
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4098
خيارات إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني

لدى القادة الإيرانيين عدة خيارات لإعادة بناء أوتطوير برنامجهم النووي، بعضها أكثر واقعية أو خطورة من غيره. لذلك، من المهم أن تركز واشنطن على مراقبة وتوجيه المسار الذي قد يختارونه، بدلاً من استبعاد هذا الاحتمال تماماً.
بعد وقف الأعمال العدائية بين "إسرائيل" و"الولايات المتحدة" و"إيران" في شهر حزيران/يونيو، اندلع جدل ونقاش حول قدرة "طهران" على إعادة تشكيل وبناء برنامجها النووي. ومع ذلك، لم يُعطَ اهتمام كافٍ ومناسب لما قد تعنيه هذه العملية من إعادة البناء عملياً وفي الواقع. فـ"إيران" استغرقت نحو عشرين عاماً كاملة لبناء وتطوير برنامجها النووي الأولي والأساسي؛ فهل ستعيد اتباع وتطبيق نفس الخطة والمخطط، أم أنها تخطط وتنوي لإنشاء وبناء شيء مختلف وجديد هذه المرة؟
الجداول الزمنية والتعريفات المتضاربة والمتنوعة
في البداية، ادعت إدارة "ترامب" أن البرنامج النووي الإيراني قد تم "تدميره بالكامل"، وأن "إيران" لن تختار إعادة البناء لقدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي يستبعد في الأساس وضع أي جداول زمنية مقدرة لعمليات إعادة البناء المحتملة في المستقبل. غير أنه بعد فترة وجيزة من ذلك، شهدت اللغة الأمريكية تحولاً نحو توجه تكنوقراطي أكثر دقة وتخصصاً، حيث توصلت "وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" و"إسرائيل" و"فرنسا" و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وجهات أخرى مختلفة، بطرق متنوعة، إلى استنتاج مفاده أن "إيران" قد تحقق نوعاً من أنواع التقدم النووي خلال فترة تتراوح بين بضعة أشهر أو سنوات قليلة.
من ناحيتهم، اقترح بعض المسؤولين الإيرانيين أن البرنامج النووي قد تعرض لأضرار بالغة وشديدة بما يكفي لجعل المزيد من عمليات الوصول والتفتيش من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمراً مستحيلاً، في حين وصف مسؤولون آخرون، بمن فيهم المرشد الأعلى "علي خامنئي"، الأضرار التي لحقت بالبرنامج بأنها متواضعة أو حتى غير ذات أهمية تذكر.
قد تنبع هذه الادعاءات والاستنتاجات المتباينة والمختلفة من مجموعة واسعة ومتنوعة من العوامل، بما في ذلك الصعوبات الجمة في إجراء تقييمات أضرار المعارك الناجمة عن الحملات الجوية المكثفة ضد المواقع والمنشآت المدفونة على أعماق كبيرة تحت الأرض. إلا أن العامل الأكبر والأكثر تأثيراً في هذا التباين قد يكمن في أن كلاً من هذه التقييمات والتحليلات يبدو أنه يعتمد على معايير وأسس مختلفة تماماً لما قد تعنيه عملية "إعادة التشكيل" أو "إعادة البناء" للبرنامج النووي.
في الوقت الحالي، يبدو أن لدى "إيران" أربعة خيارات أساسية ورئيسية يمكن تعريفها بشكل مقبول ومعقول كبرنامج نووي معاد تشكيله أو إعادة بنائه، وهي: أولاً، إعادة التركيز والتوجه نحو التعاون النووي المدني مع الدول الأجنبية، وثانياً، متابعة عملية إعادة بناء كاملة وشاملة ومعلنة للبرنامج، وثالثاً، متابعة عملية إعادة بناء كاملة وشاملة لكن غير معلنة وسرية، أو رابعاً وأخيراً، تجديد وإعادة تطوير البرنامج بالكامل من جديد. سيتم مناقشة وتحليل هذه السيناريوهات المختلفة بشكل منفصل ومفصل في الأجزاء التالية أدناه، مع الإشارة إلى أن بعض العناصر والمكونات من هذه السيناريوهات يمكن دمجها وتجميعها معاً لخلق وإيجاد مناهج وطرق "وسطية" بديلة ومتوازنة.
