
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4083
"كماشة" إسرائيل في الضفة الغربية تضغط على الفلسطينيين

"سلوك إسرائيل في الضفة الغربية – الذي بات يتحرك مؤخراً من الأعلى والأسفل ككماشة – قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفجّر موجات أوسع من العنف، ويُعيق توسيع اتفاقات "إبراهيم"، ويُقوّض ركائز الدعم التقليدية لإسرائيل على الساحة الدولية."
رغم أن الاهتمام الدولي قد ركز إلى حد كبير على قطاع غزة منذ هجوم السابع من تشرين الأول أكتوبر على إسرائيل، فإن التوترات كانت ترتفع أيضاً في الضفة الغربية خلال هذه الفترة، حيث قُتل 977 فلسطينياً على يد جيش الدفاع الإسرائيلي أوالمستوطنين اليهود حتى أواخر أيار مايو2025. في الوقت نفسه، قُتل 66 إسرائيلياً نتيجة للهجمات الإرهابية.
كما هوموضح في تحليل سياسي سابق، فإن نشاط إسرائيل في الضفة الغربية هو جزئياً رد فعل على الهجمات الإرهابية الفلسطينية (مؤخراً هجوم العاشر من تموز يوليو الذي قتل فيه شرطيان جندتهما "حماس" مدنياً إسرائيلياً في تقاطع "غوش عتصيون")، لكنه أيضاً بشكل متزايد جهد من قبل وزراء الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة أوالمستوطنين اليهود لتغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي، وبالتالي خلق ظروف أكثر ملاءمة لرؤيتهم لـ"إسرائيل الكبرى" التي تشمل الضم الفعلي للضفة الغربية. هذه الدوافع تنعكس بوضوح في عملية إسرائيل "الجدار الحديدي"، التي تهدف إلى تفكيك البنية التحتية الإرهابية في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية ولكنها تسببت في الوقت نفسه في دمار جسدي واسع وتهجير للسكان– وهونهج يتماشى مع السياسة المعلنة للحكومة لمنع إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين.
توسيع المستوطنات في المنطقة "ج"
السياسة الإسرائيلية الحالية في الضفة الغربية مدفوعة بشكل أساسي من قبل وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش"، الذي يرأس أيضاً الإدارة المدنية– فرع وزارة الدفاع المسؤول عن الإشراف على الضفة الغربية. هذه السياسة تهدف بشكل أساسي إلى توسيع الاستيطان اليهودي في المنطقة "ج"، وهي المناطق المفتوحة في الإقليم الخاضعة للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية والواقعة إلى حد كبير خارج الكتل الاستيطانية الموجودة. الهدف من ذلك هومنع ضمها المستقبلي إلى دولة فلسطينية وإحباط أي إمكانية عملية لإنشائها من خلال منع التواصل الإقليمي.
لهذه الغاية، خططت الإدارة المدنية لمناقشات في أوائل آب أغسطس بشأن الموافقة على أكثر من 3، 400 وحدة سكنية في "إي1"، المنطقة الواقعة بين "القدس" و"أريحا" والتي تُعتبر الجسر البري الوحيد القابل للحياة بين المراكز الحضرية الفلسطينية الجنوبية في الضفة الغربية ("بيت لحم" و"الخليل") وتلك الموجودة في الوسط والشمال ("رام الله" و"نابلس"). (انظر هنا للخرائط، والبيانات الديموغرافية، وطرق الوصول، ومعلومات أخرى حول "إي1" والمناطق المحيطة بها.) لسنوات، جمدت إسرائيل خططاً للبناء في "إي1" بسبب الضغط الدولي، بما في ذلك من "واشنطن"، لكن "سموتريتش" صرح أن المضي قدماً الآن سيساعد في "قتل الدولة الفلسطينية " وتعزيز هدف الوصول إلى مليون مستوطن يهودي في الضفة الغربية. في أيار مايو، قررت الحكومة إنشاء اثنتين وعشرين مستوطنة في "إي1"؛ تسع جديدة تماماً وثلاث عشرة تشكلت من خلال إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية الموجودة. هذا من شأنه أن يرفع عدد المستوطنات الجديدة المعتمدة منذ تشرين الأول أكتوبر 2023 إلى تسع وأربعين– سبع مرات أكثر من المتوسط في العقود السابقة.
معظم المستوطنات الجديدة المقترحة تقع في عمق المناطق الفلسطينية، مما يمنح النشطاء اليمينيين المتطرفين الفوضويين المعروفين باسم "شباب التلال" وصولاً أكبر لهجماتهم. معظم هؤلاء الشباب هم من الجيل الثالث من سكان الضفة الغربية وبالتالي يرون أنفسهم كأصليين في المنطقة. من وقت لآخر، ينضم إليهم شباب يمينيون متطرفون من إسرائيل، بشكل أساسي للانتقام من الفلسطينيين بعد الهجمات الإرهابية. من كانون الثاني يناير إلى حزيران يونيو2025، نفذ المستوطنون المتطرفون 440 هجمة، مقارنة بـ317 في نفس الفترة من العام الماضي.
