
بدأت اللعبة: الصدر و"المقاومة" العراقية يتصادمان بشأن قضية احتكار الدولة للسلاح

قد تُعد مسألة ضبط أسلحة الميليشيات أحد أبرز الملفات المطروحة في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد أن كادت التطورات الأخيرة أن تُفضي إلى اندلاع مواجهة واسعة في بغداد.
في السادس والعشرين من حزيران/يونيو، ألقى عبد المهدي الكربلائي، الممثل الرسمي لأعلى مرجعية شيعية في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، خطبة في كربلاء دعا فيها إلى إصلاحات جذرية وتعزيز سلطة الدولة. أكد الكربلائي أن مستقبل البلاد مرهون بتطبيق نظام حكم وطني يستند إلى النزاهة والشرعية المؤسسية. وفي إشارةٍ إلى "المرجعية الدينية العليا" الممثلة بآية الله العظمى علي السيستاني، دعا الخطاب النخبة العراقية إلى التصدي للتدخلات الخارجية بجميع أشكالها، وتعزيز سيادة القانون، وحصر حيازة السلاح بالمؤسسات الحكومية، ومكافحة الفساد في مختلف مفاصل الدولة. وقد فُسرت تصريحات الكربلائي على نطاق واسع بأنها انتقادٌ غير مباشر لما تُسمى نفسها "المقاومة" - وهي جماعة من الميليشيات المدعومة من إيران والتي تعمل خارج سلطة الدولة، رغم إعلانها الولاء لرئيس الوزراء.
في الرابع من تموز/يوليو، كرر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هذا الموقف وعمّقه، إذ أصدر بياناً شديد اللهجة دعا فيه بشكل مباشر إلى تفكيك الميليشيات ونزع سلاح الفصائل الخارجة عن سلطة الدولة، مؤكداً: "لا يمكن مواجهة الباطل إلا من خلال تسليم الأسلحة غير الخاضعة للرقابة إلى الدولة، وحل الميليشيات، وتعزيز قدرات الجيش والشرطة، وضمان استقلال العراق، بعيداً عن تبعية الفاسدين، مع السعي الجاد إلى الإصلاح ومحاسبة المفسدين".
"المقاومة" ترد بقوة
أثارت تصريحات الصدر ردود فعل فورية من شخصيات بارزة فيما تُعرف بـ"المقاومة". في 5 تموز/يوليو، نشر حساب سيئ السمعة على تطبيق "تيليغرام" يُعرف باسم أبو علي العسكري وهو اسم مستعار يستخدمه أحد المتحدثين باسم ميليشيا كتائب حزب الله المصنفة من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، ولا تزال هويته الحقيقية مجهولة – رداً نارياً أدان فيه الدعوات إلى نزع السلاح، واصفاً إياها بالخيانة: "الدعوة إلى تسليم أسلحة المقاومة في وقت ترتفع فيه صيحات الصهاينة والأمريكيين المجرمين في المنطقة، هي خيانة لدماء الشهداء". ثم تصاعدت حدة الرد من خلال إهانة مبطنة وُجهت إلى الصدر: " أن اسوأ ما يمكن أن يمر به الشرفاء الأحرار أن يسمعوا العاهرة تتحدث عن العفة والشرف. ومن هوان الدنيا أن يقرر المخنثون واشباه الرجال ما يجب أن يكون عليه سلاح المقاومة " (الشكل 1).
في العاشر من تموز/يوليو، أجرى تلفزيون الفرات مقابلة مع حسين مؤنس، الأمين العام لحركة "حقوق"، وهي حزب سياسي مرتبط بـ"كتائب حزب الله" . ومن اللافت أن العديد من الجهات تعتقد أن مؤنس كان - وربما لا يزال - الشخص الفعلي الذي يقف وراء شخصية "أبو علي العسكري" المستعارة على الإنترنت. خلال المقابلة، قدّم مؤنس تبريراً غريباً لتعليق "العسكري" عندما استخدم عبارة "رجال جبناء" المثيرة للجدل، قائلاً: "كان يقصد أولئك الذين يخلقون هذه الأزمات... عن جهل أو عن عمد، لأنهم يتقاضون أموالاً لرفع السلاح ونزعه من أيدي الشيعة". في هذا السياق، بدا أن مؤنس يحاول إبعاد "كتائب حزب الله" عن توجيه إهانة ذات طابع معاد للمثليين تجاه الصدر نفسه - وهو أمر بالغ الخطورة.
العصائب تسخر من الصدر
في السادس عشر من تموز/يوليو، أصدر علي تركي - عضو البرلمان والمعلق الفظ لميليشيا "عصائب أهل الحق" الإرهابية بياناً يعلن فيه تضامنه مع حملة "كتائب حزب الله" ضد الدعوات المطالبة بتقييد السلاح. وجه تركي خطابه بشكل غير مباشر إلى الصدر، محذراً: "صوتك مجرد صدى، بينما صوت المرجعية الدينية هو الأصل. لا تتسرعوا لئلا تهلكوا، فأنتم لن تغيّروا شيئاً". ثم أعلن أن قوات "الحشد الشعبي" ستبقى "حتى ظهور المهدي" (انظر الشكل 2). يعكس هذا البيان محاولة "عصائب أهل الحق" الظاهرية التماهي مع السيستاني، مع تمسّكها في الوقت ذاته بمعارضة الصدر. وكان تعليق "الصدى" موجهاً بوضوح إلى الصدر، في تصوير لتصريحه بشأن حل" الحشد الشعبي" كتكرار باهت لكلمات المرجعية.
مع اقتراب انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، يعكس هذا السجال العلني تصاعد التوترات بين المرجعية الدينية، و"الميليشيات القومية" بقيادة الصدر، و"المقاومة" المدعومة من إيران. وتبقى القضية الجوهرية هي مستقبل الجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، وموقعها ضمن المشهد الأمني في العراق، في ظل الدعوات المتزايدة لتكريس احتكار الدولة لاستخدام القوة. غامرت فصائل "المقاومة" بإشعال مواجهة مسلحة واسعة مع الصدر من خلال توجيه إهانات علنية إليه؛ إذ أفادت تقارير بأن مقاتلي "سرايا السلام" المتحالفين معه كانوا على وشك تنفيذ غارة انتقامية على معقل "كتائب حزب الله" في شارع فلسطين، خلال الساعات التي تلت بيان "أبو علي العسكري"، إلا أنهم تراجعوا بسبب الأهمية الدينية لاحتفالات شهر محرم. لكن في المرة القادمة، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتصاعد التوترات وانقضاء شهر محرم، قد لا يكون هناك ما يمنع الجهات الساعية إلى التصعيد والمواجهة.