- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4135
ينبغي الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لصالح المعارضين الإيرانيين.
تعد الإدانات الأخيرة في قضية ماسيه ألينجاد انتصاراً للمعارضين في كل مكان، لكن تصاعد الأعمال العدائية التي تقوم بها طهران في الخارج يتطلب .اتخاذ تدابير مضادة أكثر صرامة، مثل تلك المنصوص عليها في "قانون القمع العابر للحدود" الذي أقره الحزبان الجمهوري والديمقراطي
جلس زعيما العصابات الروسية رفعت اميروف وبولاد عمروف، مرتديين زي السجن الأصفر، وحكم على كل منهما بالسجن لمدة 25 عاماً في 29 من تشرين الأول/أكتوبر بعد فشل محاولتهما في عام 2022 لاغتيال الصحفية الإيرانية الأمريكية والناشطة في مجال حقوق المرأة ماسيه ألينجاد. وكانا قد استهدفا ألينجاد في منزلها بنيويورك نيابة عن الجمهورية الإسلامية، في ثاني حالة قمع عابر للحدود ضدها، بعد محاولة اختطاف دولية في عام 2021 بهدف نقلها بواسطة زورق سريع إلى البحر ومن ثم إلى فنزويلا.
شكل الحكم الصادر في تشرين الأول /أكتوبر- والحكم السابق الصادر في آذار/مارس - انتصاراً كبيراً للمعارضين من أصل إيراني وغيرهم ممن استهدفتهم حكوماتهموفى هذا الصد، أعربت القاضية كولين ماكماهون عن أملها بأن يرسل الحكم رسالة إلى العصابات والقوى الأجنبية مثل إيران "بأن هذا النوع من السلوك لن تتسامح معه الولايات المتحدة".
لكن، ومع تزايد الضغط على الجمهورية الإسلامية في ظل سياسة "الضغط الأقصى" التي تنتهجها إدارة ترامب الثانية، ومع إعادة طهران تقييم موقفها بعد حرب الاثني عشر يوماً في حزيران/يونيو 2025، ارتفع القمع بشكل كبير. وفي هذا السياق، نفذ النظام أكثر من 21000 عملية اعتقال منذ حزيران/يونيو، وأكثر من ألف إعدام منذ كانون الثاني/يناير - وهي أعلى مستويات تشهدها البلاد منذ خمسة عشر عاماً على الأقل. وبشكلٍ متزايد، باتت حسابات طهران تشمل أيضاً ممارسات القمعِ العابر للحدود. وهذا يجعل من الضروري أن تبذل الحكومة الأمريكية جهوداً أكبر لحماية المعارضين الإيرانيين والصحفيين وغيرهم من المعارضين الصريحين للنظام الديني داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ما هو القمع العابر للحدود؟
رغم توفير تعريف عام لمفهوم "القمع العابر للحدود، إلا أنه ما يزال يفتقر إلى إطار قانوني رسمي معتمد. وفي حين تعد محاولات الاغتيال والاختطاف هي أكثر الأشكال وضوحاًً التي تقوم بها الحكومات الأجنبية – مثل الصين والهند وإيران وروسيا – فإن مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) يوفر مجموعة أوسع من الفئات:
- الممارسات القانونية التعسفية (مثل تجميد الأصول، أو رفع الدعاوى القضائية، أو حجب الوثائق القانونية مثل جوازات السفر).
- الاعتداء.
- القرصنة الإلكترونية.
- إكراه أو إجبار الضحايا على العودة إلى بلدهم الأصلي.
- المضايقة.
- الترهيب أو التهديد.
- حملات التضليل عبر الإنترنت.
- المطاردة.
- تهديد أو احتجاز أفراد الأسرة أو الأصدقاء في البلد الأصلي – كما في حالة عائلة ألينجاد، إذ حُكم على شقيقها بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهم ملفقة.
تُعد مضايقة وترهيب النشطاء والمعارضين والصحفيين والأقليات العرقية والدينية والطلاب – سواء كانوا مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين أو طالبي لجوء - من بين الممارسات أكثر الأشكال شيوعاً، إلا أنه قد يكون من الصعب قياسها نظراً لأنها تحدث أحياناً عبر الإنترنت. وتحمل هذه الأساليب آثار شخصية ونفسية ومهنية خطيرة على الضحايا ويمكنها أن تدفعهم إلى الرقابة الذاتية أو حتى التخلي عن عملهم المتعلق ببلدهم تماماً. كما أن هناك آثار مالية، تتمثل في فقدان سبل العيش أو الأصول أو الممتلكات. من المهم الإشارة إلى أن أعمال القمع العابرة للحدود ليست مقتصرة على الولايات المتحدة، بل حدثت أيضاً في كندا وجميع أنحاء أوروبا الغربية، ولا سيما في المملكة المتحدة.
