
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
تراجع التمويل الأمريكي يُهدّد عمليات مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية"
Also published in "لوفير"

تزعم إدارة ترامب أنها تُعطي أولوية لجهود مكافحة التنظيم، لكن تقليص التمويل يُهدد بتقويض هذه الجهود الحيوية.
منذ ظهور "تنظيم الدولة الإسلامية" على الساحة في عام 2014، قادت الولايات المتحدة الجهود الرامية إلى مكافحة نفوذ التنظيم، حيث كانت واحدة من أكبر المانحينللتحالف العالمي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وقادت قواته من خلال عملية العزم الصلب . وقد اسفرت هذه الجهود عن هزيمة "تنظيم الدولة الإسلامية" عسكرياً في العراق في عام 2017 وفي سوريا في عام 2019. وبعد سقوط ما يسمى بـ "خلافة" "تنظيم الدولة الإسلامية"، تبدلت طبيعة التهديد، مما استلزم اعتماد نهج جديد. وبناءً على ذلك، قسم قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا في عام 2022 تهديد "تنظيم الدولة الإسلامية" إلى ثلاثة أقسام: التنظيم النشط، ويشمل القادة والعملاء الذين يقاتلون الولايات المتحدة وشركاءها في العراق وسوريا؛ والتنظيم المحتجز، ويضم الآلاف من الرجال والأولاد المرتبطين بالتنظيم، بالإضافة إلى بعض النساء والفتيات، الموجودين في مرافق الاحتجاز ومراكز إعادة تأهيل الشباب في العراق وسوريا؛ وأخيراً الجيل القادم المحتمل من التنظيم، ويتكوّن من عشرات الآلاف من النساء والأطفال القاصرين المحتجزين في معسكري الهول وروج في شمال شرق سوريا.
أدى هذا النهج إلى إنشاء هياكل تمويل جديدة. فمع وجود قوة صغيرة تتألف في معظمها من قوات خاصة، عملت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية مع شركاء محليين على الأرض لمكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية". وقد أنفقت وزارة الدفاع الأمريكية، من خلال "صندوق التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية" (CTEF)، مئات الملايين من الدولارات سنوياً لتمويل مرافق احتجاز تضم نحو عشرة آلاف رجل ومراهق تابعين للتنظيم المحتجز في معسكرات مغلقة مثل الهول وروج - والتي كانت تضمّ في ذروتها أكثر من 70,000 من عناصر الجيل القادم، وتضم اليوم نحو 40,000، غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد وفر الصندوق تمويلاً لحراسة المعسكر من الخارج، بينما مولت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة الخارجية الأمريكية بشكل أساسي ميزانية تشغيل المعسكرات. وقد خُصّصت أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية لدعم الاستقرار في سوريا وضمان الهزيمة الدائمة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، فضلاً عن تخصيص أموال لمخيم الهول على وجه الخصوص.
شكل تمويل صندوق مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الدفاع، إلى جانب المساعدات المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، عنصراً حيوياً في مواجهة التهديد الثلاثي الذي يمثله التنظيم في سوريا اليوم. ومع إعادة تقييم الولايات المتحدة لعلاقتها مع سوريا، ازداد الغموض بشأن مستقبل مهمة مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية" بشكل متزايد. ورغم إعلان إدارة ترامب أنها لا تزال تُعطي الأولوية لهذه العمليات، إلا أنّ تغييرات التمويل تشير إلى عكس ذلك، مما يفرض تحديات فورية ومستقبلية.
