
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4112
تقييم التوافق بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن إطار العمل في غزة

من المرجح أن يُبرز رئيس الوزراء "نتنياهو" الجوانب الإيجابية في رده على مبادرة الرئيس "ترامب" لإنهاء الحرب، لكن التفاصيل الرئيسية – ناهيك عن رد "حماس" – ستُحدد ما إذا كانت الخطة ستنجح في نهاية المطاف أم ستقع ضحية لدورة "نعم ولكن" أخرى.
في لقائه بالبيت الأبيض في 29 أيلول/سبتمبر مع الرئيس "ترامب" – وهوالأهم بين لقاءاتهما الرسمية الأربعة هذا العام – سيكون على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوأن يقرر ما إذا كان سيقبل، وإلى أي مدى، إطار العمل الأميركي المؤلف من 21 نقطة لإنهاء حرب غزة. وتشير الدلائل إلى أنه سيتبنى موقفاً داعماً للخطة. غير أن موافقة صريحة قد تعزز العلاقات الأميركية – الإسرائيلية في وقت تتزايد فيه عزلة إسرائيل، لكنها في المقابل قد تُكلف نتنياهوائتلافه الحاكم وتفرض انتخابات مبكرة. أما الخيار الآخر فهوالاكتفاء بصيغة "نعم ولكن"، مستنداً إلى افتراض أن "حماس" سترفض نزع سلاحها، وبذلك ينهار الاتفاق وتتحمل الحركة المسؤولية.
يبدوأن الولايات المتحدة تسعى إلى صياغة توازن يراعي مخاوف جميع الأطراف، بما في ذلك الدول العربية، مع تفادي الألغام السياسية الإسرائيلية. وهذا يترجم إلى مبادئ عامة يمكن لنتنياهونظرياً أن يدعمها، لكن باستثناء الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية، فإن الخطة الأميركية ما تزال تترك أسئلة مفتوحة حول آليات التنفيذ والجداول الزمنية. وإلى جانب ذلك، فإن تغيّر المبادئ مع كل مسودة جديدة للخطة ولّد شعوراً بعدم اليقين، قد يدفع مختلف الأطراف إلى محاولة إدخال تعديلات في اللحظة الأخيرة.
من الناحية الإيجابية، وفيما يتعلق بالتوافق الأميركي – الإسرائيلي، تؤجل هذه الخطة قضيتين رئيسيتين: توقيت الدور النهائي للسلطة الفلسطينية في حكم غزة، والمحادثات المباشرة نحوحل الدولتين. ومع ذلك، يبقى الخطر قائما من أن يستغل المنافسون السياسيون داخل ائتلاف رئيس الوزراء هاتين القضيتين لإسقاط الحكومة، ثم خوض الانتخابات على منصة أكثر تشدداً في مواجهة هذه التوجهات.
وقد يكون لقبول نتنياهو بالخطة الأميركية عدة تفسيرات، من بينها اعتقاده أنها توفر أفضل خارطة لإنهاء الحرب. وربما يستحضر في ذهنه النموذج الذي طُبق بعد ضربات إسرائيل المتكررة ضد حزب الله، حين أوكلت إسرائيل تنفيذ نزع السلاح إلى جهات أخرى مع احتفاظها بحق التدخل عسكريا إذا لزم الأمر.
إذا كان "نتنياهو" جاداً في متابعة خطة "ترامب"، فسيركز على طرح أسئلة أمنية مشروعة، بما في ذلك:
- ما مدى شمولية التدخل لمنع نزع سلاح "حماس"؟ الافتراض هوأن نزع السلاح سيبدأ بمجرد مغادرة إسرائيل لغزة. لكن تبقى أسئلة حول تعريف أمريكي– إسرائيلي مشترك لقدرات الجماعة "الهجومية" التي سيتم تفكيكها من قبل قوة استقرار دولية مقترحة، بما في ذلك مشاركين عرب. على سبيل المثال، هل ستركز قوة الاستقرار الدولية فقط على الأنفاق ومرافق الأسلحة، أم أنها ستسعى أيضاً بفعالية إلى مخابئ أسلحة وقنابل "حماس"؟ (بلا شك، ستدّعي "حماس" أن جميع قدراتها دفاعية.)
- ما هي المعايير المشتركة لتقييم التقدم الفلسطيني؟ سيكون وضع أهداف واضحة أمراً أساسياً لضمان النجاح.