وفقاً لـ "الخريطة التفاعلية والجدول الزمني للعمليات الخارجية الإيرانية" الصادرة عن معهد واشنطن، قامت إيران بما لا يقل عن 273 عملاً من أعمال القمع العابر للحدود منذ عام 1979. تشير الأبحاث التي أجراها "مركز عبد الرحمن بوروماند لحقوق الإنسان" في إيران، ومقره الولايات المتحدة، إلى أن الرقم يزيد عن 900 إذا ما أُدرجت الأعمال التي تمت داخل إيران. في السنوات الأخيرة، طورت طهران تكتيكاتها، حيث عهدت بتنفيذ الأعمال القذرة إلى مجرمين من عصابات الدراجات النارية والمافيا، مما سمح للنظام بادعاء الإنكار المعقول.
إضافة إلى المحاولتين الموثقتين ضد ألينجاد، وقعت حالة أخرى من القمع العابر للحدود في الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2024، عندما اتُهم ثلاثة أشخاص - إيراني واحد واثنان كنديان - بالتخطيط لاغتيال منشق إيراني مجهول الهوية وزوجته في ولاية ماريلاند. وبعد أشهر، في أيار/مايو 2024، أقدم موظف في قسم المصالح الإيرانية، وهو المكتب الدبلوماسي الفعلي للبلاد في الولايات المتحدة، على توجيه إشارة تهديد بالقتل تجاه نشطاء في مظاهرة في واشنطن العاصمة.
فور إغلاق قضية ألينجاد، أعلنت ابنة المواطن الألماني الراحل والمقيم في الولايات المتحدة جمشيد "جيمي" شارماهد أن جثته ستُعاد إلى أمريكا لدفنها في 4 تشرين الثاني /نوفمبر 2025. قبل خمس سنوات، تم اختطاف شارماهد من الإمارات العربية المتحدة ونقله عبر عمان إلى إيران، حيث حُكم عليه بالإعدام في محاكمة غير عادلة وأُعدم في تشرين الأول /أكتوبر 2024. وتُبرز قضيته، إلى جانب حالات أخرى، الحاجة الملحة إلى التعامل مع القمع العابر للحدود بوصفه قضية أمنية وسيادية وحقوقية عالمية. ونظراً لاعتماد طهران المتزايد على المجرمين، ينبغي أيضاً التعامل مع القمع العابر للحدود باعتباره مشكلة تتعلق بمكافحة الإرهاب والأمن القومي.
كيفية الرد على تهديدات طهران
في عام 2021، رداً على محاولة اختطاف ألينجاد، أقر الكونغرس، "قانون ماسيه ألينجاد بشأن المضايقة والاستهداف غير المشروع" الذي يطالب وزارة الخارجية بتقديم تقارير دورية إلى الكونغرس عن هويات الأفراد الأجانب الذين يعملون لصالح الجمهورية الإسلامية، وتزويد الرئيس الأمريكي بالمعلومات التي من شأنها تسهيل فرض عقوبات على المسؤولين الإيرانيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، مثل تجميد الأصول أو حظر التأشيرات. وبناءً على ذلك، يوجه التشريع وزارة الخزانة إلى تحديد البنوك التي تجري معاملات مع هؤلاء الأفراد للكونغرس. وفي حين اعتبر المنشقون الإيرانيون هذه الشروط إنجازاً، إلا أن ذلك لم يتبعه بعض التقدم في مجال القمع العابر للحدود. وقد أقر الرئيس ترامب بالمشكلة في مذكرته الصادرة في شباط / فبراير 2025 بشأن سياسة "الضغط الأقصى"، والتي توجه المدعي العام إلى "مقاضاة قادة وأعضاء الجماعات الإرهابية التي تمولها إيران، والذين قاموا بأسر أو إيذاء أو قتل مواطنين أمريكيين، والسعي إلى اعتقالهم وتسليمهم إلى الولايات المتحدة".
وكرر وزير الخارجية ماركو روبيو هذه الصيغة في آذار/مارس، بعد يوم من إعلان حكم ألينجاد، حيث صرح على وسائل التواصل الاجتماعي: قائلاً "يُظهر قرار المحكمة أمس أن محاولات إيران للتآمر القاتل ضد أمريكيين مثل @AlinejadMasih ستقابل بالعدالة والمساءلة السريعة. في ظل حكم الرئيس الأمريكي، سيتم التحقيق مع الجماعات الواجهة والوكلاء الإيرانيين الذين يحاولون العمل في الولايات المتحدة، وتعطيلهم ومقاضاتهم ".
