
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4118
أربعة محاور رئيسية لتنفيذ عودة العقوبات على إيران

ستتطلب محاولات طهران الحتمية لإعادة بناء برامجها النووية والصاروخية حملة تقودها الولايات المتحدة لتتبع أنشطة الانتشار النووي للنظام ومنع نقل المواد ذات الصلة.
في منتصف ليلة 27 أيلول/سبتمبر، عادت عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران إلى حيز التنفيذ، مما جعل خطة العمل الشاملة المشتركة - الاتفاق النووي لعام 2015 - بلا جدوى رسمية، وفتحت صفحة جديدة في مسارٍ كان من الممكن أن يكون اتفاقاً حيوياً لمنع الانتشار النووي. ومع ذلك، لم تنته بعد قصة برامج إيران النووية والصاروخية. تُظهر الصور والتحليلات المتاحة من مصادر مفتوحة أن إيران تواصل العمل على برنامجها النووي، بما في ذلك توسيع الأنفاق التي بدأت حفرها بالفعل جنوب موقع نطنز الرئيسي، وإعادة تشكيل برنامجها الصاروخي.
قد تمتلك إيران بالفعل الجزء الأكبر من المواد والمكونات اللازمة لتلك البرامج. فهذه البرامج موجودة منذ عقود، وكانت إيران تدرك مخاطر التعرض للهجوم قبل وقت طويل من العمل العسكري الإسرائيلي في حزيران/يونيو 2025. لكن من المرجح أن تحتاج الجمهورية الإسلامية إلى الحصول على بعض المواد والمعدات اللازمة لبرامجها النووية والصاروخية من الخارج.
وهنا يأتي دور إعادة فرض العقوبات مجدداً. على الرغم من أن استئناف عقوبات مجلس الأمن الدولي، وبالتالي عقوبات الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى، قد تفرض ضغطاً اقتصادياً إضافياً محدوداً، وهو ضغط قد يتفاقم بفعل العواقب السياسية المترتبة على عودة إيران إلى قائمة العقوبات الأممية، فإن النتيجة العملية الأهم لإعادة فرض العقوبات تتمثل في تعزيز مكافحة انتشار الأسلحة الإيرانية. تتضمن قرارات مجلس الأمن 1737 و1747 و1803 و1929 صلاحيات قوية يمكن للدول استخدامها لمنع أنشطة الانتشار الإيرانية. ولكن للوفاء بالتزاماتها القانونية الإلزامية، ستحتاج الدول إلى المساعدة لتحقيق التنفيذ.
الاعتراف باحتمالية سعي إيران لإعادة بناء قدراتها
على الرغم من أن الحملة العسكرية التي شُنت في حزيران/يونيو ألحقت أضراراً بالغة بقدرات إيران، إلا أنها لم تدمّر بالكامل برنامج النظام النووي أو الصاروخي. فلا تزال إيران تحتفظ بعناصر أساسية من كلا البرنامجين، بما في ذلك مخزون اليورانيوم عالي التخصيب والصواريخ الباليستية، إلى جانب خبرة العديد من كبار العلماء والفنيين. وبالتالي، لن تضطر البلاد إلى البدء من الصفر، ومن المرجح أن تكون جهودها للحصول على المكونات والمواد من الخارج مكملة وداعمة للبرامج الحالية، بدلاً من إعادة إنشائها بالكامل. ومن ثم، يتطلب التعاون الفعال في مواجهة أنشطة الانتشار الإيرانية من الدول الاعتراف بهذه الحقائق وأخذ التقارير بشأن تلك الأنشطة على محمل الجد.
الحفاظ على جمع المعلومات الاستخبارية وتحليل نقاط الاختناق
في ظل احتمال سعي إيران لإعادة بناء برامجها، يجب أن تظل عملية جمع المعلومات الاستخبارية عن أنشطة الانتشار أولوية بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها. ومن شبه المؤكد أن إسرائيل ستواصل إعطاء الأولوية لهذا الملف، لكن الدول الأخرى - التي تفتقر إلى الموارد أو الاهتمام - قد لا تفعل ذلك.
