- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4142
سوريا الجديدة في عامها الثاني: نحو بناء المؤسسات وترسيخ الحكم
بعد مرور عام على سقوط الأسد، ينضم مبعوث أمريكي سابق إلى سوريا إلى خبير في الفصيل الحاكم بقيادة الرئيس أحمد الشرع لمناقشة كيفية تعامل دمشق مع قضايا الحكم.
في 4 كانون الأول/ديسمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع هارون ي. زيلين وجيمس جيفري. زيلين هو زميل أول في المعهد ومؤلف دراسة تحت عنون "المؤسسات والحكم في سوريا الجديدة: الاستمرارية والتغيير من نموذج إدلب". أما جيفري، وهو زميل متميز في المعهد، فقد شغل سابقاً منصب الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا وسفيراً في تركيا والعراق. وفيما يلي ملخص لملاحظات المشاركين.
هارون ي. زيلين
مع اقتراب الولايات المتحدة من رفع عقوبات "قانون قيصر" لتخفيف الضغوط الاقتصادية على سوريا، ينبغي أن يتركز اهتمام الحكومة الانتقالية الرئيس في عامها الثاني على بناء المؤسسات وتطوير الحوكمة. ورغم التقدم المحرز في هذه المجالات خلال العام الماضي، لا تزال ثمة مخاوف بشأن ظهور حكومة ظل وشبكة اقتصادية غير رسمية على غرار النموذج الذي أنشأته جماعة الرئيس أحمد الشرع السابقة، "هيئة تحرير الشام" (HTS)، في محافظة إدلب. وعلى وجه الخصوص، شكّل النظامُ الاقتصادي غيرُ الشفاف للحكومة، إضافةً إلى تركيز صنع القرار في الأمانة العامة للشؤون السياسية بوزارة الخارجية، عائقاً أمام تحقيق الشفافية وزاد من مخاطر الفساد.
على سبيل المثال، أحرزت الحكومة تقدماً ملحوظاً في إعادة بناء الطرق وإزالة نقاط التفتيش المفرطة التي أنشأها النظام السابق وإصلاح أنابيب المياه والبنية التحتية الأخرى. ومع ذلك، اضطر العديد من المواطنين السوريين إلى بذل جهود شخصية مفرطة لإصلاح الممتلكات المتضررة، مما يُبرز الثغرات في سياسة إعادة الإعمار الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، ورغم الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية في تمويل إعادة الإعمار، ما تزال الحكومة تفتقر إلى آليات قوية للمساءلة والرصد لهذا التمويل. ويتمثل التحدي الكبير الآخر في ضمان شفافية العدالة الانتقالية بعد حرب أهلية مروعة وعقود من الانتهاكات خلال عهد الأسد.
مع دخول الحكومة الجديدة عامها الثاني، ينبغي أن تعطي الأولوية لتوسيع قدراتها المؤسسية والحد من الفساد لأدنى مستوى. فعلى سبيل المثال، ينبغي على دمشق تمكين المسؤولين في المستويات الأدنى بدلاً من التدخل في أدق تفاصيل عملهم، إذ من شأن ذلك أن يسهم في تطوير عملية الحوكمة ويجعل السكان المحليين يشعرون بأنهم جزء من النظام. علاوة على ذلك، فإن رفع المزيد من العقوبات في الأشهر المقبلة، كما هو متوقع، سيُدخل تدفقات نقدية جديدة تختبر قدرة الحكومة على تجنّب الفساد، مما يجعل الشفافية في إعداد التقارير المالية والميزانية أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ويمكن للولايات المتحدة أن تشجع تطوير القدرات المؤسسية والشفافية في سوريا عبر تقديم المساعدة الفنية التي طلبتها دمشق. على سبيل المثال، ينبغي لوزارة الخزانة أن تساعد البنك المركزي السوري في مهام مثل مكافحة الفساد المؤسسي، وإنشاء وحدة الاستخبارات المالية، ووضع سياسات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وإن ظهرت تعقيدات في الشراكة، فلا ينبغي لواشنطن أن تلجأ إلى العقوبات التي وضعت للتعامل مع نظام الأسد، بل عليها أن تصمم أدوات جديدة مناسبة لسوريا الجديدة. وفي الأثناء، ينبغي للمسؤولين الأمريكيين تشجيع تطور الحكومة الجديدة، ومنحها فرصة لإثبات التزامها في الداخل والخارج.