من المهم أن اقتراح الحكومة سيضع أيضاً عبئاً كبيراً على جيش الدفاع الإسرائيلي، خاصة قوات الاحتياط. إحدى وعشرون كتيبة من جيش الدفاع الإسرائيلي منتشرة بالفعل في الضفة الغربية، أكثر من نصفها كتائب احتياط. إنشاء مستوطنات جديدة وتوسيع الموجودة منها سيمدد مواردها ويطيل خدمتها، على الأرجح على حساب الاستعداد في جبهات أخرى.
"الكماشة" تشتد
هذا المزيج (المنسق جزئياً) من قرارات توسيع الاستيطان "من أعلى إلى أسفل" وأعمال المستوطنين "من أسفل إلى أعلى" أدى إلى نهج الكماشة الذي يضغط بشكل متزايد على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. التأثير التراكمي-إن لم يكن القصد الأساسي-لهذه الكماشة هوتهجير الفلسطينيين من المنطقة ج، خاصة المزارعين في القرى الصغيرة والرعاة البدوشبه الرحل. وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، النشاط الاستيطاني وعنف المستوطنين في المنطقة ج هجرا عشرات المجتمعات الفلسطينية الزراعية والرعوية منذ تشرين الأول أكتوبر 2023. وفي الأشهر الأخيرة، امتد هذا التهجير حتى إلى أطراف المناطق الريفية الفلسطينية الكبيرة في المنطقة ب.
الحكومة تدعم "شباب التلال" من خلال تمويل الأنشطة الأمنية والزراعية والتعليمية والتأهيلية في "المزارع" بالضفة الغربية -التي هي في الواقع بؤر استيطانية تُسمى "مزارع الرعي" لتبرير انتشارها الجغرافي الواسع. وفقاً لبيانات من "السلام الآن"، كان هناك 270 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية اعتباراً من أيار مايو، حوالي نصفها مخصص كمزارع. من بين هذه، 112 تم إنشاؤها منذ أوائل 2023، بعد تشكيل الحكومة الحالية. مسؤولون أمنيون سابقون يشيرون إلى أن مئات الملايين من الشواقل تم تخصيصها لهذه البؤر الاستيطانية.
اليمين المتطرف في إسرائيل-بما في ذلك مراكز الفكر والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التابعة-يبرر هذه السياسة بالاستشهاد بالحاجة لإحباط "خطة فياض"، التي وضعها في 2009 رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك "سلام فياض"، والتي هدفت إلى خلق ظروف للدولة الفلسطينية والسيطرة على المنطقة ج. اليوم، السلطة الفلسطينية تحاول تنفيذ تلك الخطة من خلال تسجيل حقوق ملكية الأراضي الفلسطينية في هذه المناطق، والاتحاد الأوروبي يمول البنية التحتية للمجتمعات الفلسطينية هناك.
خلال الأسبوعين الماضيين، جذبت الضفة الغربية اهتماماً دولياً أكبر بسبب حادثتين عنيفتين أثارتا انتقادات قاسية ضد إسرائيل، حتى من مؤيديها الأقوياء. الأولى كانت قتل المواطن الأمريكي "سيف الله مصلت" في العاشر من تموز يوليوفي قرية "سنجل"، بين "رام الله" و"نابلس"، خلال اشتباك بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين القريبين الذي قُتل فيه شاب فلسطيني محلي بالرصاص. السفير الأمريكي "مايك هاكابي" طالب بتحقيق شامل في ظروف وفاة "مصلت"، رغم أنه لم يتم اعتقال أي مشتبه بهم بعد.
الحادثة الثانية كانت هجوم حرق مزعوم على بقايا كنيسة بيزنطية في القرية المسيحية الفلسطينية "الطيبة"، شرق "رام الله". في الرابع عشر من تموز يوليو، زار البطريركان الكاثوليكي والأرثوذكسي في "القدس" القرية واتهما الحكومة الإسرائيلية بدعم المستوطنين اليهود العنيفين. وفقاً للشرطة الإسرائيلية، الكنيسة لم تحترق، لكن الحادثة تبقى مشبوهة في ضوء الاحتكاك المستمر بين السكان الفلسطينيين في القرية والمستوطنين في البؤرة الاستيطانية القريبة.
العلاقات أصبحت متوترة أيضاً بين "شباب التلال" وقوات الأمن الإسرائيلية، خاصة جيش الدفاع الإسرائيلي. في الخامس والعشرين من حزيران يونيو، حاول عشرات من هؤلاء الشباب تنفيذ هجوم حرق في قرية فلسطينية شمال "رام الله". عندما أوقفهم أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي، هددوا الجنود وحاولوا إتلاف المعدات العسكرية. تم احتجاز ستة منهم للاستجواب لكن أُطلق سراحهم لاحقاً، مما أثار شكوكاً حول استعداد الدولة لمعالجة عنف المستوطنين بجدية حتى عندما يُوجه ضد قواتها الخاصة. منذ السابع من تشرين الأول أكتوبر، نفذ المتطرفون في الضفة الغربية حوالي 100 هجمة ضد الأفراد العسكريين الإسرائيليين.