- ما هي الشروط التي ستسمح بالتدخل الأمني الإسرائيلي؟ سينطبق هذا إذا فشلت قوة الاستقرار الدولية المُتصورة المؤلفة من دول عربية وأخرى في نزع سلاح "حماس" – وستكون هذه أكثر الأسئلة حساسية دبلوماسياً.
أهداف الولايات المتحدة
يشمل النهج المقترح عدة أهداف أساسية، مثل إنهاء الحرب، وتأمين الإفراج عن جميع الرهائن بعد ذلك بوقت قصير، ووضع الأساس لإطار حكم جديد في غزة يتضمن نزع سلاح "حماس". تسعى الخطة أيضاً إلى إنشاء كيان حكم فلسطيني يحظى بدعم دولي ويمكنه بالتالي تعبئة الموارد المالية اللازمة لإعادة إعمار غزة. يبدوأن عدة بنود – مثل رفض الضم الإسرائيلي لغزة ومعارضة أي تشجيع للهجرة الفلسطينية – تهدف إلى توضيح وجهة نظر واشنطن بأن السيطرة الإسرائيلية على الإقليم مؤقتة. أخيراً، تدعوالخطة الولايات المتحدة إلى تجنيد الأطراف لمناقشة حل محتمل للدولتين في المستقبل ولكنها لا تتضمن مثل هذه المحادثات كهدف فوري.
الاعتراضات المحتملة من "حماس "
تتضمن الخطة الأمريكية بندين رئيسيين من المرجح أن ترفضهما "حماس":
- نزع السلاح: ترى "حماس" أن هذا الشرط يهدد بقاءها ويمنعها من إعادة بناء قوتها. ورغم أنها أعلنت في 4 آذار/مارس 2025 تأييدها لخطة السلام العربية التي دعت أطرافاً أخرى لتولي إدارة غزة، إلا أنها ما تزال تعتبر سلاحها أداة ضغط أساسية في مواجهة أي حكومة قد تتجاهل مصالحها.
- الانسحاب الإسرائيلي التدريجي: تنص الخطة على الإفراج الفوري عن عشرين رهينة إسرائيلياً أحياء، إضافة إلى 28 جثة، مقابل إطلاق سراح نحو250 أسيراً فلسطينياً و1، 700 معتقل. غير أن الانسحاب الإسرائيلي لن يتم مباشرة، إذ ستحتاج قوات الاستقرار الدولية إلى بعض الوقت للانتشار وتسلّم مواقعها قبل بدء العملية.
الاعتراضات المحتملة من إسرائيل
بالنسبة لإسرائيل، يبدوأن أصعب التنازلات قد لا تظهر إلا في المراحل اللاحقة:
- السيطرة النهائية للسلطة الفلسطينية على غزة: تنص الخطة على أن بإمكان السلطة الفلسطينية تولي إدارة غزة، لكن ذلك مشروط أولاً بإجراء إصلاحات داخلية لم يُحدد بعد مضمونها أوآليتها. وإلى أن يتم ذلك، ستخضع غزة لإدارة حكومة من التكنوقراط الفلسطينيين تحت إشراف مجلس دولي، فيما تُناط مهمة حفظ الأمن وتنفيذه على الأرض بقوة استقرار دولية.
- التوقع بأن واشنطن ستدفع باتجاه مفاوضات حول حل الدولتين: ورغم أن هذه الخطوة مؤجلة إلى المستقبل، فإن مجرد إدراجها في الخطة يظل إشكالياً، نظراً لأن فكرة حل الدولتين ما تزال غير مقبولة في الخطاب الداخلي الإسرائيلي بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومن المرجح أن أي تحرك في هذا الاتجاه سيؤدي إلى ردة فعل عنيفة بشكل خاص من التيار اليميني.
