
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4119
من "ديسكورد" إلى الشوارع: لحظة الجيل"زد" في الشرق الأوسط

في ظل مستقبل اقتصادي غامض واستياء متزايد من تفشّي الفساد وسوء الإدارة، بدأ الشباب في دول تمتد من المغرب إلى إيران في التعبير عن مطالبهم بقيادة أكثر استجابة ومجتمعات أكثر انفتاحاً.
يرفرف علم "جولي روجر" الذى يحمل الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين تعلوهما قبعة من القش - وهو شعار اشتهر بفضل سلسلة الأنمي اليابانية "ون بيس" - في سماء الاحتجاجات التي عمت أرجاء المغرب. وقد تحولت هذه الصورة إلى رمز تعبوي لجيل "زد" المغربي، الذي يقود منذ 27 أيلول/سبتمبر مظاهرات واسعة في المدن والضواحي في جميع انحاء البلاد. ويعكس اختيار رمز مستوحى من قصة قرصان يتمرد على النخبة والقمع، الترابط العالمي لجيل "زد"، كما يشير في الوقت ذاته إلى المظالم البنيوية التي تدفع الشباب إلى النزول إلى الشوارع في دول مثل مدغشقر ونيبال وبيرو والفلبين وجنوب إفريقيا، فضلاً عن إيران عام 2022.
طبيعة احتجاجات جيل "زد" في المغرب
عُرفت الاحتجاجات باسم "جيل زد 212 " في إشارة إلى رمز الهاتف الدولي للمغرب - واندلعت إثر سلسلة من الوفيات بين نساء حوامل في المستشفى العام الرئيسي بمدينة أغادير الجنوبية. وسرعان ما انتشرت الحركة، التي لا تتبع قيادة محددة، إلى ما لا يقل عن عشرين مدينة وبلدة أخرى، من بينها الدار البيضاء ومراكش ووجدة والرباط وطنجة". وقد سُجّلت حالة وفاة جديدة لامرأة حامل في مستشفى أغادير في السابع من تشرين الأول/أكتوبر). وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي – وعلى رأسها تطبيق الفيديو "تيك توك" ومنصة الألعاب "ديسكورد" - دوراً محورياً في انتشار الحركة عبر هاش تاج #GenZ212. وتُعدّ هذه الاحتجاجات الأوسع نطاقاً في المغرب منذ أحداث "الربيع العربي" عام 2011، حين انطلقت حركة "20 شباط /فبراير" مستلهمة انتفاضات شعوب عربية أخرى استخدمت بدورها أدوات التواصل الاجتماعي للمطالبة بالكرامة والعدالة والحرية، ما أسفر عن تغييرات سياسية جذرية في دول مثل تونس ومصر وليبيا.
يُعدّ كأس العالم لكرة القدم لعام 2030 محوراً رئيسياً لإحباط جيل "زد" المغربي. ففي عام 2023، تم اختيار المغرب لاستضافة البطولة بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال. وقد أثارت المليارات من الدولارات التي خُصّصت لمشروعات السياحة وبناء الملاعب الجديدة – ومن بينها مجمع مولاي عبد الله في الرباط الذي اكتمل في منتصف أيلول /سبتمبر - موجة من الاحتجاجات الشعبية، حيث ردد المتظاهرون شعاراً ساخراً: "لدينا ملاعب، ولكن ماذا عن مستشفياتنا؟ ". وعلى الرغم من التقدم المُحرز في توسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة، التي يكفلها دستور عام 2011، ما زال المواطنون، ولا سيما في المناطق الريفية، يشكون من تدني جودة الخدمات الطبية وارتفاع التكاليف التي يتحملونها. ووفقاً لمؤشر الرعاية الصحية الصادر عن منصة "ستاتيستا"، يحتل النظام الصحي المغربي المرتبة الأخيرة عالمياً، متأخراً عن جارتيه الجزائر وتونس.
كما عاد إلى الواجهة في المشهد الحالي شعار "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، الذي برز بقوة خلال احتجاجات عام 2011. ويُشكّل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً أكثر من نصف سكان المغرب، بما يعكس التركيبة الديموغرافية السائدة في المنطقة عموماً. وعلى الرغم من تراجع معدلات بطالة الشباب خلال العقد الماضي، وبصرف النظر عن تداعيات جائحة كوفيد-19، فإن النسبة لا تزال مرتفعة، إذ بلغت 22.1%. ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "الأفروباروميتر" في حزيران/يونيو 2025، فإن 28% من الشباب المغاربة - بزيادة ثمانية نقاط مئوية مقارنة بعام 2017 - يفضلون الهجرة على البقاء في وطنهم، بسبب محدودية الفرص المتاحة أمامهم.
