
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4063
تفجير كنيسة دمشق: من هي "سرايا أنصار السنة"؟

على الرغم من أن تحديد هوية الجماعة المسؤولة عن التفجير قد يستغرق مزيداً من الوقت، إلا أن السلطات في دمشق وواشنطن تمتلك بالفعل معلومات كافية لتعزيز التعاون الأمني وطمأنة الأقليات السورية بأنها لن تكون هدفاً لهذه الهجمات.
في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو، استهدف مفجر انتحاري كنيسة مار إلياس الأرثوذكسية اليونانية في حي الدويلعة بدمشق، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً وإصابة 63 آخرين، وذلك في أكبر هجوم ضد الأقلية المسيحية في سوريا منذ عام 1860. وفي اليوم التالي، أعلنت السلطات السورية أن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤول عن الهجوم، رغم أن وسائل إعلام التنظيم لم تذكر شيئاً عن الهجوم حتى الآن. وفي الرابع والعشرين من حزيران/يونيو، أعلنت جماعة "سرايا أنصار السنة" غير المعروفة مسؤوليتها عن الحادث، وكشفت عن هوية الانتحاري (محمد زين العابدين، الملقب بأبي عثمان)، ووصفت الهجوم بأنه رد على حظر الحكومة للأنشطة التبشيرية غير المرخصة في الحي. ومن الجدير بالذكر أن الحظر صدر بعد محاولة السلفيين التبشير أمام كنيسة القديس إلياس في أواخر آذار/مارس، الأمر الذي قد يكون السبب وراء استهداف هذه الكنيسة تحديداً. وأياً كان الأمر، فإن الحادث يثير تساؤلاتٍ حول سلامة الأقليات في سوريا الجديدة، والعلاقات بين العناصر الجهادية، والوضع الأمني العام.
من هي جماعة "سرايا أنصار السنة"؟
من غير الممكن بعدُ استخلاص استنتاجاتٍ محددة عن "سرايا أنصار السنة"، خاصة في ظل التعتيم الواضح من قِبَل الجماعة نفسها، وكذلك من "تنظيم الدولة الإسلامية" والحكومة السورية. وبالنظر إلى ملامحها، يمكن اعتبار "سرايا أنصار السنة" عملية إعلامية، أو جماعة واجهة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، أو جماعة منشقة عن "هيئة تحرير الشام" عادت إلى التطرف السلفي الجهادي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
تشير المعلومات المتوفرة حتى الآن إلى أن "سرايا أنصار السنة" يقودها أبو عائشة الشامي ومسؤول الشريعة أبو الفاتح الشامي. فمنذ الإطاحة بالأسد، ركزت المجموعة بشكل أساسي على مهاجمة أعضاء النظام السابق، وغالباً ما تنشر أسماء وصور الأشخاص المستهدفين بالاغتيال على تطبيق تليغرام. كما حذرت الجماعة الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع من عرقلة عملياتها، مستخدمة مرة أخرى تطبيق تليغرام للتعرف على أي مسؤولين تعتبرهم معرقلين لحملة الاغتيالات. وقد يشير نهج "قائمة المطلوبين" عبر الإنترنت إلى أن "سرايا أنصار السنة" هي شبكة لامركزية من أفراد منفردين أكثر مما هي منظمة رسمية.
