
- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
تداعيات رفض الإمارات لخطة الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية

ينبغي على واشنطن أن تأخذ تحذير أبوظبي على محمل الجد، ليس فقط لكونه صادراً عن شريك وثيق للولايات المتحدة وإسرائيل، بل أيضاً نظراً للتبعات الإقليمية الواسعة التي قد تترتب على المضي في خطة الضم الأحادي للضفة الغربية.
في مقابلة أجريت في الثانى من أيلول/ سبتمبر، حذرت المبعوثة الإماراتية الخاصة لانا نسيبة من أن أي ضم أحادي الجانب من قبل إسرائيل في الضفة الغربية يمثل "خطاً أحمر" ومن شأنه "تقويض فكرة التكامل الإقليمي". ونظراً لأن هذا التحذير صادر عن دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى أقرب الشركاء لإسرائيل في العالم العربي، فإنه يُبرز مدى الضرر الذي ألحقته حرب غزة بالدبلوماسية الإقليمية، ومدى اعتقاد هؤلاء الشركاء بأن عملية الضم قد تؤثر على جدوى حل الدولتين مع الفلسطينيين في المستقبل. كما يمثل هذا التحذير إنذارا صارما بأن أحد أهم أهداف إدارة ترامب في الشرق الأوسط، وهو تعزيز التكامل الإقليمي بين العرب وإسرائيل، بات يواجه ضغوطا شديدة. وبدون تدخل أمريكي عاجل، قد تصبح حتى اتفاقيات "أبراهام" نفسها عرضة للخطر.
هل حدث تحول خلال فترة الصيف؟
خلال معظم فترة حرب غزة، اتسمت التصريحات العلنية للإمارات العربية المتحدة بشأن الأزمة بقدر أكبر من الهدوء مقارنة بالخطاب الحاد الذي صدر عن دول عربية أخرى. وبدلاً من ذلك، فضلت أبو ظبي معالجة خلافاتها مع إسرائيل بطريقة سرية، مع اتخاذ خطوات تضمن استمرارها في التخفيف من حدة الوضع الإنساني في غزة واستكشاف السيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد الحرب في القطاع المدمر.
لكن في الأسابيع الأخيرة، بدأت الإحباطات الإماراتية تظهر علناً. ففي الخامس من آب/أغسطس، أدانت أبو ظبي بشدة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير بسبب "اقتحامه" المسجد الأقصى، ثم استدعت السفير الإسرائيلي بعد أيام قليلة لتقديم احتجاج رسمي على "الانتهاكات المشينة والاستفزازية" خلال احتفالات "يوم القدس". ومثل هذه التصريحات قد تبدو مألوفة عندما تكون صادرة من دول عربية أخرى تربطها علاقات مع إسرائيل، لكنها تثير قلقاً بالغاً عندما تصدر عن دولة الإمارات، وتشير إلى عمق استيائها من أن الدبلوماسية الهادئة لم تحقق النتائج المرجوة.
لا تزال قضية الضم محورية بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، إذ إن منعه كان أحد الشروط الأساسية لتوقيع الحكومة على اتفاقيات "أبراهام" في أيلول/سبتمبر 2020. وعلى الرغم من التزام إسرائيل آنذاك بعدم المضي قدماً في إجراءات الضم لفترة محددة، فإن انتهاء هذه المهلة رسمياً لا يغير من حقيقة أن أي خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه ستفرض على أبو ظبي كلفة سياسية باهظة، سواء على الصعيد الداخلي أو في الإطار العربي الأوسع.
