مجموعة متميزة من الخبراء والدبلوماسيين المخضرمين تمهد الطريق للزيارة التاريخية للرئيس الشرع إلى البيت الأبيض، وتتناول القضايا الحرجة المتعلقة بالولايات المتحدة و"إسرائيل" و"سوريا"، فضلاً عن الدروس المستفادة من الجهود الدبلوماسية السابقة.
في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، عقد "معهد واشنطن" منتدى سياسي افتراضي شارك فيه جيمس جيفري، ومايكل هيرزوغ، ومايكل جاكوبسون، وآنا بورشيفسكايا. شغل جيفري، الزميل المتميز في "معهد فيليب سولوندز"، سابقاً منصب الممثل الخاص للولايات المتحدة في "سوريا" وسفيراً لها في "العراق" و"تركيا". أما هيرزوغ فهو الزميل المتميز في "معهد تيش" وسفير "إسرائيل" السابق لدى الولايات المتحدة. ويشغل جاكوبسون منصب زميل أقدم في "برنامج راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في المعهد، كما عمل سابقاً مديراً للاستراتيجية والخطط والمبادرات في مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية. وتُعد بورشيفسكايا زميلة "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" في معهد واشنطن، ومتخصصة في تنافس القوى العظمى في الشرق الأوسط. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم.
جيمس جيفري
مع التقدم الملحوظ في وقف إطلاق النار في غزة، أصبحت سوريا الملف الأكثر حساسية الآن بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تتصدر قضايا الوحدة والاستقرار والتنمية الاقتصادية قائمة الأولويات التي ينبغي معالجتها. وتعد الوحدة عاملاً مركزياً، إذ أن غيابها يؤدي إلى تفاقم العنف وزيادة حالة عدم اليقين وتقويض ثقة المستثمرين.
تشكل العلاقات بين دمشق والأكراد في الشمال الشرقي التحدي الأكثر إلحاحاً الذي يؤثر مباشرة في قضية الوحدة الوطنية. كما تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع كلا الطرفين، مما يؤهلها للقيام بدور رئيسي في إعادة إحياء المفاوضات بينهما. وقد توقفت المحادثات حتى الآن وتواجه خطر الانهيار، لا سيما في ظل تصاعد استياء تركيا من التهديد الأمني الكردي المتنامي على طول حدودها الجنوبية.
ولتجنب هذا السيناريو، يتعين على واشنطن تشجيع الأكراد على اتخاذ خطوات رمزية أولية تعكس اعترافهم بأنهم جزء من الدولة السورية الجديدة. وفى هذا السياق، يمكن أن تشمل هذه الخطوات السماح بوجود مراقبين حكوميين عند المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، وتنظيم تجارة النفط مع دمشق بشكل رسمي، والالتزام الواضح بعدم تصدير النفط من الشمال الشرقي دون موافقة الحكومة المركزية.
وفي الوقت نفسه، يجب على دمشق اتخاذ خطوات حقيقية لتهدئة مخاوف الأكراد، والاعتراف بقدر من الحكم الذاتي المحلي في مسائل مثل حقوق اللغة والإدارة والسيطرة على الشرطة. ويمكن اعتماد الدستور العراقي كنموذج إرشادي في هذا السياق، إذ منح صلاحيات ومسؤوليات واسعة لحكومة إقليم كردستان في شمال العراق، غير أنّ تطبيقه مباشرة في سوريا يظلّ أمراً غير ممكن.
علاوة على ذلك، لن يكون إقناع الأقليات السورية بالتعامل مع حكومة أحمد الشرع مهمة سهلة للمجتمع الدولي، لا سيما بعد العنف الذي تعرض له العلويون على طول الساحل والدروز في الجنوب. كما أن الضمانات المطروحة من قبل دمشق وحدها لا تكفي لتبديد مخاوفهم. في هذه الظروف الصعبة، يجب أن يكون المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الضامن الرئيسي، وأن توضح الأخيرة أن الوحدة ونبذ العنف هما الركيزتان الأساسيتان للتعامل مع جميع الأطراف في سوريا. كما أن للمجتمع الدولي مصلحة مباشرة في بقاء سوريا دولة موحدة، وفي ضمان حقوق الدروز والأكراد وأمنهم.
مايكل هيرزوغ
عندما تنظر إسرائيل إلى سوريا، ترى فيها فرصاً ومخاطر على حد سواء. تتمثل أبرز الفرص في توافق كل من إسرائيل وأحمد الشرع على النظر إلى إيران ومحور المقاومة بوصفهما خصماً مباشراً. بالإضافة الى ذلك، لم تعد سوريا تشكل حلقة وصل أساسية في المحور الإيراني، ويرجع ذلك أساساً إلى الإنجازات العسكرية التي حققتها إسرائيل خلال العامين الماضيين. كما تتطلع إسرائيل والشرع إلى منع "حزب الله" من العودة إلى سوريا، ويعمل كلاهما على مكافحة تهريب الأسلحة عبر سوريا إلى "حزب الله" في لبنان. علاوة على ذلك، ترحب إسرائيل برغبة الشرع في إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة، حيث تفضل أن تراه متحالفا مع أصدقائها بدلاً من خصومها.
