- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4143
وصول النفط من شمال العراق إلى الولايات المتحدة بعد إعادة فتح خط الأنابيب
إلى جانب توفير النفط الخام بأسعار مخفضة ومن النوعية التي تفضّلها شركات التكرير الأمريكية، فإن استئناف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا يعكس فرصا واعدة لتعزيز السياسة الأمريكية تجاه كل من الشركاء والخصوم في آن واحد.
في 24 تشرين الثاني/نوفمبر – بعد شهرين من إعادة افتتاح خط أنابيب العراق– تركيا - قامت ناقلة نفط محملة بالنفط الخام من "إقليم كردستان العراق" والمبحرة من ميناء "جيهان" التركي بتفريغ حمولتها في محطة "ميناء النفط البحري في لويزيانا". وعلى الرغم من أن واردات النفط الأمريكية تُحركها عموماً ديناميكيات التجارة والتسعير الخاصة، إلا أن هذه الشحنة بالتحديد لم تكن لتصبح ممكنة بدون صفقة مؤقتة يسّرتها الولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر، حيث اتفقت "بغداد" ومسؤولو "إقليم كردستان" في "أربيل" و"الشركات النفطية الدولية" العاملة في شمال العراق على إعادة فتح خط الأنابيب بين العراق وتركيا بعد توقف دام أكثر من عامين.
لقد لعبت "واشنطن" دوراً مؤثراً في المشهد الطاقوي للعراق على مدى عقود – فقد ضمنت أن دستور البلاد لعام 2005 يعترف بحقوق الإدارة المشتركة الكردية لـ"النفط الجديد"؛ ووازنت بين تشجيع مشاركة "الشركات النفطية الدولية" الأمريكية في جنوب العراق ودعم الشركات الأمريكية في الشمال؛ وتوسطت في عدة صفقات سابقة بين "بغداد" و"أربيل" بشأن تقاسم عائدات النفط؛ وشجعت "تركيا" و"العراق" و"إقليم كردستان العراق" على التوصل إلى تسوية بشأن إعادة فتح خط الأنابيب بين العراق وتركيا. يجب على المسؤولين الأمريكيين الحفاظ على هذه المشاركة الوثيقة اليوم نظراً لأهميتها لاستقرار العراق (منتج ومصدّر رئيسي للنفط إلى الأسواق العالمية) ولصالح الشركات الأمريكية التي تتطلع إلى توسيع مشاريعها في الشمال أو العودة إلى تطوير حقول النفط في الجنوب (على سبيل المثال، كما يُرى في صفقة حديثة مع شركة "إكسون موبيل "). والأهم من ذلك بالتساوي، أن الرعاية الأمريكية للمصدر الاقتصادي الأساسي لـ"بغداد" يمكن أن تساعد في مواجهة النفوذ الإيراني من خلال إظهار للعراقيين أن هناك فوائد ملموسة من التعاون مع الولايات المتحدة.
ما الذي يدفع شركات التكرير الأميركية لاستيراد النفط الخام من شمال العراق؟
وفقاً لبيانات نشرتها شركة "كبلر "، قامت ناقلة "سيويز برازوس" (رقم التعريف البحري الدولي 9594731) بتحميل حوالي مليون برميل من النفط الخام من شمال العراق عبر محطة "جيهان" في أواخر تشرين الأول/أكتوبر قبل الإبحار إلى "لويزيانا". كما تأكدنا من "كبلر" وموقع TankerTrackers. com أن المزيد من هذه السفن من المتوقع أن تفرغ حمولتها في الولايات المتحدة في المستقبل القريب.
تشهد شحنات النفط الخام متوسط الكبريت "medium sour crude" المنتجة في شمال العراق طلبا متزايدا في بعض الأسواق. ورغم أن المصافي الأمريكية تتعامل مع أنواع مختلفة من النفط، فإن بعض تلك الأنواع لا يُنتج محليا أو لا يمكن نقله بطريقة فعّالة من حيث التكلفة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تصدّر النفط الخام الخفيف الحلو "light sweet crude" فإنها تستورد الخام المتوسط والثقيل الحامض "medium and heavy" sour "، إضافة إلى أنواع أخرى من مناطق مثل الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، لتلبية احتياجات المصافي المصممة للعمل على هذه المواد الخام.
لجذب المشترين، قدمت الشركات التي تصدّر نفط "كردستان" العراقية عبر "جيهان" تخفيضات حادة في الأسعار بعد إعادة فتح خط الأنابيب بين العراق وتركيا، وسرعان ما استؤنفت الصادرات. وفقاً لـ"كبلر"، كانت أولى هذه الشحنات موجهة بشكل رئيسي إلى مصافي التكرير في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا – المشترين النموذجيين للنفط الخام من شمال العراق قبل إغلاق خط الأنابيب بين العراق وتركيا في آذار/مارس 2023.
من الجدير بالذكر أن تقارير مختلفة أشارت إلى النفط الخام في هذه الشحنات الجديدة بتصنيف كركوك" Kirkuk grade" على الرغم من أن النفط من الحقول في منطقة "كركوك" لا يُرسل حالياً إلى "جيهان" للتصدير. بل إن كل النفط الخام المضخ إلى "جيهان" حتى الآن قد نشأ من الحقول الكردية، وفقاً لـموقع "Iraq Oil Report" ومع ذلك، تشير مصادر مختلفة في السوق النفطي إلى أن "تصنيف كركوك" ربما أصبح التسمية الجديدة لكل النفط الخام من شمال العراق، بما في ذلك الإمدادات الكردية. كان النفط الكردي يُعرف سابقاً باسم "مزيج النفط الكردي " (KBT)، لكن إعادة التسمية ليست مفاجئة الآن بعد أن أصبحت "شركة تسويق النفط الحكومية " (SOMO) التابعة للحكومة الاتحادية العراقية هي السلطة الوحيدة التي تسيطر على عملية التسويق.
