
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4039
لقاء ترامب بالشرع: فصل جديد في العلاقات الأمريكية- السورية

طرح الزعيمان مجموعةً واسعةً من المقترحات الحاسمة، مما أتاح للوزير روبيو وبقية فريق الرئيس ترامب فرصةً غير مسبوقة لوضع شروط لبدء علاقة متبادلة المنفعة بعد رفع العقوبات.
في تحولٍ جذري غير مسبوق في السياسة الأمريكية، أعلن الرئيس ترامب خلال تصريحاته في المملكة العربية السعودية أمس عن قرارٍ تاريخي برفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا. وقد تأكد هذا القرار خلال اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت سابق من اليوم. وسيتعزز هذا القرار في اجتماعٍ مرتقب سيُعقد في تركيا بين وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. وكانت الإدارة الأمريكية في السابق بطيئة ومترددة في الانخراط مع السلطات التي أطاحت بنظام الأسد في أواخر العام الماضي؛ أما الآن، فيسعى الرئيس ترامب إلى منح سوريا الجديدة "فرصة للتألق". ومع ذلك، ينبغي النظر إلى هذه الخطوة المهمة باعتبارها مجرد بداية، وليست نهاية. فاستمرار المتابعة يُعد أمراً ضروريا، ليس فقط لحماية المصالح الأمريكية، بل أيضاً من أجل السوريين الذين يتطلعون إلى تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها إلى الشوارع في عام 2011.
ما تمت مناقشته وما تم استبعاده
وفقاً لبيان الولايات المتحدة بشأن الاجتماع، حث ترامب الشرع على اتخاذ عدة خطوات جريئة: الانضمام إلى اتفاقات "أبراهام" مع إسرائيل، ومطالبة المقاتلين الأجانب بمغادرة سوريا، وترحيل الإرهابيين الفلسطينيين، ومساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتحمل المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر "داعش" في الشمال الشرقي. من جانبه، أشار الشرع إلى أن انسحاب إيران من سوريا يمثل فرصة كبيرة، وأن واشنطن ودمشق تتقاسمان مصلحة مشتركة في مكافحة الإرهاب والقضاء على الأسلحة الكيميائية. كما أكد التزامه باتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل المُوقع عام 1974. واختتم حديثه بدعوة الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في سوريا، وأعرب عن أمله في أن تتمكن بلاده من أن تصبح جسراً يُسهل التجارة بين الشرق والغرب.
سيُغيّر هذا الاجتماع التاريخي طبيعة تعاطي الولايات المتحدة مع الحكومة السورية الجديدة، ويوفر فرص أفضل لتشكيل مستقبل سوريا بشكل مباشر وبما يخدم مصلحة الطرفين. ومن ثم، عندما يواصل روبيو المناقشات مع شعباني، سيكون عليه توضيح بعض النقاط الجوهرية، وإثارة قضايا لم يُناقشها ترامب والشرع، تتضمن:
المسار الإسرائيلي – السوري.
يتطلب تسريع هذا المسار أن تقوم واشنطن إما بتسهيل جولة جديدة من المحادثات بين القدس ودمشق أو تعزيز عملية الوساطة الحالية التي تقودها الإمارات العربية المتحدة. لدى إسرائيل مخاوف أمنية مشروعة بشأن سوريا ما بعد الأسد، على الرغم من أن الطريقة التي تعاملت بها مع هذه المخاوف في الأشهر الخمسة الماضية لم تكن دائماً مُواتية لبناء علاقات مع الحكومة الجديدة. ويمكن للمحادثات الجديدة أن تُسهم في تحديد الشروط أو تقديم ضمانات أمنية تتعلق بانسحاب إسرائيلي نهائي من الأراضي التي احتلتها منذ كانون الأول/ديسمبر. وقد يُمهّد ذلك الطريق لتوقيع اتفاق عدم اعتداء، مما يفتح المجال أمام مناقشات بشأن انضمام سوريا لاحقاً إلى اتفاقات "أبراهام".
كما ينبغي على واشنطن أن تحث دمشق على الاعتراف رسمياً بأن منطقة مزارع شبعا هي أراضٍ سورية وليست لبنانية. فقد سبق أن أكد بشار الأسد هذه النقطة خلال مفاوضات جرت في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وينبغي على الحكومة الجديدة أن تعتمد هذا الموقف كسياسة رسمية في إطار محادثات ترسيم الحدود مع بيروت. وتبرز أهمية هذه القضية مجدداً في ظل جهود الحكومة اللبنانية الجديدة الرامية إلى تقويض نفوذ "حزب الله" وشبكات التهريب العابرة للحدود.