تحول جذري؟
في 20 كانون الثاني / يناير، فرض البيت الأبيض تجميداً لمدة 90 يوماً على جميع المساعدات الخارجية الأمريكية، مما انعكس سلباً على البرامج التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية في سوريا. وفي 24 كانون الثاني/ يناير، أجاز وزير الخارجية ماركو روبيو بعض الاستثناءات للبرامج التي اعتبرها "أساسية"، من دون تقديم توضيحات كافية حول البرامج التي تستوفي هذه المعايير. وفي 10 أذار/مارس، أوضح الوزير روبيو أن 83 في المئة من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (حوالي 5200 برنامج) سيتم إلغاؤها. وفي 28 آذار/مارس، أغلق روبيو فعلياً الوكالة، وخفض عدد موظفيها إلى 15 موظفاً فقط ونقل ما تبقى من مهامها إلى وزارة الخارجية. ومؤخراً، في 22 نيسان/أبريل، اقترحت وزارة الخارجية إعادة هيكلة ينقل بموجبها مكتب مكافحة الإرهاب - الذي يندرج تحته "التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية"- من الشؤون السياسية إلى مكتب وكيل وزارة الخارجية لشؤون مراقبة الأسلحة والأمن الدولي، مما يشير إلى نهاية النهج "الأكثر ليونة" الذي يعتمده المكتب في مكافحة التطرف العنيف.
لم تُؤثِّر هذه التوقّفات والإلغاءات حتى الآن على تمويل "صندوق التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية"، الذي تموَله وزارة الدفاع، وبالتالي لم يكن لها تأثير مباشر على الشقّين الأولَين من مهمة مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية " النشط وذلك المحتجز. ومع ذلك، من المُقرر أن ينتهي تمويل "صندوق التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية" الخاص بسوريا في عام 2026. كما أدى تجميد التمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية إلى تقليص الأولوية لجزءٍ حيوي من مهمة مكافحة التنظيم، أي مكافحة الجيل القادم للتنظيم. على وجه التحديد، تؤثر هذه التغييرات في التمويل على عمليات معسكرات الاعتقال التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، والتي تضم ما يقرب من 40,000 أسرة تابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية". وقد أوضحت إدارة ترامب أن الولايات المتحدة كانت في السنوات الأخيرة "أكبر مانح فردي للمساعدات في العالم"، غير أن هذا الاتجاه لن يستمر في ظل إدارة ترامب. وقد عبرت عن هذا التغيير القائمة بالأعمال بالنيابة السفيرة دوروثي شيا في الأمم المتحدة في شباط/ فبراير، عندما أشارت إلى المساعدات الأمريكية لمخيمي الهول وروج، قائلة:" لقد تحملت الولايات المتحدة عبئاً كبيراً جداً لفترة طويلة جداً. وفي النهاية، لا يمكن أن تظل المخيمات مسؤولية مالية مباشرة للولايات المتحدة".
أدت هذه التحولات في التمويل، فضلاً عن التحول الجيوسياسي الأكبر الذي أعلنه الرئيس، إلى تعقيد مهام معسكرات الاحتجاز في القيام بمهامها، بما في ذلك ترحيل الأشخاص المعرضين للخطر إلى أوطانهم. وإذا كان الهدف هو إخراج الأشخاص المعرضين لجهود التجنيد من قبل "تنظيم الدولة الإسلامية" في سوريا، فإن على الولايات المتحدة وحلفائها ضمان تنفيذ البروتوكولات المناسبة. ورغم أن ترحيل تلك العناصر يمثل الهدف النهائي، إلا تحقيقه يستغرق وقتاً. ومن ثم، فإن استمرار تشغيل هذه المعسكرات - التي تحتاج إلى المساعدات يشكل أمراً حيوياً لأسباب أمنية وإنسانية. وفي حين أن التخفيضات قد توفر المال على المدى القصير، فإن خفض الأولويات لجهود مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية" ينطوي على مخاطر كبيرة على المدى الطويل.
