
- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مهمة واشنطن الصعبة لتوحيد الجهود الدبلوماسية حول السودان... تزداد تعقيدا

رغم أن إلغاء القمة يُعد انتكاسة، إلا أنه قد يشكّل فرصة مهمة لإعادة التقييم وإعادة ضبط المسار، بدلًا من اعتباره نهاية لمسار الوساطة الدولية.
بعد سلسلة من التأجيلات، تم إلغاء القمة الرباعية المعنية بالسودان، في خطوة تُعد انتكاسة كبيرة لما كان يُنظر إليه كزخم دبلوماسي محوري لتعزيز السلام في البلاد. كانت المبادرة قد انطلقت بمشاركة الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، قبل أن تكتسب زخماً إضافياً بانضمام كل من قطر والمملكة المتحدة. وقد عكس هذا الزخم التزام واشنطن بملف السودان، خاصة بعد تصريح مستشار الرئيس الأميركي، مسعد بولس، بأن "السودان سيكون أولوية في المرحلة القادمة". إلا أن انهيار القمة جاء ليوقف هذا المسار فجأة، ويعزز من التكهنات بوجود خلافات عميقة يصعب تجاوزها—سواء بسبب ضعف التنسيق داخل إدارة ترامب، أو تضارب الأجندات الإقليمية، أو الغموض المحيط بهيكل القمة وطبيعة المشاركين فيها.
حتى كتابة هذه السطور، لم يتم إصدار بيان رسمي حول الإلغاء أو الخطوات التي ستتخذ في أعقابه. تشير المصادر التي استشهدت بها الشرق الأوسط إلى أن العمل الدبلوماسي على الملف السوداني يمكن أن يستأنف في وقت مبكر من أيلول سبتمبر. في غضون ذلك، لدى واشنطن وشركائها الكثير للنظر فيه والقيام به لمنع العملية من الخروج عن مسارها بالكامل.
التحدي الفوري: من يمثل السودان؟
منذ أن تم الإعلان عن القمة لأول مرة، ظهرت تقارير عن توترات بين أطراف الرباعية. أصرت القاهرة على مشاركة الجيش السوداني وعارضت بشدة إدراج لقادة مدنيين، محتجة بأن هؤلاء الفاعلين لديهم تأثير محدود على الأرض. لكن واشنطن ضغطت من أجل المشاركة المدنية في المناقشات ورفضت إعطاء مقعد للجيش، الذي تلومه على فشل المراحل الانتقالية السابقة. كما أن الحكومة الأمريكية لا تزال لديها عقوبات سارية ضد الجنرالين"عبد الفتاح البرهان" قائد القوات المسلحة السودانية و"محمد حمدان دقلو" (المعروف باسم "حميدتي") قائد قوات الدعم السريع.
في الواقع، لا تهدف العملية التي تقودها الولايات المتحدة إلى فتح مفاوضات مباشرة بين قيادة الجيش والدعم السريع، بل تُطرح كمحاولة لتشكيل منصة دولية منسّقة تدير توازن القوى في السودان عبر الضغط عند الحاجة، وتُهيّئ الظروف الملائمة لانطلاق عملية سياسية ناجحة. وكما أشار مسعد بولس في مطلع يوليو، فإن "اتصالات متوازية تجري خلف الكواليس مع قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلى جانب شخصيات عسكرية ومدنية سودانية أخرى، في محاولة لتقليص الفجوة بين الأطراف."
هل تُعقّد الأطراف الجديدة المشهد أم تفتح باب الفرص؟
إن إدراج كلٍّ من قطر والمملكة المتحدة كوسطاء غير رسميين ضمن مسار الرباعية مثّل تحوّلاً مهماً في هيكل الوساطة الدولية بشأن السودان. فهذا التوسيع لا يقتصر على مجرد زيادة عدد الأطراف، بل يعكس إدراكاً أعمق لتعقيدات المشهد الإقليمي والاستقطاب الداخلي المتزايد.
عودة بريطانيا إلى المسار، بعد غياب دام ثلاث سنوات، تعني عودة لاعب دبلوماسي متمرّس يمتلك فهماً دقيقاً للبيئة السودانية، وقدرة على الوصول إلى قنوات يصعب على غيره اختراقها. فبالإضافة إلى انخراطها المستمر في الملفات الدبلوماسية والإنسانية، فإن تاريخها الطويل في بناء علاقات وثيقة مع الجيش السوداني وقطاعات الخدمة المدنية والنخب القانونية والأكاديمية يمنحها موقعاً فريداً ضمن أي إطار تفاوضي. كما أن المملكة المتحدة تُعد تقليدياً ملاذاً للحراك السياسي والمدني السوداني، حيث أقام فيها عدد من الشخصيات المؤثرة من التيارات اليسارية والليبرالية والإسلامية الإصلاحية، إلى جانب بعض قادة الحركات المسلحة.
