
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4038
هل ستسحق خطة "عربات جدعون" الجديدة في إسرائيل "حماس" أم تعززها؟

ترى إسرائيل أن عمليتها المقبلة في غزة تمثّل أداة لتوجيه ضربة حاسمة لقدرات "حماس" العسكرية، وتقويض قدرتها على إدارة القطاع، إلى جانب السعي لتحرير من تبقّى من الرهائن. غير أن هذه العملية قد تفتح الباب أمام احتلالٍ طويل الأمد وتصعيدٍ في أعمال حرب العصابات.
مع تبلور خطة "عربات جدعون" الإسرائيلية المرتقبة في غزة، تثير التطورات المرتبطة بزيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع شكوكاً حول مدى دعم الولايات المتحدة للخطة. فخلال الأيام القليلة الماضية، أفادت التقارير بأن إدارة ترامب دخلت في حوار مع حركة "حماس" لضمان الإفراج عن الرهينة الأمريكي - الإسرائيلي إيدان ألكسندر. وخلال زيارته إلى السعودية، صرح ترامب قائلاً "نواصل العمل لإنهاء الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن"، واصفاً الوضع بأنه "مروع". وبالفعل، قد تسعى الولايات المتحدة إلى استثمار الزخم الحالي للتفاوض على اتفاق وقف إطلاق نار نهائي في غزة، يشمل إطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، وبدء عملية صياغة إطار لمرحلة "اليوم التالي" في غزة.
يكمن مفتاح تقييم مسار الأحداث في سؤالين جوهريين: إلى أي مدى تتمسك إسرائيل بتنفيذ عمليتها، حتى لو كلّفها ذلك فقدان الدعم الأمريكي؟ وإلى أي حدّ تبدي الولايات المتحدة استعداداً للمضي قدماً في إدماج "حماس" في مرحلة ما بعد الحرب في غزة؟
خطة "عربات جدعون": مكوناتها ومبرراتها
تمت الموافقة رسمياً على خطة "عربات جدعون" من قبل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في السادس من أيار/مايو، وتهدف الخطة إلى القضاء على "حماس" ، وإرساء وضع جديد في غزة مع استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي، وضمان عودة الرهائن. ورغم أن الخطة قد تدفع "حماس" فعلياً إلى الإفراج عن بعض الرهائن مقابل هدنة مؤقتة، فإنها تنطوي أيضاً على مخاطر عديدة، منها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وتصاعد المقاومة المسلحة، وإعادة تسليح "حماس"، بالإضافة إلى التحديات المحتملة الناتجة عن رفض الأمم المتحدة والأطراف الأوروبية والعربية لهذه العملية.
على الورق، تبدو الخطة شاملة، إذ تدمج حزمة من الضغوط العسكرية والدبلوماسية والإعلامية لضمان تحقيق أهداف إسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تُحدد بالتفصيل ترتيباتها المفضلة لِما بعد الحرب في غزة - ويرجع ذلك أساساً إلى الانقسامات الداخلية وضعف التنسيق مع واشنطن – فإن الخطة تُبرز شروطاً مسبقة محددة لمرحلة "اليوم التالي "، وهي: القضاء على "حماس" والجهاد الإسلامي؛ وفرض السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة. وقد أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن ذلك سيتطلب احتلالاً مباشراً؛ نزع سلاح القطاع؛ وتفكيك قدرات "حماس" على الحكم؛ ونقل السكان إلى جنوب غزة لتوزيع المساعدات الإنسانية هناك؛ وأخيراً، إطلاق سراح الرهائن، (الذي يبدو أنه يأتي في آخر قائمة الأولويات).
وستنقسم الحملة إلى ثلاث مراحل، تتشكل جزئياً وفقاً لقيود سياسية وعملية، مثل زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة، المقرر أن تنتهي في السادس من أيار/مايو، والاستعدادات العسكرية الإسرائيلية. كما صُممت هذه المراحل لتتيح "مخارج " محتملة في حال وافقت "حماس" على شروط إسرائيل.