هذه المظالم ليست جديدة، غير أنه منذ حركة الاحتجاج التي اندلعت عام 2016 - وهي الأحدث حتى الآن - سعى المغرب بشكل متزايد إلى ترسيخ موقعه كشريك استراتيجي للدول في مختلف أنحاء العالم. ففي ذلك العام، أبرم المغرب شراكة استراتيجية مع الصين، ما أتاح تنفيذ مشاريع كبرى مثل السكك الحديدية عالية السرعة بين القنيطرة ومراكش، وهو نهج يرى بعض المراقبين أنه يفتقر إلى الجدوى الاقتصادية بالنظر إلى ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر النسبي في البلاد. وفي عام 2017، عاد المغرب إلى عضوية الاتحاد الأفريقي بعد أن انسحب منه سابقاً احتجاجاً على انضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى الاتحاد، وهو ما أسهم في تعزيز التواصل عبر القارة وإطلاق مبادرات اقتصادية مثل مشروع "مدينة الدار البيضاء المالية"، التي تُعد مركزاً إقليمياً للمؤسسات المالية والاستثمارية. وقد جاءت هذه الجهود في سياق التحضيرات الجدية لاستضافة كأس العالم 2030، حيث تسعى المملكة إلى إبراز بنيتها التحتية الحديثة - من طرق وملاعب ومنشآت - أمام المجتمع الدولي.
يؤكد جيل "زد" المغربي، الذي يبدو أكثر جرأة وأقل خوفاً، على بروز جيل جديد من الشباب المغاربة - كما هو الحال في بلدان أخرى في المنطقة - يعبرون عن رفضهم للظلم المستمر وللمشكلات البنيوية التي تعاني منها بلدانهم. ويشير تصاعد موجة الاحتجاجات الشبابية عالمياً إلى احتمال أن تكون دول أخرى في الشرق الأوسط هي التالية على هذا المسار. وقد بدأت بالفعل دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم احتجاجات مماثلة في الجزائر المجاورة، وفقاً لتقارير إعلامية.
لماذا يغضب جيل "زد"؟
يمكن اعتبار الجيل الذي وُلد بين عامي 1997 و2012 تقريباً أول جيل معولم بحق، إذ نشأ والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في متناول يده. وقد عاش هذا الجيل تحت وطأة أعباء متلاحقة، أبرزها الأزمة المالية العالمية في عامي 2008- 2009، ثم جائحة كوفيد-19 بعد نحو عقد من الزمن، وكلاهما قلّص من فرصه الاقتصادية. وفي مختلف أنحاء العالم النامي، لم يؤدِّ الفساد وعدم المساواة وسوء الإدارة إلا إلى تراكم مزيد من العقبات في طريقه.
ونتيجةً لذلك، يواجه أفراد جيل "زد" مجموعةً مشتركةً من التحديات البنيوية. إذ يشعر كثيرون منهم بأنهم مجرّدون من السيطرة على مستقبلهم، وبخيبة أملٍ مما خلّفته لهم الأجيال السابقة، ولا سيما جيل طفرة المواليد. وإلى جانب الفساد وسوء الإدارة، يواجه هذا الجيل عالماً تتزايد فيه معدلات التضخم والتهديدات الوجودية الناجمة عن تغيّر المناخ والتطور السريع للذكاء الاصطناعي. تُفسِّر الترابطية المفرطة لدى جيل "زد" أيضاً سبب قدرة سلسلة الأنمي اليابانية "ون بيس"على إثارة صدى عابر للحدود، وسبب تشابه أنماط هذا الجيل في الملبس واللغة والتعبير الثقافي، إذ يرتدون الملابس الفضفاضة ذاتها، ويستخدمون اللغة العامية نفسها، ويشاركون في رقصات تطبيق "تيك توك" التي انتشرت على نطاق واسع، ويشترون دمى "لابوبو" نفسها في الأسواق الممتدة من القاهرة إلى طهران.
كما اتسمت احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" في إيران عام 2022، التي اندلعت عقب مقتل مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً على يد ما يُعرف بشرطة الآداب، بروحٍ مشتركة تمتد عبر بلدان الجنوب العالمي. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء الشباب لم ينجحوا بعد في مساعيهم لإسقاط النظام الديني، فإنّ جيل "زد" الإيراني كان من أوائل أقرانهم الذين تمردوا على المظالم البنيوية، مثل الفساد وسوء الإدارة والقمع. لذلك، ليس من المستغرب أن تنظر الجمهورية الإسلامية إليهم بوصفهم قوة لا يُستهان بها، وهو ما أكّده الرئيس مسعود بيزشكيان في قراره الأخير بتعيين مستشار من جيل "زد" في حكومته.