- رفض ضم غزة: ينص الإطار أيضاً على عدم ضم غزة، وهوما يشكّل نقطة خلافية كبيرة داخل الائتلاف الحاكم. فشركاء نتنياهومن اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يؤيدون الضم، وقد يلوّحون بالانسحاب من الحكومة إذا جرى الالتزام بهذا الشرط. وإلى جانب ذلك، من المعروف على نطاق واسع أن الوثيقة لا تشجع على الهجرة الفلسطينية بشكل رسمي أوضمني، رغم أن الرئيس ترامب كان قد طرح هذه الفكرة في وقت سابق من العام، الأمر الذي حظي بتأييد من بعض أركان الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
أمام "نتنياهو" عدة خيارات في كيفية الرد على هذه التحديات. فإذا اختار قبول الخطة الأمريكية من حيث المبدأ، يمكنه التقليل من أهمية تلك الشروط التي تبدو صعبة، انطلاقاً من افتراض أن إسرائيل قد لا تُجبر في الواقع على تنفيذها. أما إذا فضّل التردد حيال الخطة، مبتعداً بذلك فعلياً عن "ترامب"، فيمكنه أن يضخّم هذه البنود ليحوّلها إلى قضايا خلافية تواكب دخول إسرائيل عاماً انتخابياً. وفي كلتا الحالتين، قد يجد "نتنياهو" نفسه للمرة الأولى أمام خيار حاسم بين الاصطفاف مع "ترامب" أو الحفاظ على تماسك ائتلافه الداخلي.
ماذا لوقالت "حماس" لا؟
ليس من الواضح ما إذا كانت الخطة الأمريكية المكوّنة من 21 نقطة تتضمن سيناريو احتياطياً في حال رفض "حماس". فالنقطة السابعة عشرة من نسخة مختصرة، بحسب أحد التقارير، تتيح إمكانية ظهور كيان فلسطيني "ما بعد حماس" في جنوب غزة فقط، حيث تقول إسرائيل إنها نجحت إلى حدّ كبير في هزيمة الحركة. وفي هذا السياق، يؤكد جيش الدفاع الإسرائيلي أنه يسيطر على أكثر من 75% من القطاع، فيما وصف "نتنياهو" مدينة غزة بأنها "المعقل الأخير لـحماس". ورغم أن مثل هذه الخطة قد تنسجم مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية في المدينة، إلا أنها تواجه تعقيدات على مستويين رئيسيين:
- سيتعيّن على "نتنياهو" على ما يبدو القبول ببقاء الرهائن في الأسر مقابل مشهد منقسم بين حكم مؤقت مدعوم دولياً في جنوب غزة، واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال القطاع.
- قد لا يكون هذا التصور مقبولاً سياسياً بالنسبة للدول العربية والإسلامية إذا طُلب منها المشاركة في قوة الاستقرار الدولية لمراقبة جنوب غزة بينما تواصل إسرائيل القتال في شمالها.
توصيات للسياسة الأمريكية
عند توقّع ردّ رئيس الوزراء "نتنياهو" على المقترح الأمريكي الخاص بغزة، يتعيّن على واشنطن أن توازن بين المضي قدماً بحزم وبين توضيح الشروط والتفاصيل حيثما يلزم. فاستمرار "نتنياهو" في الرد بنمط "نعم ولكن" قد يبدّد الزخم تدريجياً ويفكك المبادرة في نهاية المطاف، الأمر الذي سيؤدي إلى إطالة أمد احتجاز الرهائن. ومع أن معالجة ملف غزة بالغة التعقيد، فإن تقديم مزيد من التحديد بشأن القضايا الأمنية يمكن أن يسهّل العملية. وسيحتاج أي تقدم ملموس إلى تنسيق وثيق بين واشنطن والقدس والشركاء العرب الرئيسيين، مع وضع تعريفات مشتركة واضحة للأهداف الأساسية، والاتفاق على مقاييس محددة للتنفيذ.
الخلاصة
على المدى القصير، تتوافق الأهداف الأمريكية المعلنة لمرحلة ما بعد "حماس" في غزة إلى حد كبير مع الأهداف الإسرائيلية كما وردت في خطة الـ21 نقطة، بما في ذلك نزع سلاح الحركة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المتبقّين. غير أن التطلعات طويلة الأمد – مثل تمكين السلطة الفلسطينية من حكم غزة أو إطلاق محادثات نحو حلّ الدولتين – قد تولّد ضغوطاً سياسية كبيرة على "نتنياهو". فقد اعتاد التراجع عن مثل هذه الخطوات خشية تنفير قاعدته حتى في غياب استحقاقات انتخابية، أما الآن ومع اقتراب الانتخابات بعد عام واحد فقط، فقد يكون أشد حذراً من المجازفة. ومع ذلك، فهو يدرك تماماً قيمة علاقته مع "ترامب"، وقد يتفادى تعريضها لأخطر اختبار حتى الآن.