في الوقت ذاته، هناك مخاوف في إسرائيل بشأن خلفية الشرع العسكرية وتوجهاته ومستوى نفوذه في سوريا. وتحديدا، تشعر إسرائيل بالقلق من احتمال عسكرة جنوب سوريا من خلال وجود عناصر معادية تتخذ من هناك مقرا لها وتشكل تهديداً قرب حدود إسرائيل. واستناداً إلى درس هجوم "حماس" في 7 أكتوبر ، لن تتسامح إسرائيل بعد الآن مع ظهور تهديدات في محيطها المباشر. لذلك، تسعى إسرائيل إلى إبرام اتفاق أمني من شأنه أن يؤدي إلى نزع السلاح فعلياً من جنوب سوريا أي جنوب دمشق، شريطة أن يتسم بهيكل جديد مغاير لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
إضافة إلى ذلك، تشعر إسرائيل بقلق بالغ إزاء موقف الشرع تجاه الطائفة الدرزية. ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه يشكل تهديداً لأمن الطائفة ورفاهيتها واندماجها في سوريا. وقد أكد العنف الذي شهدته محافظة السويداء في الأشهر الأخيرة هذا الرأي. ورغم صغر حجمها من حيث عدد السكان، فإن الطائفة الدرزية في إسرائيل مؤثرة، حيث يخدم العديد من أفرادها في جيش الدفاع الإسرائيلي، وقد مارست الطائفة ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية للدفاع بنشاط عن الدروز في سوريا.
أخيراً، تشعر إسرائيل بالقلق إزاء طموحات تركيا في سوريا، لا سيما رغبتها في إقامة وجود عسكري/جوي في البلاد، مما قد يحد من حرية إسرائيل في التحرك ضد التهديدات هناك وخارجها ولا سيما تلك المرتبطة بإيران. في وقت سابق من هذا العام، قصفت إسرائيل القواعد الجوية السورية التي كانت تركيا تفكر في استخدامها كقواعد عسكرية. وترى إسرائيل أن تركيا تحاول ملء بعض الفراغ الذي خلفته إيران وربما إقامة محور سياسي إسلامي سني في الشرق الأوسط مناهض لإسرائيل.
ولمعالجة هذه المخاوف الكبيرة، دخلت إسرائيل في محادثات مباشرة مع الحكومة السورية، بما في ذلك قيام الولايات المتحدة بدور وساطة نشط، بهدف التوصل إلى اتفاق أمني يرسخ مصالح إسرائيل الأمنية مع الحفاظ على حرية تحركها في سوريا إذا ساءت الأوضاع. ومع ذلك، بدا أن الحكومة السورية غير راغبة أو غير قادرة على تنفيذ الاتفاق. وقد حافظت إسرائيل على حرية تحركاتها، كما يتضح في وقف إطلاق النار المبرم مع لبنان بوساطة أمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وتعد الولايات المتحدة عاملاً أساسياً في نجاح هذه المفاوضات، نظراً لقدرتها الفريدة على سد الفجوات مع سوريا وتركيا والعمل كضامن لإسرائيل. لقد كانت تجارب إسرائيل مع الأمم المتحدة سلبية فيما يتعلق بحفظ السلام وإنفاذ القانون والمراقبة، في حين كانت تجاربها مع الولايات المتحدة إيجابية من خلال القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في شبه جزيرة سيناء المصرية.
بعد أن غيرت إسرائيل المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين وشاركت في اتفاق وقف لإطلاق النار في غزة، تسعى الآن إلى توسيع دائرة ترتيبات الأمن والسلام والتطبيع في المنطقة. في هذه المرحلة، يبدو اتفاق الأمن مع سوريا الخيار الأوفر حظاً مقارنة بالخيارات الإقليمية الأخرى.
مايكل جاكوبسون
أحد الموضوعات التي من المرجح أن يتم تناولها خلال زيارة الشرع هو تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف تخضع له منذ عام 1979. فبينما لم تؤكد إدارة ترامب ما إذا كانت سوريا ستحذف من القائمة، فان هذه الخطوة تبدو متوقعة جزئياً ولا سيما بعد انضمام البلاد إلى التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". كما أبدى الرئيس ترامب رغبته في رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا. ويفرض تصنيف الدولة الراعية للإرهاب قيوداً يرجّح أن يرغب ترامب في رفعها، بما يسهل على الولايات المتحدة تقديم المساعدة التي تمكن دمشق من مكافحة الإرهاب بفاعلية أكبر.
