- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
صفقة ترامب في الشرق الأوسط هي مجرد بداية لدوره
Also published in Los Angeles Times
تنفيذ الخطة الطموحة للرئيس سيتطلب جيشاً من الخبراء، بدءاً من مجالات القيادة والسيطرة العسكرية وصولاً إلى المشاركة المجتمعية وإعادة التأهيل.
التهاني مستحقة للرئيس "ترامب". فقد قال إنه سيعيد رهائن "إسرائيل" إلى ديارهم وينهي القتال المروع في "غزة"، ويبدوأنه بالفعل يحقق ذلك من خلال صفقة هذا الأسبوع. ورغم أن العديد من الأفكار التي شكّلت خطة السلام المكوّنة من 20 نقطة سبقت إعادة انتخابه، فإن "ترامب" وفريقه يستحقون إشادة واسعة على ترجمة تلك الأفكار إلى مقترح عملي، وصياغة مرحلة أولى جاءت كبيرة وقابلة للتنفيذ في آن واحد، وجمع كل العناصر التي جعلت التوصل إلى اتفاق ممكناً.
"لكن النجاح له ثمن. تذكروا قاعدة متجر "بوتيري بارن" الشهيرة في السياسة الخارجية خلال حرب العراق: إذا كسرتَه فأنت تملكه. واليوم لدينا نسخة ترامب من القاعدة: إذا أصلحتَه فأنت تملكه."
فعلى الرغم من أن دخوله إلى البيت الأبيض كان مقروناً برغبة في تقليص التزامات "أمريكا" في الشرق الأوسط، فإنه الآن قد تبنّى التزاماً ضخماً: خطة سلام ستحمل اسمه إلى الأبد. ففي 6 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي عشية هجوم "حماس"، كانت العلاقات العربية – الإسرائيلية على أعتاب اختراق تاريخي يتمثل في التطبيع بين "السعودية" و"إسرائيل". وبعد عامين، أصبحت هذه العلاقات – بما فيها إنجاز "ترامب" البارز في ولايته الأولى والمتمثل في "اتفاقيات إبراهيم" – معلّقة بخيط رفيع. ومن خلال طرح خطة لا تَعِد فقط بوقف القتال في "غزة"، بل ببناء سلام إقليمي شامل ودائم، تحمّل الرئيس مهمة إصلاح الضرر الذي خلّفته حرب "حماس" الشرسة. بكلمات أخرى: تحمّل مهمة إصلاح الشرق الأوسط.
كيفية إدارة "ترامب" لهذه المسؤولية الثقيلة ستكون لها انعكاسات كبيرة على دور "أمريكا" في المنطقة وفي العالم. فالصينيون يترقبون ليروا ما إذا كان سيتمسك بتحالف واسع عندما تزداد الأمور صعوبة. والروس يراقبون ما إذا كان سينفّذ بنود الصفقة بحزم، أم سيغضّ الطرف عن بعض الجوانب المزعجة. أما الإيرانيون فسيراقبون إن كان "ترامب" سينغمس في تفاصيل إعادة إعمار "غزة" إلى حد يمنعه من إعادة تجميع الائتلاف العربي – الإسرائيلي الذي أثبت فاعلية كبيرة في حماية "إسرائيل" من وابل الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية قبل عام. وكل هؤلاء الخصوم – وغيرهم – سيتساءلون ما إذا كان التركيز الأمريكي المكثف المطلوب لضمان تنفيذ الصفقة سيُشغِل الرئيس عن مواجهة مغامراتهم في ساحات أخرى.
هذه المخاطر الدولية ليست سوى جانب واحد من التحديات. فتنفيذ الصفقة نفسها مليء بالصعاب. ومن أبرزها:
- تنفيذ خطة سلام بالغة التعقيد في "غزة"، تتطلب نزع السلاح بشكل شامل، وتفترض أن تكون "حماس" شريكة في انتحارها التنظيمي – أوعلى الأقل في إقصائها المؤسسي.
