
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4101
ما تكشفه تدفقات النفط الروسية حول قطاعي الطاقة في سوريا ولبنان

زيادة الاهتمام الأمريكي بديناميكيات النفط والتجارة في سوريا ولبنان يمكن أن يساعد في منع الدول المعادية مثل روسيا والشبكات غير المشروعة من استغلال نقاط الضعف في هذين البلدين.
شهد هذا الشهر حدثاً مهماً عندما حمّلت سوريا أول شحنة تصدير من النفط الخام منذ سقوط نظام الأسد، وهي في الواقع أول شحنة منذ أكثر من عقد كامل. ورغم أن هذا الإنجاز جاء نتيجة لتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية، إلا أن البلد الذي يعاني من أزمة مالية خانقة لا يزال بحاجة ماسة إلى كميات كبيرة من واردات النفط وهو يحاول إعادة تأهيل قطاع الطاقة المتضرر.
في ظل هذه الظروف الصعبة، برزت روسيا كمورد رئيسي للنفط الرخيص، وهي نفسها تواجه قيوداً غربية على صناعة النفط والغاز لديها. في منطقة شرق البحر المتوسط، يصل هذا النفط إما مباشرة من الموانئ الروسية أو عبر مراكز الشحن الإقليمية حيث ينقل من سفينة إلى أخرى، أو عبر موانئ تعمل كمراكز لإعادة التصدير.
سوريا ليست وحيدة في هذا المشهد، فلبنان أيضاً يتصارع مع أزمة مالية مدمرة منذ عام ألفين وتسعة عشر، وحكومته تتلقى بانتظام شحنات النفط الروسي لتوليد الكهرباء. هذه التدفقات النفطية تثير تساؤلات مهمة: في السوق السورية تتعلق بحجم النفوذ الروسي في عهد ما بعد الأسد، وفي لبنان تسلط الضوء على تعقيدات تجارة النفط الإقليمية، كما ظهر في الصفقة المعقدة بين بيروت وبغداد عام ألفين وواحد وعشرين.
إدارة "ترامب" تتحرك دبلوماسياً في كلا البلدين، وإن كان ذلك في ظروف مختلفة. من خلال متابعة تطورات النفط والتجارة المحلية عن كثب، يستطيع المسؤولون الأمريكيون إلقاء الضوء على تحديات قطاع الطاقة في كل بلد، وكشف نقاط الضعف التي تسمح للدول المعادية والشبكات غير المشروعة بالاستفادة من التأخير المستمر في التنمية الاقتصادية والمؤسسية.
رحلة النفط الروسي إلى سوريا
بيانات الشحن تروي قصة مثيرة: عدد من ناقلات النفط الخام المشاركة في تجارة النفط الروسي تبحر نحو شرق البحر المتوسط منذ مطلع هذا العام، لتصل شحناتها في النهاية إلى السواحل السورية. معهد واشنطن كان أول من نبّه إلى هذا التطور في آذار الماضي.
المشهد يكتمل بتفاصيل مذهلة: بينما كانت سوريا تحتفل بتصدير شحنتها الأولى من النفط الخام الثقيل من ميناء طرطوس - ستمئة ألف برميل حُمّلت على متن الناقلة اليونانية "نيسوس كريستيانا" (رقم التعريف البحري الدولي ٩٦٩٤٦٥٨) - كانت ناقلة أخرى تؤدي دوراً مختلفاً تماماً. الناقلة "ساكينا" التي ترفع علم جزر القمر والخاضعة لعقوبات أمريكية (رقم التعريف البحري ٩٥٣٠٩١٧) كانت ترسو في المياه السورية لتفريغ حمولتها من النفط الروسي بعد رحلة سرية جزئياً.
تفاصيل هذه الرحلة تكشف عن أساليب التخفي المتقنة: بعد مغادرة ميناء مورمانسك الروسي في الثالث عشر من آب، أطفأت "ساكينا" نظام التعرف التلقائي في الثامن والعشرين من الشهر نفسه لتتجنب الكشف أثناء مرورها قرب جزيرة كريت، مدّعية التوجه إلى بورسعيد في مصر، بحسب تتبع المؤلف للرحلة.
شركة TankerTrackers.com، المختصة في تتبع تدفقات النفط إلى سوريا منذ سنوات، أكدت وجود السفينة في المياه السورية اعتباراً من الأول من أيلول للتفريغ في محطة بانياس للإرساء المفرد. السفينة عادت للظهور على أنظمة التتبع في الخامس من أيلول وهي قبالة السواحل القبرصية.