المقاتلون الأجانب.
تحتاج واشنطن إلى صياغة توجيهات أكثر دقة بشأن المعنى العملي لـ"مطالبة الإرهابيين الأجانب بمغادرة البلاد". فمثل هذا الطلب أسهل نظرياً مما هو عملياً، لذا فإن قدراً من الصبر من جانب الولايات المتحدة قد يكون ذا فائدة كبيرة. حالياً، لا تزال هناك ثلاث مجموعات رئيسية من المقاتلين الأجانب في سوريا: المرتبطون بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، و"هيئة تحرير الشام"، التي كان يقودها الشرع قبل أن يتولى الرئاسة، و"حزب العمال الكردستاني ". وقد ترددت معظم الدول الأوروبية والعربية في استعادة رعاياها من سوريا، ناهيك عن أولئك الذين انضموا إلى "هيئة تحرير الشام". ومع ذلك، فإن جعل هؤلاء الأفراد عديمي الجنسية قد يتسبب في تحديات جسيمة في مجال مكافحة الإرهاب مستقبلاً، كما حدث بعد الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينيات، أو مع طرد باكستان للمقاتلين الأجانب في عام 1992. ويمكن أن يؤدي انتقال آلاف المقاتلين الأجانب إلى مناطق مثل أفغانستان، واليمن، والصومال، أو مالي إلى تقويض، الأمن الدولي في الوقت الراهن. لذلك، على واشنطن أن تنظر بجدية في دعوة الشرع إلى منح الجنسية لبعض المقاتلين الأجانب، لا سيما المنتمين إلى "هيئة تحرير الشام"، وإنشاء تشكيل مشابه للفيلق الأجنبي الفرنسي في سوريا، بما يتيح لدمشق مراقبة أنشطتهم عن كثب.
ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين.
السؤال المطروح هو: إلى أين سيتم ترحيلهم، وبأي شروط؟ لا ترغب كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إعادة أعضاء "حماس"، وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وسائر الجماعات الإرهابية إلى أراضيها، ما لم يكن هناك ترتيب واضح يضمن اعتقالهم فور عودتهم. في الواقع، ربما تفضل إسرائيل بقاء هؤلاء الأفراد بعيداً عن حدودها. وينبغي تناول هذه المسألة ضمن إطار مفاوضات أوسع بين إسرائيل وسوريا. ويوفّر النهج الذي اتُّبع الشهر الماضي - حين اعتقلت السلطات السورية عدداً من أعضاء حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" و"الجبهة الشعبية"- حلاً مؤقتاً، إلى أن تتوصل دمشق ورام الله والقدس إلى تفاهم شامل بشأن هذه القضية.
مواجهة تنظيم "داعش" والإشراف على أماكن الاحتجاز.
يعمل المسؤولون الأمريكيون والسوريون معاً منذ سقوط نظام الأسد على مواجهة تنظيم داعش، مع تركيز الجهود على المناطق الواقعة خارج شمال شرق البلاد، التي تقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية، ذات القيادة الكردية. وفي المستقبل، ينبغي للطرفين بحث أنجع السبل لدمج "قوات سوريا الديمقراطية" وهيئاتها المدنية المستقلة ضمن إطار الحكومة الجديدة. ويعني ذلك التعاون مع دمشق لطمأنة الأكراد بشأن دورهم ومكانتهم في سوريا المستقبل. كما ينبغي على واشنطن التنبيه إلى ضرورة تجنّب احتكار الشرع للسلطة، والسماح للمجتمعات المحلية بالمشاركة الفاعلة في إدارة شؤونها الأمنية والإدارية ضمن إطار دولة سورية موحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين وضع جدولٍ زمني واضح لتسلُّم دمشق مسؤولية مرافق الاحتجاز التي تضم عناصر تنظيم "داعش" وأُسرهم. كما ينبغي إدراج قضايا التمويل والتدريب ضمن هذه المناقشات، بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين في التحالف العالمي لمحاربة التنظيم.
إعادة فتح السفارة السورية في واشنطن وتعيين قائمٍ بالأعمال في دمشق.
