
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4088
إيران تحتجز المزيد من المواطنين الأمريكيين كرهائن. حان الوقت لإفشال مخطط النظام.

قبل الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً وبعدها، احتجزت "الجمهورية الإسلامية" مواطنين أمريكيين كرهائن، الامر الذي استدعى وضع استراتيجية شاملة بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على هذه الممارسة نهائياً.
"تحذير لجميع المواطنين الأمريكيين والمواطنين مزدوجي الجنسية: تجنّبوا السفر إلى إيران"، حذرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان نُشر باللغة الفارسية وكُتب بالأحرف الإنجليزية الكبيرة في 10 تموز/يوليو. ورغم عدم وضوح مدى انتشار هذه الرسالة خارج واشنطن، الا أن التحذير يكتسب طابعاً عاجلاً على نحو خاص في ظل الأجواء التي أعقبت الحرب التي دامت اثني عشر يوماً، والتي شهدت اعتقال ما لا يقل عن خمسة من المواطنين مزدوجي الجنسية والأجانب، من بينهم أربعة أمريكيين من أصل إيراني، حسب الأرقام التي جمعها "معهد واشنطن" (انظر أدناه لمراجعة القائمة الكاملة للرهائن والمعتقلين ظلماً).
منذ أزمة الرهائن الإيرانية في عامي 1979 – 1981، حين احتجز الثوار 52 دبلوماسياً أمريكياً لمدة 444 يوماً – بالإضافة إلى احتجاز 14 مواطناً آخرين -استخدمت "الجمهورية الإسلامية" احتجاز الرهائن كأداة في فن الحكم، ومصدر للدخل، ووسيلة لإطلاق سراح رعاياها الذين غالباً ما يكونون على صلة وثيقة بالمؤسسة الدينية. وقد وصف الرهينة السابق نزار زكا، الذي كان مقيماً دائماً في الولايات المتحدة عند اعتقاله مؤخراً، ممارسة إيران بأنها "مخطط مربح"، مشيراً إلى أنه شغل الزنزانة التي كان يشغلها من قبل الصحفي جيسون رضائيان من صحيفة واشنطن بوست. كما اشارت الأكاديمية الأسترالية كايلي مور جيلبرت، التي احتُجزت هي الاخرى في إيران، إلى وجود تسلسل هرمي مقلق، حيث قالت "السجناء الأجانب يحصلون على أعلى الأسعار".
يُبرز تكرار احتجاز الرهائن في طهران مدى الحصانة التي تتمتع بها "الجمهورية الإسلامية"، إذ لا تتعرض المؤسسة الدينية في بعض الحالات لأي عقاب يُذكر على ممارستها ما يُعرف بـ"دبلوماسية الرهائن"، بل وفي أحيان أخرى تجني مكاسب من هذه السياسة. وقد حدثت لحظة غير مسبوقة في يونيو 2024، عندما تم ترحيل حميد نوري، مجرم الحرب الذي أدين في السويد لدوره في مذبحة عام 1988التي راح ضحيتها حوالي خمسة آلاف سجين سياسي في جميع أنحاء إيران – إلى إيران في إطار صفقة تبادل أسرى. وفي المقابل، أفرجت إيران عن مواطنين سويديين اثنين، هما الدبلوماسي الأوروبي يوهان فلوديروس وسعيد عزيزي الحامل أيضاً للجنسية الإيرانية.
وفى حين أضعفت الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً في حزيران/يونيو، برنامج إيران النووي، فإن مصير الرعايا الأجانب ومزدوجي الجنسية يبقى غير محسوم، وربما كان على جدول الأعمال غير الرسمي لاجتماع 25 تموز/يوليو في اسطنبول الذي ضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا. غير أن الرهينة السابق والمواطن الإيراني -الأمريكي مزدوج الجنسية عماد شارغي، حذر في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" في أيار/مايو من أن وجود محادثات لا ينبغي أن يكون مدعاة للارتياح. كما أوضح شارغي أنه "في كل مرة يتم تحديد موعد لإجراء محادثات بين إيران والولايات المتحدة"، "يكون الموسم مفتوحاً لاختطاف الرهائن في إيران"، حيث تستخدم المؤسسة الدينية المعتقلين كورقة ضغط على الغرب. علاوة على ذلك، في 26 تموز/يوليو، دعا الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان المغتربين إلى العودة إلى البلاد، مما دفع حساب المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن إلى تكرار تحذيره بعدم السفر إلى إيران.