تداعيات إقليمية بعيدة المدى
إلى جانب الخسائر الاقتصادية والدبلوماسية المباشرة التي قد تطال كلاً من إسرائيل والإمارات، فإن تدهور العلاقات بينهما سيكون له تبعات أوسع على المشهد الإقليمي. فكما أن قرار أبو ظبي التاريخي قبل خمسة أعوام بفتح قنوات رسمية مع إسرائيل شجع دولاً عربية أخرى على سلوك النهج ذاته، فإن أي انهيار لهذه العلاقة سيترك أثراً عكسياً على مواقف تلك الدول وطريقة تعاطيها مع إسرائيل. وعلى الأقل، يُرجح أن تُجمد الدول الأخرى الموقعة على اتفاقيات "أبراهام" مشاركتها إذا أقدمت الإمارات على ذلك. إضافةً إلى ذلك، فقد حذرت مصر والأردن بالفعل إسرائيل من التداعيات المترتبة على خطة الضم، وقد تعيدان النظر في معاهدات السلام معها.
كما أن انهيار العلاقات الإماراتية الإسرائيلية سيكون بمثابة مكسب للمتطرفين الإقليميين الذين عارضوا منذ فترة طويلة مسار السلام العربي الإسرائيلي. ومن المؤكد أن جماعات مثل "الإخوان المسلمين" ستسعى لاستغلال الفرصة لتقويض الحكومات التي اختارت تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما قد يؤدي إلى زيادة عوامل عدم الاستقرار. كذلك، ستُعزز خطة الضم قوة "حماس"، وتؤكد صحة حجتها بأن المسار الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية كان قراراً خاطئاً حيث أنه وفر لإسرائيل غطاء للاستيلاء على أراضى في الضفة الغربية، ومكن حماس من الادعاء بأن العنف وحده هو ما يحقق النتائج. وبالفعل، ومع التحذيرات الأمنية الإسرائيلية الأخيرة بشأن تصاعد التوترات في الضفة الغربية، يخشى كثير من المراقبين أن يفضي الحديث عن الضم والانقسامات الدبلوماسية إلى اندلاع مزيد من العنف.
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد جعلت إدارة ترامب من توسيع اتفاقيات "أبراهام" وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية أولوية مستمرة. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف تُقر ضمناً بأن تحقيق تقدم في هذا الهدف غير مرجح ما دامت الحرب في غزة مستمرة، فإن واشنطن ما زالت تأمل في استثمار انتهاء الحرب لإعادة إطلاق تلك الجهود. ومع ذلك، فإن عملية الضم في الضفة الغربية ستجعل تطبيع العلاقات مع السعودية أمراً مستحيلاً، بغض النظر عن مآلات أزمة غزة. فقد أعلنت الرياض مراراً أنها لن تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل ما لم يُحافظ - على الأقل - على مسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو هدف يتناقض جوهرياً مع خطة الضم.
توصيات
نظرا لخطورة هذه العواقب المحتملة، يجب على إدارة ترامب أن تضغط بشكل عاجل على إسرائيل لتأجيل أي خطط لضم الضفة الغربية، تماما كما فعلت خلال الولاية الأولى للرئيس قُبيل توقيع اتفاقيات "أبراهام". وفى هذا السياق، تسلط هذه التطورات الضوء أيضاً على الحاجة إلى أهتمام أمريكى أكبر بالضفة الغربية وبالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الأوسع نطاقاً. حتى الآن، ركزت إدارة ترامب - بشكل مفهوم - على حرب غزة نظراً لكلفتها البشرية المدمرة وتأثيرها المزعزع للاستقرار في المنطقة. لكن تحذيرات الإمارات العربية المتحدة بشأن الضم، والضغط السعودي– الفرنسي من أجل الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، والآثار السلبية المتزايدة للسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية تؤكد أن هذه القضايا لم يعد بالإمكان تهميشها. وإذا لم تتحرك واشنطن، فسوف يملأ الفراغ الدبلوماسي فاعلون آخرون لا يتبنون بالضرورة وجهات نظر الولايات المتحدة.
وعلى وجه التحديد، يتعين على إدارة ترامب أن تبلور سياسة واضحة إزاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الأوسع. ومن الناحية العملية، يستلزم ذلك تشكيل فريق من المسؤولين يتولى التعامل مع هذه القضايا، وإشراك مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في العملية بشكل مثمر، ومتابعة الخطوات اللازمة لتنفيذ السياسة الأمريكية الجديدة.