
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4087
تعزيز الشراكة الدفاعية بين إسرائيل والإمارات في سياق اتفاقيات "أبراهام"

تُبرز المفاوضات المستمرة بين "إلبيت سيستمز" و"إيدج" حول أنظمة الطائرات المسيرة من طراز "هرميس 900 "، كيف يمكن للاتفاقيات أن تُمهد لعهد جديد من التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.
منذ أن قامت كل من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتهما من خلال توقيع "اتفاقيات أبراهام" التي توسطت فيها الولايات المتحدة في 15 سبتمبر 2020، سعت الدولتان بسرعة إلى توسيع تعاونهما الاقتصادي وتجارتهما، حتى في خضم الحرب في غزة. كما التزمت الدولتان بالعمل معاً من أجل "تعزيز الأمن والاستقرار" في المنطقة بهدف تمكين كلا البلدين من الازدهار. والآن، تشير التقارير إلى أن صفقة بين مجموعة "إيدج" الإماراتية وشركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لشراء طائرات بدون طيار من طراز "هرميس 900 "، بما في ذلك نقل التكنولوجيا والإنتاج المحلي، ستكون أول شراكة صناعية دفاعية كبرى بين البلدين. وإذا تم إبرامها، فستشكل خطوة مهمة في تعميق التوافق الاستراتيجي والتعاون الدفاعي والردع الإقليمي، مما قد يغير التوازن الجيوسياسي في منطقة الخليج.
بالنسبة إلى واشنطن، يُمكن أن تكون هذه الصفقة المحتملة دليلاً على فاعلية نموذج أمني يتوافق مع الولايات المتحدة دون أن يكون معتمداً بالكامل عليها. وعلى نحو أكثر تحديداً، أصبحت التحالفات المتعددة الأطراف للدفاع الجوي عنصراً أساسياً في المشهد الدفاعي في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر، حيث تتشارك الدول معلومات الرادار والاستخبارات والإنذار المبكر. يكمن التحدي أمام المسؤولين الأمريكيين في تشجيع إسرائيل والإمارات على ضمان إمكانية توسيع نطاق اتفاقياتهما الثنائية لتشمل شركاء إضافيين عند الاقتضاء، مع ضمان انسجام تعزيز التعاون الأمني وتبادل التكنولوجيا بين إسرائيل والإمارات مع أنظمة الرقابة الدولية على الصادرات. وبالتالي، سيُمكن هذا الولايات المتحدة من الاستفادة من اهتمام دول الخليج بقدرات إسرائيل الفريدة في مجال الدفاع الصاروخي، مع الاستمرار في تشجيع إسرائيل على الانتقال من النهج العسكري إلى المسار الدبلوماسي، وتعزيز دعمها لبناء القدرات الدفاعية الإقليمية.
من التطبيع الدبلوماسي إلى التطبيع الدفاعي
منذ عام 2020،عملت الإمارات وإسرائيل بثبات على ترسيخ علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية المطبعة، وتوسيعها لتشمل المجال الأمني، وهو ما تؤكده التطورات التالية:
- تشرين الثاني/نوفمبر 2021: القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكيةتنفذتدريبات بحرية متعددة الأطراف في البحر الأحمر، بمشاركة قوات من البحرين والإمارات وإسرائيل، في أول مناورات عسكرية يتم الإعلان عنها بين الدول الموقعة على اتفاقيات "أبراهام".
- أيلول/سبتمبر 2022: تعلن شركة "إلبيتسيستمز الإمارات"، التابعة لشركة الدفاع الإسرائيلية، عن فوزها بعقد بقيمة 53 مليون دولار لتزويد القوات الجوية الإماراتية بأنظمة دفاعية. كما وافقت إسرائيل على تزويد الإمارات بنظام الدفاع الجوي المتحرك "سبايدر".
- تشرين الأول/أكتوبر 2022: نشر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الصنع"باراك" في الإمارات العربية المتحدة.
- شباط/فبراير 2023: تعلن إسرائيل والإمارات عن أول تدريبات بحرية ثنائية بينهما، وتكشفان عن سفينة بحرية بدون طيار تم تطويرها بشكل مشترك
- . نيسان/أبريل 2025: ترسل الإمارات طائرات مقاتلة من طراز "ميراج 2000– 9" للانضمام إلى القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في تدريبات متعددة الجنسيات في اليونان، في مؤشر على استمرار التعاون رغم حرب غزة.
إلى جانب هذه الأحداث البارزة، يتبادل البلدان المعلومات الاستخباراتية بشأن التهديدات المشتركة ويعملان عبر منصة استخبارات مشتركة، تسمى "كريستال بول"، تركز على تهديدات الأمن السيبراني.
