقطة لـ"غزة" اقتراحاً لقوة استقرار دولية متعددة الجنسيات لتوفير الأمن على أساس مؤقت حتى يمكن تدريب القوات الفلسطينية ونشرها. من الدروس الرئيسية المستفادة من جميع تجارب الاستقرار بعد الحرب أن ملء الفراغ الأمني في أعقاب الحرب مباشرة هو المهمة الأولى– وأن توفير الأمن "الذي يركز على المدنيين" واستعادة القانون والنظام أمران أساسيان لمنع المزيد من العنف.
على الرغم من أن العديد من الجيوش العربية والإسلامية شاركت في مناقشات التخطيط مع "الولايات المتحدة" على مدار العام الماضي حول أساليب القوة، إلا أنه من غير المرجح أن تلتزم أي حكومة بشكل حاسم بنشر قوات في غياب ضمانات بأن أفرادها لن يتعرضوا لهجوم من "حماس" أو "إسرائيل". نظراً لعلاقاتها العميقة مع "إسرائيل" والشركاء العرب، فإن "القيادة المركزية الأمريكية" في وضع جيد لقيادة التنسيق التشغيلي والإشراف على وقف إطلاق النار وقوة الاستقرار الدولية ومهمة استقرار "غزة". في الواقع، أعلنت "القيادة المركزية" الأسبوع الماضي أنها ستساهم في فرقة عمل مشتركة مع شركاء دوليين آخرين تركز على استعادة الرهائن في "غزة".
لكن لا يمكن الاستعانة بمصادر خارجية لكامل مهمة الاستقرار إلى "القيادة المركزية": فالحكم والأمن والمساعدة بعد الحرب هي بطبيعتها سياسية، وستحتاج إدارة "ترامب" إلى تحديد المهمة، وتوضيح الأدوار التي هي مستعدة وغير مستعدة لتوليها، والتنسيق على المستوى السياسي للحفاظ على المهمة الأمنية على المسار الصحيح. ستكون "مصر" لاعباً مهماً نظراً لحدودها المشتركة مع "غزة" و"إسرائيل". ستكون "قطر" و"تركيا" و"مصر" معاً حاسمة في الحفاظ على الضغط على بقايا "حماس" لتجنب التدخل في القوة– وإعطاء الأولوية لاحتياجات السكان الفلسطينيين في "غزة" عن طريق إجبار "حماس" على تسليم أسلحتها.
سيحتاج التدريب للقوات الفلسطينية التي تم فحصها إلى التسارع حتى لا تصبح المهمة المؤقتة لقوة الاستقرار الدولية مهمة دائمة. لقد طور "مكتب منسق الأمن الأمريكي"، المتمركز في "إسرائيل"، بالفعل خططاً لبناء قوة أمن فلسطينية تركز على مهام الشرطة في "غزة". يجب تسريع التدريب في "الأردن" في المنشآت المدعومة من "الولايات المتحدة" مثل "مركز التدريب الشرطي الدولي الأردني"، ويجب على "الولايات المتحدة" إعطاء الأولوية للتنسيق مع "مصر" لضمان أن تحتفظ عملياتها التدريبية والفحص بدعم إسرائيلي.
كيف ستسعى "تركيا" للاستفادة من دورها الدبلوماسي المُحسّن
سونر چاغاپتاي
للمرة الأولى، جعل الرئيس "رجب طيب أردوغان" من "تركيا" صاحبة مصلحة في الصراع بين "حماس" و"إسرائيل"– وبالتالي مستقبل "غزة". "تركيا"، كداعمة منذ فترة طويلة لـ"حماس"، لديها الآن فرصة لتشكيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال الاستفادة من نفوذها على الحركة.