لكن من الناحية المثالية، ينبغي للإدارة الأمريكية أن تتريث في رفع تصنيف الدولة الراعية للإرهاب، على الأقل لأن الوضع المتعلق بمكافحة الإرهاب في سوريا ما زال مضطرباً. من المؤكد أن دمشق أحرزت تقدماً كبيراً في مجال مكافحة الإرهاب حيث تعاونت مع الولايات المتحدة في استهداف "داعش"، ونجحت في كبح نفوذ إيران و"حزب الله"، وأزالت العديد من الإرهابيين الفلسطينيين. ومع ذلك، لا تزال الصورة غير واضحة بشأن قضية المقاتلين الأجانب بشكل عام، حتى بعد أن غيرت واشنطن توقعاتها وطلبت من سوريا إزالة هؤلاء الأفراد كجزء من "النقاط الخمس" التي قدمها الرئيس ترامب إلى الشرع في أيار/مايو.. كما لم تصدر دمشق بعد خطة واضحة لتولي المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر" داعش" في الشمال الشرقي.
إذا قررت الإدارة الأمريكية رفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيجب أن تطلب ضمانات مكتوبة قوية من حكومة الشرع بشأن مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الالتزام بالعمل ضد تنظيم "داعش"، ووضع خطة لتنظيم إدارة مراكز الاحتجاز في الشمال الشرقي، والتعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران وحزب الله، والحفاظ على سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الأنشطة الإرهابية للمقاتلين الأجانب. ومن الجدير بالذكر أن قائمة الدول الراعية للإرهاب تتميز بقدر من المرونة، مما يسهل على وزير الخارجية الأمريكي إزالة أو إضافة دول إلى القائمة في حالة عدم تلبية التوقعات.
هناك مساران محتملان لإزالة دولة من القائمة. يسمح أحد المسارين بإزالة تصنيف الدول الراعية للإرهاب رسميّاً بعد خمسة وأربعين يوماً من إخطار الرئيس للكونغرس بأن الحكومة المعنية لم تقدّم دعماً للإرهاب الدولي خلال الأشهر الستة السابقة، إلى جانب تقديم ضمانات من تلك الحكومة بأنها لن تستأنف مثل هذا الدعم في المستقبل. أما المسار الثاني فيسمح بإلغاء التصنيف فوراً بعد أن يشهد الرئيس بحدوث "تغيير جوهري" في الحكومة وبأنها لم تعد متورطة في أي نوع من الأنشطة الإرهابية. ومن ثم، يجب على إدارة ترامب اتباع المسار الأول مع سوريا، مما يتيح الوقت للكونغرس لإضافة تدابير ومتطلبات المساءلة على دمشق.
يمكن للإدارة الأمريكية أيضاً استخدام الوضع الحالي لسوريا باعتبارها "دولة غير متعاونة بالكامل" كنقطة ضغط أخرى تنطوي على قيود إضافية. ومع ذلك، فإن قانون قيصر يُعد الأكثر تأثيراً على الاقتصاد السوري، وتجري حالياً مناقشة مسألة إلغائه في الكونغرس. في حين لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس يندفع على نحو مبكر لرفع العقوبات عن سوريا، فإن إلغاء قانون قيصر يحظى بتأييد كبير من الحزبين.
آنا بورشيفسكايا
تنتهج روسيا سياسة بعيدة المدى في سوريا، ولا يوجد ما يشير إلى أن دمشق قد تفك ارتباطها بموسكو. فعلاوة على تاريخ روسيا الطويل هناك، تمثل سوريا نقطة ارتكاز مهمة في سعي فلاديمير بوتين إلى توسيع نفوذه وتفعيل دوره في الشرق الأوسط. رغم أن سقوط بشار الأسد شكل انتكاسة لموسكو، إلا أن ذلك لم يردع بوتين عن الاستمرار في تعزيز نفوذه. كما تحتفظ روسيا بقواعدها العسكرية في سوريا، في دلالة واضحة على استمرار نفوذها، رغم دعمها للأسد في ارتكاب جرائم حرب ضد السوريين، وقصفها "هيئة تحرير الشام" التي كان الشرع يقودها.
أحد أسباب استمرار العلاقات بين موسكو ودمشق أن سوريا تواجه صعوبة في التخلص من المساعدات الروسية مثل طباعة العملة السورية وتوفير الإمدادات العسكرية. إذ لا يوجد حاليا مصدر بديل لتغطية هذه الاحتياجات. كما تتعامل روسيا مع سوريا اقتصادياً من خلال توفير النفط واستئناف شحنات القمح. إضافة إلى ذلك، سعت روسيا إلى الحفاظ على أهميتها من خلال المحافظة على شبكة علاقاتها مع مختلف الأطراف الداخلية والخارجية في الملف السوري.
لا يبدو أن بوتين قلق من لقاء ترامب بالشرع، فرغم أن التقارب بين سوريا والغرب وأوكرانيا يُعد تطوراً إيجابياً، فإن "النقاط الخمس" التي طرحها ترامب بقيت خالية من أي مطلب بإخراج روسيا من سوريا. يتابع بوتين الأحداث الحالية، ويبدو أنه يعتقد أن تركيز واشنطن سيكون مؤقتاً وموجهاً نحو أولويات خاطئة. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تظل منخرطة في سوريا وأن تجعلها أولوية لمنع روسيا من استغلال الوضع. وإذا واصلت الولايات المتحدة انخراطها في سوريا، فقد يبدأ نفوذ موسكو هناك في التراجع.
أعد هذا الملخص آري ناجل. أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء "عائلة فلورنس" و "روبرت كوفمان"