وفيما يتعلق بالدفاع الجوي تحديداً، بدأت الإمارات العربية المتحدة عام 2022، بتحديث وتوسيع قدراتها الدفاعية وذلك فى أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها ميليشيات موالية لإيران على أراضيها. وهنا تبرز أهمية طائرات "هيرميس 900 "، التي تستطيع حمل حمولة تصل إلى 660 رطلا، والتحليق في الجو لمدة تصل إلى 30 ساعة، على ارتفاع يصل إلى 30 ألف قدم، أثناء تنفيذها مهام الاستطلاع والمراقبة والاتصالات والحرب الإلكترونية. ومع إعطاء الأولوية لاقتناء أنظمة دفاعية معينة، يسعى قادة الإمارات أيضا إلى نقل التكنولوجيا الحيوية وتوقيع اتفاقيات للتوطين بهدف تعزيز صناعتها الدفاعية المحلية. ومن الجوانب الجوهرية في اتفاقية "هيرميس 900" بين الإمارات وإسرائيل أنها تشمل، إلى جانب شراء عدد غير معلن من الطائرات المسيرة، خطة لنقل التكنولوجيا بشكل تدريجي، تؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج محلي من قبل شركة تابعة لشركة " إيدج". وبالتالي، قد تمكّن خطة "هيرميس" الإمارات من الانتقال من دولة مستوردة إلى دولة مصنّعة، ما يحقق أحد الأهداف الجوهرية في استراتيجيتها الدفاعية للأعوام 2025 – 2028 لتعزيز قطاعها الدفاعي. تُظهر هذه الإمكانية كيف أسهمت اتفاقيات "أبراهام"، من خلال إضفاء الطابع الرسمي على تجارة الأسلحة وتسهيل نقل التكنولوجيا الحساسة، في دعم أهداف الإمارات في تنويع اقتصادها، وفي تعزيز موقع إسرائيل داخل سوق الدفاع الخليجي. وفي هذا السياق، شكلت الدول الموقعة على الاتفاقيات نسبة 12% من صادرات إسرائيل الدفاعية عام 2024 وحده، والتي بلغت قيمتها نحو 15 مليار دولار.
الآثار الإقليمية والعالمية لتنامي العلاقات الدفاعية بين إسرائيل والإمارات
تنطوي الشراكة الدفاعية المتنامية بين الإمارات وإسرائيل على تداعيات إقليمية، وربما عالمية، بالغة الأهمية، إذ تحمل في طياتها إمكانية إعادة تشكيل المشهد الأمني في الشرق الأوسط. وإذا ما تم تنفيذ الاتفاق الحالي، فقد تنظر دول الخليج، مثل السعودية وقطر، إليه بوصفه نموذجاً لتوسيع خياراتها في تنويع وتوطين الإنتاج الدفاعي بالشراكة مع أطراف مفضلة ومقبولة لدى واشنطن، وربما حتى مع إسرائيل. وإلى جانب التقارب العسكري ونقل التكنولوجيا، يشير هذا التعاون إلى تحول استراتيجي أعمق، يعكس إعادة اصطفاف مدفوعة بالمخاوف الأمنية المشتركة، والحاجة إلى قدرات دفاعية متقدمة، والرغبة في تقليل الاعتماد على الموردين التقليديين.
كما تعكس هذه الشراكة عملية إعادة ضبط أشمل تجري في المنطقة في أعقاب توقيع اتفاقيات "أبراهام"، حيث أدى التطبيع إلى تحقيق مكاسب ملموسة على المستويات الدبلوماسية والأمنية والصناعية. ويمكن لهذا التعاون الدفاعي المتقدم بين شركاء أمنيين مقربين من الولايات المتحدة أن يسهم في تسريع التكامل الدفاعي الإقليمي، وتعميق العمل المشترك في مشاريع التكنولوجيا والمجالات الأخرى، وربما جذب شركاء إضافيين لتوسيع إطار الأمن في المنطقة. علاوة على ذلك، قد يتيح هذا التعاون تلبية احتياجات الإمارات وشركائها من المعدات والقدرات الدفاعية بشكل أسرع وأكثر مرونة مقارنة بالاعتماد الحصري على مجموعة من الموردين.