التداعيات الإنسانية والأمنية قصيرة المدى
أدى إلغاء ووقف التمويل والارتباك المحيط بالإعفاءات الخاصة بالبرامج الممولة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية التي تهدف إلى مكافحة الجيل القادم من" الدولة الإسلامية"، إلى وضع معسكرات اعتقال الهول وروج في شمال شرق سوريا في حالة من الفوضى. وفي المعسكرات، كان المتعاقدون الأمريكيون - الذين يتقاضون رواتبهم من خلال منح من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية - يوفرون تقليدياً الغذاء والماء والوقود وخدمات الصرف الصحي، والخيام، والتعليم، والأمن. ومع ذلك، أفاد تقرير المفتش العام الذي صدر مؤخراً إلى الكونغرس عن عملية "العزم الصلب"، بأن الارتباك حول الأنشطة المعلقة، أدى إلى انسحاب المتعاقدين من المخيمات لفترة قصيرة (حوالي 48 ساعة)، وتم نُهب المستودعات، ولم يتم توفير سوى مياه الشرب. وبعد تصنيف مخيمات الاحتجاز كمساعدات إنسانية منقذة للحياة، تم السماح باستمرار تقديم بعض هذه الخدمات عبر إعفاء خاص.
ومع ذلك، تم إنهاء خدمات أخرى بالكامل. فعلى سبيل المثال، أدى حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى إغلاق مركزين تعليميين تابعين لمنظمة "أنقذوا الأطفال" في مخيم الهول، كانا يقدمان الخدمة لأكثر من 600 طفل في المخيم. ومن بين المقاولين الآخرين المعرضين لخطر تراجع التمويل المخصص لمنظمة "بروكسميتي إنترناشيونال" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والتي تدير برنامجاً لتدريب وتجهيز قوات الأمن المحلية في شمال شرق سوريا وفي مخيم الهول. ورغم حصولها في البداية على إعفاء لمدة شهر واحد، إلا أنّ مصيرها لا يزال غير واضح، وقد تُضطر إلى تعليق عملياتها، ما يُعرّض سلامة المخيم للخطر، إذ تدعم هذه المنظمة غير الحكومية قوات الأمن الداخلي في معسكر الاحتجاز.
كما تواجه منظمة "بلومونت " تهديداً مماثلا، وهي واحدة من أكبر المنظمات الإغاثية العاملة في المخيم منذ عام 2016، وتتلقى تمويلاً من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية لتوفير الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي والوقود والكهرباء ودعم الحراسة لحماية هذه الموارد الحيوية. وتعمل "بلومونت" أيضاً مع إدارة المخيم لتسهيل عمليات إعادة المعتقلين إلى الوطن. وعندما تلقت "بلومونت" أمراً بوقف العمل بعد تجميد التمويل لمدة 90 يوماً، تأثرت قدرة المنظمة على توفير الخدمات الأساسية، وتوقفت عمليات ترحيل عناصر التنظيم التي كانت مخططة إلى العراق. وبعد الارتباك الأولي الذي أحاط بتعليق المساعدات لمدة 90 يوماً، حصلت "بلومونت" على إعفاء لمدة 15 يوماً من التجميد، قبل أن تتلقى لاحقاً تأكيداً بأنها ستواصل عملها حتى سبتمبر/أيلول 2025. ومع ذلك، لا يزال مصير عملياتها بعد هذا التاريخ غير واضح. واعتباراً من بداية عام 2025، كان لدى "بلومونت" خمسة مشاريع جارية في شمال شرق سوريا، ثلاثة منها بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية، بينما يتلقى المشروعان الآخران تمويلاً من وزارتي الخارجية الدنماركية والألمانية.
الآثار طويلة المدى: الإعادة إلى الوطن والعودة وإعادة الإدماج
بالإضافة إلى التهديدات الوشيكة التي تواجه توفير الخدمات والأمن في معسكري اعتقال الهول وروج، فإن هذه التغييرات في التمويل تحمل أيضاً آثاراً طويلة الأمد على السكان المحتجزين في شمال شرق سوريا، وعلى مستقبل سوريا ذاته. فمنذ نهاية سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" على الأراضي، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً لإعادة آلاف المحتجزين في معسكري الهول وروج إلى بلدانهم، وقدّمت الدعم في هذا السياق. وتشير البيانات إلى أن الغالبية العظمى من المحتجزين هم من السوريين والعراقيين، إلى جانب عدد من رعايا دول أخرى. ووفقاً لبيانات جمعتها الكاتبة، تم ترحيل نحو 3,850 من رعايا الدول الأخرى، و17,600 عراقي من مراكز الاحتجاز والمخيمات منذ عام 2019، كما غادر أكثر من 13,000 سوري مخيم الهول. أما اليوم، فلا يزال هناك نحو 16,000 سوري، و13,800 عراقي، و8,600 من رعايا الدول الأخرى في مخيمي الهول وروج.