أما بالنسبة لحجم التصدير المتوقع، فقد كان خط الأنابيب بين العراق وتركيا ينقل حوالي 400، 000 إلى 450، 000 برميل يومياً قبل إغلاقه في عام 2023، بما في ذلك حوالي 350، 000 إلى 375، 000 برميل يومياً من "مزيج النفط الكردي" و75، 000 إلى 100، 000 برميل يومياً من النفط الذي تنتجه الحكومة الاتحادية. ومع ذلك، حتى الآن، تظل المستويات الحالية أقل مما كان يُصدّر قبل التوقف.
الأهمية الجيوستراتيجية لخط الأنابيب بين العراق وتركيا
مهّدت الاتفاقية المؤقتة لخط الأنابيب بين العراق وتركيا الطريق لمزيد من المفاوضات بين "بغداد" و"أربيل" حول القضية الخلافية لإنتاج النفط والصادرات من شمال العراق، فضلاً عن المحادثات المتعلقة بأكثر من مليار دولار من المتأخرات التي تدين بها "أربيل" للشركات النفطية الدولية. والآن بعد أن أصبح نفط خط الأنابيب بين العراق وتركيا يتدفق مجدداً، تنص شروط صفقة أيلول/سبتمبر على قيام شركة استشارية غربية بإجراء التقييمات اللازمة لحل مدفوعات "الشركات النفطية الدولية". ومن المتوقع أيضاً أن تخضع الاتفاقية لعملية تجديد شهرية بعد 31 كانون الأول/ديسمبر.
تحمل هذه المحادثات وخط الأنابيب بين العراق وتركيا نفسه أهمية كبيرة لكل من أسواق الطاقة العالمية ومصالح "واشنطن" الجيوستراتيجية. يبدأ مسار خط الأنابيب في "كركوك" خارج "إقليم كردستان العراق"، مما يمنح "شركة تسويق النفط الحكومية " (SOMO) خيار تصدير النفط العراقي غير الكردي في نهاية المطاف عبر "تركيا" كما حدث بكميات كبيرة نسبياً قبل عام 1990. كما أن خطي الأنابيب التوأم لمسار العراق– تركيا يمتلكان قدرة نظرية أعلى بكثير تصل إلى نحو 1.5 مليون برميل يومياً، رغم أن القدرة التشغيلية الفعلية ما تزال أقل بكثير في ظل غياب أعمال الصيانة والتجديد. وفي جميع الأحوال، فإن زيادة اعتماد بغداد على خط الأنابيب لتصدير النفط من أجزاء أخرى من البلاد سيُعزز روابطها الثنائية مع تركيا بشكل أكبر. ومن ناحية أخرى، قد يسهم ذلك أيضاً في الحد من النفوذ الإيراني داخل بغداد، ولا سيما في ملفات الطاقة (انظر أدناه).
فرص أخرى في مجال الطاقة
إلى جانب النفط، يمتلك العراق ثروة من الغاز الطبيعي، ويُعد معظم إنتاجه غازا مصاحبا للنفط الخام، خاصة في الجنوب. أما إقليم كردستان، فيتميز بامتلاكه احتياطيات أكبر نسبيا من الغاز غير المصاحب وبقدرات أعلى على إنتاج الكهرباء مقارنة ببقية العراق. ومع تعزيز الشراكة في مجال الطاقة بين بغداد وأربيل، يمكن للشركات النفطية الدولية والمستثمرين توسيع عملياتهم في الإقليم بما يتيح للأكراد تصدير الغاز إلى باقي مناطق العراق، الأمر الذي من شأنه تقليل اعتماد بغداد على إيران وتعزيز التعاون في قطاع الكهرباء بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية. وفي هذا السياق، لم مستغربا ما قامت به الميليشيات الموالية لإيران حسب تقارير اعلامية باستهداف أكبر منشأة لإنتاج الغاز في الإقليم قبل أيام عبر هجوم صاروخي.
يمكن أن تشمل النتائج الإيجابية الأخرى حلاً ودياً لتداعيات القضية القانونية الدولية للعراق ضد تركيا لاستيراد النفط الكردي على مدى العقد الماضي بدون إذن "بغداد". وهنا يجب على المسؤولين الأمريكيين أيضاً فعل ما في وسعهم لتسهيل المحادثات الناجحة بين "بغداد" و"أنقرة" بشأن اتفاقية أوسع بكثير لخط الأنابيب بين العراق وتركيا.
أخيراً، يبدو أن الضغط الأمريكي والأوروبي أجبر "تركيا" على تقليل وارداتها من النفط الخام الروسي – التي بلغ متوسطها حوالي 300، 000 برميل يومياً خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام – وتنويع مصادر نفطها. وفي هذا السياق يمكن أن يقدم خط الأنابيب بين العراق وتركيا لـ"أنقرة" نوعاً مماثلاً من النفط الخام من مصدر قريب، مع إمكانية الحصول عليه بأسعار مخفضة بشكل ملموس.