التعاون النووي المدني الأجنبي
تقوم "إيران" بحصر وتقييد برنامجها النووي في نطاق المفاعلات النووية والوقود النووي المُقدم والموفر من الدول الخارجية، مع الاكتفاء بأنشطة علمية وبحثية وتطويرية محدودة النطاق تقوم بها بنفسها وبإمكانياتها الذاتية.
رغم أن هذا الشكل والنمط من عمليات إعادة التشكيل أصغر بكثير من ناحية النطاق والحجم مقارنة بالخيارات الأخرى المعروضة والمطروحة في الأجزاء التالية أدناه، فإن هذا الخيار سيترك ويبقي "إيران" مع برنامج نووي فعال وقائم. على وجه التحديد والتفصيل، يمكن لـ"طهران" أن تقوم بالتعاقد والاتفاق مع موردين ومزودين أجانب من أجل بناء وإقامة مفاعلات نووية إضافية وجديدة، وذلك لتكملة واستكمال المفاعل الثاني الذي تقوم "روسيا" ببنائه وإقامته في منطقة "بوشهر"، بالإضافة إلى توريد وتزويد الوقود النووي اللازم لتشغيل هذه المنشآت والمرافق النووية. كما يمكنها أيضاً أن تقوم بالمتابعة والاستمرار في بعض الأنشطة البحثية والعلمية صغيرة النطاق والحجم، بما في ذلك الأنشطة التي تتم وتجري في مفاعلاتها البحثية والعلمية الخاصة بها.
إن عملية دفع وتسديد ثمن وتكاليف المفاعلات النووية الأجنبية سوف تكون مكلفة ومرهقة من الناحية المالية والاقتصادية، لكن هذا المنهج والطريقة ستقوم بتقليل وتخفيف المخاطر المحتملة لفقدان وخسارة تلك الأصول والممتلكات النووية نتيجة للحرب والأعمال العسكرية. ومن الجدير بالذكر والإشارة في هذا السياق أن محطة توليد الطاقة الكهربائية في منطقة "بوشهر" لم تتعرض للاستهداف أو الهجوم في أعمال العداء والقتال التي وقعت في شهر حزيران من عام يونيو، وذلك على الأرجح والأغلب لسببين رئيسيين هما: أولاً، إنها عبارة عن مفاعل نووي عامل وفعال يمكن أن يطلق ويبث مواد ومركبات مشعة وخطيرة في حالة تعرضه للهجوم والاستهداف، وثانياً، اعتُبر ونُظر إليه على أنه أقل احتمالاً ومن غير المرجح أن يساهم ويشارك في عمليات انتشار الأسلحة النووية المحتملة والممكنة، حيث أن "إيران" لا تمتلك ولا تحوز على التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة اللازمة لاستخراج وفصل مادة البلوتونيوم من الوقود النووي المستنفد والمستهلك لمفاعل "بوشهر"، كما أن أي محاولة لإساءة الاستخدام أو التلاعب من هذا القبيل والنوع ستُكتشف وتُرصد بسرعة كبيرة من قبل الجهات الرقابية الدولية.
