
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4093
الحفاظ على الزخم في قطاع الطاقة السوري

منذ أن رفعت إدارة ترامب العقوبات، تدفقت مبادرات جديدة في مجالات النفط والغاز والبنية التحتية. لكن هذه المبادرات قد تبقى محدودة الأثر على المدى الطويل ما لم تُعزَّز القدرات الذاتية في سوريا، وتُخفَّض حدّة التوترات السياسية، وتُعالَج الفوضى البيروقراطية.
في 2 آب/أغسطس، أعلنت شركة الطاقة الحكومية الأذربيجانية "سوكار" أنها ستصدر 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من الحقول البحرية في بحر قزوين عبر خط أنابيب تم إصلاحه مؤخراً يمتد بين "كيليس" في تركيا و"حلب" في سوريا. المرحلة الأولى من الصفقة ستزود 3.4 مليون متر مكعب يومياً إلى محطة الطاقة الحرارية في "حلب"، مولدة حوالي 900 ميجاواط من الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها. يمكن زيادة هذا المعروض إلى 6 مليون متر مكعب يومياً وإرساله جنوباً أكثر الآن بعد أن تم الإبلاغ عن إنجاز خط أنابيب من "حلب" إلى "حمص".
يأتي هذا الإعلان كآخر صفقة في سلسلة من صفقات الطاقة التي تهدف لمساعدة سوريا على إعادة إضاءة الأنوار في عهد ما بعد "الأسد". ومع ذلك، بينما يمكن لواردات الغاز أن تخفف بعض مشاكل الطاقة قصيرة المدى، فإن إعادة إنتاج الطاقة السوري إلى العمل ستكون محورية لجهود إعادة الإعمار التي تقوم بها الحكومة المؤقتة بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية المدمرة. السلطات في "دمشق" زعمت أن العقوبات الأمريكية لا تزال تعيق الاستثمار، لكن إدارة "ترامب" رفعت جميع عقوبات السلطة التنفيذية في 30 حزيران/يونيو، كما تم تعليق القيود الكونغرسية الرئيسية أيضاً. اليوم، تبدو الحواجز الرئيسية أمام إعادة تطوير الطاقة السورية هي التوترات السياسية الداخلية المتصاعدة وعدم وضوح سلطة الدفع والتعاقد، وكلاهما سيرسخ فقط الفساد المزمن الذي كان موجوداً قبل الحرب ما لم تتم معالجتهما بسرعة.
كيف أثرت الحرب على إنتاج الطاقة والاحتياطيات
في ذروة إنتاجها عام 1996، أنتجت سوريا مستوى متواضعاً لكنه مهم بلغ نحو 582,300 برميل يومياً من النفط. غير أن انخفاض الضغط في الخزانات وتهالك البنية التحتية سرعان ما أدّيا إلى تراجع هذه الكمية، الأمر الذي انعكس سلباً على خلطات التصدير المعروفة بـ 'السوري الخفيف' و'السوري الثقيل'. وقد شهد الإنتاج تحسناً طفيفاً لفترة قصيرة قبيل اندلاع الحرب الأهلية، بفضل جهود الاستخراج المحسّن التي قادتها شركات مثل "جولف ساندز بتروليوم" البريطانية. وفي المقابل، بلغ إنتاج الغاز الطبيعي نحو 9 ملايين متر مكعب يومياً - وهي كمية ملحوظة، ولكن غير كافية للتصدير.
ومع ذلك، دمرت الحرب كلا القطاعين، مسببة إجمالي أضرار تقدر بـ 115.2 مليار دولار. وفقد نظام "الأسد" السيطرة على معظم المناطق المنتجة للطاقة بحلول عام 2012، مما أجبره على استيراد النفط والمنتجات ذات الصلة، بما في ذلك ما يصل إلى 100,000 برميل يومياً من إيران. أدى انهيار إنتاج الغاز وإغلاق محطات الطاقة إلى انقطاعات واسعة النطاق، حيث تلقت بعض المناطق ساعة واحدة فقط من الكهرباء يومياً.