هذه ليست الحادثة الأولى لنقل النفط الروسي إلى سوريا عبر ناقلات مُعاقَبة أمريكياً. من الأمثلة الحديثة الناقلة "فيرليس" التي ترفع علم غامبيا (رقم التعريف البحري ٩٥١٣١٣٩)، والتي نقلت حوالي سبعمئة ألف برميل من النفط الخام الروسي إلى بانياس في حزيران وفقاً لشركة Kpler. إجمالياً، استوردت سوريا نحو اثني عشر مليون برميل من النفط الخام الروسي هذا العام بحسب TankerTrackers.com. موسكو تزود دمشق أيضاً بالمنتجات النفطية المكررة مثل زيت الوقود والديزل، إضافة إلى استيراد سوريا من دول أخرى كتركيا.
منذ انهيار نظام الأسد، أبدت عدة دول اهتماماً بالشراكة مع الحكومة السورية الجديدة في مجال الطاقة، وقدمت أخرى مساعدات فورية في الغاز الطبيعي والكهرباء مثل أذربيجان وقطر وتركيا. رغم ذلك، تبقى روسيا المورد الأساسي للنفط الخام بفضل أسعارها المخفضة وقدرتها على توفير إمدادات ثابتة في الوقت الذي تحتاجه سوريا أكثر من أي وقت مضى.
الحقيقة المرة هي أن دمشق، وهي تُعيد بناء بلد مدمر بالحرب وسط تحديات أمنية واجتماعية مستمرة، ستحتاج كميات ضخمة من النفط المستورد. من هذا المنظور، شحنة التصدير الأخيرة مجرد قطرة في بحر الاحتياجات ولا ينبغي اعتبارها علامة على التعافي. كما أشارت مجلة MEES، مصفاتا البلاد الحاليتان لديهما تركيبة بسيطة غير قادرة على معالجة النفط السوري الثقيل بسبب خصائصه كالمحتوى العالي من الكبريت. لذلك، تصدير هذا النفط إلى المصافي الإقليمية المعقدة سيكون الحل الأمثل.
تؤكد البيانات هذا التوجه: وصلت "نيسوس كريستيانا" إلى ميناء ساروش الإيطالي في العاشر من أيلول، على الأرجح لتفريغ النفط السوري في المصفاة المحلية. وسائل الإعلام ذكرت أن المشتري كان شركة "فيتول" العملاقة للتداول، بينما أشارت الحكومة السورية إلى مشترٍ يُدعى "بي سيرف إنرجي"، ما يشير إلى إمكانية الشراء غير المباشر.
رغم إمكانية استمرار الصادرات النفطية السورية، فهي ستكون متقطعة في أحسن الأحوال. في حزيران، وبعد إصدار واشنطن إعفاءً لمدة مئة وثمانين يوماً من عقوبات قانون قيصر، صدّرت دمشق شحنة نافتا نقلتها "فيلوس فورتونا" (رقم التعريف ٩٣٤٧٣١٠) إلى ميناء أوروبي بحسب Kpler.
لكن حجم هذه الصادرات ومنافعها يعتمدان على ظروف السوق وقدرة سوريا على الإنتاج المستمر. إنتاج البلاد النفطي اليوم يبلغ حوالي خمسة وثلاثين ألف برميل يومياً، مقارنة بثلاثمئة وخمسين ألف برميل في عام ألفين وأحد عشر. الإنتاج سيبقى متقلباً في بلد بعيد كل البعد عن الاستقرار.
النفط الروسي يتدفق إلى لبنان
المشهد في لبنان مختلف جذرياً، حيث يُستخدم النفط الروسي المُستورد في قطاع توليد الكهرباء سيء الإدارة. الشهر الماضي شهد وصول ثلاث شحنات من الغازويل وزيت الوقود من موانئ بريمورسك ونوفوروسيسك الروسية، نقلتها الناقلات "فيدان" البالاوية (رقم التعريف ٩٤٢٣٧٣٦)، و*"بروميتي"* السيراليونية (رقم التعريف ٩٢٩٦٥٩٧)، و*"هوك الثالث"* البنمية (رقم التعريف ٩٢٦٠٢٦٣).
بينما نجحت الناقلتان الأوليان في التفريغ دون عوائق، تورطت "هوك الثالث" في جدل سياسي حول شحنتها النفطية، دون توضيح كامل للتفاصيل. منذ وصولها للمياه اللبنانية في الحادي والعشرين من آب، ظلت راسية عاجزة عن التفريغ حتى بداية هذا الأسبوع، رغم الاحتياج الماس للوقود. البيانات تشير إلى أن هذه الشحنات الروسية كانت متجهة لأربع محطات كهرباء: الزهراني ودير عمار والزوق والجية.
