- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
إسرائيل والحوثيون على أعتاب مرحلة جديدة من التصعيد
على الرغم من نبرتهم الحربية الواثقة، يواجه الطرفان قيوداً ملموسة قد تعيق تحقيق أهدافهما العملياتية، وتفاقم المخاطر على الأمن البحري وصادرات الطاقة والاستقرار الإقليمي الأوسع.
شهدت الأعمال العدائية المتصاعدة بين إسرائيل والحوثيين في اليمن تحولاً حاسماً خلال الأسبوع الماضي. ففي 28 آب/أغسطس، نفذت إسرائيل غارة جوية على صنعاء أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 12 مسؤولاً في الحكومة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، فيما أصيب آخرون بجروح خطيرة (مع أن درجة ارتباط هؤلاء الوزراء بالجماعة مسألة معقدة، كما سيُناقش أدناه). وردّاً على ذلك، عين الحوثيون رئيس وزراء بالنيابة، ونظموا جنازة حاشدة للمسؤولين القتلى، وواصلوا قصفهم الصاروخي على إسرائيل، دون أن تسفر هذه الهجمات عن أضرار، غير أن أحد الصواريخ التي اطلقها الحوثيين كان مزوداً برأس حربي يحتوي على قنبلة عنقودية (وهو ثاني استخدام موثق لهذا السلاح). كما أطلق الحوثيون صاروخاً على ناقلة المواد الكيميائية/النفطية الإسرائيلية "سكارلت راي" (Scarlet Ray) في الأول من أيلول/ سبتمبر أثناء إبحارها بالقرب من ميناء ينبع على البحر الأحمر في السعودية – وهي منطقة تقع خارج النطاق المعتاد للهجمات البحرية للجماعة وتقع على مسافة خطيرة من منشآت تصدير الطاقة الحيوية. وبعد يوم واحد، أعلنوا عن شن هجوم بطائرة مسيرة وصاروخ على سفينة الحاويات الليبيرية "إم إس سي آبي" (MSC ABY) في شمال البحر الأحمر، وهو ما لم يتم تأكيده حتى كتابة هذا التقرير.
يبدو أن قرار إسرائيل باستهداف حكومة الحوثيين كان خطوة متوقعة في ضوء الأحداث اللاحقة. امتنعت إسرائيل عن الرد لعدة أشهر حتى تموز/يوليو 2024، عندما أسفر هجوم للحوثيين عن سقوط ضحية مدنية. منذ ذلك الحين، قصفت القوات الإسرائيلية البنية التحتية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مستهدفة ميناء الحديدة على البحر الأحمر ومطار صنعاء ومحطات الطاقة ومرافق الوقود.
يشكل استئصال الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون تذكيراً صارخاً بعزم القدس على الرد على الفرع الأكثر نشاطاً في "محور المقاومة" الإيراني وردع أي هجمات مستقبلية. فبالاعتماد جزئياً على الدعم والأسلحة من إيران، شن الحوثيون هجمات على الأراضي الإسرائيلية والسفن التجارية في البحر الأحمر منذ اندلاع حرب غزة عام 2023، تحت شعار "الدفاع عن فلسطين". وقد نُفذت هذه العملية بفضل تكثيف إسرائيل أنشطة جمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن، والتي يُقال إنها تشمل وحدة جديدة تضم 200 ضابط استخباراتي. وخوفاً من مثل هذا التغلغل، كثف الحوثيون جهودهم الداخلية للقمع منذ الهجوم، مستهدفين من يعتبرونهم جواسيس ومعارضين داخليين. بل إنهم داهموا مرافق الأمم المتحدة في صنعاء، واعتقلوا ما لا يقل عن تسعة عشر موظفاً. ومن شبه المؤكد أن هذا الحادث سيدفع قيادة الحوثيين إلى مزيد من التخفي، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ اتصالات الجماعة وربما يؤثر على وتيرة هجماتها وفعاليتها.