أما قطر، فهي الأخرى تُعدّ وطناً ثانياً لعدد كبير من السودانيين، بمن فيهم شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي المقرب من النظام السابق والمتصلة بمجموعات نافذة داخل الجيش. وهذا الامتداد الاجتماعي والسياسي يمنح الدوحة قدرة فريدة على تفعيل قنوات خلفية لا تتوفر بسهولة لبقية الوسطاء. كما أن لديها تاريخ طويل في الوساطة السودانية، لا سيما في ملف دارفور، حيث نجحت عام 2011 في رعاية مفاوضات معقدة أدت إلى توقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، والتي ساهمت في تخفيف حدة العنف لعدة سنوات. وقد تضمّنت تلك الوثيقة بنوداً مهمة، مثل تقاسم السلطة، وتخصيص صندوق لتعويض الضحايا، وتعيين نائب للرئيس من دارفور، إضافة إلى اعتراف رسمي بالإقليم داخل هيكل الدولة.
اليوم، تستند قدرة قطر على المناورة إلى شبكة واسعة من العلاقات غير الرسمية تشمل عناصر من قوات الدعم السريع، وزعماء قبائل، وقيادات إسلامية، وضباطاً عسكريين نافذين. هذه الشبكة تمنحها مرونة دبلوماسية نادرة وقدرة على إدارة التفاوض من زوايا غير تقليدية. ويُضاف إلى ذلك تأثيرها الإعلامي الكبير، إلى جانب تمويلها السخي للمبادرات الإقليمية، يجعل دورها في هذه المرحلة محورياً ولا يمكن تجاهله.
ومع ذلك فانضمام قطر إلى مسار الرباعية يحمل معه بعض التحديات. فعلاقاتها الوثيقة بجماعات إسلامية– ينظر كثير منها إلى الدوحة باعتبارها شريكاً موثوقاً– قد تؤثر على مسار المفاوضات إذا لم تُدار بحذر وتوازن. في الوقت نفسه، فإن هذه الجماعات، رغم الجدل الذي يحيط بها، تملك نفوذاً فعلياً على الأرض، بما في ذلك ضمن القوات المتحالفة مع الجيش السوداني، ما يجعل من الصعب تجاهلها أو الضغط عليها خارج إطار رؤية شاملة للسلام. هنا يمكن أن تلعب قطر دوراً مهماً في إدماج بعض هذه الأطراف ضمن معادلة سياسية أوسع، تُسهم في تحقيق توازن كان مفقوداً حتى الآن.
وفي المقابل، تمثل الإمارات العربية المتحدة طرفاً خليجياً مؤثراً آخر، لكنها تميل إلى الحذر تجاه تمكين الإسلاميين، وتواجه في الوقت ذاته اتهامات بدعم عناصر من قوات الدعم السريع المتورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة. التعامل مع كلا الطرفين– قطر والإمارات– بصورة متوازنة قد يمنح العملية السياسية قاعدة أوسع وأكثر تنوعاً، وهي نقطة الضعف الأبرز التي عانت منها الرباعية حتى الآن. ومع ذلك، سيظل من الضروري أن تتحلى واشنطن برؤية واقعية ووعي دقيق بطبيعة ارتباطات هذين الفاعلين مع أطراف محلية مثيرة للجدل، لضمان ألا تتحول مساهمتهما إلى عبء على مسار التسوية.
من بين الخيارات الواعدة أيضا توسيع منتدى الرباعية لتشمل شركاء مثل الاتحاد الأفريقي، أو ربما دول أوروبية مثل النرويج، التي تنشط في مجال المساعدات في السودان وقد اقتُرحت على نطاق واسع كوسيط مفيد. ورغم المخاوف من أن مثل هذا التوسيع قد يعقّد عملية التوصل إلى توافق، قد يسهم إشراك وسطاء جدد في تعزيز الضغط الدولي على القوى المتحاربة ودفعها نحو تقديم تنازلات.
ورغم تباين أولويات الفاعلين الدوليين وتكتيكاتهم، تبقى المصلحة المشتركة في تجنب التصعيد وانهيار الدولة السودانية أكبر من خلافاتهم. وإذا تولّت الولايات المتحدة دوراً أكثر فعالية في تنسيق الجهود وقيادة المسار الاستراتيجي للمفاوضات، فبإمكانها ردم هذه الفجوات قبل أن تتبدّد فرص السلام بشكل نهائي.