لماذا يسافر المواطنون الأمريكيون إلى إيران؟
بالنسبة لبعضهم، يأتي السفر إلى الجمهورية الإسلامية مدفوعاً بانجذاب لمواجهة عدو للولايات المتحدة وتفكيك الصور النمطية عن البلاد. في السنوات الأخيرة، توافد عدد لا يحصى من المؤثرين في مجال السفر إلى إيران لإثبات أن إيران، على عكس ما تزعم وسائل الإعلام الغربية والحكومة الأمريكية، مكان "آمن" للزيارة. لا شك أن الشعب الإيراني يستحق التعاطف، فهو معروف بكرم ضيافته الاستثنائية. غير أنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن المؤسسة الدينية، التي قمعت شعبها بوحشية على مدى عقود، بما في ذلك حديثاً خلال انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" في عام 2022، عندما ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وفقاً لتقرير صادر في اذار/ مارس 2024 عن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة. ولا يواجه المؤثرون في مجال السفر وحدهم المخاطر. فمن بين الرهائن صحفيون مثل رضائيان من صحيفة "واشنطن بوست"، والصحفية المستقلة الإيرانية - الأمريكية روكسانا صابري. كما استُهدف أكاديميون، أيضاً منهم الطالب الصيني - الأمريكي في جامعة برينستون شييو وانغ.
بالنسبة للمواطنين مزدوجي الجنسية، رغم أن "الجمهورية الإسلامية" لا تعترف بالجنسية المزدوجة، فإن دوافع السفر إلى إيران عادة ما تكون شخصية، مثل زيارة أفراد الأسرة المسنين أو المرضى، وحضور حفلات الزفاف أو الجنازات، وإدارة الأعمال العائلية والممتلكات الموروثة. غير أن كثيرين لا يأخذون المخاطر المرتبطة بذلك على محمل الجد، معتقدين أن من يتم اعتقالهم وتوجيه تهم لا أساس لها إليهم، لا بد أنهم ارتكبوا شيئاً "خاطئاً". ومن ثم، لا يستطيع هؤلاء المواطنون مزدوجو الجنسية أن يتصوروا أنهم قد يشكّلون أهدافاً محتملة لجهاز الاستخبارات التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني.
حتى الرهينة السابق عماد شارغي اعترف بأنه كان يعتقد ذلك، إلى أن وقع عليه الأمر. في إعلان الخدمة العامة الذى صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 10 تموز/يوليو، قال شارغي: "قبل أن أذهب إلى إيران، كنت أعتقد أن هذا لن يحدث لي. هذه الأشياء تحدث للأشخاص الذين ارتكبوا أفعالاً خاطئة، أو قالوا أشياء ضد النظام الإيراني". هذه العقلية ليست حكراً على حملة الجنسية المزدوجة، ففي عام 2009، عندما تم احتجاز ثلاثة أمريكيين أثناء التنزه في المرتفعات الكردية في العراق بعد عبورهم الحدود مع إيران عن طريق الخطأ، اتسمت معظم ردود فعل الجمهور بـ "كراهية المتنزهين" بناءً على شعور بأنهم "نالوا ما يستحقون". يشير هذا النمط من التفكير إلى أن المواطن الأمريكي العادي لا يزال لا يدرك مخاطر السفر إلى دول معادية مثل إيران.
دبلوماسية الرهائن كأداة
قبل ولاية ترامب الثانية، أبرمت ثلاث إدارات أمريكية متتالية أربع صفقات لتبادل الرهائن مع إيران. في عهد الرئيس أوباما، وكجزء من الاتفاق النووي المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، أُطلق سراح جيسون رضائيان وثلاثة رهائن آخرين – سعيد عابديني وأمير حكمتي ونصرت الله خسروي رودساري - في عام 2016 مقابل العفو عن سبعة إيرانيين (ستة منهم يحملون الجنسية المزدوجة) وسحب النشرات الحمراء الصادرة عن الإنتربول والتهم الموجهة إلى 14 مواطناً إيرانياً. (وقد أُطلق سراح رهينة أمريكي خامس في وقت لاحق). في الوقت نفسه، أعادت الولايات المتحدة 1.7 مليار دولار مملوكة لطهران من صفقة أسلحة أبرمت في السبعينيات ولم تنفذ أبداً بسبب الثورة الإسلامية. وقد تزامنت الدفعة الأولى من هاتين الدفعتين، البالغة 400 مليون دولار، مع إطلاق سراح السجناء الأمريكيين.
حدثت عمليتا تبادل للأسرى خلال فترة إدارة ترامب الأولى. في عام 2019، حيث تم تبادل شيويه وانغ مقابل مسعود سليماني، وهو إيراني انتهك العقوبات الأمريكية. وفي عام 2020، أُطلق سراح مايكل وايت مقابل ماجد طاهري، وهو إيراني آخر أدين بانتهاك العقوبات الأمريكية.