يتضمن محرك آخر لاهتمام "تركيا" بالصراع العلاقات العسكرية مع "الولايات المتحدة". منذ شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع "إس– 400" في عام 2017، كانت "أنقرة" تحت عقوبات عسكرية أمريكية– لكن "واشنطن" تبدو الآن مستعدة لرفع هذه التدابير مقابل خطوات بناء الثقة. كان أحدها الدور الرئيسي لـ"تركيا" في إحضار "حماس" إلى طاولة المفاوضات، وهو إيماءة حازت على تقدير كبير من الرئيس "ترامب". على الرغم من ضآلة نفوذها على الجناح العسكري لـ"حماس"، فقد طورت "أنقرة" علاقات وثيقة مع المستوى السياسي للحركة، ورئيس الاستخبارات التركية "إبراهيم كالن" ساعد على وجه التحديد في إقناع القادة السياسيين في "حماس" بالموافقة على صفقة وقف إطلاق النار الحالية.
لقد جلب تطور "غزة" "تركيا" إلى مسافة أقرب من الحصول على طائرات "إف– 35" المقاتلة الأمريكية الصنع، مع دعم متزايد على ما يبدو من "ترامب". لكن "أنقرة" تريد أكثر من الهدوء في "غزة"؛ فهي تدعم أيضاً حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي نتيجة لا تحظى بدعم يُذكر من القيادة والسكان الإسرائيليين الحاليين على حد سواء. يمكن لوقف إطلاق النار في "غزة" إلى جانب مساهمة تركية في استقرار "اليوم التالي" أن يهدئ من التنافس الشديد التوتر بين "إسرائيل" و"تركيا"، ويساعد على تهدئة "سوريا"، ويدفع الأمن الإقليمي– لكن انهيار وقف إطلاق النار يمكن أن يؤدي إلى تفاقم العلاقات الثنائية.
الرهانات المتعلقة بنزع سلاح "حماس"
جيمس جيفري
في صميم خطة السلام المكونة من 20 نقطة للرئيس "ترامب" بشأن "غزة"، وفي قلب المطالب الإسرائيلية، يأتي نزع سلاح "حماس" (أي "عملية نزع السلاح") وتخليها عن حكم "غزة"– إلى جانب الانسحاب الإسرائيلي ودور دولي واسع في الأراضي بعد الحرب. إذا رفضت "حماس" هذه المطالب، فإن الخطة ستفشل، وستنهار المشاركة الدولية البرية، ومن المرجح أن تغزو "إسرائيل" من جديد.
في بيان "حماس" الصادر في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر، لم تلتزم الحركة صراحة بنزع السلاح، بل أقرت "بإبرام اتفاق" يتضمن نزع السلاح، بهدف "إنهاء الحرب" و"انسحاب الاحتلال". (يشير هذا ليس إلى خطة "ترامب" بل إلى اتفاق من ست نقاط بين "حماس" و"إسرائيل" بشأن المرحلة الأولى من الخطة). لكن يجب أن تعلم "حماس" أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها دون "مقابل" نزع سلاحها.
لا تفصّل الخطة حالياً عملية نزع السلاح– من ومتى وكيف، أو حتى ماذا (على سبيل المثال، البنية التحتية، هدم الأنفاق، الأسلحة الصغيرة المنتشرة في كل مكان). المرشح الواضح لمراقبة نزع السلاح المستقلة سيكون قوة الاستقرار الدولية تحت "مجلس السلام" المتوخى في الخطة. وسيتم الإشراف عليه من قبل مركز المراقبة المشتركة الدولي الذي تقوده "القيادة المركزية" المُعلن عنه مؤخراً، وربما بالإضافة إلى فرقة العمل الدولية المنشأة في اتفاق "حماس"– "إسرائيل"– لكن الوضوح لم يظهر بعد بشأن الأدوار المحددة.
لقد تحققت مراقبة نزع السلاح من قبل جهات دولية من قبل، ويمكن لقوة الاستقرار الدولية أن تطور "الكيفية". في نهاية المطاف، مع ذلك، يجب على الطرف في الصراع– "حماس"– أن ينزع سلاحه فعلياً، بالنظر إلى أن قوة الاستقرار الدولية على الأرجح لن تقاتل الحركة. وبالتالي، فإن الضغط الحقيقي على "حماس" في غياب نزع السلاح هو حرب متجددة في ظروف أسوأ بكثير، واستهجان الدول "الضامنة" الإقليمية الصديقة.