1. التحضير والضغط الأولي (قيد التنفيذ (: تتضمن هذه المرحلة تدمير البنية التحتية العسكرية والإدارية لـ"حماس"، بالإضافة إلى تجهيز جنوب غزة لاستيعاب المدنيين النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية بالتعاون مع شركات أمريكية، تحت حماية أمنية إسرائيلية. وتتيح هذه المرحلة لـ"حماس" فرصة الإفراج التدريجي عن الرهائن بموجب إطار عمل اقترحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف كشرطٍ مبدئي لوقف التصعيد.
2. نقل السكان: في هذه المرحلة، تهدف إسرائيل إلى إعادة تموضع المدنيين في غزة داخل مناطق محددة في الجنوب الغربي، تم "تطهيرها"، مع فرز وعزل عناصر "حماس".
3. المناورة البرية: في المرحلة النهائية، تدخل قوات الدفاع الإسرائيلية المناطق التي تم تطهيرها، لتقضي على العناصر المتبقية من "حماس" ، وتؤسس وجوداً عسكرياً طويلاً الأمد.
تسلط الخطة الضوء على خمس آليات للضغط على "حماس" ، بعضها لم يتم تفعيله بالكامل بعد:
1. إقامة احتلال إسرائيلي دائم في مناطق معينة، خاصة في المناطق المحيطة والممرات التي تقسم غزة إلى نصفين.
2. إجلاء السكان إلى مناطق أمنة معزولة عن نفوذ "حماس".
3. منع وصول "حماس" إلى المساعدات الإنسانية لضمان عدم تمكنها من السيطرة عليها أو استغلالها.
4. تفتيت قيادة "حماس" وسيطرتها في مختلف أنحاء المناطق.
5. ممارسة ضغوط نفسية على قادة "حماس" والمجتمع من خلال تسليط الضوء على تكلفة المقاومة المسلحة.
إضعاف قدرة "حماس" على الحكم وتقليل قدراتها العسكرية.
منذ بداية الحرب، فقدت حركة "حماس" جزءاً كبيراً من قدراتها العسكرية وتراجع نفوذها الذي كان في السابق مطلقاً في قطاع غزة. وقد بدأت تظهر جيوب متزايدة من الاحتجاجات الشعبية ضدها، إلى جانب مظاهر الفوضى والانفلات الأمني، بما في ذلك نهب مستودعات المساعدات الإنسانية. وفي محاولة لإعادة فرض سلطتها، أنشأت حماس أجهزة جديدة للشرطة والأمن الداخلي، ولجأت إلى القمع الشديد، بما في ذلك تنفيذ عمليات عنف مفرطة وإعدامات علنية.
ومع ذلك، وفي ظل غياب بديل حُكومي فعّال - سواء قائماً أو متوقَّعاً -يبقى هذا التآكل في سلطة "حماس" جزئياً فقط. فما تزال الوزارات والبلديات الخاضعة لسيطرة الحركة تقدم بعض الخدمات الأساسية، وغالباً بالتنسيق مع وكالات الإغاثة الدولية. كما تواصل "حماس" توفير الموارد الأساسية لعناصرها، في كثير من الأحيان من خلال إعادة توجيه المساعدات الإنسانية - وهي ممارسة أدت إلى تصاعد استياء السكان المحليين.
علاوةً على ذلك، ورغم الخسائر الجسيمة التي لحقت بقدراتها العسكرية، لا تزال حركة "حماس" تحتفظ بقدرة على التعافي في هذا الجانب. ففي يناير، قدّرت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن الحركة جنّدت نحو 15,000 عنصر جديد خلال الحرب، في حين قُدرت خسائرها البشرية بحوالي 20,000 قتيل. وكانت الضربة الأكبر التي تعرضت لها الحركة هي فقدانها القدرة على العمل ضمن تشكيلات شبه عسكرية كبيرة، كتلك التي استخدمتها خلال هجوم السابع أكتوبر. ومع ذلك، ما تزال الحركة تمتلك القدرة على تنفيذ عمليات حرب عصابات وهجمات إرهابية متفرقة، مثل عمليات القنص، واستهداف الدبابات بالنيران، وزرع العبوات الناسفة المرتجلة. وقد تُصبح هذه التكتيكات أكثر فاعلية في مواجهة الوجود العسكري الإسرائيلي المستمر. كما أن تصاعد الأنشطة الجوية والبرية الإسرائيلية في قطاع غزة قد يسهم في تيسيرعملية إعادة تسليح "حماس" ؛ إذ تشير بيانات الجيش الإسرائيلي إلى أن الحركة بدأت فعلياً إعادة استخدام بقايا الذخائر الجوية غير المنفجرة في تصنيع عبوات ناسفة شديدة القوة.