رغم أن هذا الخيار والبديل يمكن أن يساعد ويساهم في تخفيف وتهدئة مخاوف وقلق "إيران" العميقة والجذرية حول احتياجاتها ومتطلباتها في مجال الطاقة على المدى الطويل، كما يمكن أن يقلل ويخفف من المخاطر والتهديدات المحتملة للحرب المستقبلية، فإن هذا الخيار على الأرجح والأغلب يُعتبر الاختيار الأقل احتمالاً وإمكانية بالنسبة للنظام الإيراني الحاكم. فمن ناحية أولى وأساسية، سوف يمثل ويشكل هذا الخيار تراجعاً وانحساراً كبيراً وواضحاً عن خطابات وتصريحات "طهران" وموقفها ومواقفها السابقة والسائدة. لقد جادل وحاجج القادة الإيرانيون مراراً وتكراراً في الماضي بأنهم لا يستطيعون ولا يقدرون على التخلي والتنازل عن عمليات تخصيب اليورانيوم بسبب الدماء الغالية والثروات الطائلة التي دفعتها وقدمتها الأمة الإيرانية بالفعل من أجل هذا البرنامج النووي، لذلك فمن غير المحتمل والمرجح أن يقدموا ويعرضوا هذا التنازل والتراجع الآن وفي هذا الوقت، وخاصة بعد تعرضهم لهجوم عسكري أجنبي مباشر. كما أن هذا الخيار والبديل سوف يكرس ويثبت حالة الاعتماد الإيراني على الإمداد والتوريد النووي الأجنبي، وهو ترتيب ونظام أصبحت "طهران" تراه وتعتبره غير موثوق وغير قابل للاعتماد عليه. لذلك وبناءً على ما تقدم، إذا اختار وقرر النظام الإيراني اتباع وسلوك هذا المسار والطريق، فسوف يكون بالتأكيد واليقين قراراً غير مُعلن وغير مُصرح به، يتم إثباته وتأكيده من خلال غياب وعدم وجود أعمال وعمليات إعادة البناء العلنية والمكشوفة، وهو أمر ووضع سيكون صعباً ومعقداً على كل من "الولايات المتحدة الأمريكية" و"إسرائيل" أن يثقوا فيه ويطمئنوا إليه.
إعادة البناء الكاملة والشاملة المعلنة
تقوم "إيران" بعملية استعادة وإرجاع برنامجها النووي إلى مستواه ودرجته التي كان عليها قبل أحداث وأعمال شهر حزيران من عام يونيو، مع إقامة وبناء منشآت ومرافق معلنة ومكشوفة كبيرة الحجم لتحويل ومعالجة وتخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى وضع وإعداد خطط موسعة ومتقدمة لبناء وإقامة المفاعلات النووية المحلية والداخلية.
هذا الخيار والبديل سوف يستلزم ويتطلب في الأساس عملية إعادة إطلاق وتشغيل برنامج ما قبل شهر حزيران من عام يونيو، وإعادة بناء وتشييد مكوناته وعناصره المختلفة والمتنوعة، وعلى الأرجح والأغلب في مواقع وأماكن مختلفة وجديدة تكون أصعب وأكثر تعقيداً للمهاجمة والاستهداف، مع فتحها وإتاحتها لعمليات التفتيش والمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إن مثل هذا البرنامج النووي سوف يكون مستهلكاً ومستنزفاً للوقت والجهد، كما أنه سيكون مكلفاً ومرهقاً من الناحية المالية والاقتصادية، رغم أن هذه الفكرة والخطة تحمل وتتضمن مزايا وفوائد سياسية وتكنولوجية معينة ومحددة. أولاً وقبل كل شيء آخر، إن برنامجاً نووياً بهذا النطاق والحجم الواسع سوف يمكن ويتيح لـ"إيران" أن تستمر وتواصل في الجدال والمحاججة بأن طموحاتها وأهدافها النووية تتسم بالطابع السلمي والمدني، وأنها متسقة ومتوافقة تماماً مع التزاماتها وواجباتها تحت بنود ونصوص معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. إن المنشآت والمرافق النووية المدنية في كثير من الأحيان والحالات تتطلب وتحتاج إلى مواد ومعدات أكثر وأكبر من تلك المطلوبة للأسلحة النووية، لذلك يمكن لـ"إيران" أن تهدف وتسعى لبناء وإقامة منشآت ومرافق بحجم ونطاق يعطيها ويوفر لها خياراً كبيراً ومهماً للتسليح النووي، في الوقت الذي تدعي وتزعم فيه البقاء والاستمرار ضمن المساحة والنطاق المخصص والمحدد للمساعي والأنشطة المدنية والسلمية.