تعود جذور "سرايا أنصار السنة" إلى ما قبل سقوط النظام، عندما كانت تنتمي، كما يُزعم، إلى "هيئة تحرير الشام" وساعدت في تجنيد خلايا للعمل داخل الأراضي التي يسيطر عليها الأسد. لكن "سرايا أنصار السنة" انشقت عن "هيئة تحرير الشام" بسبب سياسة الأخيرة المتمثلة في الإفراج عن أفراد النظام الذين أُسروا خلال الهجوم الأخير ضد نظام الأسد العام الماضي. كما اتهمت الجماعة الحكومة الجديدة التي تقودها "هيئة تحرير الشام" بعدم الحكم وفقاً للشريعة الإسلامية، ووصفتها بالمرتدة. في أواخر كانون الثاني/يناير، بدأت "سرايا أنصار السنة" رسمياً في الإعلان عن وجودها ككيان منفصل، على الرغم من أنها تدعي أنها كانت تنفذ عمليات اغتيال منذ سقوط النظام. وهناك أيضاً مؤشرات على أنها استوعبت بعض أعضاء فرع القاعدة السابق، الذى يسمى بـ تنظيم "حراس الدين"، الذي تم حله في أواخر كانون الثاني/يناير.
العلاقات بين "سرايا أنصار السنة" و"تنظيم الدولة الإسلامية" أكثر تعقيداً. فقد أبدت الجماعة تعاطفها مع "تنظيم الدولة الإسلامية" ولن تعارض العمل مع التنظيم لأسباب أيديولوجية. ومع ذلك، تنفي الجماعة الانتماء إلى "تنظيم الدولة الإسلامية"، وقد طلب أنصار التنظيم على الإنترنت من أتباعهم تجنب "سرايا أنصار السنة". في الوقت نفسه، تمتلك "سرايا أنصار السنة" وسيلة إعلامية تسمى "مؤسسة دابق نيوز" - التي تحمل اسم بلدة لطالما كان التنظيم مهووساً بها لأسباب دينية متعلقة بنهاية العالم، كما أنها تردد اسم مجلة "تنظيم الدولة الإسلامية" باللغة الإنجليزية "دابق".
برزت ديناميات وارتباطات مماثلة خلال عهد الأسد، فعلى سبيل المثال، عملت جماعة "جيش خالد بن الوليد" كواجهة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" في منطقة درعا، ثم تحولت إلى "ولاية حوران" الرسمية التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية". وفي إدلب، كانت جماعتان جهاديتان أخريان، مستقلتان على ما يبدو، على اتصال بالتنظيم أثناء شنهما هجماتٍ بين عامي 2020 و2021، وهما "سرايا أنصار أبو بكر الصديق"، التي استهدفت مراراً نقاط التفتيش العسكرية التركية التي تفصل أراضي "هيئة تحرير الشام" عن مناطق سيطرة نظام الأسد، و"جماعة عبد الله بن عنايس" (التي هاجمت هيئة تحرير الشام مباشرة). وفي الآونة الأخيرة، وبعد اجتماع الرئيس الشرع مع الرئيس ترمب في أيار/مايو، دعت افتتاحية في نشرة "تنظيم الدولة الإسلامية" الإخبارية "النبأ" أعضاء "جبهة تحرير حلب" السابقين والمقاتلين الأجانب إلى الانضمام إلى صفوفها ومعارضة الحكومة "المرتدة" الجديدة في دمشق.
رد فعل الحكومة
سارعت الحكومة السورية إلى إدانة الهجوم على الكنيسة، وأبدت تضامنها مع الضحايا. إلى جانب التصريحات الرسمية التي أدلى بها عدد من كبار المسؤولين السياسيين والدينيين، هرعت وحدات الدفاع المدني إلى موقع الحادث لتقييم الأضرار، في حين زار محافظ دمشق، "ماهر مروان" (صهر الرئيس الشرع)، ووزيرة الشؤون الاجتماعية "هند كباوات" (وهي مسيحية)، الكنيسة والتقيا بأهالي الحي. كما قدم الشرع تعازيه عبر الهاتف إلى المطران الأرثوذكسي للروم "رومانوس الحنات".
