
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مهزلة في ثوب أكاديمي
Also published in تايمز أوف إسرائيل

استند بعض الباحثين في دراسات الإبادة الجماعية إلى مكانتهم العلمية لتوجيه اتهامات ضد إسرائيل، وهي اتهامات لم تكن ثمرة تحقيق جاد، بل عرضاً لادعاءات سبق دحضها، وآراء صادرة عن "خبراء" تثير نزاهتهم العلمية الكثير من الشكوك.
من الضروري أن يطلع الجميع على القرار الذي أقرته "الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية(IAGS) " في 31 آب/ أغسطس، الذي يزعم بأن "سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة ترقى إلى مستوى التعريف القانوني للإبادة الجماعية". إن هذا القرار، ابتداءً من فقرته الافتتاحية، يُجسِّد مثالاً صارخاً على التخلي عن الموضوعية العلمية والمسؤولية الأكاديمية في العصر الحديث.
أما الفقرة الافتتاحية المعنية، فهي تستند إلى إحصاءات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن العدد الإجمالي للبالغين والأطفال الذين قُتلوا في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 يبلغ 59,000 شخص، دون أي تمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. ولا جدال في أن أي نقاش حول حرب غزة لا يميّز بين أعداد مقاتلي "حماس" الذين قُتلوا وفق المعايير العسكرية وبين الإحصاءات الإجمالية للضحايا، يُعد نقاشاً معيباً جوهرياً يستحيل تصويبه - وهو الخلل ذاته الذي اعترى الفقرة الافتتاحية لقرار الجمعية.
في الحقيقة، باستثناء إشارتين عابرتين، لا يرد ذكر "حماس" في القرار - لا فيما يتعلق بأفعالها التي يمكن تصنيفها ضمن الإبادة الجماعية، والتي وُصفت بشكل مقتضب بأنها "مروّعة" دون أي تفصيل أو إدانة واضحة؛ ولا فيما يخص سياستها المتعمّدة الهادفة إلى تعظيم أعداد الضحايا المدنيين؛ ولا بشأن اندماجها المنهجي ضمن صفوف السكان المدنيين واستخدامها البنية التحتية المدنية؛ ولا حول فشلها في توفير ملاجئ تحت الأرض لحماية المدنيين كما فعلت لمقاتليها؛ ولا عن مصادرتها وتخزينها المواد الغذائية المخصّصة للمدنيين، وغيرها من الممارسات الموثّقة. ومن المدهش أن تلتزم الجمعية الصمت التام، رغم أنها أدانت في مارس/آذار 2016 تنظيم "داعش" بتهمة ارتكاب سلسلة من جرائم الإبادة الجماعية، وهي أفعال مشابهة ارتكبتها "حماس" فيما بعد.
ولنكن واضحين بشأن القرار الذي يصف سلوك إسرائيل بأنه إبادة جماعية: فهو لا يعكس أي جهد بحثي أصيل أو تحقيق مستقل أجرته الجمعية، التي تصف نفسها بأنها "منظمة عالمية متعددة التخصّصات وغير متحيزة، تسعى إلى تعزيز البحث والتعليم حول طبيعة وأسباب وعواقب الإبادة الجماعية، وتطوير دراسات السياسة العامة لمنعها". على العكس من ذلك، فإن النتائج الواردة فيه مستندة بالكامل إلى أبحاث ودراسات أعدّها آخرون.
ومن بين هؤلاء "الآخرين"، على سبيل المثال، فرانشيسكا ألبانيز، "المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بحالة الأراضي الفلسطينية المحتلّة"،التي اتهمتها الحكومة الأمريكية بـ"معاداة السامية الشديدة والانحياز المستمر ضد إسرائيل". وقد استند قرار الجمعية إلى أعمالها في البداية باعتبارها دليلاً على مزاعم تعذيب ارتكبتها قوات الدفاع الإسرائيلية، ثم لاحقاً كمرجع لإثبات اتهامات الإبادة الجماعية. ومن بين هؤلاء أيضاً نافي بيلاي، الرئيسة السابقة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي فقدت لاحقاً جزءاً كبيراً من مصداقيتها، إذ ترأست لجنة التحقيق بشأن إسرائيل - اللجنة التي استندت إليها الجمعية في توجيه اتهامات لإسرائيل بارتكاب "عنف جنسي" ضد الفلسطينيين، كما استشهدت اللجنة باسمها لدعم مزاعم "التطهير العرقي"، وهي مزاعم رفضتها إدارة بايدن رفضاً قاطعاً نظراً لانحياز بيلاي الشديد. في سياق آخر، لم يكتف قرار الجمعية بالاعتماد على تقارير صادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية – وهما منظمتان أظهرتا منذ فترة طويلة موقفاً عدائياً واضحاً تجاه إسرائيل – بل ذهب أبعد من ذلك من خلال تضخيم الاتهامات الواردة في تلك التقارير. فعلى سبيل المثال، اتهم قرار الجمعية إسرائيل بشنّ هجمات "متعمدة" على العاملين في المجال الطبي، رغم أن تقرير هيومن رايتس ووتش نفسه لم يتضمن مثل هذه الادعاء.
لا حاجة لأن تكون مؤيداً لحكومة نتنياهو أو لإدارة ترامب لتلاحظ أن قرار الجمعية ابتكر مزاعم لا أساس لها من الصحة. فعلى سبيل المثال، أحد الاتهامات الواردة في القرار هو أن إسرائيل أيدت "خطة الرئيس الأمريكي الحالي لطرد جميع الفلسطينيين قسراً من قطاع غزة"، مع الاستشهاد بتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لا يتضمّن أي إشارة إلى الطرد القسري للفلسطينيين، وهي سياسة كان قد تراجع عنها ترامب صراحة في آذار/مارس 2025.
ولا ينبغي أن يُساء فهم انتقادي لقرار الجمعية على أنّه تأييدٌ لاستراتيجية إسرائيل أو لتكتيكاتها العسكرية في غزة، أو عدم اكتراث بالخسائر البشرية الفادحة في هذا الصراع. فموقفي لا يعكس أيّاً من هذين الموقفين حيال هذه الحرب القاسية. بل إن غضبي موجّه إلى منظمة علمية استغلّت سمعتها لتوجيه اتهام إلى إسرائيل يشبه حكماً بالإعدام دون محاكمة أكثر مما يشبه تحقيقاً أكاديمياً رصيناً.
من كتب هذا القرار المتحيز والمثير للجدل؟ وهل قرأه حقاً الـ 86% من أعضاء الجمعية الذين صوّتوا لتأييده؟ وهل خصص أيٌّ من هؤلاء العلماء المرموقين الوقت الكافي لمراجعة المراجع التي استند إليها القرار؟
عند التدقيق عن كثب، يتبين أن نسبة 86% هذه هي في حد ذاتها خدعة. من الواضح أن 28% فقط من أعضاء الجمعية البالغ عددهم حوالي 500 عضو شاركوا في التصويت على القرار. وهذا يعني أن القرار الذي يدين الدولة اليهودية بارتكاب "إبادة جماعية" قد تمت الموافقة عليه بدعم من خُمس أعضاء المنظمة فقط، أي 20%. ما أعظم هذه المفارقة، وما أشدّ هذا الخزي خاصةً عند النظر إلى أن الصورة التي تزين الصفحة الرئيسية لموقع الجمعية هي ذاتها الصورة الموجودة في أعلى هذا المقال: قاعة الأسماء المقدّسة في متحف إحياء ذكرى الشهداء والأبطال في إسرائيل، المعروفة عالمياً باسم "ياد فاشيم".