ينبغي على إدارة ترامب أن تبدأ بإجراءات إعادة فتح السفارة السورية، وفي غضون ذلك، عليها تشجيع المسؤولين في دمشق على تعيين ممثل دبلوماسي بصفة" قوة حماية" لتمثيلها في واشنطن. وستتطلب إعادة فتح السفارة الأمريكية في دمشق وقتاً أطول بسبب الاعتبارات العملية والأمنية، مما يعزّز ضرورة البدء في تحديث خطط السفارة القديمة التي وُضِعت لأول مرة قبل أكثر من خمسة عشر عاماً والبدء في الاستعدادات الأخرى. ويمكن لواشنطن أيضاً التنسيق مع الحلفاء الذين أعادوا فتح سفاراتهم أو الذين يخططون لذلك. وإلى أن تصبح المنشأة جاهزة، يمكن لمسؤولي الإدارة وضع خطة لزيادة عدد الزيارات إلى دمشق وتعزيز عمل المنصة الإقليمية السورية المشتركة بين الوزارات الأمريكية في بيروت، بما يُسهّل التواصل والتفاهم المتبادل حول مجموعة من القضايا. وقبل إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات، كشفت أبحاث ميدانية حديثة في سوريا أن المسؤولين الجدد في دمشق يفتقرون إلى فهم آليات صنع القرار في السياسة الأمريكية، مما يشكل عائقاً كبيراً أمام تعزيز التواصل.
نظام الحكم.
ينبغي على واشنطن أن تنصح دمشق بأن اعتماد نظام حُكم يرتكز على مجموعة محدودة من كبار المسؤولين هو نهج غير قابل للاستمرار، وأن الانخراط في التفاصيل الدقيقة للقرارات، بدلاً من تفويض الصلاحيات والثقة بالآخرين، يُعدّ وصفة لإعادة إنتاج بعض مظاهر عدم المساواة التي سادت في ظل نظام الأسد. علاوة على ذلك، فإن الاقتصار على التعامل مع الشخصيات التقليدية البارزة (مثل نخب المجتمع المحلي، وعلماء الدين، وقادة الأعمال، وشيوخ القبائل)، قد يؤدي إلى تبنّي سياسات تُميز بشكل كبير ضد المرأة. وفي المقابل، فإن إشراك منظمات المجتمع المدني التقليدية التي لديها ميلاً أكثر نحو تحقيق المساواة بين الجنسين سيكون الخيار الأفضل .
العدالة الانتقالية.
حتى الآن، لم يُقدِّم القادة الجدد في سوريا سوى وعود شفوية بإطلاق مسارٍ للعدالة الانتقالية أو لبدء عملية حقيقية للمساءلة والمصالحة، لذا ينبغي على واشنطن الضغط عليهم لكي يأخذوا هذه المسألة على محمل الجد. فبدون اتخاذ خطوات عاجلة في هذا الاتجاه، من المرجح أن يستمر العنف الأهلي، وأن يلجأ الأفراد إلى تحقيق "العدالة" بأيديهم، مما قد يؤدي إلى وقوع مزيد من المجازر نتيجة إرث الجرائم المروعة التي ارتكبها نظام الأسد.
وضع الأقليات.
منذ الإطاحة بالأسد، أبدت قاعدة الرئيس ترامب قلقاً خاصاً بشأن المخاطر التي قد تُواجهها الأقليات في سوريا تحت حكم عناصر جهادية سابقة. فعلى سبيل المثال، وقعت مذبحة بحق العلويين في أوائل أذار/مارس، وتعرضت المجتمعات الدرزية لهجمات. لذلك، ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة لبحث التدابير الوقائية الممكنة خلال المحادثات المقبلة.
العلاقات التجارية والتنافس بين القوى العظمى.
منذ كانون الأول/ ديسمبر، تقدمت الصين على غيرها باعتبارها الدولة الأولى في المنافسة على المناقصات المفتوحة في مختلف القطاعات الصناعية في سوريا. وإذا كان الشرع جادّاً في رغبته بجذب الاستثمارات والحصول على دعم من مجتمع الأعمال الأمريكي، فعلى واشنطن أن توضح أن أولوية المصالح الأمريكية يجب أن تتقدم على علاقات دمشق مع الصين. وإلّا، فإن مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة سيظل محدوداً بطبيعته.
الخلاصة
أعلن الرئيس ترامب عن بدء فصل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، التي كانت متوترة على أفضل تقدير على مدى عقود، إن لم تكن مقطوعة تماماً. والآن، بعد أن لم تعد العقوبات تشكّل عائقاً أمام إحراز تقدم في العلاقات الثنائية، يمكن لواشنطن أن تغتنم العديد من الفرص التي قد تعود بالنفع على المصالح الأمريكية وتُسهم في تحسين الوضع في سوريا، بمختلف مكوناتها المجتمعية، على المسار الصحيح. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به، سواء في واشنطن أو دمشق، قبل تحقيق هذا الهدف.
هارون ي. زيلين هو زميل أقدم في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "عصر الجهاد السياسي: دراسة عن هيئة تحرير الشام"