كيف سترد الرباط
لم يعلّق الملك محمد السادس بعدُ على الاحتجاجات، إلا أنه من المتوقع أن يتناولها في خطابه أمام البرلمان في 10 تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، لا يزال انتقادُ الملكية من المحرّمات في الحياة السياسية المغربية. وبصورة عامة، اتسم موقف المتظاهرين تجاه الملك بالتساهل والاحترام، إذ كانوا يطالبونه بالتدخّل مردّدين شعار "الشعب يريد الملك أن يتدخّل"، كما كانوا يُظهرون الولاء له بهتاف "يعيش الملك ". وبدلاً من ذلك قاموا بتوجيه غضبهم نحو شخصيات حكومية، من بينها رئيس الوزراء عزيز أخنوش، الذي وُجهت إليه اتهامات بالفساد، ويُعد في الوقت نفسه أحد أغنى رجال الأعمال في البلاد. ومع ذلك، فإن حزبه، التجمع الوطني للأحرار، يرتبط بعلاقات وثيقة مع القصر الملكي. وحتى مع توقف المظاهرات مؤقتاً قبل خطاب الملك، أكد المحتجون أنهم يعتزمون استئناف حركتهم قريباً للمطالبة بالتغيير.
ردّت الحكومة المغربية بالدعوة إلى فتح حوار مع المتظاهرين، لكنها في الوقت نفسه بدت وكأنها سمحت بردّ فعل أمني عنيف، أسفر- وفقاً لبيانات وزارة الداخلية - عن مئات الجرحى وآلاف المعتقلين، إضافة إلى مقتل ثلاثة متظاهرين برصاص الشرطة بعد حاولوا اقتحام أحد مقرات الدرك الوطني قرب مدينة أغادير. وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من أنّ الرسائل المتبادلة عبر تطبيق "ديسكورد" دعت إلى اللاعنف وتنظيم حملات تنظيف بعد أعمال التخريب، فإن أعمال النهب تواصلت في عدد من المدن. ومن هذا المنظور، يمكن القول إنّ أبرز نقاط الضعف في حركة جيل زد 212 تكمن في غياب القيادة الواضحة وطبيعتها العفوية وتنظيمها غير الرسمي. ورغم أن هذه السمات تحافظ على مظهر من الاستقلالية والمرونة، فإن الافتقار إلى هيكل تنظيمي صلب قد يتيح للسلطات استغلال الانقسامات الداخلية المحتملة وفرض سيطرة تدريجية على الحركة.
بدلاً من اللجوء إلى الملك الذي يعاني من مرض مزمن لاتخاذ إجراءات مباشرة، يتطلع بعض المتظاهرين إلى ولي العهد مولاي حسن، الذي يعد من جيل " زد"، إذ وُلد عام 2003 وبدأ يظهر بشكلٍ متزايد في الفعاليات والأماكن العامة خلال الآونة الأخيرة. وعلى غرار المملكة الأردنية الهاشمية، التي أعطت ولي عهدها من جيل الألفية، الحسين، دوراً أكثر بروزاً في المشهد العام، بينما تكافح التحديات الاقتصادية واستياء المواطنين، يبدو أن القيادة المغربية تسعى بدورها إلى استكشاف سُبل لإظهار اهتمامها المتزايد بشباب البلاد وتطلعاتهم.
التداعيات السياسية
نظراً إلى العلاقات العميقة والطويلة الأمد التي تربط الولايات المتحدة بالمغرب، ينبغي لواشنطن أن تراقب عن كثب استقرار المملكة، وأن تُقيم باستمرار ما إذا كان السخط الشعبي تجاه القيادة قد يتطور إلى استياءٍ موجَّه ضد الولايات المتحدة نفسها، خصوصاً في ظل موقف المغاربة الواضح والعلني من حرب إسرائيل في غزة. كما ينبغي على واشنطن أن تتابع عن كثب الاضطرابات الاجتماعية المحتملة في دولٍ أخرى من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ قد تجد الملكيات التي تُعدّ مستقرة ظاهرياً - مثل الأردن - نفسها أمام خطر بروز حركات احتجاجية مشابهة، حين ينزل الشباب إلى الشوارع تعبيراً عن غضبهم من مظالم مشابهة ومن حرب غزة. وعلى الرغم من أن احتجاجات جيل زد في المغرب اتّسمت حتى الآن بالحذر والطابع السلمي، فإن الأحداث التي شهدها الأسبوعان الماضيان تشير إلى أنه، حتى لو لم يُعِد التاريخ نفسه على نحوٍ كامل كما في انتفاضة عام 2011، فإنه غالباً ما يتكرّر بصيغ جديدة.