لذلك، يجب على الولايات المتحدة إجراء تحليل شامل لتحديد أولويات الشراء الإيرانية المحتملة. في الماضي، أشارت التحليلات الأمريكية الداخلية إلى مواد أو عناصر محددة كانت إيران بحاجةٍ ماسةٍ إليها، واُستخدمت هذه المواد كنقاطٍ محوريةٍ للتنسيق الدولي. على سبيل المثال، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خلصت الولايات المتحدة إلى أن ألياف الكربون كانت من بين المتطلبات ذات الأولوية القصوى، وقدّمت لشركائها معلومات مهمة عنها لمساعدتهم في تنفيذ التزاماتهم تجاه الأمم المتحدة.
وبشكل أكثر تحديداً، تم تحديد ألياف الكربون على أنها مادة نادرة وحيوية لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، بحيث يشكل منع حصول طهران عليها عقبة رئيسية أمام تقدم البرنامج بأكمله. في النهاية، لم تتمكن الولايات المتحدة من منع إيران تماماً من الحصول على ألياف الكربون، لكنها نجحت في إبطاء البرنامج وجعل العملية أكثر تعقيداً وكلفة. وهذا يُعد نجاحاً لجهود منع الانتشار النووي، لأن مثل هذا التدخل يمنح الوقت والمساحة للدبلوماسية أو حتى لاتخاذ إجراءات عسكرية إضافية عند الضرورة.
المشاركة في تبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز التعاون الدولي
عندما تكتشف الدول معلومات تتعلق بانتشار الأسلحة الإيرانية، يجب التحرك بناءً على تلك المعلومات. ويشمل ذلك المعلومات الاستخبارية الفورية التي تكشف عن عمليات شراء محددة، وكذلك الاتجاهات العامة التي يمكن استخلاصها من خلال تحليل نقاط الاختناق. في الوضع المثالي، ستعمل الولايات المتحدة عن كثب مع شركائها الأوروبيين لاطلاع الحكومات الأجنبية الأخرى على تحليلها الشامل، إضافة إلى تقديم معلومات دقيقة تمكّن من اعتراض الشحنات أو إلغاء الصفقات. ويمكن تسهيل هذا التعاون من خلال إنشاء خلية تنسيق متخصصة على مستوى الخبراء تتولى مناقشة المعلومات الاستخبارية الخاصة بحالات الانتشار النووي، وتحديد أولويات جمع المعلومات، وتوزيع المهام الدبلوماسية على الحكومات الأكثر قدرة على التواصل الفعال. ويمكن لهذا الجهد أن يستند إلى الحملة الدبلوماسية التي أُطلقت بين عامي 2007 و2012، عندما تعاونت الولايات المتحدة مع دول متقاربة التوجهات في أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط لتوزيع المسؤوليات وإدارة الحالات المختلفة ومنع عمليات النقل بالتنسيق المشترك.
كما أتاح هذا الترتيب للحكومات العمل طواعية مع دول أخرى خارج المجموعة ترتبط معها بعلاقات وثيقة - مثل الولايات المتحدة والعراق آنذاك - أو التنحي لصالح دول أخرى إذا كانت العلاقات الثنائية ضعيفة. فعلى سبيل المثال، في ظل التوترات التجارية الراهنة، قد تجد الولايات المتحدة صعوبة في التعاون مع الهند في القضايا المتعلقة بانتشار الأسلحة الإيرانية، بينما قد تكون الحكومات الأوروبية أكثر نجاحاً، ويمكن السماح لها بتقديم معلومات مصدرها الولايات المتحدة إلى الهند، وهي معلومات قد لا تكون مقبولة مباشرة لو جاءت من واشنطن.