وفي حين أن مثل هذه التصريحات مرحب بها، إلا أنه ينبغي تقديم دعم أوسع لمعالجة النطاق الكامل للقمع العابر للحدود الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية ودول أخرى - وهو جهد يواصل الكونغرس قيادته. ففي تموز/ يوليو الماضي، قدم السناتور جيف ميركلي (ديمقراطي عن ولاية أوريغون) والسناتور دان سوليفان (جمهوري عن ولاية ألاسكا)، وكذلك النائبان كريس سميث (جمهوري عن ولاية نيو جيرسي) وجيم ماكغفرن (ديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس)، قدموا قانون "القمع العابر للحدود" الذي يحظى بتأييد الحزبين لرفع هذه القضية إلى مرتبة أولوية رئيسية في السياسة الخارجية. ولا يقتصر هذا التشريع على تقديم تعريف قانوني لـ"القمع العابر للجدود" ، بل يدعو أيضاً إلى تعزيز التعاون والتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة، ومتابعة الملاحقات الجنائية، ونشر دليل يحدد الموارد الفيدرالية. كما يدعو إلى وضع استراتيجية مشتركة بين الوكالات تشمل برامج مساعدة لدعم ضحايا "القمع العابر للحدود" ، ومبادرات بحثية، وتدريب لمكتب الإنتربول في واشنطن وسلطات إنفاذ القانون الأمريكية على جميع المستويات من أجل تحديد أعمال القمع العابر للحدود ومكافحتها.
من خلال العمل مع وزارة العدل، لعب "مكتب التحقيقات الفيدرالية"(FBI) إلى جانب "وزارة الأمن الداخلي" و"وزارة الخارجية" دوراً أساسياً في التصدي للقمع العابر للحدود من قبل الحكومات الأجنبية. ومع ذلك، لا تزال هناك ثغرات، كما أشير في قانون "القمع العابر للحدود" المقترح. ولمواجهة القمع الإيراني عبر الوطني بفعالية، يجب على الحكومة الأمريكية:
- وضع تعريف قانوني أمريكي للقمع العابر للحدود وتدريب أجهزة إنفاذ القانون والوكالات الرئيسية، بما في ذلك تلك التي تركز على الجريمة المنظمة، والتعرف على هذه الممارسة – لا سيما في المدن التي تضم أعداداً كبيرة من السكان الإيرانيين الأمريكيين مثل لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة وسياتل.
- ضمان قيام كبار المسؤولين الأمريكيين بإدانة أعمال القمع العابر للحدود علناً بشكل منتظم، كما فعل الوزير روبيو. يجب على الولايات المتحدة أن تقود الجهود الرامية إلى اعتماد معيار مشترك في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا لإدانة القمع العابر للحدود من قبل أي بلد. في تموز / يوليو 2025، شهدت مبادرة مرتبطة بذلك قيام أربعة عشر بلداً غربياً بإدانة "محاولات أجهزة الاستخبارات الإيرانية لقتل وخطف ومضايقة أشخاص في أوروبا وأمريكا الشمالية ".
- تطوير آليات تواصل مستدامة للأفراد المعرضين للخطر من الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة وخارجها، باستخدام الموائد المستديرة والاجتماعات العامة كجزء من جهد منسق أوسع مع الحلفاء والشركاء لتحديد مخاوفهم المحددة، والاستجابة لها بتدابير سياسية جديدة.
- تعميق التنسيق مع كندا، التي طورت برنامجاً شاملاً يستهدف القمع العابر للحدود كجزء من رئاستها لمجموعة السبع التي تبدأ في كانون الثاني / يناير2025، مما يجعل هذه القضية أولوية رئيسية. بصفتها جارة وعضواً في مجموعة السبع، فإن الولايات المتحدة في وضع جيد لتعزيز الجهود المشتركة، لا سيما بالنظر إلى دورها الرائد في "مجموعة عمل آلية الاستجابة السريعة" التابعة لمجموعة السبع بشأن القمع العابر للحدود.
- فرض عقوبات محددة على الجناة، على النحو المسموح به بموجب قانون "ماسيه ألينجاد بشأن المضايقة والاستهداف غير المشروع" و"قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة" في مجال حقوق الإنسان.
- إطلاق برنامج لإعادة توطين اللاجئين لحماية الضحايا المعرضين للخطر، لا سيما في الدول المجاورة لإيران مثل تركيا، حيث تميل المخابرات الإيرانية إلى العمل بحرية نسبية. لدى الولايات المتحدة مصلحة أخلاقية واستراتيجية في حماية الحرية والديمقراطية. فقد طرد المدافعين عن هذه المُثُل، الذين تحملوا مخاطر جسيمة من أجل الترويج لها، قسراً من إيران تحت تهديد السجن أو التعذيب أو الموت. إذا أتيحت لهم الفرصة وضمانات السلامة، فسوف يعودون ويواصلون السعي إلى إحداث تغيير إيجابي بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.
- تنفيذ فحص دقيق للموظفين الدبلوماسيين الذين لهم تاريخ مرتبط بالقمع، كما أشار المتحدث باسم "وزارة الخارجية". في عام 2014، رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرة دخول لمرشح إيران لمنصب سفير لدى الأمم المتحدة، حميد أبو طالبي، بسبب تورطه في الاستيلاء على السفارة الأمريكية في عام 1979.
- توفير الحماية للأفراد الذين يواجهون تهديدات حقيقية كشفت عنها وزارة العدل، على غرار الجهود المبذولة لصالح ألينجاد. وهذا يعني استعادة توفير الحماية لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والمبعوث السابق إلى إيران براين هوك.