هل يمكن أن تؤدي الخطة إلى تغيير موقف "حماس" ؟
نظراً لكون خطة "عربات جدعون" لا تحدد بوضوح الوضع النهائي المنشود لقطاع غزة، فإن تقييم مدى قدرتها على تعزيز إمكانية التوصل إلى اتفاق مع حركة "حماس" أو أي أطراف أخرى يبقى أمراً معقداً. ومع ذلك، فإن الخطط المُعلنة للعملية التي تهدف إلى "إزالة حماس" من غزة -والتي تحظى بإجماع واسع داخل المجتمع الإسرائيلي - تستبعد عملياً أي إمكانية لإبرام اتفاق طويل الأمد مع الحركة.
من جهتها، فإن هوية حركة "حماس" كحركة "مقاومة" إسلامية تجعل من المستبعد أن تقبل بالاستسلام لـ"العدو الصهيوني"، سواء على المستوى السياسي أو الأيديولوجي. ومن ثم، فإن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والإدارة العسكرية - سواء كانت مُعلنة أو بحكم الأمر الواقع - من شأنه أن يُوفر لـ"حماس" فرصة جديدة لإعادة تعبئة الدعم الشعبي الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو غزة، حول خيار المقاومة المسلحة بوصفه الاستراتيجية الأكثر ملائمة للنضال الوطني.
من المؤكد أن حركة "حماس" قد تُبدي قدراً من المرونة التكتيكية مع بدء إسرائيل تنفيذ خطتها الجديدة، لا سيما فيما يتعلق بالموافقة على صفقات جزئية لإطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار بشكل مؤقت، وتبادل الأسرى. كما أن تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي وتآكل "ورقة الرهائن" قد يسهمان في تليين موقف الحركة على المدى القريب. غير أنه من غير المرجح أن توافق "حماس" في نهاية المطاف على الإفراج الكامل عن الرهائن دون الحصول على ضمانات دولية ملزمة تتعلق بوقف إطلاق النار لفترة تمتد لعدة سنوات، وانسحاب تدريجي لإسرائيل من قطاع غزة، إلى جانب إنشاء سلطة مدنية فلسطينية لإدارة القطاع. والأهم من ذلك، ستسعى الحركة إلى الحفاظ على نفوذها داخل هذه السلطة، حتى لو تم استبعادها رسمياً منها.
المخاطر والاحتمالات العملياتية
بصرف النظر عن الآفاق بعيدة المدى لخطة "عربات جدعون"، فإن التنفيذ الكامل لهذه الخطة قد يؤدى إلى إضعاف ما تبقى من القدرات العسكرية لحركة "حماس" ، وتقليص سيطرتها على الحكم على المدى القصير أو المتوسط. كما قد يُسفر عن تفكيك بنية القيادة داخل الحركة، وتقويض سيطرتها الميدانية على الأرض، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة تآكل أيديولوجيتها أو تماسكها التنظيمي.
وكما ذُكر أعلاه، قد تدفع العمليات الإسرائيلية حركة "حماس" إلى إظهار قدر من المرونة التكتيكية (ولكن ليس المرونة الاستراتيجية) حتى قبل اكتمال تنفيذ الخطة. وقد يشمل ذلك القبول بشروط سبق أن رفضتها الحركة، مثل الإفراج عن عدد محدود من الرهائن مقابل وقف إطلاق نار مؤقت. ومع ذلك، لا تبدو الخطة الإسرائيلية كأنها تُعطي أولوية لإعادة جميع الرهائن، رغم أن ذلك يُعدّ الالتزام الأخلاقي الأكبر للحكومة تجاه مواطنيها.