يمكن لمثل هذا الفريق أن يشكل بديلاً عملياً للأمم المتحدة، في ظل موقف روسيا والصين الرافض لفكرة أن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة أمر ملائم أو مشروع قانوناً. هذا الموقف سيحول دون إنشاء لجنة عقوبات أممية وفريق خبراء يتولى مساعدة الدول الأعضاء على فهم التزاماتها وصلاحياتها وتطبيقها بفعالية. علاوة على ذلك، يمكن لمجموعة الدول ذات التفكير المماثل جمع المعلومات من المصادر المفتوحة حول أنشطة الانتشار الإيرانية وإصدار تقارير عامة دورية تسلط الضوء على اتجاهات المشتريات الإيرانية.
تجديد الوعي بمضامين قرارات مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة
جزء آخر مهم من ملف إعادة فرض العقوبات يتعلق باحتمال أن تكون الدول قد أهملت أو نسيت تفاصيل قرارات مجلس الأمن المختلفة بشأن العقوبات، والتي تم اعتماد أولها منذ ما يقرب من تسعة عشر عاماً. وعند جمعها، تحتوي هذه القرارات على متطلبات وسلطات أساسية، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
• التزام قانوني" بأن تتخذ الدول خطوات لمنع إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية والصاروخية المحددة، وكذلك أي مواد أخرى إذا رأت دولة ما أنها قد تساعد إيران في الأنشطة النووية الحساسة أو في تطوير أنظمة إيصال الأسلحة النووية.
• التزام قانوني" بأن تتخذ الدول "التدابير اللازمة لمنع توفير" قائمة طويلة من الخدمات التي يمكن أن تدعم البرنامج النووي أو الصاروخي الإيراني.
• التزام قانوني" بأن تقوم الدول بتجميد أصول قائمة واسعة من الكيانات والأفراد، ومنع سفرهم الدولي.
• حظر قانوني مُلزم يفُرض علي الدول يمنعها من تزويد إيران بقائمة طويلة من الأسلحة التقليدية أو تقديم الخدمات التي يمكن أن تساهم في دعمها.
• حظر قانوني مُلزم على مبيعات الأسلحة الإيرانية، ونقل الأسلحة النووية أو الصواريخ، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الأنشطة النووية الحساسة.
• تفويض واضح للدول بتفتيش السفن والطائرات الإيرانية المشتبه في تورطها في الانتشار النووي، ورفض تقديم الخدمات المالية وغيرها من الخدمات إذا كانت تساهم في هذا الانتشار، ومنع إيران من ممارسة أنشطة اقتصادية أو لوجستية داخل أراضيها إذا اشتبهت الدول المعنية في وجود سلوك غير مشروع.
قد تكون هناك صلاحيات إضافية ذات أهمية خاصة لبعض الدول، لكنها جميعاً تتطلب تحركاً فعلياً من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أو تمنحها الإذن بالتصرف لحماية أمنها ومصالحها الوطنية. علاوة على ذلك، وبينما يجب على الدول الالتزام بمتطلبات مجلس الأمن، فإن القرارات تتيح قدراً من التفسير إذا اعتُبرت هذه الإجراءات ضرورية لمنع الانتشار النووي. وقد استخدم عدد من أعضاء الأمم المتحدة - منهم الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية - هذه الصلاحيات في عام 2010 لمنع إيران من ممارسة التجارة في قطاعي النفط والغاز.
يجب على الولايات المتحدة وشركائها أن يدرسوا بعناية قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويحددوا سبلا مماثلة لتسخير تدابيرها لمنع إيران من إعادة تشكيل برامجها النووية والصاروخية. فقط من خلال القيام بذلك يمكن لهذه الأطراف ضمان أن تسهم إعادة تفعيل القرارات في تأخير برامج إيران وحل المخاوف الدولية بشأن طموحات النظام النووية والصاروخية بشكل قاطع.