التصور بأن الحكومة تتخذ نهجاً متساهلاً تجاه العنف اليهودي في الضفة الغربية تعزز في تشرين الثاني نوفمبر 2024، عندما أعلن وزير الدفاع "إسرائيل كاتس" أنه لن يصدر بعد الآن أوامر اعتقال إداري ضد المستوطنين هناك. هذا لا يدعم فقط الاتهامات بأن سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية تمييزية، بل يشجع أيضاً العنف من قبل "شباب التلال" ويرسل رسالة إلى الأجهزة الأمنية لاتخاذ نهج متساهل.
أين الشرطة؟
الشرطة الإسرائيلية لديها صلاحيات محدودة في الضفة الغربية وغير قادرة على مواجهة العنف من قبل الإسرائيليين المتطرفين بفعالية. علاوة على ذلك، الشرطة تبذل جهداً قليلاً لإنفاذ القانون ضد المستوطنين أوالنشطاء اليمينيين المتطرفين بسبب السياسات والتوجيهات من المستويات العليا، وأبرزها من وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير". هذا المزيج من الضعف المؤسسي والتوجيه السياسي يخلق بيئة فوضوية يتصرف فيها الشباب المتطرفون كحكام فعليين للإقليم.
رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي السابق "رونين بار" حذر من أنه منذ تولي "بن غفير" منصبه الحالي، الشرطة، كمسألة سياسة، فشلت في معالجة الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية وقد تكون حتى تدعمه ضمنياً. وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية من أيار مايو، "بار" شكا لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" أن سياسته في الموافقة على التنصت على اليهود المشتبه في جرائم ضد الفلسطينيين وأنشطة إرهابية أكثر تقييداً من الماضي.
الآثار السياسية
التوترات الإسرائيلية– الفلسطينية في الضفة الغربية تتكثف حتى مع استمرار حرب غزة. إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، فقد يحفز ذلك المتطرفين العنيفين من الجانبين لتحويل انتباههم إلى الضفة الغربية– – -وهوإقليم قد تجعل خصائصه الجغرافية والديموغرافية والتاريخية اندلاع العنف واسع النطاق أكثر ضرراً للاستقرار الإقليمي والدولي من العنف في غزة. لوقف هذا التصعيد، الخطوات التالية مطلوبة.
يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تتبنى سياسة أكثر حزماً ضد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وتُظهر هذه السياسة من خلال أنشطتها الاستخباراتية والتحقيقات ولوائح الاتهام وغيرها من الإجراءات. الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين أوالمدنيين الأجانب يكثف دورة العنف، ويثير الانتقاد الدولي، ويقوض أكثر الدعم من قطاعات واسعة من الجمهور العالمي الحيوية لإسرائيل.
يجب على الحكومة أيضاً تجنب أوعكس الخطوات التي تُدرك أوتهدف علانية إلى حجب أي إمكانية لـ"أفق سياسي" مستقبلي. هذه الخطوات تؤجج الغضب واليأس اللذين يشجعان الإرهاب وتضعف الجهاز الأمني للسلطة الفلسطينية المسؤول عن إحباطه. في وقت سابق من هذا الأسبوع، على سبيل المثال، وافق الكنيست على إعلان لتطبيق السيادة على الضفة الغربية ووادي الأردن. رغم أن هذه خطوة رمزية لا تحمل آثاراً قانونية فورية، فقد ولدت استياء بين الدول العربية وقد تقوض الاستقرار الإقليمي.
في "واشنطن"، إذا سعت إدارة "ترامب" لتوسيع اتفاقيات "إبراهيم" بعد وقف إطلاق النار في غزة، فلا يمكنها تجاهل الضفة الغربية. سياسة الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية تخاطر بتقويض المصالح الأمريكية الرئيسية في المنطقة. التوسع الاستيطاني الكبير، خاصة في المناطق الحساسة مثل "إي1"، ليس مجرد عقبة نظرية أمام حل الدولتين، بل أيضاً تهديد ملموس لاستمرار عملية التطبيع. مع مراقبة الدول العربية عن كثب لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، قد تثير مثل هذه الأعمال ردود فعل سلبية من الشركاء الحاليين وتحجب التقدم مع شركاء جدد.
من جانبهم، يجب على الجهات الفاعلة الإقليمية أن توضح للسلطة الفلسطينية أن أعمالها لإحباط العنف الفلسطيني اختبار رئيسي لمصداقيتها. هذا ينطبق ليس فقط على مكانتها كشريك في الاتفاقيات السياسية المستقبلية، بل أيضاً على دورها المحتمل في غزة ما بعد الحرب– – -سواء أُعطيت السيطرة المباشرة على القطاع أوطُلب منها تقديم الشرعية لهيئة حاكمة محلية لديها دعم إقليمي ودولي واسع.