- أن يتولى الجيش الأمريكي مهمة تنسيق تجنيد ونشر وإدارة قوات متعددة الجنسيات لحفظ الأمن أثناء انسحاب "قوات الدفاع الإسرائيلية"، وهي مناورة محفوفة بالمخاطر.
- إنشاء إدارة انتقالية تشرف على كل شيء: من الإغاثة الإنسانية وإزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة، إلى مشاريع إعادة الإعمار الضخمة، مع منع فلول "حماس" من سرقة المواد وتحويلها إلى مصانع سلاح تحت الأرض – وهو أمر أتقنته بعد جولات وقف إطلاق النار السابقة.
- ضمان موافقة "الأمم المتحدة" ووكالاتها المتخصصة على لعب دور أساسي في إيصال الغذاء والخدمات الطبية، دون الرضوخ للضغوط لإعادة تأهيل "وكالة الأونروا" المليئة بالثغرات، والتي تتحمل مسؤولية خاصة عن إدامة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لعقود.
- منع "قطر" و"تركيا" – الحليفَتين القديمتين لـ"حماس" واللتين برزتا مؤخراً كوسيطتين دبلوماسيتين – من استغلال موقعهما الجديد لتحريف المسار السياسي الفلسطيني في اتجاه يضر بـ"إسرائيل" و"السلطة الفلسطينية" في "رام الله"، ويقوّض آفاق السلام على المدى البعيد.
- التعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي يقود ائتلافاً يمينياً، ومن المرجح أن ينظر إلى كل قرار – مهما كان صغيراً – من زاوية الانتخابات المصيرية التي قد يدعوإليها قريباً، والتي ستُظهر ما إذا كان الناخب الإسرائيلي سيعاقبه على الإخفاقات التي جعلت "إسرائيل" غير مستعدة لهجوم "حماس" عام 2023، أم سيكافئه على الانتصارات اللافتة التي حققها الجيش الإسرائيلي في العامين التاليين.
إن الوصول إلى هذه المرحلة بحد ذاته إنجاز كبير. لكن ضمان التنفيذ الفعّال – وهوليس نقطة قوة لدى "رجل الأفكار الكبيرة" مثل "ترامب" – أصعب بأضعاف. فلا يمكن تحقيق ذلك عبر فريق صغير من مسؤولي "البيت الأبيض" يتواصلون عبر "سيغنال". إنه يتطلب جيشاً من الخبراء: من قادة عسكريين مختصين بالسيطرة والقيادة، وخبراء في إزالة الذخائر والتخلص منها، ومتخصصين في إعادة التأهيل والإعمار المدني، وصولاً إلى خبراء في الاتصال والمشاركة المجتمعية. يمكن أن تسدّ الشركات المتعاقدة بعض الفجوات، كما يمكن الاستفادة من خبرات شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير". لكن من الخطأ الاعتقاد أن شركة استشارية أومسؤولاً أجنبياً سابقاً قادر على ملء الفراغ الذي لا تملؤه سوى حكومة أمريكية بكامل مؤسساتها. فهذه الخطة تحمل اسم "ترامب"، لا اسم "ديلويت" أو "بلير ".
وثمة مهمة جوهرية أخرى تقع على عاتق الرئيس: أن يشرح للشعب الأمريكي سبب انخراط بلاده في هذا المسار. فعلى مدى ما يقرب من عقدين، كرر الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون على السواء أنهم يسعون لتقليص انخراط "أمريكا" في الشرق الأوسط، لكنهم كانوا يجدون أنفسهم دائماً في قلب صراعاته وتشابكاته المعقدة. ولذا، يستحق الأمريكيون تفسيراً واضحاً: لماذا قرر رئيس يرفع شعار "أمريكا أولاً" أن المصالح الأمريكية ترتبط بشكل وثيق بنجاح خطة السلام هذه. وبرغم الانقسامات الداخلية، فإن المنصفين على جانبي الطيف السياسي سيشجعون نجاح "ترامب" في هذه المبادرة.
أما الآن، فمن حق الرئيس أن يتذوق طعم النجاح وأن يحتفل بالإفراج الوشيك عن رهائن "حماس". لكن صباح اليوم التالي سيأتي أسرع مما يظن.