اليوم، تنتج سوريا حوالي 90,000 برميل يومياً من النفط من ثمانية وسبعين حقلاً وما يقدر بـ (ولكن غير مؤكد) 7.5 مليون متر مكعب يومياً من الغاز من ثمانية وعشرين حقلاً (ارتفاعاً من التقدير الأخير - في عام 2012 - البالغ 5.6 مليون متر مكعب يومياً). تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية على واحد وأربعين من هذه الحقول في محافظة "دير الزور"، بما في ذلك "العمر" (حوالي 20,000 برميل يومياً)، و"الجفرة" (1,000 برميل يومياً)، و"التنك"، وموقع غاز "كونوكو" غير العامل. رغم الانخفاض، تمتلك سوريا احتياطيات نفطية قابلة للاستخراج تقدر بـ 2.5 مليار برميل، معظمها من الدرجة الثقيلة والحامضة (أي محتوى كبريت عالي) ومتجهة إلى مصافي أوروبا الغربية.
تخفيف العقوبات يعيد سوريا إلى دائرة الاهتمام الدولي
انهيار نظام "الأسد" في كانون الأول/ديسمبر الماضي وقرار الرئيس "ترامب" في أيار/مايو برفع العقوبات الأمريكية دفع عدة كيانات أجنبية للتعبير عن اهتمامها ليس فقط بتصدير منتجات الطاقة إلى سوريا، بل أيضاً بالاستثمار في الإنتاج المحلي والنهائي للبلاد. مقدمة التتابع المفاجئ والعشوائي لتخفيف العقوبات جاءت في 11 آذار/مارس، عندما رفعت المملكة المتحدة القيود المتعلقة بالنفط على عشر شركات سورية رئيسية للإنتاج والنقل والتكرير والتسويق. هذا مهد الطريق للاعبين أجانب آخرين لإلقاء نظرة على وضع الطاقة السورية وإمكاناتها:
- وفد تقني من "أرامكو السعودية" قيّم الظروف وآفاق التأهيل في حقول النفط الشمالية الشرقية.
- عرضت "قطر" توريد الغاز الطبيعي المسال، بتوليده في منصة إعادة التغويز في ميناء "العقبة" الأردني ونقله إلى سوريا عبر قسم معطل من خط الغاز العربي.
- الرئيس التنفيذي لـ"جولف ساندز بتروليوم" "جون بيل" التقى مع وزير الطاقة السوري "محمد البشير" - صهر وابن عم الرئيس "أحمد الشرع" - لمناقشة استئناف العمليات في القطعة 26. (مثل جميع الشركات النفطية الدولية تقريباً، أعلنت "جولف ساندز" القوة القاهرة وأوقفت الإنتاج في 2011 بعد اندلاع الحرب.)
- البنك الدولي أشار إلى دعم إحياء الطاقة في البلاد بعد أن شارك وفد سوري في اجتماعاته الربيعية مع صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، بدأت الإجراءات الأكثر جذباً للعناوين في أيار/مايو، عندما أعلن الرئيس "ترامب" أنه سيرفع جميع العقوبات وأصدرت وزارة الخزانة الترخيص العام 25 لتنفيذ هذه الخطة. حريصة على العودة إلى سوريا - وإلى النعمة الطيبة لـ"الشرع" و"ترامب" - العديد من الشركات الدولية لم تنتظر الرفع الكامل للعقوبات لاتخاذ خطوتها. على سبيل المثال:
- تركيا أعلنت إصلاح خط أنابيب الغاز المذكور آنفاً من "كيليس" إلى "حلب".
- الشركتان التركيتان "كاليون" و"جنكيز"، جنباً إلى جنب مع الشركة القطرية "يو سي سي هولدينغ" والشركة الأمريكية "باور إنترناشونال هولدينغ"، وقعت صفقة تعاون استراتيجي ضخمة بقيمة 7 مليار دولار مع وزارة الطاقة السورية. الاتفاقية تتضمن خططاً لتوليد 5,000 ميجاواط من الكهرباء عبر أربع محطات طاقة تعمل بالغاز ومحطة طاقة شمسية بقوة 1,000 ميجاواط - خطوة مهمة نحو سد الفجوة البالغة 15,000 ميجاواط بين القدرة التوليدية الحالية والطلب النظري. مع ذلك، الاستثمارات الإضافية في بنية النقل والتوزيع ضرورية.
- "دمشق" دعت "تاتنفت" وشركات أخرى من روسيا - التي لا تزال المورد الرئيسي للنفط لسوريا - لاستئناف العمليات المحلية.