وستتوقف القدرة على استثمار المخرجات غير المعلنة للخطة إلى حدٍّ كبير على مدى استعداد الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية لممارسة ضغوط أكبر على كل من إسرائيل و"حماس". وفي غياب تدخل كهذا، قد تؤدى العملية الجارية إلى ترسيخ المواقف المتطرفة لدى الطرفين. ومن المرجح أن يُفضي التنفيذ الكامل لخطة "عربات جدعون" إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة لفترة مطوّلة، يقابله تمرد مستمر تقوده "حماس". وبالإضافة إلى ما قد ينجم عن ذلك من خسائر إنسانية وأمنية، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يجعل قضية غزة عقبة سياسية كبرى أمام العديد من الأهداف الإقليمية الأوسع نطاقاً التي تسعى واشنطن إلى تحقيقها، بما في ذلك تلك التي تهدف زيارة ترامب إلى تعزيزها.
كما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت أحكام الخطة المتعلقة بتوزيع المساعدات الإنسانية كافية. ويتخيّل المسؤولون الإسرائيليون حالياً إنشاء أربعة مراكز لوجستية: ثلاثة في رفح وواحد في ممر نتساريم، تديرها شركات أمريكية وتحرسها قوات الدفاع الإسرائيلية. لكن هل ستكون هذه المراكز قادرة على العمل بفعالية في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في مختلف أنحاء غزة؟ وكيف ستُوزّع المساعدات على الفلسطينيين في المناطق البعيدة عن هذه المراكز؟ علاوة على ذلك، من المرجّح أن تحاول "حماس" تعطيل عمليات التوزيع عبر استهداف الجنود والعاملين في مجال الإغاثة، ما قد يضطر الجيش الإسرائيلي في نهاية المطاف إلى تولي هذه المهمة بنفسه، رغم اعتراضات رئيس أركانه، إيال زامير.
من جانبه، وجّه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) انتقادات حادة للخطة من عدة جوانب، ورفض المشاركة في تنفيذها، مشيراً إلى أن النهج الإسرائيلي ينتهك التزامات الدولة بموجب القانون الدولي، ويشكّل مخاطر أمنية جسيمة، ولا يلبّي احتياجات العديد من الفئات السكانية الأكثر ضعفاً . كما رفضت دولة الإمارات العربية المتحدة طلبات إسرائيل والولايات المتحدة بالمشاركة في توزيع المساعدات خلال العملية، ما قد يُقوّض من فرص انخراط كيانات أجنبية في تنفيذ الخطة، ويُعزز في المقابل شرعية "حماس" في معارضتها لها. ويبدو أن إعلان إسرائيل عن خطة "عربات جدعون" دفع هولندا إلى دعوة الاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاقية الشراكة التجارية المبرمة مع إسرائيل، استناداً إلى ما اعتبرته انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي في غزة .وتشير هذه الأمثلة إلى أن العملية ستواجه موجة انتقادات دولية واسعة، لا يمكن لأي جهد إغاثي أمريكي -إسرائيلي مشترك أن يخفف منها بشكل كامل.
في نهاية المطاف، قد تخلص إدارة ترامب إلى أن المكاسب العسكرية التي قد تحققها إسرائيل من خلال عملية "عربات جدعون" لا تُبرر بالضرورة الثمن الذي قد تدفعه المصالح الأمريكية الأخرى في المنطقة. وسواء قررت إسرائيل المضي في تنفيذ جميع مراحل العملية، أو قبلت بقدر مشاركة "حماس" في غزة بعد انتهاء الحرب، فمن المرجح أن تظل الحركة حاضرة بقوة في المشهد الغزي. ولمنع "حماس" من بسط هيمنتها وتقليص نفوذها على سكان القطاع، يتعين على الأطراف المعنية التوصل إلى صيغة لإدارة بديلة تتولى مسؤوليات الإدارة المدنية وحفظ النظام العام.
نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن، وعملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية".