
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ترامب يمسك بزمام المبادرة لدفع غزة نحو السلام
Also published in "واشنطن بوست"

تطرح خطة الولايات المتحدة المكونة من 21 نقطة بديلا عن حكم "حماس"، لكن على الرئيس أن يضمن التزام الإدارة المؤقتة بنزع سلاح الفصائل، ودعم إجراءات إسرائيل في حال عودة الحركة إلى الواجهة.
إذا كان الرئيس دونالد ترامب يريد حقا إحداث تغيير جوهري في غزة، والحفاظ على آماله في الفوز بجائزة نوبل للسلام، فعليه أن يوظف نفوذه لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
من المقرر أن يلتقي نتنياهو وترامب يوم الاثنين. وعلى الرغم من نبرة التحدي التي طغت على خطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة يوم الجمعة، فمن المؤكد أنه يشعر بالقلق إزاء معارضة ترامب الصارمة لضم إسرائيل للضفة الغربية، ومن خطته المكونة من 21 نقطة لإنهاء الحرب الوحشية في غزة. وفى الوقت عينه، يتعرض نتنياهو لضغوط من ائتلافه الحاكم لضم أجزاء من الضفة الغربية رداً على اعتراف بريطانيا وفرنسا وكندا ودول أخرى بدولة فلسطينية.
وربما يشكل ذلك جزءاً من تنسيق بين الزعيمين، يتيح لنتنياهو أن يوضح لائتلافه أن معارضة ترامب في قضية الضم أمر غير ممكن، نظراً لما قدمه الرئيس من مكاسب ودعم لإسرائيل، ولا سيما الضربات الأمريكية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. ولن تكون هذه المرة الأولى التي يقوم فيها نتنياهو بتوظيف إصرار رئيس أمريكي للتهرب من ضغوط قاعدته السياسية. لكن يبقى السؤال: لكن هل ستنطبق هذه الحسابات على غزة أيضاً؟
في اجتماعه يوم الثلاثاء مع القادة العرب والمسلمين، قال ترامب إنه يريد إنهاء القتال وإن لديه خطة لإدارة القطاع بعد ذلك. وتستند هذه الخطة بدرجة كبيرة إلى المقترح الذي وضعه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وجاريد كوشنر، مهندس اتفاقيات "أبراهام" خلال ولاية ترامب الأولى. يقوم الإطار المقترح للحكم على إنشاء إدارة مؤقتة تضم مجلسا أو هيئة إدارية تشرف على الوزارات، التي يديرها خبراء دوليون وإقليميون إلى جانب تكنوقراط فلسطينيين، من بينهم كوادر من السلطة الفلسطينية. وستضطلع هذه الوزارات بمسؤولية معالجة الاحتياجات اليومية في مجالات الصحة والمياه والكهرباء والمساعدات الإنسانية والمالية وإعادة الإعمار، فضلا عن تعزيز الأمن وتطبيق القانون وحفظ النظام. كما ستمهد الخطة الطريق لإعادة إعمار غزة على أساس معادلة "إعادة البناء مقابل نزع السلاح".
وباختصار، توفر الخطة بديلا لـ"حماس"، وهو ما قد يكون مقبولا لدى نتنياهو إلى حد ما. ففي نهاية المطاف، لا بد من وجود بديل لـ"حماس"، وإلا فلن تتمكن إسرائيل من مغادرة غزة. ورغم أن بعض وزراء نتنياهو يطالبون بإعادة توطين سكان القطاع، فإن نتنياهو يؤكد مرارا أنه لا يسعى إلى ذلك.
لكن رئيس الوزراء أعلن بوضوح أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية أبدا، بينما تتيح خطة ترامب ذلك الاحتمال بشكل لا لبس فيه. وفوق ذلك، ومنذ الهجوم الإرهابي واسع النطاق الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أبدى نتنياهو رغبة واضحة في الإعلان عن "نصر كامل" على الحركة، أي القضاء التام عليها. غير أن خطط ترامب لا يمكن أن تحقق هذا الهدف؛ بل في الواقع، لا توجد أي خطة قادرة على تحقيقه.
بالنسبة إلى "حماس"، فإن الاستسلام لإسرائيل يُعد خيانة لأيديولوجيتها القائمة على المقاومة والشهادة. وقد أظهر قادتها استعدادا كاملا للتعامل مع سكان غزة باعتبارهم شهداء، من دون أن يسألوهم بالطبع ما إذا كان ذلك مقبولا لديهم. ومع ذلك، قد ترى "حماس" أن القبول بخطة مدعومة من دول عربية تُبقيها خارج الحكم ليس هزيمة، خصوصا إذا تمكنت من الادعاء بأنها حققت الإفراج عن آلاف السجناء الفلسطينيين. وقد يعتقد قادة الحركة أنه بمرور الوقت سيكون بإمكانهم إعادة تنظيم صفوفهم تحت إدارة دولية أو إقليمية في غزة.
وبالطبع، يشكل ذلك مصدر قلق مشروع بالنسبة إلى نتنياهو. فمن المرجح أن يشدد رئيس الوزراء على أن إسرائيل لن تتمكن من الانسحاب قبل نزع سلاح "حماس" بالكامل، في حين أن الخطة المطروحة تقوم على نزع السلاح تدريجيا. ومن المؤكد أن ذلك لن يتحقق تلقائيا، بل سيتطلب جهدا مستمرا. ويواصل قادة "حماس" التأكيد أنهم لن يتخلوا عن سلاحهم. غير أن الحقيقة الواضحة هي أن إعادة إعمار غزة لن تكون ممكنة من دون نزع السلاح؛ إذ لا يوجد طرف دولي على استعداد للاستثمار في القطاع ما دامت "حماس" محتفظة بقدرتها على إعادة تنظيم صفوفها وإشعال حرب جديدة.
ويبقى السؤال: هل تستطيع "حماس"، وقد فقدت معظم بنيتها التحتية العسكرية، أن تقاوم إدارة عربية تتولى زمام الأمور وتعد بإنهاء معاناة غزة؟ فعلى الرغم من أن نتنياهو والمحيطين به يعتقدون أن إسرائيل وحدها تمتلك الإرادة الكافية لمواجهة "حماس"، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن نهجهم في إدارة الحرب قد أخفق في أهم اختبار في حروب العصابات، والمتمثل في حماية المدنيين. فلا تزال "حماس" تحتفظ بالقدرة على ترهيب السكان، لأن مهمة الجيش الإسرائيلي لم تكن منصبة على حمايتهم.
قد لا تأتي قوة عربية بصلاحية قتل عناصر "حماس"، لكنها ستأتي بمهمة حماية السكان. وقد يحدث ذلك فرقاً كبيراً: فبعد التحرر من الخوف ورؤية إمكانية وجود بديل حقيقي، من المرجح أن نشهد مقاومة شعبية ضد "حماس"، مما سيرفع بشكل كبير من كلفة محاولات الجماعة عرقلة تنفيذ الخطة. وتُظهر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد توني بلير للتغيير العالمي كيف أن غالبية سكان غزة قد انقلبوا على "حماس"، رغم أنهم ظلوا عاجزين إلى حد كبير عن مقاومتها، خصوصا حين كانوا منشغلين بمجرد البقاء على قيد الحياة.
ومع ذلك، لا بد من التزام جاد من قبل الإدارة المؤقتة، التي ستقودها في الغالب الدول العربية الرئيسية، بتنفيذ نزع السلاح. فالإيماءات الرمزية أو التلميحات غير كافية. ينبغي أن يكون هناك التزام واضح وآلية عملية تضمن إنهاء عمليات التهريب التي استغلتها "حماس" في تأسيس بنيتها التحتية العسكرية وشبكة أنفاقها.
وسيظل ترامب اللاعب المحوري، وسيتعين عليه ممارسة الضغط على الإدارة المؤقتة لضمان تنفيذ التزامات نزع السلاح، إلى جانب الاستعداد لدعم أى إجراءات إسرائيلية إذا حاولت "حماس" الظهور مجددا. لكن قبل كل شيء، سيكون عليه الإصرار على أن تُنهي حكومة نتنياهو الحرب وتباشر الانسحاب.
سيتطلب الأمر ما هو أبعد من مجرد اجتماع يُعقد يوم الاثنين. فنتنياهو بارع في إظهار الموافقة، ثم العودة لطرح قضايا متعددة بهدف تأجيل التنفيذ أو تفريغه من مضمونه. غير أن ترامب، إذا أحسن استخدام نفوذه لإقناع نتنياهو والدول العربية بالمضي قدما في الخطة المطروحة، فقد يقترب فعلا من جائزة نوبل للسلام التي يطمح إليها.