- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4140
تفكيك ملف الصين في العلاقات الأمريكية - السعودية
مع زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، يتعين على الولايات المتحدة استثمار هذه الفرصة - إلى جانب نفوذها - لتقليص نفوذ الصين في البلاد.
من بين الموضوعات العديدة المدرجة على جدول أعمال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن هذا الأسبوع، لا يوجد قضية أكثر أهمية من التنافس بين الولايات المتحدة والصين. وتشمل قائمة القضايا التي يرغب الطرفان في مناقشتها اتفاقية دفاع محتملة، ومبيعات أسلحة، واتفاقية "أبراهام" محتملة مع إسرائيل، إلى جانب سعي واشنطن لضمان أن يؤدي تعميق الشراكة مع الرياض إلى الحد من انخراط المملكة المتزايد مع بكين في الوقت نفسه. وفي ظل المنافسة الراهنة بين القوى الكبرى، قد تقوض حتى مجالات التعاون التي تبدو بريئة مع الصين فرص التنسيق والتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. وتوجد العديد من الدول التي تحاول توسيع هامش المناورة بين الطرفين في الشرق الأوسط.
تتمتع إدارة ترامب بفرصة فريدة ليس فقط لإعادة تشكيل علاقتها مع المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً لترسيخ علاقة ثنائية تواكب متطلبات العصر الحالي. وقد انتهجت الإدارة بالفعل نهجاً حازماً في منافسة الصين على الساحة العالمية، ساعية ليس فقط إلى احتواء نفوذ بكين، بل أيضاً إلى دفعها إلى التراجع في بعض الحالات المحددة. وينبغي أن تستثمر زيارة ولي العهد، محمد بن سلمان، للمضي في الاتجاه نفسه مع المملكة في عدة مجالات، أبرزها التكنولوجيا والدفاع.
التكنولوجيا
تكمن الرغبة في تحويل المملكة إلى قوة تكنولوجية في صميم "رؤية 2030" - الخطة الطموحة التي يقودها محمد بن سلمان لإحداث تحوّل جذري في الدولة السعودية. وقد خصصت المملكة مليارات الدولارات للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتطورة الأخرى. ويرى المسؤولون السعوديون أن ثروة البلاد ومواردها الوفيرة من الطاقة تشكل مصدر قوة رئيسي في سباق الذكاء الاصطناعي، وقد قاموا بما يلي: توجيه الموارد إلى بناء مراكز بيانات محلية لمعالجة كميات كبيرة من المعلومات؛ وإنشاء منظومة "هيوماين" الرائدة بهدف معالجة %6 من حركة الذكاء الاصطناعي العالمية؛ وإبرام شراكاتمع عمالقة التكنولوجيا مثل "جوجل"؛ واستقطبوا العديد من شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى المملكة.
ومع ذلك، فقد عمقت الرياض أيضاً علاقاتها التكنولوجية مع الصين، حيث تستخدم شركة أرامكو السعودية - وهي أكبر شركة نفط في العالم – منصة الذكاء الاصطناعي الصينية " DeepSeek " في مراكز البيانات التابعة لها. كما تعتمد معظم شبكة الاتصالات في المملكة العربية السعودية على شركات صينية مثل "هواوي". كما أنشأت شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة "علي بابا" مراكز بيانات للحوسبة السحابية إضافة إلى أكاديمية للتدريب في المملكة. علاوة على ذلك، بدأت الشركتان الصينيتان "Shanghai Lummington " و"China Mobile International " بناء مراكز بيانات ضخمة في الرياض وجدة. وكشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير حصري عام 2024 أن عشرات الطلاب الصينيين من جامعات مرتبطة بالجيش يدرسون في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا "، التي تمثل مركز جهود المملكة لتحقيق التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
وقد أثارت العلاقات التكنولوجية بين المملكة العربية السعودية والصين مخاوف لدى إدارتي بايدن وترامب. فعلى الرغم من أن ترامب وافق على توفير رقائق "Nvidia " المتطورة للمملكة خلال زيارته لها في أيار/مايو، إلا أن واشنطن لم تمنح بعد الموافقة النهائية على تصديرها. وتنقسم هذه المخاوف إلى شقين: الوصول والتأثير، إذ إن توفير تقنيات أمريكية متطورة لدول ترتبط بعلاقات مع الصين قد يمنح بكين من دون ضمانات صارمة إمكانية الوصول إلى تقنيات ومعلومات حساسة ومحمية بحقوق ملكية.
ويمكن أن يؤدي هذا الوصول بدوره إلى إضعاف الميزة التنافسية للولايات المتحدة في هذه التقنيات. وثمة أيضا قلق أوسع نطاقا من أن الدول التي تعتمد على الصين في الحصول على التقنيات الحساسة قد تبدأ باستنساخ الأساليب التي تتبعها بكين في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة داخليا، ولا سيما في مجال الحوكمة. ولهذه الأسباب، عبر المسؤولون الأمريكيون من الجانبين باستمرار عن قلقهم بشأن الجهات المحتملة المستفيدة من التقنيات الأمريكية المتقدمة.
الدفاع
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لا تزال تمثل الشريك الأمني الرئيسي للمملكة ومصدر الغالبية العظمى من معداتها العسكرية. ومع ذلك، سعى محمد بن سلمان إلى تحديث الدولة السعودية وخلق قدر من الاستقلالية في قطاع الدفاع لديها. ويعني ذلك التركيز بشكل شامل على إنشاء قاعدة صناعية دفاعية قادرة على تصميم وبناء وصيانة المعدات العسكرية المحلية. أحد أهداف رؤية 2030 هو أن يتم تصنيع 50% من المعدات العسكرية السعودية محلياً بحلول عام 2050. ولتحقيق هذا الهدف، ضغطت المملكة بشكل متزايد على الشركات الدولية للتعاون مع الشركات السعودية وسعت إلى الانضمام إلى مبادرات البحث والتطوير مع دول أخرى، وأبرزها مشروع المقاتلة من الجيل السادس الناشئ الذي تشارك فيه المملكة المتحدة واليابان وإيطاليا.