جيمس جيفري
في أعقاب تراجع قدرات إيران على بسط نفوذها الإقليمي، أصبح استقرار سوريا القضية الأكثر أهمية التي تواجه الشرق الأوسط. وكما أظهر نظام الأسد، فإن استمرار حالة عدم الاستقرار قد يفضي لتوسع التهديدات الإرهابية الدولية، وتهريب مخدر الكابتاغون بلا رادع للبلدان المجاورة، وتدخل أجنبي كبير في الشؤون السورية، ما ينبغي ألا يتكرر. وستؤدي الولايات المتحدة دوراً حاسماً في مساعدة دمشق على توجيه شؤونها الداخلية والخارجية نحو الاستقرار. وفي السنة الثانية من المرحلة الانتقالية، تتضمن أهم معايير التقدم في سوريا التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل، ودمج "قوات سوريا الديمقراطية" (SDF) ذات القيادة الكردية في الجيش الوطني، وتوسيع الجهود لمكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية"، ووضع حد للعنف الطائفي.
ولتحقيق هذه الأهداف، ينبغي على واشنطن أن تقود المجتمع الدولي في دعم جهود الحكومة السورية لتعزيز سلطتها على مختلف المجموعات العرقية والدينية، وهي مهمة تتطلب رسائل موحدة ودبلوماسية فعالة على الأرض. وهذا يعني أيضاً التنسيق مع أهم الأطراف الخارجية (أي تركيا وإسرائيل والدول العربية الرئيسة) والتواصل مع الحكومة الجديدة بصوت واحد، بما في ذلك بشأن القضايا الدرزية والكردية الحيوية. وستكون مساعدة دمشق في قضايا الحكم المحلي والوطني حاسمة على وجه الخصوص لتشجيع الأقليات على الاندماج. وفي المقابل، ينبغي لهذه الجماعات الاعتراف بسيادة الدولة عبر التنازل عن السيطرة على المعابر الحدودية وصادرات النفط.
حققت واشنطن نجاحات دبلوماسية كبيرة في سوريا خلال العام الماضي، لكن ينبغي الآن إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الإنجازات بمساعدة الشركاء الدوليين. وتكمن الخطوة الأولى المثلى في مواءمة هؤلاء الشركاء مع السياسة الأمريكية من خلال إنشاء مجموعة اتصال سورية تضم عددا من الدول الأوروبية والعربية المنتقاة. كما يتعين على واشنطن تقديم الدعم الفني للمؤسسات السورية الرئيسة في قطاعي النفط والقطاع المصرفي.
ومع تعمق العلاقات الأمريكية مع سوريا الجديدة في العام الثاني، سيتعين على إسرائيل توضيح استراتيجيتها هناك. فحتى الآن، كانت عملياتها العسكرية في سوريا (بما فيها الضربات على دمشق) غير متوافقة مع أهدافها السياسية، المتمثلة في تعزيز أمن الحدود، ومنع عودة "حزب الله" وسواه من وكلاء إيران، والحصول على حق الوصول للمجال الجوي السوري. ومن شأن معالجة هذا التناقض وشرح أهدافها الحقيقية أن يخدم المصالح الإسرائيلية والإقليمية معا.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن الوضوح الاستراتيجي، يستبعد أن تتصادم إسرائيل مع تركيا رغم تباعد مصالحهما المتزايد بشأن سوريا. فبالإضافة إلى الحفاظ على علاقاتهما مع الولايات المتحدة، فإن البلدين يميلان إلى تفضيل الوضع الراهن، ويشتركان في مخاوف أمنية حيال المخاطر التي يمثلها الإرهاب والوكلاء الإيرانيون.
أعد هذا الملخص كوليت سميث. تم تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".