بطبيعة الحال والأمر، تدرك وتفهم "طهران" بحلول هذا الوقت والآن أن حتى المنشآت والمرافق المُفتشة والمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن أن تتعرض للهجوم والاستهداف مرة أخرى وبسهولة كبيرة من قبل "إسرائيل" و/أو "الولايات المتحدة الأمريكية" إذا اشتبهوا في وجود مخاطر وتهديدات تتعلق بالانتشار النووي. وبالتالي ولهذا السبب، فمن غير المحتمل والمرجح أن تقوم "إيران" بمتابعة واتباع هذا النوع والشكل من إعادة البناء والتشييد دون وجود صفقة واتفاقية سياسية طويلة المدى مع ضمانات أمنية مصاحبة ومرافقة، وهو ترتيب ونظام لا يبدو قادماً أو متوقعاً في المستقبل القريب.
إعادة البناء الكاملة والشاملة غير المعلنة
تحاول وتسعى "إيران" إلى استعادة وإرجاع منشآت ومرافق تحويل ومعالجة اليورانيوم، وعشرات الآلاف من أجهزة وماكينات الطرد المركزي، وعناصر ومكونات البرنامج النووي الأخرى التي كانت موجودة قبل اندلاع الحرب والأعمال العسكرية، لكن هذه المرة دون وجود منشآت ومرافق معلنة ومكشوفة تكون مفتوحة ومتاحة لعمليات التفتيش والمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
هذا الخيار والبديل يُعتبر عملياً ومن الناحية الفعلية مثل عملية إعادة البناء والتشييد المعلنة والمكشوفة، إلا أنه في هذه الحالة والظروف المحددة ستقوم "إيران" بمنع وحجب وصول ودخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مواقعها ومنشآتها النووية إلى الأبد، أو على الأقل لأطول فترة زمنية ممكنة ومتاحة. من خلال القيام بهذا الفعل والتصرف، سوف يخلق ويوجد النظام الإيراني حالة من الغموض وعدم الوضوح حول نواياه الحقيقية والتزاماته وواجباته القانونية، في الوقت الذي يجني ويحصل فيه على فوائد ومزايا عملية إعادة البناء الكاملة والشاملة المعلنة والمكشوفة. ومع ذلك وبرغم هذه المزايا، فإن هذا السيناريو والخيار سوف يحمل ويتضمن نفس التكاليف والأعباء العالية والمرتفعة للخيار السابق والمذكور أعلاه، بالإضافة إلى مخاطر وتهديدات حرب أعلى وأكبر نظراً لوجود مبرر ومسوغ إضافي ناتج عن حالة عدم الامتثال والالتزام النووي الصارخ والواضح.
إعادة الهيكلة الشاملة للبرنامج
تقوم "إيران" بتغيير وتعديل طبيعة وشكل برنامجها النووي بشكل جذري، متخلية ومتنازلة عن فكرة "إعادة تشكيل" و"إعادة بناء" القدرات والإمكانيات المدمرة والمتضررة، وذلك للتركيز والتوجه بدلاً من ذلك على الحفاظ والإبقاء على خيارات وبدائل التسليح النووي، مع الاعتماد على منشآت ومرافق أصغر حجماً ونطاقاً، ودون تقديم إعلانات أو تصريحات رسمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إذا كانت "إيران" تنوي وتخطط لمتابعة وممارسة أنشطة نووية غير معلنة وغير مكشوفة، فمن الأرجح والأكثر احتمالاً بكثير أن تقوم بإعادة تعريف وتحديد طبيعة البرنامج النووي بدلاً من تكرار وإعادة منهجها وطريقتها السابقة. كما ذُكر وأُشير إليه في الأجزاء أعلاه، فإن برنامج الأسلحة النووية يمكن أن يكون أصغر حجماً ونطاقاً من برنامج الطاقة النووية المدنية والسلمية. إذا أرادت وسعت "طهران" للحصول على أسلحة نووية، لكنها خلصت وتوصلت إلى استنتاج مفاده أنه لن يُسمح لها أبداً ومطلقاً ببناء وإقامة المواقع والمنشآت الكبيرة والضخمة الضرورية واللازمة لبرنامج طاقة مدنية واقعي وحقيقي وفعال، فقد تقوم بمتابعة واتباع الخيار الأرخص بكثير والأكثر أماناً وسلامة المتمثل في تقليل وتخفيف أنشطتها النووية إلى مشروع أصغر حجماً ونطاقاً مخصص ومكرس بشكل أساسي للأسلحة النووية. إن المنشآت والمرافق المطلوبة والضرورية لمثل هذا البرنامج النووي يمكن أن تكون أصغر بكثير من ناحية الحجم والنطاق، كما أنها تتطلب وتحتاج إلى مواد ومركبات نووية أقل وأصغر، ويمكن أن تكون مدفونة ومخبأة بعمق أكبر وأكثر في باطن الأرض، وبالتالي تكون آمنة ومحمية أكثر، وذلك لأن تكاليف وأعباء وتعقيدات القيام بذلك والعمل على هذا النحو ستنخفض وتقل بشكل كبير. وبالتالي ونتيجة لذلك، فإن هذا النوع والشكل من البرامج النووية يمكن أن يكون أسهل وأيسر بكثير للإخفاء والتستر عن المراقبة والرصد الدولي، حتى لو استمر واستمرت عمليات اختراق وتسلل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، مع التأثير والأثر الصافي المتمثل في تقليل وتخفيف مخاطر وتهديدات الهجمات والاعتداءات المستقبلية.