لكن ما يجعل العملية الإسرائيلية جديرة بالملاحظة بشكل خاص هي الإجراءات التي لم تنجزها. فلم يكن أي من القتلى المؤكّدين من صُنّاع القرار العسكريين أو السياسيين في جماعة الحوثيين. إذ إن معظم هؤلاء المسؤولين – بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية – لم يكونوا جزءاً من جماعة الحوثيين أصلاً، بل كانوا سياسيين وتكنوقراطيين يمنيين ينتمون إلى أحزاب ومناطق مختلفة، ولم يلتزموا بأيديولوجية الجماعة. وبذلك، قضى الإسرائيليون فعلياً على حكومة شكلية إلى حد كبير. علاوة على ذلك، كان بين القتلى والجرحى بعض الأشخاص الذين لديهم القدرة علي التواصل مع الحوثيين والتأثير فيهم في حال استئناف المفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن. في لقاءات مع المؤلف، أعرب اليمنيون عن قلقهم من أن مهاجمة صنعاء ستصب في مصلحة الحوثيين، حيث ستسهل قمعهم الداخلي وتوحد السكان في مواجهة عدو إسرائيلي مشترك. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تصبح الجهود الرامية إلى استهداف القيادة العسكرية والسياسية الأساسية للحوثيين أكثر صعوبة نظراً لحذرهم المتزايد وخبرتهم التي تمتد لعقود في التخفي في الشمال.
يبدو أن المسار الفوري هو موجة من التصعيد العسكري المتبادل. فقد هدد الحوثيون بالانتقام وأعلنوا أنهم سيواصلون هجماتهم، بينما حذر المسؤولون الإسرائيليون من أن هذا ليس سوى بداية حملة ضد قيادة الجماعة، وهي حملة قد تستمر، حتى لو نفذ الحوثيون وعدهم بوقف الهجمات عقب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
يُعدّ استهداف سفينة قبالة الساحل الشمالي للسعودية خطوة مثيرة للقلق بشكل خاص. فإذا ثبت أن هذه الخطوة تمثل بداية حملة للحوثيين في أجزاء من البحر الأحمر كانت تُعدّ آمنة في السابق، فإنها ستشكل تحدياً خطيراً للهدنة القائمة بين الجماعة والسعودية، والتي تحرص الأخيرة على الحفاظ عليها. ومن الواضح أن قادة الجماعة يبعثون برسالة إلى الرياض مفادها أنهم سيصعدون هجماتهم إذا تعرضوا لمزيد من الضغوط.
على الرغم من ثقتهم، بل وحتى غطرستهم في استعراض القوة، يواجه كل من الحوثيين وإسرائيل قيوداً حقيقية. فإذا واصلت إسرائيل استهداف قيادات الحوثيين والبنية التحتية، ستواجه عمليات الجماعة العسكرية تحديات لوجستية. وقد يؤدّي قتل القادة الرئيسيين إلى زعزعة استقرار الجماعة وتخفيف قبضتها على شمال اليمن، غير أن هذا التأثير سيبقى في الأغلب مؤقتاً – ففي النهاية، الفصائل التي تتألف منها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منقسمة بشدة، وتميل أحياناً إلى القتال فيما بينها أكثر من قتال الحوثيين، ولذلك فهي ليست في وضع يسمح لها بإعادة فرض سيطرتها إذا شنّت إسرائيل مزيداً من الضربات الجوية. ومن جانبها، سيتعين على إسرائيل التعامل مع التحديات المالية واللوجستية الناجمة عن استمرار العمليات العسكرية في بلد يبعد أكثر من ألفي كيلومتر، لا سيما في ظل قائمة طويلة من الأولويات الإقليمية الأخرى (رغم أنها قد ترى في ذلك فرصة لاكتساب الخبرة العملياتية وإظهار قدراتها أمام طهران). علاوة على ذلك، فإن القوة الجوية وحدها – حتى لو استُخدمت بوحشية لاستهداف البنية التحتية الحيوية – لن توقف هجمات الحوثيين أو تزيح الجماعة من السلطة. وباختصار، يبدو أن كلا الجانبين مقبلان على مرحلة خطيرة من التصعيد، لن تفضي إلا إلى نتيجة واحدة مؤكدة: مزيد من معاناة المدنيين وتعاظم المخاطر على الأمن البحري والإقليمي.