وفي الوقت نفسه، نفذت قوات تابعة لوزارة الداخلية ومديرية "المخابرات العامة" عملية ضد خلية تابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" في حرستا وكفر بطنا، وذلك في اليوم التالي للتفجير. وقد أُلقي القبض على ستة أشخاص خلال المداهمة، فيما قُتل اثنان آخران، كما صودرت أسلحة، وذخائر، وسترات ناسفة، وألغام. كذلك عُثر على دراجة نارية محمّلة بالمتفجرات كانت جاهزة للتفجير. ويبدو أن الخلية كانت تخطّط لمتابعة تفجير الكنيسة بتنفيذ هجوم على ضريح "السيدة زينب" الشيعي قرب دمشق، وهو ما كانت "داعش" قد حاولت القيام به في كانون الثاني/يناير أيضًا. لكن "سرايا أنصار السنة" عارضت الرواية الحكومية.
بعد مزيد من التحقيق، كشفت وزارة الداخلية عن تفاصيل إضافية حول الخلية في اليوم التالي، زاعمه أن "سرايا أنصار السنة" هي خلية وهمية، وأن الهجوم نفذته "تنظيم الدولة الإسلامية". وأشارت السلطات أيضًا إلى أن زعيم الخلية هو محمد عبد الإله الجميلي (المعروف باسم أبو عماد الجميلي)، وهو أحد سكان الحجر الأسود، حيث كان "تنظيم الدولة الإسلامية" يتمتع سابقًا بشبكات قوية، ويُزعم أنه زعيم "محافظة" التنظيم في منطقة صحراء حمص. ورغم هذه الادعاءات، لا يُستبعد أن تكون الخلية التي نفذت التفجير و"سرايا أنصار السنة" بشكل عام جماعة منشقة عن "هيئة تحرير الشام"، وتأمل الحكومة في إخفاء وجودها لأسباب سياسية ودبلوماسية واضحة، حتى وإن لم تكن مرتبطة بها منذ سبعة أشهر.
بالإضافة إلى ذلك، زعمت الحكومة أن منفذ الهجوم على الكنيسة، والعنصر الذي حاول استهداف الضريح، كانا معتقلين سابقاً في مخيم الهول شمال شرق سوريا. إن صحت هذه المعلومات، فقد تؤدي إلى تفاقم التوتر في العلاقات المعقدة بين الحكومة وبين "قوات سوريا الديمقراطية"، وهي القوات الكردية المدعومة أمريكياً والمسؤولة عن إدارة هذه المخيمات منذ سنوات، في وقت تجري فيه مباحثات دقيقة لدمجها في الجيش السوري الجديد.
التداعيات السياسية على دمشق وواشنطن
في حين أن الحكومة السورية قد تعتبر الإجراءات التي اتخذتها حتى الآن كافيةً، يشكك العديد من شخصيات الأقليات في أن دمشق كانت متواطئة بطريقة ما في الهجوم. وتسود هذه المعتقدات رغم أن الحكومة عززت بشكل واضح الإجراءات الأمنية في الأحياء المسيحية بشكل عام وفي الكنائس بشكل خاص خلال عيد الميلاد والجمعة العظيمة وعيد الفصح.
وبشكل عام، من غير المرجح ان تلتئم جراح أربعة عشر عامًا من الحرب الأهلية وأربعة وخمسين عامًا من الحكم الشمولي الطائفي في غضون بضعة أشهر. ويساعد هذا الإدراك في تفسير سبب انتقاد العديد من النشطاء السوريين للحكومة الجديدة بسبب ما سمي بـ "الحوار الوطني" في شباط/فبراير، الذي استمر يومًا واحدًا فقط. إن مشاعر الخوف والصدمة لدى المسيحيين والأقليات الأخرى مفهومة، بالنظر إلى السجل السابق لـ'هيئة تحرير الشام' قبل تحولها، إضافة إلى مذبحة العلويين في السادس من آذار/مارس، التي شارك فيها بعض عناصر الأجهزة الأمنية. ومن المفترض أن تُنشر نتائج التحقيق الرسمي في تلك المذبحة في منتصف تموز/يوليو؛ والآن أكثر من أي وقت مضى، من الأهمية بمكان أن ينظر الجمهور إلى هذا التقرير على أنه شفاف وذو مصداقية.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة نفسها تهديدات مستمرة من جناحها السلفي اليميني المتطرف. ونظراً لاعتدال قادة "هيئة تحرير الشام" نسبياً والقرارات التي اتخذوها بعد وصولهم إلى السلطة (مثل حظر الدعوة)، يخشى المراقبون أن بعض عناصر الجماعة السابقة قد تكون مستاءة من اتجاهها الجديد، بعد أن عملت على إقامة "إمارة إسلامية" خلال الحرب الأهلية. ولمواجهة هذه المخاطر، أعطت دمشق الأولوية بشكل صحيح للسيطرة على السلاح غير المنضبط، لكن هذه ستكون عملية طويلة بسبب آثار الحرب الأهلية، لذا يجب اتخاذ تدابير أخرى أيضاً.