إن مثل هذا البرنامج النووي المُجدد والمُطور سوف يتخلى ويتنازل عن ادعاء وزعم الطاقة النووية المدنية والسلمية، مما يحد ويقلل من قدرة وإمكانية "إيران" على إقناع وإثارة إعجاب المجتمع الدولي بأن أنشطتها وأعمالها النووية شرعية ومبررة وقانونية. ومع ذلك وبرغم هذا الأمر، فليس من الواضح والمؤكد ما إذا كان هذا العامل والاعتبار سوف يهم ويكون مؤثراً، نظراً لإمكانية أن النقد والانتقاد الأجنبي الواسع والكبير لكل من "الولايات المتحدة الأمريكية" و"إسرائيل" قد يحجب ويخفي ادعاءاتهما وزعمهما حول عدم امتثال والتزام "إيران" بالقوانين والقواعد النووية على المدى الطويل والبعيد، حتى عندما تكون تلك الادعاءات والمزاعم دقيقة وصحيحة وصادقة. كما أن "طهران" قد استخدمت واستعملت أيضاً موضوع وقضية الطاقة النووية المدنية والسلمية لتأمين وضمان الشرعية المحلية والداخلية للبرنامج النووي في الماضي، مشيرة إليها كدليل وبرهان على أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمارس وتستخدم حقوقها ومصالحها في الخارج، وأنها تعمل وتسعى على التطوير والتقدم اقتصادياً في الداخل والمحيط المحلي. وليس من الواضح والمؤكد ما إذا كانت الحرب والأعمال العسكرية قد قللت وخففت من قيمة وأهمية هذا المفهوم والتصور بالنسبة لقادة ومسؤولي "إيران".
التوصيات السياسية
لدى "إيران" خيارات وبدائل كثيرة ومتعددة لإعادة التشكيل والتطوير، وربما لم تقرر وتحدد بعد أياً منها ستتابع وتتبع وتسلك. في هذه النقطة والمرحلة الحالية، فإن أهم إدراك وفهم واستيعاب هو أنها يمكن أن تطور وتنمي على الأرجح والأغلب أسلحة نووية بدائية وأولية دون الحاجة إلى إعادة بناء وتشييد برنامجها النووي إلى أي درجة ومستوى كبير وواسع. إن "إيران" تحتفظ وتحوز على الأرجح والأغلب بما يكفي ويكافئ من اليورانيوم عالي التخصيب، ومعدات وأجهزة المعالجة الكيميائية المطلوبة والضرورية لتشكيل وتكوين هذه المادة النووية إلى عدة قنابل وأسلحة نووية بدائية وأولية، حتى لو لم تكن قابلة وصالحة للتسليم والنقل بواسطة الصواريخ الباليستية. علاوة على ذلك وإضافة إلى ما تقدم، ونظراً لتركيز وتوجه "طهران" المتكرر والمستمر على الدفاع غير التقليدي وإسقاط وعرض القوة عبر الوكلاء والممثلين والصواريخ والطائرات المسيرة، يمكن أن تقوم باختيارات وقرارات غير تقليدية ومشابهة حول تسليحها وأسلحتها النووية، وخاصة في المدى والأمد القريب والمنظور.