كما توسطت إدارة بايدن في صفقة رابعة في عام 2022، حيث أمنت الإفراج عن خمسة أمريكيين - من بينهم عماد شارغي وسيامك نمازي ومراد طهباز - مقابل خمسة مواطنين إيرانيين انتهكوا العقوبات الأمريكية وارتكبوا جرائم فيدرالية، لدرجة أن ثلاثة منهم لم يرغبوا في العودة إلى إيران. وبالإضافة إلى ذلك، تم الإفراج عن 6 مليارات دولار من أصول عائدات النفط الإيرانية المودعة في أحد البنوك الكورية الجنوبية وتحويلها إلى قطر لأغراض إنسانية مثل الغذاء والدواء، غير انه تم تجميدها مرة أخرى بعد الهجوم الإرهابي الذي قادته حركة "حماس" ضد إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" في تموز/يوليو 2020، أقر آدم بوهلر، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن، بأن الولايات المتحدة لديها "بعض [الرهائن] في إيران". ومن المفترض أن إدارة ترامب تبذل جهوداً حثيثة لإطلاق سراحهم. ورغم أن وزارة الخارجية اتخذت خطوات أولية مهمة - مثل إصدار تحذير السفر وإعلان الخدمة العامة الذي يظهر فيه شارغي - فإن على الولايات المتحدة تكثيف الجهود لإنهاء ممارسة "الجمهورية الإسلامية"، التي استمرت 46 عاماً، في أخذ الرهائن، وحماية مواطنيها الأمريكيين والمواطنين ذوي الجنسية المزدوجة من مخاطر السفر إلى إيران.
يجب على وزارة الخارجية:
- عقد اجتماعات عامة في المدن الامريكية الرئيسية التي تقيم فيها الجاليات الايرانية، مثل لوس أنجلوس ونيويورك وسياتل وواشنطن العاصمة، وبث إعلانها الخدمي العام على قنوات فضائية تابعة للجاليات الأمريكية ذات المشاهدة الواسعة، مثل "بي بي سي الفارسية” و"إيران إنترناشيونال"، وكذلك على محطات إذاعية شهيرة مثل إذاعة "كيرن" 670 AM. ، ويجب أن يصبح المبعوث الأمريكي الخاص بوهلر ضيفاً منتظماً على هذه القنوات لمناقشة وضع الرهائن وتحذير المستمعين من السفر إلى إيران.
- إصدار تقرير سنوي يورد بالتفصيل التطورات في قضية احتجاز الرهائن والاحتجاز التعسفي وغير القانوني، مع ذكر أسماء المسؤولين الإيرانيين المتورطين حيثما أمكن، لضمان الشفافية والمساءلة.
يجب على الحكومة الأمريكية:
- منع المسؤولين الإيرانيين وعائلاتهم من السفر إلى الولايات المتحدة.
- رفض منح تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة لأفراد عائلات مسؤولي النظام وغيرهم من المطلعين، بما في ذلك تأشيرات الطلاب للالتحاق بالجامعات الأمريكية.
- دعم جهود الرهائن السابقين للحصول على تعويضات في المحاكم الأمريكية من خلال السعي إلى إدخال استثناءات وتعديلات على قانون حصانة الدول الأجنبية في كل من القانون الأمريكي والقانون الدولي.
- زيادة الجهود لإنشاء آلية ردع متعددة الأطراف تضم الشركاء والحلفاء للعمل معاً لزيادة تكلفة دبلوماسية الرهائن على إيران. ويمكن للولايات المتحدة أن تظهر قيادتها من خلال تسريع تطوير أدوات الردع في جميع عناصر القوة الوطنية – الدبلوماسية، والاقتصادية، والمالية، والمعلوماتية، والاستخباراتية، وإنفاذ القانون، والعسكرية.
- تشجيع الحلفاء الغربيين على تبادل قوائمهم المجمعة للمسؤولين الإيرانيين المتورطين في أخذ الرهائن، مما يمكّن واشنطن من رفض إصدار التأشيرات وفرض عقوبات على الأفراد المعنيين.
- استخدام السلطات المعنية بفرض العقوبات، بما في ذلك "قانون ليفنسون "، لاستهداف عمليات أخذ الرهائن، بما في ذلك ضباط الاستخبارات.
خطوات إضافية:
- إصدار بيان مشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يحذر من السفر إلى إيران، على غرار البيان المشترك الأخير الذي أصدرته 14 دولة بشأن القمع العابر للحدود الوطنية.
- مطالبة المواطنين الأمريكيين بالحصول على تصاريح أو أذونات خاصة للسفر إلى إيران بجواز سفر أمريكي. ورغم أن العديد من حاملي جوازات السفر المزدوجة يستخدمون جواز سفرهم الإيراني لدخول البلاد، فإن هذا الإجراء من شأنه على الأقل ردع السياح عن زيارتها.
- الدعوة إلى وضع إخطارات آلية تحذر من المخاطر المرتبطة بالسفر إلى إيران على مواقع شركات الطيران والسياحة ومنصات التواصل الاجتماعي. كما ينبغي وضع لافتات وكتيبات إعلامية في مكاتب الجوازات ومراكز تقديم الطلبات والسفارات والقنصليات الأمريكية.