والسؤال الكبير الآخر هو ما إذا كانت الخلية التي نفذت تفجير الكنيسة ستبقى حالة استثنائية، أم أنها ستشكل نقطة انطلاق لتجنيد المزيد من الأعضاء وتوسيع "سرايا أنصار السنة" وشن المزيد من الهجمات. إذا تبين أن الجماعة كيان مستقل وأخذت الحكومة التهديد على محمل الجد، فقد تتلاشى الجماعة في وقت قصير، تماماً كما حدث في نهاية المطاف مع "سرايا أنصار أبو بكر الصديق" وجماعة "عبد الله بن عنايس" في إدلب بعد أن قاتلتهما "هيئة تحرير الشام" بنشاط. لكن من الواضح أن تأمين بلد بأكمله يمثل تحدياً أكبر بكثير من تأمين محافظة واحدة. وحده الوقت سيحدد ما إذا كانت هذه بداية حملة جديدة أم بداية النهاية لجماعة مثل "سرايا أنصار السنة"، خاصة الآن بعد أن أصبح اسمها على رادار السلطات الدولية.
أما إذا كانت "سرايا أنصار السنة" واجهة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، فسيتعين على الولايات المتحدة وشركائها تقييم ما إذا كان قادة "تنظيم الدولة الإسلامية" يحاولون مرة أخرى التقليل من شأن هجماتهم لإخفاء قوتهم الحقيقية. كما ينبغي على واشنطن اتخاذ الخطوات التالية:
- حث الرئيس الشرع على زيارة الكنيسة لتخفيف مخاوف الجالية المسيحية.
- حث الحكومة السورية على المساعدة في ترميم الكنيسة المدمرة.
- مواصلة دعوة الحكومة السورية على إيلاء اهتمام جاد للعدالة الانتقالية والحقيقة والمصالحة.
- بذل المزيد من الجهود لمساعدة عملية الاندماج بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك الجهود الرامية إلى تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بمخيم الهول، الأمر الذي كان من الممكن أن يحول دون الهجوم على الكنيسة.
- تزويد دمشق بمعلومات استخباراتية عملية بشأن الأنشطة الإرهابية كلما أمكن ذلك، كما حدث عندما ساعدت المعلومات الأمريكية في إحباط مؤامرات سابقة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" في كنيسة معلولا والسيدة زينب.
- إعادة النظر في أي خطط للانسحاب العسكري السريع للولايات المتحدة من سوريا حتى يتم التوصل إلى حلول مستدامة لهذه القضايا الأمنية.
وفي خضم كل ذلك، يتعين على المسؤولين الأمريكيين ألا ينسوا أبداً الهدف الأساسي من هجمات مثل تفجير الكنيسة، وهو تعميق الانقسام الطائفي. لذلك، يُعد وقف مثل هذه المؤامرات أمرًا بالغ الأهمية لمنح السوريين المساحة التي يحتاجونها للتعافي من الصدمات التي تسبب بها النظام السابق والأحداث التاريخية.