- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4127
مستقبل غزة يتوقف على قرار واضح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
بينما تعيد "حماس" تجميع صفوفها، يتعين على المسؤولين الأمريكيين المساعدة في صياغة لغة محددة تمنح "مجلس السلام" صلاحية الإشراف على إدارة تكنوقراطية وقوة استقرار، بهدف ملء فراغ الحكم والأمن في القطاع بسرعة.
تُعد "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" عنصراً محورياً في خطة الرئيس "ترامب" لإنهاء الحرب على غزة. ووفقاً للرئيس ووزير خارجيته "ماركو روبيو"، تستعد العديد من الدول للمساهمة بالأموال والأفراد في هذه القوة، إلا أن "روبيو" أشار إلى أن المساهمين المحتملين الرئيسيين يشترطون الحصول على تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فبالنسبة لبعض الدول مثل إندونيسيا - التي تمتلك خبرة في عمليات حفظ السلام - يستوفي مثل هذا القرار المتطلبات القانونية الوطنية للمساهمة في القوات؛ أما بالنسبة لدول أخرى، بما فيها المساهمون العرب المحتملون، فهو يضفي شرعية على توفير هذه القوات.
بدائل لقرار الأمم المتحدة
أياً كان السبب، تبنت إدارة "ترامب" فكرة إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، ومن المرجح أن تطرحه قريباً. تتناول القرارات الصادرة بموجب الفصل السابع التهديدات للسلام واستخدام القوة أو العقوبات للرد عليها. وبالنسبة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يُعد إرساء سابقة لتطبيق قرارات الفصل السابع أمراً غير حكيم، إذ لن تنهي القوة هذا الصراع، وستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة باستمرار لإحباط أو نقض القرارات غير المدروسة. في المقابل، تبدو القرارات بموجب الفصل السادس - بتركيزها على الدبلوماسية - أكثر منطقية في هذه المرحلة، وينبغي على الإدارة السعي للحصول على مثل هذا القرار لدعم خطة سلام "ترامب" ونقاطها العشرين.
من الطبيعي أن يمنح هذا القرار "مجلس السلام" صلاحيات الإشراف على إدارة فلسطينية "تكنوقراطية" و"قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" خلال توجيه الفترة الانتقالية في غزة. وينبغي أن يركز القرار تحديداً على منح السلطة والصلاحية لـ"مجلس السلام" ليتمكن من العمل مع الإدارة التكنوقراطية وتحديد دور ومهام "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة". ولا بد أن تشمل هذه المهمة إنفاذ القانون ونزع سلاح "حماس"، رغم مخاوف بعض الأطراف تجاه هذه الأدوار.
غالباً ما تتضمن مثل هذه القرارات، خاصة المتعلقة بالسياق الإسرائيلي-الفلسطيني أو العربي-الإسرائيلي، إشارات إلى جميع القرارات السابقة الداعية لإنهاء الصراع. وهذا بحد ذاته ليس مشكلة، لكن يجب إدراك أن روسيا وربما الصين ستسعيان على الأرجح لجعل أي قرار من هذا القبيل واسعاً قدر الإمكان، مع منح دور مستمر لوكالات الأمم المتحدة والتركيز على الطابع والأغراض السياسية للقرار. وتلقى مثل هذه القرارات دعماً تلقائياً كونها تستهدف أدنى قاسم مشترك في الأمم المتحدة، لكنها لا تساهم فعلياً في تغيير الواقع على الأرض. فسكان غزة بحاجة إلى أكثر من قرارات رمزية؛ إنهم بحاجة إلى إنهاء الحرب وإقامة إدارة بديلة على الأرض تضع أساساً لمستقبل مختلف.
لتحقيق هذه الغاية، تدعو خطة "ترامب" إلى إنشاء "مجلس السلام" ونشر "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" "فوراً" "في غزة". وكل يوم يمر دون تشكيل هذه القوة ونشرها يزيد صعوبة اتخاذ الخطوة الأولى نحو تحويل غزة، كما تتصور الخطة.
منع انتعاش "حماس"
تعيد "حماس" بالفعل تشكيل نفسها في أجزاء من غزة انسحبت منها "قوات الدفاع الإسرائيلية". وكلما استغرق إنشاء القوة والإدارة البديلة وقتاً أطول، ازدادت قدرة "حماس" على ترسيخ صورة دوامها. ويستند جوهر خطة "ترامب" إلى نزع سلاح "حماس" وتجريد القطاع من السلاح مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل وإعادة الإعمار. فمن دون نزع السلاح، لن يتحقق الانسحاب الإسرائيلي ولا إعادة الإعمار. وبعبارة أخرى، يشكل نزع السلاح مفتاح مستقبل غزة، وستضطلع "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة"، وفقاً لخطة "ترامب"، بدور في تفكيك الأسلحة أو تسليمها ومراقبة نزع السلاح.