هذه الإمكانيات والاحتمالات لها آثار وتبعات متعددة ومتنوعة لصانعي ومتخذي السياسة في "واشنطن" وخارجها في مختلف أنحاء العالم. أولاً وقبل كل شيء آخر، يجب ويتوجب على المسؤولين والمختصين الأمريكيين أن يتجنبوا ويتفادوا أي بيانات وتصريحات إضافية تشكك وتثير الشكوك حول ما إذا كانت "إيران" يمكن أن تعيد وتستعيد تشكيل وبناء برنامجها النووي أم لا. ما لم يُثبت ويُبرهن بشكل قاطع وحاسم خلاف وعكس ذلك، يجب ويتوجب على إدارة "ترامب" أن تعمل وتتحرك على أساس افتراض ومبدأ أن "إيران" لديها وتمتلك القدرة والإمكانية على إعادة بناء وتشييد البرنامج النووي بشكل أو بآخر، وأنها قد تختار وتقرر القيام بذلك والعمل على هذا النحو. يمكن لـ"واشنطن" وشركائها وحلفائها حينئذ وبعد ذلك أن تركز وتتوجه نحو محاولة تشكيل وتوجيه اختيار وقرار "طهران"، مُوجهين ومسترشدين بأربع أولويات وأهداف أساسية ورئيسية:
- الكشف والرصد: تحديد وتعيين أين وكيف تعمل وتقوم "إيران" بإعادة إنتاج وتصنيع عناصر ومكونات البرنامج النووي.
- المنع والحيلولة: إنفاذ وتطبيق ضوابط ومراقبة التصدير الحالية والقائمة، ومحظورات وقيود نقل وتحويل التكنولوجيا والتقنيات، التي يمكن أن تساعد وتساهم في تقليل وتخفيف قدرة وإمكانية "إيران" على تنفيذ وتطبيق أي من هذه الخيارات والبدائل المذكورة. إن "الارتداد" و"الإرجاع" المعلق والمنتظر لعقوبات الأمم المتحدة سوف يساعد ويساهم في هذا الصدد والمجال، حيث ستبقى وستستمر "إيران" تحت طائلة عقوبات متعلقة ومرتبطة بالمجال النووي إلى الأبد ومدى الحياة إذا دخل هذا الإجراء والتدبير حيز التنفيذ والعمل كما هو مخطط ومقرر له في الشهر القادم والمقبل.
- التعليم والتثقيف: ضمان وكفالة أن شخصيات وأفراد الصناعة والحكومة يفهمون ويستوعبون طبيعة وخصائص البرنامج النووي الإيراني، وما تحاول وتسعى لفعله وتحقيقه، وما هي الالتزامات والواجبات القانونية التي لا تزال "طهران" تحت طائلتها ومسؤولة عنها من ناحية تجنب وتفادي انتشار الأسلحة النووية.
- الدبلوماسية والتفاوض: إقناع وإثارة إعجاب الحكومات والسلطات الأجنبية بعدم المساهمة والمشاركة في أي جهد أو محاولة لإعادة التشكيل والبناء سيكون غير متسق ومتوافق مع التزامات وواجبات "إيران" تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة عدم الانتشار، في الوقت الذي تضغط وتمارس الضغط في الوقت نفسه على "طهران" لتبني واعتماد منهج وطريقة تسمح وتتيح باستخدام أوسع ونطاق أكبر للطاقة النووية للأغراض المدنية والسلمية دون وجود مخاطر وتهديدات التسليح النووي. إن صفقة نووية جديدة مع بنود وشروط تفتيش تدخلية ومراقبة صارمة تبقى الطريقة الأكثر فعالية ونجاعة لتحقيق كلا الهدفين المذكورين ومنع "إيران" من الحصول والوصول على أسلحة نووية في المستقبل.