لطالما شكل العراقيون أكبر مجموعة بين المحتجزين، لكن بحلول آذار/مارس 2025، لم يشكل العراقيون سوى 38 بالمئة فقط من سكان المخيم، لتتراجع نسبتهم دون نسبة السوريين للمرة الأولى. ويُعزى ذلك إلى أن العراق، بدعمٍ من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، أعاد منذ عام 2021 أكثر من 16,000 شخص من مخيم الهول، من بينهم أكثر من 5,000 خلال عام 2025 وحده. وبعد مغادرتهم، يُنقل المواطنون العراقيون إلى مخيم "جدة 1" المؤقت، ثم يُعاد دمجهم في المجتمع العراقي. وتُعَدُّ عمليةُ الترحيل هذه بالغة الأهمية في الحد من خطر عودة "تنظيم الدولة الإسلامية" إلى سوريا، كما يُشكّل نجاح العراق في إعادة دمج مواطنيه عاملاً محورياً في دعم استقرار البلاد. ويتم تمويل جزء كبير من هذا العمل الحيوي عبر الدعم الأمريكي، إذ توفّر الولايات المتحدة معظم التمويل لمخيم "جدة 1"، بما يشمل خدمات الغذاء والمياه والصرف الصحي، ودعم الحماية، والرعاية الصحية، والصحة العقلية، والخدمات القانونية، والتعليم، والتدريب المهني، وتأهيل الموظفين.
أصبح التمويل الأمريكي لهذه البرامج الآن مهدداً. فعلى سبيل المثال، تأثرت "منظمة الهجرة الدولية " ( (IOMالتي تشارك في إدارة مخيم "جدة 1"، بوقف التمويل وتخفيضه. ومن المقرر أن تنتهي، في أيلول / سبتمبر 2025، العديد من الخدمات المنقذة للحياة التي استمرت بفضل إعفاء مؤقت، بما في ذلك المياه النظيفة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية الأساسية. وقد أُلغيت بالفعل غالبية الخدمات الاجتماعية وبرامج التعليم. وبدون تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية، التي دعمت عيادة "جدة 1" الصحية، لم يتمكن السكان من الحصول على الإمدادات الطبية والكوادر الصحية الكافية، كما تم تعليق الدعم النفسي. ومن دون استثمار أمريكي في هذه البرامج - أو على الأقل التواصل والتنسيق المناسبين لسدّ الفجوات التي خلّفها تراجعُ الأولوية الأمريكية في مواجهة "تنظيم الدولة الإسلامية - الجيل القادم" - ستتضرر قدرة العراق على إعادة الأفراد إلى أوطانهم بنجاح.
كذلك، تأثرت برامج تحديد العائدين السوريين وإعدادهم واستقبالهم من مخيم الهول نتيجة تجميد التمويل الأمريكي. فطوال سنوات، موّلت الولايات المتحدة برامج لمساعدة السوريين على العودة إلى مجتمعاتهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، بينما لم يتمكن السوريون القادمون من مناطق النظام السابق من العودة. ومنذ بداية عام 2025، لم يغادر أي سوري مخيم الهول. وتبدو احتمالات عودة الأفراد إلى سوريا محدودة، لاسيما بعد تجميد أو إلغاء جميع أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، بما في ذلك تلك التي تدعم مخيم الهول. ومع تواصل تدهور الوضع الإنساني في مختلف أنحاء البلاد، سيصبح من الصعب بشكل متزايد تشجيع السوريين على مغادرة مخيم الهول - الذي لا يزال يؤمّن الحد الأدنى من الخدمات الأساسية - لمواجهة مصير مجهول في وطنهم، في وقت تكافح فيه الحكومة في دمشق من أجل تثبيت الاستقرار. ونظراً إلى أن غالبية المحتجزين حالياً في مخيم الهول هم من السوريين، فإن هذا الواقع سيكون له أثر سلبي على جهود مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية". إن تراجع الأولوية الممنوحة لمواجهة الجيل القادم من "تنظيم الدولة الإسلامية" – ولا سيما خفض التمويل المخصص لبرامج الإعادة إلى الوطن وإعادة الإدماج - يُشكل تهديدًا لاستقرار سوريا، حيث تواجه دمشق أزمة إنسانية حادة، وتفتقر إلى القدرة على القيام بمهمة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية بمفردها.