ومع ذلك، فإن تزايد التعاون بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ينطوي أيضاً على مخاطر، مثل احتمال تصاعد تصوّر إيران للتهديد بعد حرب حزيران/يونيو التي استمرت اثني عشر يوماً، والتي شهدت ضربات أمريكية مباشرة على المنشآت النووية الإيرانية. على الرغم من أن أبو ظبي اتبعت في السنوات الأخيرة نهجاً قائماً على "عدم وجود أعداء" في المنطقة والتقارب مع إيران، فإن تعاونها الأمني المتزايد مع القدس قد يثير قلق طهران. علاوة على ذلك، في حين أن الإمارات والبحرين تبنت علناً التطبيع مع إسرائيل، اتخذت دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية، نهجاً أكثر حذراً – نظراً لاستمرار التحدي الإيراني وحرب غزة التي لا تلوح نهايتها في الأفق - وقد لا ترغب في محاكاة التعاون العميق الذي تسعى إليه الإمارات. وقد تشعر عمان والكويت على وجه الخصوص بالقلق من أن التركيز المفرط على المصالح الاقتصادية والدفاعية قد يُضعف موقف مجلس التعاون الخليجي الموحد، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومات على تحقيق التوازن بين الرأي العام والضغوط السياسية في الداخل. وقد ترى دول أخرى، مثل تركيا ومصر، أن التحول الحالي يهدد أدوارها الأمنية الإقليمية.
وخارج المنطقة، قد تنظر دول مثل الصين وروسيا إلى التعاون الأمني المتنامي بين إسرائيل والإمارات على أنه تعزيز إضافي للبنية الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة والتي تهدف إلى الحد من نفوذهما. ومع ذلك، في حين أن خصوم الولايات المتحدة قد يرون في ذلك تحدياً لأهدافهم، فمن غير المرجح - نظراً للنجاح الاقتصادي الكبير للصين من جهة، والقيود المتعددة على الموارد الروسية من جهة أخرى - أن يغيروا من نهجهم في التعامل مع المنطقة نتيجة لذلك.
توصيات السياسة
لن يكون توطيد شروط اتفاق هيرميس وتنفيذه اللاحق خالياً من التحديات. وتحسباً لذلك، ستحتاج الإمارات العربية المتحدة إلى معالجة المخاوف الداخلية بشأن التعاون مع إسرائيل بشكل استباقي وزيادة الشفافية وتدابير بناء الثقة لتخفيف المخاوف الإقليمية. ومن جانبها، يجب على إسرائيل تصميم الاتفاقية بما يرسخ الثقة طويلة الأمد كمورد موثوق للدفاع، مع إبراز الإمارات العربية المتحدة كنموذج يُحتذى به في المنطقة، وضمان أمن التكنولوجيا. وللولايات المتحدة دور محوري يمكن أن تضطلع به، من خلال اتخاذ سلسلة من الخطوات الاستباقية للتعامل مع التحديات المحتملة مستقبلاً، وضمان استدامة التعاون الدفاعي الناشئ:
- العمل مع الحلفاء الأوروبيين لتشجيع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة على الشفافية بشأن صفقةهيرميس، وتنسيق ضوابط التصدير وأمن المعلومات ومعايير التكنولوجيا العسكرية.وسيتطلب ضمان الامتثال تشجيع إسرائيل على إدراج ضوابط لنقل التكنولوجيا إلى أطراف ثالثة، إلى جانب تدابير وقائية لرصد الاستخدام النهائي.
- ضمان قابلية الصفقات الناشئة للتشغيل البيني ضمن البنية الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة. ثم، في الوقت المناسب، دفع إسرائيل والإمارات إلى إشراك شركاء إضافيين في التعاون الأمني.
- دعم الحوارات الأمنية الإقليمية الموسعة. وفي هذا السياق، اقتراح تسهيل المناقشات حول الآليات التي يمكن أن تسهم في إدارةمخاطرالتصعيد.
- استكشاف شراكات محلية مع الجهات الفاعلة الإقليمية والقاعدة الصناعية الأمريكية. كان هذا مطلباً رئيسياً من الولايات المتحدة لعدة شركاء في الخليج، لكن الشركات الأمريكية ما زالت تجد صعوبة في تلبيته دون حلول تقدمها واشنطن. قد يقدم نهج إسرائيل في صفقتها مع الإمارات دروساً حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع التوطين في الصفقات المستقبلية.
الخلاصة
بشكل عام، يُعد احتمال حصول الإمارات العربية المتحدة على نظام الطائرات بدون طيار "هيرميس 900 "من إسرائيل اختباراً مهماً لتكامل الدفاع بعد اتفاقيات "أبراهام"، والذي قد يؤثر على توسع التطبيع إلى ما وراء المجال الدبلوماسي والاقتصادي ليشمل التعاون العسكري والصناعي. ومن المرجح أن تكون له أيضاً آثار أوسع نطاقاً على بنية الأمن في الشرق الأوسط، مما يدل على أهمية التصور المشترك للتهديدات والثقة وتكامل الدفاع، وإعادة تشكيل حدود الممكن في ظل التطبيع. وفى نهاية المطاف، ينبغي على الولايات المتحدة الاستفادة من هذه الصفقة المحتملة كدليل على صحة مفهوم نموذج أمني متوافق مع الولايات المتحدة، وليس معتمداً عليها.