هذا على المستوى النظري. لكن لسوء الحظ، لم يُحدد بعد تفويض واضح لـ"قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" من قبل "مجلس سلام" مُمكّن. وتتباين وجهات النظر حول طبيعة هذا التفويض. تعتقد مصر ودول أخرى أن "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" ستعمل على منع التهريب والمساعدة في نزع السلاح، لكن دون أن تلعب دوراً في حفظ القانون والنظام داخل غزة - فهذا، برأيهم، ينبغي أن يكون من مسؤولية قوات الأمن الفلسطينية التي تدربها مصر. وقد كشفت المناقشات مع المسؤولين المصريين والعرب الآخرين أنهم يرون أن قوات الأمن الفلسطينية وحدها قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية الداخلية، أو ينبغي أن تكون كذلك. لكن في الواقع، تبدو فكرة قدرة قوات الأمن الفلسطينية على فرض القانون والنظام ومواجهة "حماس" إذا تحركت ضد الإدارة البديلة أو الجمهور غير واقعية في الوقت الراهن. في الحقيقة، لا يستند النهج المصري إلى مواجهة "حماس" بل إلى إدماجها ضمن توافق فلسطيني جديد تقبل فيه الجماعة بالترتيبات الجديدة. غير أن هذا الجهد يتجاهل حقيقة أن قادة "حماس" سيطالبون بثمن مقابل أي ترتيب حوكمة يتطلب منهم نزع سلاحهم وقبول إدارة بديلة - وسيشمل هذا الثمن الحفاظ على دورهم المستمر في غزة. ولن يتناقض شيء بشكل أوضح مع نص وروح خطة "ترامب" من هذا السيناريو.
إنشاء "مجلس سلام" فعّال
ما الحل؟
أولاً، ضمان أن يوضح القرار مسؤولية المجلس عن تحديد مهام "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة". وهذا لا يعني تغيير وضع إسرائيل كسلطة محتلة؛ فهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتفاق سياسي لإنهاء الصراع.
ثانياً، سيحتاج "مجلس السلام" للتنسيق مع إسرائيل، كحد أدنى، لضمان عدم تضمين "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" قوات دولية أو إقليمية غير مقبولة لإسرائيل.
ثالثاً، ينبغي على المجلس الاستفادة من دروس قوات حفظ السلام الدولية الفاشلة مثل "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان"، مع مراعاة الفروقات الواضحة بين لبنان - وهي دولة ذات سيادة ولها حكومة - وغزة التي تفتقد ذلك بوضوح.
فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، حتى عندما جرى تعزيز "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" - ظاهرياً - بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 بعد حرب لبنان 2006، فشلت في تنفيذ مهامها المتمثلة في: مساعدة "القوات المسلحة اللبنانية" على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان؛ منع "حزب الله" من التراكم العسكري أو العمل في الجنوب؛ والحفاظ على وقف إطلاق النار في مواجهة النشاط العسكري لـ"حزب الله". فبدلاً من منع التراكم العسكري لـ"حزب الله"، ساهمت "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" في التستر عليه، وحين اتخذت القوة خطوات مبدئية للحد من أنشطة "حزب الله" أو حتى مراقبتها، تعرضت للهجوم. علاوة على ذلك، قيّدت "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" قدرة إسرائيل على الرد على الانتهاكات. ولا يجوز السماح لـ"حماس" بتكرار أفعال "حزب الله" - بمعنى أنه لا يمكنها إعادة تشكيل نفسها عسكرياً ولا مهاجمة "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" دون عقاب.
سيؤدي أي من هذين السيناريوهين إلى إفشال الغرض من "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة"، وهو تعزيز خطة "ترامب". وانطلاقاً من ذلك، يجب أن يُلزم قرار الأمم المتحدة "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" بالعمل عن كثب مع "مركز التنسيق المدني-العسكري" الذي أنشأته الولايات المتحدة بمشاركة متعددة الجنسيات. وينبغي أن تشمل مهام القوة الحفاظ على النظام العام، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، ومنع التهريب، والمساعدة في نزع السلاح. أما تولي قوات الشرطة الفلسطينية، باستثناء "حماس"، لهذه الأدوار مع مرور الوقت فينبغي أن تدعمه "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" - لكن هذا غير واقعي على المدى القريب.
حماية سكان غزة لتهميش "حماس"
لن يتمكن شعب غزة من التعبير عن استيائه من استمرار دور الجماعة إلا إذا شعر بحماية كافية من تهديدات "حماس" وإكراهاتها. فممارسة الدول العربية ضغوطاً على "حماس" شيء، وشعور الجمهور الفلسطيني في غزة - الذي بات منفصلاً بشكل متزايد عن "حماس" ويتوق للعيش بصورة أكثر طبيعية - بأمان كافٍ للإعلان عن معارضته شيء آخر. وسيرفع هذا كلفة رفض "حماس" للترتيبات الجديدة. يقدم قادة الجماعة أنفسهم وكأنهم يشكلون جزءاً عضوياً من الشعب الفلسطيني وتجسيداً للقضية - لذا فإن معارضة الجمهور الغزي في مثل هذه الظروف ستتناقض مع الصورة التي ترسمها "حماس" لنفسها وتزيد من تآكل شرعيتها. وفي المقابل، تكمن الطريقة الأكيدة لضمان بقاء "حماس" قوة مهيمنة في غزة في منحها صوتاً في اختيار الإدارة التكنوقراطية واستبعاد "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" من توفير القانون والنظام والسلامة العامة. سيحتاج الرئيس "ترامب" لاستخدام نفوذه مع الدول العربية الرئيسية - التي ستضم على الأرجح ممثلين في "مجلس السلام" - لإقناعها بضرورة أن تضطلع "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة"، بالتنسيق مع الشرطة الفلسطينية مع مرور الوقت، بدور في السلامة العامة والحماية.
بالنسبة لمن يسعون لاغتنام الفرصة التي أتاحتها خطة "ترامب"، حان الوقت الآن لإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يمنح "مجلس السلام" وبالتالي "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" صلاحيات في مجالات السلامة العامة ونزع السلاح ودعم المجلس والإدارة الفلسطينية التكنوقراطية. وإلا فقد يتكشف سيناريو يساعد "حماس" فعلياً على العودة وإعادة فرض سيطرتها على غزة.