وأخيراً، كما ذكرنا سابقاً، ساعدت المنظمات غير الحكومية التي تمولها الولايات المتحدة في تسهيل إعادة رعايا الدول الاخرى إلى أوطانهم. وقد يؤثر إنهاء هذه البرامج الممولة - إلى جانب تهديد انسحاب الولايات المتحدة من سوريا - على استمرار إعادة هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم. فعلى سبيل المثال، وفقاً لبيانات يحتفظ بها المؤلف، تمت إعادة 245 من رعايا الدول الاخرى إلى أوطانهم بحلول مايو 2024؛ ولكن حتى مايو 2025، لم يتم إعادة سوى 17 منهم. وقد أدت حالة عدم اليقين السياسي والمالي في سوريا إلى تعريض مراكز الاحتجاز للخطر وسمحت للدول بمواصلة التنصل من مسؤوليتها في إعادة التوطين، في الوقت الذي تعمل فيه قوات سوريا الديمقراطية ودمشق على توحيد البلاد.
المضي قدماً
لا شك في أن الولايات المتحدة تحملت الجزء الأكبر من المسؤولية العسكرية والمالية في مهمة مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية" في الشرق الأوسط، وهي مهمة تتطور باستمرار. ومع ذلك، فإن هذه المهمة لا تقتصر على مكافحة الإرهاب التقليدي؛ بل تشمل مواجهة التنظيم النشط، والتنظيم المحتجز، وتنظيم الجيل القادم. وبالتالي، فإن خفض البرامج الأمريكية المخصصة لمكافحة هذا "الجيل القادم" - ولا سيما في معسكري الهول وروج - من دون وضع تصور مناسب لسدّ هذه الفجوات، يُعد أمراً بالغ الخطورة. إن تقليص الأولوية الممنوحة لمواجهة الجيل القادم من التنظيم، رغم ما يوفّره من خفض في التكاليف على المدى القصير، سيكون له أثرٌ ضار على المدى الطويل، حيث سيُقوّض استقرار سوريا ويُخلّف عواقب بعيدة المدى على جهود إعادة التوطين وإعادة إدماج الأفراد المحتجزين.
ليس من واجب الولايات المتحدة وحدها تحمّل هذه المسؤولية؛ إذ من الضروري تقاسم الأعباء. ولكن، نظراً إلى الوضع الإنساني الراهن، فإن الحكومة السورية غير مستعدة بعد لتحمّل هذه المسؤولية. ويتعين على الولايات المتحدة التنسيق مع شركائها - بمن فيهم شركاؤها في سوريا وتركيا والعراق وأوروبا – لضمان إعطاء الأولوية لمعالجة "الجيل القادم من تنظيم الدولة الإسلامية"، مع التركيز على تأمين المخيمات، وإعادة التوطين، وإعادة الإدماج. وبهذا النهج، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها مواجهة احتمال عودة "تنظيم الدولة الإسلامية" في المستقبل، وهو تهديدٌ لا يطال سوريا فحسب، بل المجتمع الدولي بأسره.
ديفورا مارغولين هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة "بلومنشتاين-روزنبلوم" في "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن، وأستاذة مساعدة في "جامعة جورج تاون".