كما عمقت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدفاعية مع الصين، إذ أفادت تقارير بشرائها طائرات مسيرة وصواريخ باليستية وأنظمة دفاع جوي من بكين. في عام 2022، وقعت الرياض صفقات أسلحة جديدة بقيمة 4 مليارات دولار تقريباً مع شركات صينية، بما في ذلك اتفاقية لتصميم وتصنيع طائرات مسيرة بشكل مشترك. في عام 2024، أرسلت الصين أكثر من ثلاثين شركة دفاعية تحت شعار "الدفاع الصيني" إلى معرض الدفاع العالمي السعودي. كما عرضت الصين فريق الأكروبات الجوية "Bayi" التابع لمقاتلات " J-10" ، في أول عرض خارجي للفريق، وقامت بتزويد مقاتلات " J-10" بالوقود باستخدام ناقلة "Y-20" ، وذلك في أول عملية تزويد بالوقود علنية خارجية. ومنذ عام 2019، شاركت القوات العسكرية السعودية في تدريبات بحرية مع نظيراتها الصينية، وقامت قوة المرافقة البحرية الصينية بإجراء عمليات إجلاء وزيارات للموانئ في المملكة العربية السعودية.
أثارت علاقات المملكة مع الصين توترات مع الولايات المتحدة في الماضي. ففي عام 2023، انهارت اتفاقية بين شركة RTX”" (التي كانت تعرف سابقا باسم Raytheon) وشركة دفاع سعودية لإنتاج أنظمة رادار ودفاع جوي بشكل مشترك، وذلك بسبب ارتباط الشركة السعودية بشركات دفاع صينية وروسية. وأفادت التقارير أن انهيار الاتفاقية خلف تداعيات سلبية على شركات غربية أخرى، إذ تراجعت في حماية المعلومات السرية. ورغم أن احتمال تحول الصين إلى الشريك الأمني الرئيسي للمملكة يبقى ضعيفاً، فقد حددت بكين بذكاء أسواقا متخصصة لم تكن الولايات المتحدة تبيع فيها سابقاً، مثل الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي الموضعي. ونظراً لسجل بكين الحديث في أنشطة مشبوهة قرب القواعد الأمريكية، سيظل احتمال انتشار الأسلحة الصينية في دول تستضيف قوات أمريكية وتشتري في الوقت نفسه من الصين مصدر قلق لصانعي السياسة في واشنطن.
التوصيات
تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ تاريخي في الشرق الأوسط لأسباب عديدة. فقد تفاوض الرئيس ترامب على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وحشد عشرات القادة الدوليين لدعمه، وهو ملتزم شخصياً بنجاحه. وتنسق واشنطن عملية قبول تدريجية للحكومة السورية الجديدة. ولا يزال جيشها يشكل القوة الخارجية الوحيدة المستعدة والقادرة على تنفيذ عمليات واسعة في المنطقة. وتمتلك الولايات المتحدة أكثر رقائق الحوسبة تطورا في السوق، وهي جوهرة التاج لكل طامح في مجال الذكاء الاصطناعي في الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ومن ثم، يجب على إدارة ترامب أن تستخدم هذا الموقع الفريد ليس فقط لاحتواء نفوذ الصين في المملكة، بل لعكسه بفاعلية أكبر. ويمكن أن يتخذ ذلك عدة أشكال، منها.
- إزالةالموظفين والأصول الصينية من المشاريعالتكنولوجية المشتركةبين الولاياتالمتحدة والسعودية: ويشمل ذلك مشاريع مثل مركز " KAUST" التكنولوجي، وكذلك مراكز البيانات التي تتلقى رقائق ومكونات أمريكية. وفى هذا السياق، صرح أحد كبار المسؤولين السعوديين في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2024، إن المملكة قد تتخلى عن التعامل مع الصين إذا طلبت الولايات المتحدة ذلك. ومن ثم، ينبغي على واشنطن أن تختبر مدى صدق هذا الادعاء.
- تقييد مشتريات السعودية من الأسلحة الصينية المتطورة: من المرجح أن يتقبل المسؤولون الأمريكيون مشتريات السعودية من المعدات الصينية الأقل تطوراً، لكن على إدارة ترامب أن تحصل على تعهدات قوية بأن هذه المشتريات لن تشمل معدات أكثر تطوراً. علاوة على ذلك، يجب على إدارة ترامب أن تصر على عدم وضع الأسلحة الصينية في القواعد السعودية التي توجد فيها قوات أمريكية، وعلى منع دخول الفنيين الصينيين إلى تلك القواعد.
تقليل اعتماد السعودية على البنية التحتية الصينية للاتصالات: تحت ضغط الولايات المتحدة في إدارة ترامب الأولى، قامت دول مثلالمملكة المتحدةواليابان بإزالة "هواوي" من شبكات الاتصالات 5G الخاصة بها. كان من بين دواعي القلق أن يشكّل وجود "هواوي" في هذه الشبكات خطراً على التعاون المتقدم في مجالي الدفاع والأمن بين تلك الدول والولايات المتحدة. وفي إطار أي اتفاق دفاعي محتمل، ينبغي أن تسعى واشنطن إلى تحقيق النتيجة ذاتها في المملكة العربية السعودية.