في 30 حزيران/يونيو، أصدرت إدارة "ترامب" الأمر التنفيذي 14312، مرسوم شامل يرفع أكبر عدد ممكن من العقوبات باستثناء تلك التي تتطلب إجراءات كونغرسية خاصة. التدابير الملغاة تشمل عقوبات تغطي النفط والبترول ومنتجات الطاقة الأخرى السورية المنشأ، مما حفز اهتماماً أجنبياً أكبر بالمشاركة المباشرة هناك. بالإضافة إلى الإعلان الأذربيجاني في 2 آب/أغسطس:
- الشركات الأمريكية "بيكر هيوز" و"هانت إنرجي" و"أرجنت إل إن جي" أعلنت نيتها تطوير خطة رئيسية لقطاع الطاقة السوري، بدءاً غرب نهر "الفرات". صرح الرئيس التنفيذي لـ"أرجنت" "جوناثان باس"، الذي كان متورطاً في جهود الضغط التي أدت إلى لقاء "ترامب" و"الشرع" في أيار/مايو في "السعودية"، بأن "بينما ستقود الشركات الأمريكية، فإن التمويل سيحتاج على الأرجح للمجيء من مكان آخر."
- في أواخر تموز/يوليو، رعت "السعودية" منتدى استثمار في "دمشق"، وكشفت عن مليارات الدولارات في الصفقات التي تضمنت 150 مليون دولار لمشاريع الطاقة السورية، ووقعت مذكرة تفاهم ثنائية تغطي توريد البترول والكهرباء والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتعاون الاستثماري.
- "العراق" وسوريا توصلا إلى اتفاق في 13 آب/أغسطس لدراسة إصلاح وإعادة تشغيل خط أنابيب "كركوك-بانياس"، جزء منه الآن جزء من الشبكة الوطنية السورية.
التوصيات السياسية
رغم أن هذه الإعلانات تشكل دفعة كبيرة للحكومة المؤقتة لـ"الشرع"، فإن الطريق للاستفادة الفعلية منها يبقى وعراً. للمرة الأولى في نصف قرن، أكبر الحواجز أمام إعادة بناء الطاقة السورية لا علاقة لها بالعقوبات - بل إن شخصيات الصناعة تقول الآن أن المشاكل الرئيسية هي التوترات السياسية المحلية والعنف والارتباك حول المسؤوليات البيروقراطية.
الاشتباكات الحكومية الأخيرة مع الميليشيات الدرزية في محافظة "السويداء" أظهرت مدى صعوبة المصالحة الداخلية، بصرف النظر عن التداعيات الإقليمية التي أشار إليها التدخل الإسرائيلي. رغم أن "السويداء" لا تحتوي على وقود أحفوري، فإن الحادثة كانت نذيراً لما سيأتي في الشمال الشرقي الغني بالطاقة، حيث تعثرت المفاوضات الحكومية مع "قوات سوريا الديمقراطية". المزيد من الجمود والتوترات غير المحلولة وإمكانية التدخل العسكري من تركيا أو لاعبين آخرين قد يجعل الشمال الشرقي غير مستقر جداً لإعادة تشغيل إنتاج الطاقة، ناهيك عن توسيع القطاع. لذلك يجب على "واشنطن" فعل كل ما بوسعها لسد الفجوة بين "دمشق" والأكراد - الذين اشتبكت قواتهم الأسبوع الماضي - حول التكامل العسكري والسياسي، موازنة رغبة الحكومة في مزيد من السيطرة المركزية مع القدرات العسكرية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" وتطلعاتها لدرجة من الحكم الذاتي.
فيما يخص الحواجز البيروقراطية، لاحظ أحد المحللين أن "المستثمرين لا يزالون يواجهون صعوبات في التواصل" ناجمة عن نقص "حدود السلطة الواضحة بين الوزارات وهيئة الاستثمار السورية والهيئات والمجالس الأخرى المعينة في المراسيم الأخيرة." المسؤولون السوريون والسعوديون يبدو أنهم يحاولون معالجة هذه المشكلة عبر مناقشات حول "تبادل المعرفة" في مشاريع الطاقة والسياسات واللوائح، لكن الكثير يحتاج للقيام به. بشكل خاص، يجب على "واشنطن" العمل بشكل وثيق مع السلطات السورية على الأساس القانوني للاستثمارات الطاقوية الجديدة قبل وبعد إعادة توحيد البلاد، مشيرة إلى أن المشاريع التجارية السورية الأمريكية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى تزدهر جزئياً لأن هذه الولايات القضائية أسست سيادة القانون والممارسات التنظيمية الضرورية. تجاوز الارتباك والبيروقراطية سيساعد سوريا الجديدة على القضاء على الفساد المنتشر الذي ابتلى نظام "الأسد" - وللأسف، يستمر في أعقابه.