خلال الفترة من ألفين وسبعة عشر حتى ألفين وواحد وعشرين، اعتاد لبنان على استيراد المنتجات النفطية الروسية، لكن هذا تغيّر بعد ألفين وواحد وعشرين مع تفاقم الأزمة المالية وغزو روسيا لأوكرانيا. استيراد هذه المنتجات ليس محظوراً اليوم - السعودية تستورد زيت الوقود الروسي صيفاً لتوليد الكهرباء، ودول أخرى تمارس هذه التجارة أيضاً.
لكن في لبنان، تثير هذه التجارة تساؤلات حول طرق الشراء والتسعير، خاصة مع الخصومات الكبيرة التي تقدمها روسيا حالياً. في ألفين وواحد وعشرين، توصّل لبنان والعراق إلى صفقة معقدة: بغداد تزوّد بيروت بزيت الوقود، الذي تستبدله أطراف ثالثة لاحقاً بمنتجات نفطية أخرى، ربما تشمل النفط الروسي. الاستبدال يتم عبر شركات خاصة لأن مواصفات زيت الوقود العراقي لا تناسب محطات الكهرباء اللبنانية.
رغم هذه الصفقة والحلول المؤقتة الأخرى مثل إمدادات الغازويل المدعومة كويتياً، يبقى لبنان يعاني من انقطاع كهرباء شديد.
"جو صدّي"، الذي تولى وزارة الطاقة في بيروت مطلع العام وهو مقرّب من حزب "القوات اللبنانية" المسيحي، يواجه مهمة صعبة: معالجة أزمة الطاقة الحادة والفساد المزمن معاً. لأكثر من عقد، كانت الوزارة تحت سيطرة مسؤولين من التيار الوطني الحر (الحليف المسيحي السابق القوي لحزب الله)، ما أدى لفضائح متعددة.
في عام ألفين وثلاثة وعشرين، عاقبت الخزانة الأمريكية شخصين لبنانيين لاستخدامهما شركات خاصة لضمان عقود حكومية عبر "عمليات مناقصة عامة غامضة للغاية". الأسوأ أن الوقود المستورد ضمن هذا المخطط كان ملوثاً، ما ألحق أضراراً بمحطات الكهرباء.
التوصيات السياسية
بما أن دمشق ستواصل على الأرجح استيراد النفط الروسي المخفض السعر، تحتاج واشنطن لمراقبة هذه الممارسة عن كثب لضمان عدم استخدام موسكو لها في بسط نفوذ مفرط على سوريا ما بعد الأسد. روسيا تحتفظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا، بما فيها قاعدتها البحرية الاستراتيجية في طرطوس على المتوسط، لذا رغبتها وقدرتها على التأثير على دمشق لن تتبخر بسهولة لمجرد تغيّر النظام.
تجارة النفط السورية الأوسع تستحق المراقبة الدقيقة أيضاً، خاصة هوية الوسطاء في صفقات النفط بين الحكومة وشركات الطاقة. هذا يضمن عدم استفادة الشبكات غير المشروعة من ضعف البلاد الحالي والفساد المتجذر منذ عقود، والذي قد ينمو تحت السلطات الجديدة.
بعض التجار الإقليميين قد يسعون لاستغلال الوضع الراهن. كثير من الشركات الأجنبية لا تزال تعتبر سوريا بلداً عالي المخاطر، ومع عدم رفع كل العقوبات، قد تتجنب التعامل المباشر معها، ما يزيد الحاجة للوسطاء. واشنطن يجب أن تتيقظ لأي شبكات غير مشروعة تحاول استغلال هذا الوضع، مثل تلك التي عاقبتها سابقاً لتورطها في مخططات طاقة معقدة وفاسدة في لبنان.
بالنسبة للبنان، ركّز الاهتمام الأمريكي مؤخراً بحق على نزع سلاح حزب الله، لكن هذا وحده لن يستقر البلاد. الجهات الخبيثة استفادت طويلاً من الفساد، خاصة في مؤسسات حيوية كوزارة الطاقة. في ألفين وعشرين مثلاً، عاقبت إدارة "ترامب" السابقة مسؤولين لبنانيين لتورطهم في مخططات استفادت منها النخب.
لأن هذا الفساد يناقض التنمية الاقتصادية، لا يمكن للحكومة اللبنانية اعتبار نزع سلاح حزب الله مهمتها الوحيدة - عليها العمل على إصلاحات ملحة وضرورية، خاصة في قطاع الطاقة. الوزير "صدّي" صرّح مؤخراً بنيته تفعيل قانون تنظيم الكهرباء المهم (القانون ٤٦٢/٢٠٠٢) الذي صدر قبل عقدين دون تطبيق. هذا الجهد ومهمة إصلاح قطاع الطاقة برمته محفوفان بعقبات سياسية، لذا على واشنطن دعم هذه التدابير علناً بكل قوة.